المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

 

يشير تقرير مُقتضب نشرناه في هذا العدد من "المشهد الإسرائيلي" إلى مبادرة خاصة واستثنائية تقوم بها مجموعة من الأكاديميين الإسرائيليين تأسست مؤخراً باسم "أكاديميا من أجل المساواة"، وتتضمن إعداد وإنشاء "بنك معلومات" ستطلق عليه اسم "أكاديميا مجنَّدَة" يشمل مواد وتقارير إخبارية، ترمي أساساً إلى فضح زيف الادعاء الإسرائيلي بأن الجامعات في إسرائيل "جسم مستقل، متنور وتقدمي" من خلال كشف وتأكيد الدور العميق الذي تؤديه الجامعات الإسرائيلية في تكريس الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في مناطق 1967، عبر تعاونها الوثيق مع المستوطنات والمشروع الاستيطاني، ومع الجيش والصناعات الحربية، ومع "الجهد الإعلامي" الإسرائيلي ضد حركة المقاطعة الدولية.

 

ويدور في الآونة الأخيرة في إسرائيل سجال حول غايات الهجوم الإيديولوجي الذي تشنّه الحكومة اليمينية الحالية على الجامعات الإسرائيلية، ويؤجّجه على نحو مُسبق البرمجة وزير التربية والتعليم نفتالي بينيت زعيم حزب تحالف المستوطنين في الأراضي المحتلة 1967 "البيت اليهودي". ويُعدّ هذا الهجوم تصعيداً لجولات هجوم أخرى خلال ولايات حكومات يمينية سابقة.

وتمثل آخر تجليات هذا التصعيد في العمل على سنّ قانون جديد يرمي إلى تخويل "مجلس التعليم العالي الإسرائيلي" صلاحية تقليص الميزانيات الحكومية المرصودة لأي مؤسسة من مؤسسات التعليم العالي (جامعات أو كليات أو معاهد أكاديمية) إذا ما كان بين طاقم المحاضرين فيها مَن يؤيد مقاطعة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، أو يدعو إليها. وسيُعدّل هذا القانون الجديد قانوناً قائماً يُسمى "قانون المقاطعة"، جرى سنّه في تموز 2011، ويفرض سلسلة من الإجراءات والعقوبات على أشخاص أو تنظيمات تدعو إلى مقاطعة إسرائيل والمستوطنات في الضفة.

وفي كانون الأول 2016 عيّن بينيت أحد المحاضرين الجامعيين لإعداد توصيات تُحدّد "آداب المهنة" في مؤسسات التعليم العالي وتشكل "دستوراً أخلاقياً" لها، وخاصة في "النشاط السياسي والأكاديمي"، الذي يعني كل ما يتعلق بتفوهات سياسية تصدر عن أساتذة جامعيين، وأعلن أن الهدف هو تقليص ما أسماه "التأثير السياسي لليسار في الجامعات"!

بناء على ذلك من المتوقع أن يشكل "بنك المعلومات" الجديد هذا نقطة انطلاق لتناول دور المؤسسة الأكاديمية الإسرائيلية، لا من خلال ما يريد أصحاب هذا الهجوم الإيحاء به، وهو أنها خاضعة لـ"تأثير" اليسار، وإنما من طريق كشف قرائن متراكمة حول انخراطها الطوعي في تدعيم سياسات منظومة الاحتلال في شتى المجالات، والكشف عن كونها أداة تستعين بها المؤسستان السياسية والعسكرية على الدوام.

بطبيعة الحال فإنه بإزاء هذا الدور للمؤسسة الأكاديمية، يُطرح السؤال حول دور الأكاديميين. وهو ما تعاطى معه أخيراً أحد هؤلاء الأكاديميين أستاذ العلوم السياسية عيدان لانداو، عبر مقاربة تعتبر الأكثر جدة التي تتطرّق إلى هذا الشأن.

وجاء تعاطيه بعد أن اقتُرح عليه أن يتحدّث في أحد المؤتمرات التي عُقدت في آذار الفائت (2017) عن الدور العام للأكاديميا أو المؤسسة الأكاديمية، لكنه طلب على الفور الاستعاضة عن هذا الموضوع بموضوع دور الأكاديميين، وأن يُضاف إلى ذلك تأكيد بعبارة "في الوقت الحالي". وهكذا أصبح عنوان مقاربته "دور الأكاديميين الإسرائيليين في الوقت الحالي".

وهو يقول إنه اختار التحدث عن "دور الأكاديميين" وليس عن "دور المؤسسة الأكاديمية"، لأن مصطلح "أكاديميا" هو اسم علم مجرّد وتعميم جارف ولا يمكن اعتبار صاحبه وكيلاً أخلاقياً. كما أن المؤسسة الأكاديمية تحتوي على تناقضات بنيوية بين جهات ذات مصالح متعارضة، وبالتالي لا يمكن التحدث عن دورها أو وظيفتها بصورة عامة. ويرى أن الميل نحو تطبيق الخطاب الأخلاقي على الأسماء المُجردة يعتبر مُضرّاً لسببين: الأول، كونه يلصق بأفراد أبرياء تهمة جماعية؛ الثاني، لأنه يعفي أفراداً، يتحملون مسؤولية بالفعل، من المحاسبة الأخلاقية الشخصية.
أما لماذا التأكيد على أن الدور الذي يجري الحديث حوله هو "في الوقت الحالي"، فذلك لأن الدور العام هو وظيفة سياسية، ولذلك فإنها ترتبط دوما بظرف وزمان. فالدور الذي لعبه الأكاديميون قبل ثلاثين عاماً لم يعد بالضرورة هو نفس الدور الذي يلعبونه حالياً. كما أن أي مناقشة مبدئية لدور الأكاديميين من دون صلة بـ"هنا والآن"، والذي يمكن له أن يتجلى بالدرجة نفسها مثلاً في جامعة هومبولدت في برلين أو جامعة أكسفورد في إنكلترا، تعتبر بمثابة تهرب وتنصل من المسؤولية. ولا بد من التأكيد هنا أن هناك أدواراً ووظائف ثابتة، ومهمة جداً، يؤديها الأكاديميون في المجتمع، وهي أدوارٌ ووظائف نعلم عنها جميعاً، وأهمها: تطوير وتنمية التفكير الإنتقادي، إرساء وتكريس ثقافة بحثية تستند إلى الوقائع والأدلة والحجج والتعددية الفكرية، والشك والسعي للوصول إلى الحقيقة.

ويقول لانداو إن إرث التنور يعتبر مُهماً دوماً، بل وأصبح اليوم مُهماً أكثر من أي وقت مضى. ومع ذلك لا يريد التحدث عنه في ما يرتبط بدور الأكاديميين، بل يريد أن يسلط الضوء على الشراكة الفعلية للأكاديميين في أجهزة القمع والاستغلال في دولة الاحتلال، وهي شراكة تنطوي على انعكاسات اجتماعية أو سياسية خطرة للغاية. صحيح أنها في الغالب شراكة شفافة وغير متعمدة (ما عدا الأكاديميين المنخرطين في الدوائر الداخلية الضيقة) غير أنها، مع ذلك، شراكة حقيقية وفعالة. فالمؤسسة الأكاديمية توفر شبكة دعم وشرعية لهذه الأجهزة، أما خيوط هذه الشبكة فهي الأكاديميون!.

ولا شك، كما سيتبيّن من "بنك المعلومات" العتيد، أن الجامعات الإسرائيلية ما كانت لتتحوّل إلى جزء أساس من منظومة الاحتلال والاستيطان والقمع والتمييز، لولا انخراط أكاديميين في هذه العملية بوعي كامل منهم.

المصطلحات المستخدمة:

نفتالي بينيت

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات