المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

يمكن القول إن السؤالين المركزيين، المطروحين منذ الآن فيما يتعلق بالانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، هما: أولا، لمن ستكون الفرصة الأكبر لتشكيل الحكومة الإسرائيلية المقبلة؟ وثانيا، ما هو العمر المتوقع للولاية الـ 21 للكنيست؟، وما يدفع لهذا السؤال الأخير هو احتمال تقديم بنيامين نتنياهو للمحاكمة في قضايا فساد، وما إذا سيصمد الائتلاف الحاكم، في حال اضطر نتنياهو للتنحي عن رئاسة الحكومة، لأن سؤال خليفته في رئاسة الليكود، سيكون العقبة الأكبر. لكن منذ البداية، فإن كل الاحتمالات واردة في هذا الملف، ومنها تقزيم لوائح الاتهام، كما جرى في حالة أفيغدور ليبرمان، وجعلها هامشية.

فرص تشكيل الحكومة

من يتابع وسائل الإعلام الإسرائيلية يلاحظ جيدا عامل الإثارة، من خلال طرح الأسئلة حول من سيشكل الحكومة المقبلة، وكأن الأمور مبهمة. وهم بحاجة لهذا النوع من التغطية، لأنه من دون إثارة وجذب القارئ، فإن الإقبال على وسائل الإعلام سيضعف أكثر، ما يجعلها تفقد من شعبيتها أكثر، وهذا ينعكس على وضعيتها المالية.

وهناك نكتة إسرائيلية لوصف حال الصحافة الإسرائيلية، جاءت على لسان الممثل الإسرائيلي الراحل دودو طوباز، قبل أكثر من 20 عاما. قال: تمسك صحيفة "معاريف"، وتقرأ على صدر صفحتها الأولى عنوانا صارخا: "هل يتعاطى أريئيل شارون المخدرات؟ التفاصيل صفحة 21". فتقرر شراء نسخة الصحيفة، ليتسنى لك فتح الصفحة، لتقرأ الجواب: "كلا". ومنذ ذلك الحين وحتى الآن، فإن ظاهرة الاثارة في وسائل الإعلام الإسرائيلية استفحلت أكثر.

إذا ما بقي بنيامين نتنياهو على رأس حزبه، حتى يوم الانتخابات، ولم يصدر قرار نهائي بتقديمه للمحاكمة بلوائح اتهام في قضايا فساد، وببنود اتهام ستبعده بموجب القانون عن الحكم، فإنه هو من سيشكل الحكومة المقبلة. وسنأتي لاحقا على آلية صدور قرار كهذا، الذي قد يمتد لأشهر أخرى ليست قليلة.

ففرص تشكيل الحكومة ليست مرتبطة بهوية الحزب الذي يحصد أكثر عدد من المقاعد، بل بمواقف الكتل الأخرى التي تحتل باقي المقاعد البرلمانية، وأي حزب قادر على استقطابها. وإذا أمعنا النظر في نتائج استطلاعات الرأي، ورغم أنها من الصعب أن تكون حاليا قريبة من المشهد المتوقع لتركيبة الكنيست، إلا أنها تشير إلى موازين القوى البرلمانية المقبلة.

وما نراه منذ الآن، أن للائتلاف الحاكم حاليا أغلبية واضحة، بإمكانها تشكيل الحكومة المقبلة، من دون لاعبين جدد، إذا لم يشأ نتنياهو ضمهم إلى حكومته المقبلة. فبيضة القبان التي تحسم تشكيلة الحكومة منذ أكثر من عقدين، ولكن بالذات في سنوات الألفين، هي كتل المتدينين المتزمتين، الحريديم، وأحزاب المتدينين الصهاينة، الذين يسيطرون سياسيا على أجواء مستوطنات الضفة الفلسطينية المحتلة. وقد ثبت في العقدين الأخيرين، أن كل حكومة لم تضم أيا من هذه الكتل، كانت حكومة قلاقل، ولم تصمد طويلا.

وهذا برز في حكومة أريئيل شارون، خلال الفترة 2003- 2006، فقد كانت تلك آخر حكومة ترتكز أساسا على كتلتين احتلتا 55 مقعدا في الكنيست، 40 مقعدا لحزب الليكود، بعد انضمام مقعدي حزب "يسرائيل بعلياه" لليكود، في اليوم التالي للانتخابات، وكتلة "شينوي"، التي كان لها 15 مقعدا، بزعامة يوسف لبيد، والد النائب يائير لبيد.

و"شينوي" كان حزبا علمانيا متشددا في علمانيته، ورفض مشاركة أحزاب الحريديم في الحكومة. ورغم أن الأزمة الأقوى في الحكومة كانت نابعة من داخل صفوف حزب الليكود، على خلفية خطة إخلاء مستوطنات قطاع غزة، إلا أن هذه الحكومة كانت مليئة بالعواصف بين الليكود و"شينوي" في العديد من القضايا الجارية. وهذا ما أدى إلى خروج هذا الحزب من الحكومة، ليدخل بدلا منه حزب العمل.

وهذا السيناريو تكرر في حكومة بنيامين نتنياهو قبل الحالية، خلال الفترة 2013- 2015، التي اشترط فيها حزب "يوجد مستقبل" بزعامة يائير لبيد، وبالتنسيق مع تحالف "البيت اليهودي"، عدم ضم الحريديم إلى الحكومة، لغرض ضمان سياسة اقتصادية تضرب بنود الرفاه، وكان هذا برضى نتنياهو. لكن هذه الحكومة لم تصمد لأكثر من 20 شهرا.

وكان الاستنتاج الأكبر لليمين الاستيطاني أن الفريق الأكثر إخلاصا لحكوماته هو الحريديم، طالما تم تأمين ميزانيات مؤسساته وجمهوره الديني. في حين أن التيار الديني الصهيوني، المتمثل بـ "البيت اليهودي"، استنتج هو أيضا أنه ليس هذا الوقت للصدام مع التيار الديني الأكثر تشددا دينيا، خاصة وأنه بات داعما بقوة لكل سياسات الاحتلال والاستيطان.

وموقف الحريديم، الذين حتى قبل أكثر من عقدين من الزمن كانوا خارج التجاذبات الإسرائيلية في الملف السياسي، وفي كل قضية الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، فإنهم مع تحولاتهم السياسية اليمينية، باتوا أصحاب شأن كبير في هذا الملف، بعد أن أصبحوا يشكلون اليوم أكثر من 40% من إجمالي المستوطنين في مستوطنات الضفة المحتلة، وهذه نسبة آخذة بالازدياد بشكل دائم، نظرا لنسبة تكاثرهم الطبيعي وهي 8ر3% سنويا، من جهة، ومن جهة أخرى، بسبب تدفق أعداد أكبر منهم على المستوطنات.

وحتى منتصف سنوات التسعين من القرن الماضي، ابتعد الحريديم عن الاستيطان، باستثناء أعداد قليلة، لكن مع تزايد أعدادهم، ورغبتهم في العيش في تجمعات سكانية منغلقة عليهم، ليقيموا فيها نمط حياتهم المتشدد، إن كان على مستوى أحياء، أو على مستوى بلدات، فقد عرض عليهم الاستيطان في مستوطنات خاصة بهم في الغلاف المحيط بمدينة القدس، شمالا وجنوبا، وبذلك "يربحون" عدة مزايا: تجمعات سكانية مخصصة فقط لهم، يقيمون فيها شعائرهم الدينية، ويبقون على بعد ما بين 20 إلى 30 دقيقة عن قلب القدس، التي لا يريدون الابتعاد عنها، وفوق كل هذا، يحصلون على بيوت بأسعار أقل، وتسهيلات ضريبية وموارد، تلك التي تدفقها الحكومة الإسرائيلية على المستوطنات.

وهكذا بتنا نرى أن أضخم مستوطنتين هما للحريديم، "موديعين عيليت"- 73 ألف مستوطن، و"بيتار عيليت"- 57 ألف مستوطن، ومعا تشكلان 31% من إجمالي المستوطنين في الضفة من دون القدس، كما أن هناك 7 مستوطنات أخرى.

وتشير الاستطلاعات إلى أن مجموع ما ستحصل عليه كتل الحريديم، وقوائم التيار الديني الصهيوني، يفوق 23 مقعدا، بدلا من 21 اليوم، وهي السند الأساسي لحزب الليكود. ومن الصعب جدا رؤية هذه الكتل تتحالف مع غير الليكود، خاصة وأن حزب "مناعة لإسرائيل" بزعامة بيني غانتس، وحزب "يوجد مستقبل" بزعامة يائير لبيد، يطرحان برنامجا علمانيا واضحا.

عمر الولاية البرلمانية

الانطباع السائد في الأوساط السياسية هو أن الولاية البرلمانية المقبلة لن يكون عمرها طويلا، هناك من يرى أنها قد لا تعمّر لأكثر من عامين. وفي خلفية هذا ملفات الفساد التي يتورط بها نتنياهو. وهذه النقطة تستوجب التوضيح، من حيث الأنظمة والقوانين المتبعة.

فبموجب القانون والأنظمة، فإن المستشار القانوني للحكومة، وبصفته المدعي العام الأعلى، وفي ما يتعلق بمنتخبي الجمهور وكبار المسؤولين في الجهاز الحاكم، يصدر بداية قرارا مبدئيا بتقديم لائحة اتهام ضد الشخص، ثم يفسح المجال أمام طاقم الدفاع بأن يقدم طعونه أمام المستشار ضد القرار، أو ضد بنود في لائحة الاتهام المتبلورة، وهذه جلسة تمهيدية، تُعقد بعد أسابيع من إعلان المستشار، الذي سيكون عليه البحث في طعون طاقم الدفاع، وهذه عملية تستغرق أشهراً عديدة، ومن دون سقف واضح لها.

وطالما لم يصدر القرار النهائي كليا، بعد كل هذه العملية، فإنه لا يوجد ما يلزم نتنياهو بإقصاء نفسه. وأصلا مسألة الاقصاء هناك جدل واسع حولها، من حيث مفهوم القانون، بمعنى إذا ما كان يتعين على رئيس الحكومة أن يقصي نفسه عن منصبه بسبب محاكمته، وفي أي مستوى لوائح اتهام عليه فعل ذلك. لكن المسألة لن تكون مرتبطة بتفسيرات القانون فقط، وإنما أيضا برد الفعل الشعبي، ومواقف الكتل الشريكة في الائتلاف، التي منها من قد تقرر الخروج من الائتلاف الحاكم، كي لا تتضرر أمام جمهور الناخبين.

ومن السابق لأوانه حسم هذه المسألة، لأنه ليس واضحا طبيعة قرار المستشار، ومضمون لائحة الاتهام النهائية التي ستقدم ضده في كل واحدة من القضايا الثلاث التي تلاحقه. فما تزال ماثلة أمامنا قضية أفيغدور ليبرمان التي جرى التحقيق فيها على مدى 6 سنوات، وبدأت باتهامه بالحصول على ملايين الدولارات بشكل غير مشروع، وقضايا تبييض أموال، وتشويش سير التحقيقات، لتنتهي القضية، بعد 10 سنوات، بإدانة ليبرمان بقضية إجرائية تافهة، وهو أنه حصل على مظروف من دبلوماسي إسرائيلي، يتعلق بالتحقيقات معه، دون أن يدان بالجرم الجنائي، ليواصل حياته السياسية، وكأن شيئا لم يكن.

الجانب الآخر الذي تستند عليه التوقعات بأن لا تعمّر الحكومة طويلا، هو الافتراض بأنه في حال قرر نتنياهو أو اضطر للتنحي عن منصبه فإن مسألة خلافته في الليكود ستكون عاصفة، إذ إن الذين يرشحون أنفسهم كثرٌ، وكل واحد منهم سيفوز في المنصب لن تكون لديه تلك القبضة التي يسيطر بها على الحزب كما هو حال نتنياهو، لتعود مسألة التكتلات والصراعات الداخلية في الليكود من جديد.

كذلك فإن شركاء في الحكومة قد يجدون في هذا فرصة لحل الحكومة، والتوجه إلى انتخابات مبكرة، كون الشخص الذي يقود الليكود ليس بمستوى نجومية وشعبية نتنياهو، ما يفسح المجال، حسب اعتقادهم، للمنافسة بشكل أقوى على رأس الهرم.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات