المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أكدت أغلب التحليلات الإسرائيلية التي تناولت صيغة التسوية للأزمة الائتلافية التي نشبت بين حزبي الليكود وأزرق أبيض على خلفية الميزانية العامة للدولة، وكان مؤدّاها إرجاء المصادقة على هذه الميزانية 120 يوماً، والحؤول بذلك دون حلّ الكنيست الحاليّ والذهاب إلى انتخابات مبكرة رابعة خلال أقل من عام ونصف العام، أن هذه الصيغة ليس من شأنها بعد أن تضمن استقرار حكومة بنيامين نتنياهو الخامسة إلى حين انتهاء ولايتها القانونية، بل وحتى إلى حين موعد التناوب في رئاستها مع رئيس أزرق أبيض، بيني غانتس، في تشرين الثاني 2021.

وحتى صحيفة "يسرائيل هيوم"، الناطقة بلسان نتنياهو، اختارت لعنوانها الرئيس العبارة التالية "حتى الأزمة المقبلة" (25/8/2020)، في تلميح واضح إلى أن الأزمات التي من المتوقع أن تعترض ولاية هذه الحكومة ستتواتر في قادم الأيام لأسباب شتى، في مقدمها انشغال رئيسها بغاية البقاء في سدّة الحُكم أكثر من أي غايات أخرى. وليس بغير دلالة أيضاً أن المحلل الحزبي لهذه الصحيفة عنون تعليقه على ما حدث إلى الآن بعبارة "غانتس لن يحصل على رئاسة الحكومة من نتنياهو"!

وتزامنت تسوية هذه الأزمة الائتلافية مع الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى إسرائيل، والتي أفيد أنها جاءت لإجراء محادثات مع كبار المسؤولين فيها تتناول اتفاق التطبيع الذي أعلنته إسرائيل والإمارات العربية المتحدة وإمكان توسيع دائرته لتشمل دولاً عربية أخرى.

وفي واقع الأمر شفّت وقائع زيارة بومبيو هذه، كما زيارة سابقة له أجراها قبل فترة وجيزة، بالإضافة إلى خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتسوية الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني المعروفة باسم "صفقة القرن"، عن تبني الموقف الإسرائيلي فيما يتعلق بهذا الصراع، ولا سيما ما اصطلحنا على توصيفه بـ"المقاربة الإقليمية".

وتشير دراسة جديدة لأحد الأكاديميين الإسرائيليين، المتخصص في موضوع العلاقات الأميركية- الإسرائيلية، تتناول الدعم الأميركي لأمن إسرائيل، والتي نقدم قراءة موسعة لها في هذا العدد من "المشهد الإسرائيلي"، وإن من باب التلميح، إلى أن هذا التبني الأميركي لم ينشأ من فراغ وإنما على ركام أعوام طويلة من الدعم الذي ساهم في منح دولة الاحتلال التفوّق الكبير والواضح على الفلسطينيين وغالبية الدول العربية سواء تلك القريبة أو البعيدة عن فلسطين في المجالات المُتعددة وفي مُقدّمها المجالان الأمني والعسكري.

وثمة أهمية خاصة للافتراض الذي ينطلق كاتب الدراسة منه ويثبته بالقرائن الدالّة، وفحواه أن كلّاً من الولايات المُتحدة وإسرائيل تُسهمان في أمن بعضهما البعض، من الناحيتين العسكرية والاستخباراتية، لكن بشكل غير مُتكافئ؛ فمُساهمة الولايات المتحدة برأيه أكثر أهمية وحيوية لإسرائيل من مساهمة هذه الأخيرة في أمن الولايات المُتحدة. وتبرز هذه المُساهمة الكبيرة في المجالات ذات الصلة بالأمن القومي، بما في ذلك المُساعدات العسكرية والاقتصادية، إمدادات الأسلحة الحديثة، التطوير المُشترك للأسلحة المتطورة، التعاون الاستخباراتي، التدابير المُضادّة للتهديدات النووية، المساعدة الدبلوماسية في المنظّمات والمؤسسات الدولية بشكل رئيس، والجهود المستثمرة في ملف الصراع العربي- الإسرائيلي والتي تتقنع بغطاء "الوساطة"، بما قد يعيد إلى الواجهة الاستنتاج بأن الرهان على إمكان عدم انحياز الإدارات الأميركية إلى إسرائيل في كل ما يتعلق بهذا الصراع هو ضرب من الأوهام.

إلى جانب هذا كله نواصل في العدد الحالي تقديم قراءات ترفد الجهود المبذولة على نحو مُكثّف وبيّن خلال الآونة الأخيرة في كل ما يتعلق بمحاولة تعريف إسرائيل ارتباطاً بحاضرها وانطلاقاً من ماضيها وبما يحيل إلى مآلات محددة في المستقبل. ونتوقف بشكل خاص عند خطة الصندوق القومي اليهودي (كيرن كييمت ليسرائيل) التي أعلن عنها مؤخراً وأسماها "إعادة توطين دولة إسرائيل 2040"، وتهدف إلى ترحيل الفلسطينيين البدو من صحراء النقب، التي تشكل 60 بالمئة من أراضي دولة إسرائيل، وإسكان مليون مستوطن مكانهم، وإسكان نصف مليون مستوطن في الجليل.

وتعيد هذه الخطة إلى الأذهان عدة حقائق ثابتة متعلقة بمشروع إقامة إسرائيل وبما هي عليه في الوقت الحالي.

مهما تكن هذه الحقائق، لا بُدّ من أن نشير إلى اثنتين منها:

الأولى، ¬أن إسرائيل دأبت، منذ أعوامها الأولى، على وضع وتنفيذ المخططات الرامية إلى الاستيلاء على كامل الأراضي الفلسطينية في منطقتي الجليل والنقب من خلال إقامة المستوطنات والبلدات اليهودية على الأراضي العربية التي صادرتها من أصحابها الشرعيين، ولتكريس سيطرتها هذه عمدت إلى اجتذاب أعداد كبيرة من اليهود، سواء المقيمين أو المهاجرين الجدد، للانتقال والسكن في هذه المستوطنات والبلدات، بمنحهم جملة كبيرة ومتنوعة من الإغراءات والامتيازات، الاقتصادية والاجتماعية، التي أتت أكلها طوال أعوام عديدة. ولم تدخر السلطات الإسرائيلية والوكالة اليهودية وأذرعها الاستيطانية أي جهد، على جميع المستويات وفي جميع المجالات، لتحقيق نبوءة دافيد بن غوريون من العام 1950 بشأن "توزيع السكان واحتلال القفر". ورصدت، لهذا الغرض، ميزانيات طائلة جداً قامت بواسطتها بتنفيذ مخططاتها هذه، تحت عناوين مختلفة كان أبرزها "تطوير النقب والجليل"، الذي كان ـ ولا يزال ـ يعني "تهويد الجليل والنقب"، وهو العنوان/ الاسم الذي لم تجد السلطات الإسرائيلية أي حرج في إطلاقه على مشروعها الكبير هذا، بصورة مباشرة وصريحة.

الثانية، أن إسرائيل المؤدلجة بالصهيونية ما زالت تسعى وراء السيطرة على المزيد من الأرض العربية. وفي مجرّد هذا السعي ما يذكّر بماهية علاقة الصهيونية مع ما أسمته بـ"المشكلة العربية" والتي فجّرت سجالات كثيرة بين تياراتها المختلفة تأدّى عنها درس شتى الطرق لمواجهة هذه "المشكلة"، وكذلك درس كل احتمال يقع بين ترحيل العرب إلى مناطق أخرى وإقامة دولة ثنائية القومية، كما اختبرت كل احتمالات تقسيم البلد، ولكنها في خضم ذلك كله بقيت مجمعةً على مبدأ أساس: أرض أكثر وعرب أقل!

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات