تواصل استطلاعات الرأي التنبؤ بضربة قاصمة جديدة لحركة "شاس" الدينية المتزمتة (الحريدية) لليهود الشرقيين (السفاراديم)، بحصولها على 4 أو 5 مقاعد على الأكثر، في ما لو جرت الانتخابات البرلمانية في هذه المرحلة، بدلا من 7 مقاعد حاليا. إلا أن الاستطلاعات لا تفسر وجهة الأصوات التي ستخسرها "شاس" افتراضيا، ما يضع علامات سؤال على دقة هذه الاستطلاعات بالنسبة لحركة أظهرت ثباتا في الساحة السياسية، برغم الانشقاق الذي واجهته قبل ثلاث سنوات.
خمسون عاماً مرت على الحرب العدوانية الإسرائيلية في العام 1967، التي أعادت ترسيم حدود دولة إسرائيل وأعادت، أيضا، تشكيل المجتمع الإسرائيلي. خلال ستة أيام، ازدادت المساحة الجغرافية الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية بخمسة أضعاف فبدا وكأن الخطر الذي تهدد وجود دولة إسرائيل قد زال وتبدد. رأى قطاع واسع من الإسرائيليين أن الإنجازات العسكرية التي تحققت في تلك الحرب قد تشكل فرصة مواتية لإحلال السلام بين إسرائيل والدول العربية المجاورة، فيما رأى آخرون أنها إشارة إلهيّة لخلاص إسرائيل ورسالة تأمر بالتشبث بأية قطعة من الأرض، مهما كانت النتيجة، فانطلق مشروع بناء المستوطنات وتكريسها سعياً إلى "تثبيت السيطرة الإسرائيلية"!
لم يعد ثمة ما يمكن تسميته بـ "الصهيونية الدينية". فقد كانت هذه وتلاشت كليا. وعلى أنقاضها، تشكلت مجموعات اجتماعية مختلفة ما يفرّق بينها هو أكثر بكثير مما يوحّدها بكثير! ـ هذه هي النتيجة التي يقررها أحد أبرز الباحثين الإسرائيليين في شؤون "الصهيونية الدينية" وأحد المنتمين إليها، البروفسور كيمي كابلان، أستاذ "التاريخ اليهودي الحديث" في جامعة بار إيلان (المؤسسة الأكاديمية التي تشكل مركزا لتيار "الصهيونية الدينية").
أظهر تقرير جديد لمركز "ماكرو" الاقتصادي الإسرائيلي أن الصرف الحكومي الإسرائيلي على المستوطنات والمستوطنين، في كافة مجالات الحياة، يتجاوز ضعفي نسبتهم من بين اجمالي السكان في إسرائيل. وهذا يبرز بشكل خاص في البناء الحكومي في المستوطنات، إذ كانت حصتها في العام الماضي 2ر10% من اجمالي البناء الحكومي، بينما نسبة المستوطنين 5ر4% من اجمالي السكان في إسرائيل، وهذه النسبة لا تشمل المستوطنين في الأحياء الاستيطانية في القدس المحتلة.
قال د. آساف دافيد، المدير الأكاديمي لـ"منتدى التفكير الإقليمي" في إسرائيل، إن إسرائيل، وعلى رأسها مؤسسات الحكومة والأكاديميا والاعلام الممأسس، تحلّل ما يحدث في الجانب الفلسطيني من خلال المنظور الأمني.
وأضاف أن هذا ليس بالأمر الجديد، لكن هذا المنظور يقع في حقل أوسع، مؤسساتي- سياسي. ومن المهم إضاءة هذا الجانب "لأن الخطاب المؤسساتي- السياسي يتضمن عملياً معلومات من نوع معين تصقل وعينا وتقصي- وتخفي عملياً- معلومات من نوع آخر".
تشكل "مكانة العرب في إسرائيل" إحدى القضايا الأكثر خلافية بين مكونات "مجموعة الأغلبية القومية اليهودية". ويتضح أن "المعسكر الذي يشكك في فكرة الدمج المتساوي للعرب في إسرائيل، بل المعادي لها، هو المعسكر الأكبر بصورة واضحة، بالمقارنة مع المعسكر الذي يبدي استعدادا للتنازل عن مكانته التفضيلية لصالح دمج الجمهور العربي في شؤون الدولة والمجتمع على قاعدة المساواة، مع عدم التنازل ـ في معظم الحالات ـ عن تعريف إسرائيل بأنها الدولة القومية للشعب اليهودي"!
الصفحة 249 من 344