المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

- ليس مبالغة القول إن إعلان المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، فاتو بنسودا، أنها وجدت مسوّغات قانونية لفتح تحقيق شامل في جرائم حرب محتملة ارتكبتها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة أعاد بكيفية ما القضية الفلسطينية إلى مركز الأجندة العامة في إسرائيل الغارقة منذ نحو عام في جولة انتخابات إثر أخرى على خلفية شبهات الفساد الحائمة حول رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وتسببت بإقصاء الموضوعات السياسية جانباً، بقدر ما تسبّب بذلك تلاشي الفروق الجوهرية حيال تلك الموضوعات من طرف مختلف ألوان الطيف الحزبيّ.

وتكمن أهمية هذا الإعلان في أنه قد يتيح إمكان "وضع إسرائيل في مواجهة تسونامي سياسي وقضائي غير مسبوق"، كما وصف ذلك أحد المحللين الإسرائيليين، يشمل، من ضمن أمور أخرى، تحقيقات جنائية مع مسؤولين رسميين إسرائيليين، سياسيين وعسكريين، حاليين وسابقين، وإصدار مذكرات اعتقال بحق أرفع المسؤولين، السياسيين والعسكريين، الإسرائيليين، إذا ما استقر القرار في نهاية المطاف على إجراء تحقيق جنائي، بمعنى إقرار صلاحية المحكمة الجنائية الدولية بهذا الشأن.

كما أن هذا الإعلان يتماشى إلى درجة كبيرة مع المقاربة الذاهبة إلى أن على العالم أن يدرك أنّ الاحتلال لا يمكن إزالته بتوجيه مناشدات مهذّبة إلى المحتلّ وإنّما بالعزم والخطوات الدوليّة الحاسمة. وهي المقاربة التي تلّح عليها منظمة "بتسيلم" لحقوق الإنسان التي تحيي هذه الأيام الذكرى السنوية الثلاثين لتأسيسها، وارتأينا أن نسلط الضوء عليها ضمن الملف الخاص لهذا العدد.

2- مع الاقتراب من انتهاء عام جديد صدرت معطيات جديدة في إسرائيل بشأن جرائم الكراهية التي ترتكبها عصابات المستوطنين ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم على جانبي "الخط الأخضر" والمعروفة باسم "عمليات تدفيع الثمن".

ويدّعي منفذو هذه الجرائم من جماعات المستوطنين المتطرفين أنها تأتي ردّاً على أعمال عنف فلسطينية أو سياسات حكومية يعتبرونها معادية للاستيطان في الأراضي المحتلة، لكنها في العمق ترمي إلى ما هو أبعد من ذلك، كما يؤكد الأستاذ الجامعي الإسرائيلي عيدان لاندو. ووفقاً لما يقوله فإن الهدف الحقيقي من وراء جرائم الكراهية هذه ليس تكبيد العرب أضراراً اقتصادية فقط، إنما بالأساس بث الرعب غير المحدد ـ شعور من عدم الأمن والأمان في القرية أو في الشارع. وهذا الشعور آخذ بالتسلل والتعمق فعلاً. كما أن ثمة خطاً متتابعاً، حتى لو كان متعرجاً، يصل بين الأعمال الحقيرة الفردية، غير المنظمة ظاهرياً، التي تنفذها عصابات "تدفيع الثمن"، وبين مشاريع الطرد الرسمية لدى دولة إسرائيل. وليس في هذا ما يبعث على المفاجأة، ولا ينبغي أن يثير المفاجأة، إذ إن "تدفيع الثمن" نفسه قد خُلق وتبلور في عقول "مستخدَمي جمهور"، ممثلين رسميين لدولة إسرائيل ـ في المجالس الإقليمية، وفي مقدمتها "شومرون" و"بنيامين". وهو ذاته التيار الذي يدوس القانون إذا لم يكن لصالحه.

ومن بين ما يشير إليه لاندو مثلاً، أن استطلاعاً واسعاً جداً للرأي العام الإسرائيلي أظهر أن مشروع طرد العرب من إسرائيل يحظى بتأييد 71 بالمئة بين جمهور المتدينين، وبما أن إسرائيل تصبح أكثر تديناً يوماً بعد يوم، فإن الوجهة تغدو واضحة تماماً، وإذا ما بدأت حكومة إسرائيل غداً بتنفيذ حملة تهجير ضد العرب، فلن تواجه أي معارضة داخلية حازمة. ويتطوّع الكاتب لصوغ ما يصفه بأنه "المهمة الواضحة جداً والمحددة تماماً" الماثلة أمام اليسار الإسرائيلي، وهي بكلماته "الوقوف صفاً واحداً مع شركائنا العرب، في إسرائيل وفي فلسطين، من أجل صدّ أي محاولة لدق إسفين بيننا، ومن أجل التخلص من أي تنظيم أو جسم سياسي يغفر هذه الجرائم، الفردية والمؤسساتية، ضد العرب ويتسامح مع صمت السلطات، باسم وحدة يهودية داخلية مخدرة".

ربما علينا أن نستعيد هنا ما سبق أن قلناه مرات من الصعب حصرها أنه بالرغم من تفاقم جرائم الكراهية ما زالت الغالبية الساحقة من الجهات الإسرائيلية تستعمل آلية الكذب المتفق عليه بوجه عام حيالها، والتي تدعي من ضمن أمور أخرى أن الجماعات التي ترتكبها لا تعدو كونها "أعشاباً ضارة"، ولا تعكس "المشهد الحقيقي" لـ "مشروع الاستيطان الصهيوني". في الوقت عينه كان هناك من فضح هذه الآلية وإن بصورة مواربة، وفي مقدمهم الكاتب الراحل عاموس عوز الذي أكد أن تعابير مثل "تدفيع الثمن" و"شبيبة التلال" التي تطلق على هذه الجماعات هي تعابير تزويقية، وأنه حان الوقت كي نواجه هذا الوحش ونسميه باسمه الحقيقي، معتبراً أنها جماعات نازية جديدة عبرية، وأنه ليس هناك أي شيء يفعله النازيون الجدد في عصرنا ولا تفعله هذه الجماعات هنا. وبرأيه فإن الفارق الوحيد قد يكون كامناً في أن الجماعات النازية الجديدة هنا تحظى بدعم من طرف عدد غير قليل من المشرّعين القوميين وربما العنصريين، وكذلك بدعم عدة حاخامين يقدمون لهم فتاوى دينية.

 

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات