المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
الولايات المتحدة وإسرائيل: فجوات آخذة في الاتساع. (إ.ب.أ)
  • كلمة في البداية
  • 822
  • أنطوان شلحت

وجد محللون إسرائيليون كثيرون، ولا سيما المتخصصين منهم في تشريح العلاقات الإسرائيلية الأميركية، في بعض الوقائع الأخيرة مؤشرات إلى تباين في موقفي البلدين حيال حرب الإبادة الجماعية والتدمير الشاملة على قطاع غزة التي دخلت شهرها الخامس قبل أقل من أسبوع. ويتعلق هذا التباين، أساساً، بسير الحرب واتجاهاتها المتوقعّة من جهة، وبالمسار المتعلق في ما يوصف بـ "اليوم التالي" للحرب من جهة أخرى.

ووفقاً لما نشر ويُنشر في وسائل الإعلام الإسرائيلية والأميركية، فإن واشنطن ترغب في الدفع قدماً بصفقة تبادل أسرى بين إسرائيل وحركة حماس تشمل تهدئة طويلة قد تسفر عن وقف دائم لإطلاق النار، وكذلك بموجب ما كشف النقاب عنه توماس فريدمان في صحيفة "نيويورك تايمز" (1/2/2024) باتت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تتبنى نهجاً جديداً يصفه بأنه عقيدة ينطوي على خطة تتضمن دفعة قوية نحو إنشاء دولة فلسطينية منزوعة السلاح ولكن قابلة للحياة على الفور، وهي برأيه نزعة لم تكن قائمة في السابق، كما يشمل هذا النهج تعزيز العلاقات الأميركية مع المملكة العربية السعودية إلى جانب تطبيع العلاقات بين هذه الأخيرة وإسرائيل، والمحافظة على موقف عسكري صارم ضد إيران ومن يوصفون بأنهم وكلاؤها في منطقة الشرق الأوسط. وأشار فريدمان إلى أن هجوم حركة حماس على إسرائيل يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 يبدو أنه يجبر إدارة بايدن على إعادة التفكير، بصورة أساسية، في منطقة الشرق الأوسط. وفي قراءته، إذا ما تمكنت هذه الإدارة من تحقيق ما أشار إليه، وهو أمر ضخم، فإن عقيدة بايدن يمكن أن تصبح "أكبر إعادة تنظيم استراتيجي في المنطقة منذ معاهدة كامب ديفيد بين إسرائيل ومصر العام 1979".

وعلى ما يظهر حتى الآن، لم تحسم إسرائيل أمرها إلى جهة التجاوب مع هذه الرغبات الأميركية.

وقد برز التباين بين إسرائيل والولايات المتحدة على وجه الخصوص في إثر الجولة التي قام بها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في الشرق الأوسط الأسبوع الماضي وشملت إسرائيل. كذلك أكدته جلّ التقارير التي أجملت آخر محادثة هاتفية بين بايدن ونتنياهو جرت أمس الأحد (11/2/2024).

وعلى سبيل المثال، أشار ألون بنكاس، القنصل الإسرائيلي السابق في نيويورك، إلى أن جولة بلينكن كشفت النقاب عن اتساع الفجوات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، والأهم من ذلك هو كشفها عن انعدام ثقة الإدارة الأميركية برئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ("هآرتس"، 9/2/2024). وأعرب بنكاس عن اعتقاده بأن انعدام الثقة الذي يشير إليه برز أكثر شيء في طلب بلينكن غير المسبوق في كل تاريخ العلاقات بين البلدين عقد اجتماع ثنائي منفرد مع رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي الجنرال هرتسي هليفي. وهو طلب رفضه نتنياهو جملة وتفصيلاً بذريعة أن إسرائيل ليست "جمهورية موز".

أما البروفسور إيتان غلبواع، وهو من أبرز الأكاديميين الإسرائيليين المتخصصين في العلاقات الإسرائيلية الأميركية، فأكد أن زيارة بلينكن في إسرائيل شفّت عن وجود تصدّعات في التنسيق العسكري والسياسي والدبلوماسي بين الجانبين، جزء منها نابع من السياسة الخاطئة لنتنياهو، الذي "ينشغل بنجاته السياسية أكثر مما ينشغل بالمصالح الأمنية والسياسية لإسرائيل"، على حدّ تعبيره ("معاريف"، 8/2/2024).

وعلى سيرة نتنياهو وكل ملف العلاقات مع الولايات المتحدة الآن وفي المستقبل، يعتقد نداف تامير، وهو دبلوماسي إسرائيلي سابق والمدير التنفيذي لمنظمة "جي ستريت" في إسرائيل،  أن المواطنين الإسرائيليين واتجاهات اقتراعهم هما أقل ما يهم نتنياهو حالياً، حيث أنه يضع نصب عينيه "جمهوراً واحداً مؤلفاً من 6 أشخاص فقط" هم: إيتمار بن غفير (رئيس حزب "عوتسما يهوديت")، وبتسلئيل سموتريتش (رئيس حزب "الصهيونية الدينية")، وأرييه درعي (رئيس حزب شاس)، وموشيه غفني (رئيس حزب يهدوت هتوراه)، وإسحق غولدكنوف (رئيس حزب أغودات يسرائيل)، ودونالد ترامب. وبموجب ما يؤكد تامير، نتنياهو بحاجة إلى أمرين رئيسين في الوقت الحالي: الأول، وجود سياسيين في الائتلاف الحكومي يسمحون له بالاستمرار في تولّي منصبه، والثاني، أن يكون الفائز في انتخابات  الرئاسة الأميركية، في تشرين الثاني المقبل، لطيفاً معه ("معاريف"، 8/2/2024).

وتمثلّت الخلاصة التي توصل إليها تامير في أن نتنياهو مهتم بالغموض والمماطلة اللذين حتى لو أبعدا الناخبين عنه فإنهما يقرّبان بن غفير وسموتريتش اللذين لا يريدان الخروج من قطاع غزة، ولا خطة لسيطرة فلسطينية مدنية في القطاع. وبالنسبة إليهما، ماذا سيحدث  لو استمر مقتل الجنود من دون هدف واضح للقتال، وماذا لو بقيَ المخطوفون في الأسر، وماذا لو بقي الاقتصاد الإسرائيلي، المحتاج إلى الأكسجين، من دون المليارات الأميركية الموعودة؟ فـ"المهم أن الشركاء في إسرائيل، ومن نغازله في الولايات المتحدة راضون". كما فهم نتنياهو، بحسب ما يكتب تامير، أن وضعه في استطلاعات الرأي العام لم يتغيّر بصورة جوهرية، وأدرك أن ليس لديه سبب، أو مصلحة شخصية سياسية، في إجراء انتخابات عامّة في الوقت الذي شهدت ولايته أكبر كارثة في تاريخ إسرائيل، وبالتالي فإن البطاقة الوحيدة التي ما زالت في جعبته هي عودة ترامب إلى البيت الأبيض.

ربما يكمن في ما يقوله تامير التفسير للنقد الحاد الذي وجهه الوزير بن غفير، في سياق مقابلة أجرتها معه صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية الأسبوع الماضي، إلى تعامُل إدارة الرئيس الأميركي بايدن مع الحرب في قطاع غزة، متهماً إياها بإفادة حركة حماس، ومشيراً إلى أن إسرائيل ستكون في وضع أفضل مع ولاية ثانية لدونالد ترامب.

وهذا ما يعتقده أيضاً البروفسور غلبواع الذي كتب يقول: يبدو أن نتنياهو يرغب أيضاً في كسب الوقت والبقاء في منصبه إلى أن يفوز ترامب في الانتخابات القريبة، وعندها سيعود الاثنان إلى العصر الذهبي من علاقاتهما، والذي ساد خلال ولاية ترامب الرئاسية الأولى ("معاريف"، 4/2/2024).

وبرأي غلبواع، فإن تصريحات بن غفير فاضحة وغير مسؤولة ومن شأنها أن تخدم من يصفها بأنها "جهات متطرفة" في الحزب الديمقراطي، وخصوصاً التقدميين الشباب الذين يضغطون على بايدن من أجل وقف دعمه إلى إسرائيل، بما يشمل الدعم العسكري، مؤكداً أن وقفاً كهذا للمساعدات "سيكون كارثة على أمن إسرائيل".

ويلفت غلبواع في الوقت عينه إلى أنه منذ قيام إسرائيل وحتى الآن لم يتدخل الزعماء الإسرائيليون في انتخابات الولايات المتحدة، باستثناء الانتخابات الرئاسية الأميركية في العام 1968، حينما دعم إسحق رابين، الذي كان آنذاك سفير إسرائيل في واشنطن، المرشح الجمهوري ريتشارد نيكسون ضد خصمه الديمقراطي. وأضاف: إن "العلاقات الفريدة" التي نشأت بين الولايات المتحدة وإسرائيل استندت إلى حدّ كبير إلى دعم الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، داخل الكونغرس لإسرائيل، في إطار ما أُطلق عليه اسم " الثنائية الحزبية". ومن شأن تفضيل إسرائيل لمرشح على حساب الآخر أن يضر بهذا الدعم الثنائي، ولذا فقد امتنع الزعماء الإسرائيليون عن القيام بالأمر. كذلك نوّه بأن نتنياهو قام، على مدار الجولات الانتخابية الثلاث الأخيرة في الولايات المتحدة، بخرق قواعد الحياد في هذه الانتخابات، وقدّم دعمه إلى مرشحين جمهوريين، وحطم الدعم الثنائي، وتسبب بشقاق مع الجالية اليهودية الأميركية، التي تصوّت أغلبيتها العظمى لمرشحي الحزب الديمقراطي. ففي انتخابات 2012 دعم نتنياهو ميت رومني الجمهوري ضد باراك أوباما، وفي كل من انتخابات 2016 و2020 دعم ترامب. والآن يواصل بن غفير السير وفقاً لهذه السياسة المدمرة التي انتهجها نتنياهو، والتي من شأنها أن تتسبب بأضرار كبيرة لإسرائيل، وخصوصاً في هذه المرحلة التي تُعتبر إسرائيل فيها أشد تعلقاً بالولايات المتحدة عسكرياً، وسياسياً، ودبلوماسياً.

ولا بُدّ من الإشارة أيضاً إلى أن تصريحات بن غفير حول بايدن وترامب أعادت إلى صدارة الاهتمام موضوع الشقاق مع الجالية اليهودية في الولايات المتحدة الذي تعمّق أكثر فأكثر في ظل ولاية حكومات نتنياهو، وعبّر كبار زعماء هذه الجالية عن غضبهم من نتنياهو تحديداً، لكونه المسؤول عن تحوّل شخصية مثل بن غفير إلى شخصية رئيسة تمثل إسرائيل. وقال أريك يوفيه، الذي كان رئيساً للحركة الإصلاحية، في تصريحات أدلى بها إلى صحيفة "معاريف": "سيُسجل اسم نتنياهو في كتب التاريخ، إلى جانب مسؤوليته عن كارثة السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، بأنه مَن قام بتقوية بن غفير، العنصري الذي قام بتسميم العلاقات الإسرائيلية بالمجتمع الدولي، وهو يتسبب بزعزعة الدعم الأميركي الحيوي لإسرائيل، ويُحرج يهود الولايات المتحدة. إن بن غفير عار على الصهيونية، وهو يمثل تهديداً حقيقياً لوجود إسرائيل. وكان يتوجب على نتنياهو إطاحته منذ وقت بعيد" (8/2/2024).

ولدى متابعة ما تتداوله أبواق نتنياهو في ما يرتبط بالعلاقات مع الولايات المتحدة، يمكن ملاحظة أن هناك قدراً من النقد لسلوك الخارجية الأميركية بتسويغ رئيس هو قصورها في القراءة الصحيحة لما يجري في منطقة الشرق الأوسط وفي صفوف الفلسطينيين من تطورات ومستجدات. وهذا ما ارتأى أن يشدّد عليه مثلاً السفير الإسرائيلي السابق يورام أتينغر، الذي تسوّقه وسائل الإعلام الإسرائيلية بأنه خبير في شؤون العلاقات الإسرائيلية الأميركية وعضو في "منتدى القادة القومي". ومما كتبه أخيراً أنه في العام 2024 ما زالت وزارة الخارجية الأميركية ترتكب أخطاء منهجية على غرار خطأ معارضتها القاطعة لإقامة الدولة اليهودية العام 1948، وتقوم بالتشديد على ضرورة إقامة دولة فلسطينية ستعمل في تقديرها بمبدأ التعايش السلمي. وبرأيه "تستخف وزارة الخارجية في الولايات المتحدة بسلوك الفلسطينيين ورؤياهم وتسند سياستها على تصريحات دبلوماسية فلسطينية وعلى سيناريوهات مستقبلية متفائلة، لكنها افتراضية وتخمينية فقط" ("معاريف"، 8/2/2024).

المصطلحات المستخدمة:

بنيامين نتنياهو, هآرتس, الصهيونية, باراك

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات