المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
من تظاهرة احتجاجًا على عنصرية الشرطة.  (أرشيفية/ عن "واي نت")
من تظاهرة احتجاجًا على عنصرية الشرطة. (أرشيفية/ عن "واي نت")

تأسست "الوحدة الحكومية لتنسيق مكافحة العنصرية" قبل خمس سنوات بموجب قرار الحكومة الإسرائيلية عقب تنفيذ التوصيات التي تقدم بها تقرير الفريق الوزاري المشترك حول مناهضة العنصرية ضد اليهود المنحدرين من أصول أثيوبية. تقول الوحدة إنها "تعمل على تطوير المعرفة والإدراك المهني في هذا المجال، وهي عنوان مخصص لشكاوى الجمهور في موضوع العنصرية. وإلى جانب وحدة التنسيق، هناك مجلس استشاري عام برئاسة حضرة القاضي البروفسور إلياكيم روبنشتاين، نائب رئيسة محكمة العدل العليا سابقاً".

ويُظهر تقرير جديد للوحدة الحكومية أن 24% من الشكاوى المقدمة إليها كانت لمواطنين ينحدرون من أصل أثيوبي، و24% من الشكاوى من المجتمع العربي، و10% من المجتمع اليهودي الأرثوذكسي، و7% من يهود بشكل عام، في حين أن 6% من الشكاوى هي من إسرائيليين هاجروا من دول الاتحاد السوفييتي السابق، و4% من مقدمي الشكاوى هم من مجتمع اليهود الشرقيين، 10% من التوجهات تناولت موضوع التمييز على خلفية الكورونا، و12% من التوجهات ً تناولت موضوعا آخر.

أرسى قرار الحكومة توصيات الفريق الوزاري المشترك للقضاء على العنصرية ضد اليهود المنحدرين من أصول أثيوبية، برئاسة المديرة العامة لوزارة العدل آنذاك، إيمي بالمور .بعد تحليل غالبية الشكاوى حسب موضوعات التوجه وضع التقرير التقسيمة التالية:

23% من الشكاوى تتعلق بموضوع التمييز في تقديم الخدمة.
11% من الشكاوى تتعلق بالتمييز في العمل.
10% من الشكاوى مردّها التعبيرات العنصرية في الحيز العام.
9% من الشكاوى تناولت منشورات ذات طابع عنصري أو نمطي في الحيز العام.
7% من الشكاوى خلفيتها التعبيرات العنصرية في خدمة الدولة.
7% من الشكاوى في موضوع الشرطة.
4% من الشكاوى في موضوع التعليم والثقافة.
3% من الشكاوى في موضوع اعتداءات جنائية من دوافع عنصرية.

غالبية المواطنين العرب تعلن عدم ثقتها بالوحدة الحكومية

أجرت وحدة التنسيق استطلاعا في المجتمع العربي يتناول موضوع العنصرية المؤسسية. وتقول في تقريرها إن الاستطلاع جاء لفحص ما إذا كان الجمهور العربي يعاني من العنصرية المؤسسية، وفي أي مجالات يعاني من العنصرية، وما إذا كانت هناك أسباب تمنعه من الاتصال بالوحدة عندما يواجه عنصرية مؤسسية. وعرضت نتائج استطلاعها كالتالي:
صرّح 83% من المستطلعين أن هناك عنصرية مؤسسية في إسرائيل ضد المجتمع العربي.

66% ممن أجابوا على الاستطلاع قد تعرضوا بنفسهم للعنصرية المؤسسية أو يعرفون شخصياً شخصا تضرر من العنصرية.
واجه 21% من المشاركين عنصرية مؤسسية تتعلق بالتوظيف والتشغيل.
أكد 61% من المشاركين في الاستطلاع أن الدولة تحارب العنصرية المؤسسية بدرجة قليلة.
يعتقد 33% من المجيبين أنه يجب زيادة الإنفاذ والعقاب كأداة للقضاء على العنصرية المؤسسية.
77% أجابوا بأنهم إذا واجهوا تمييزا في المستقبل لأنهم عرب فلن يتصلوا بوحدة التنسيق.
يفسر 46% من المستطلعين أنهم لن يتوجهوا إلى وحدة التنسيق بسبب النقص في إمكانية المساعدة والمعالجة.
24% ممن أجابوا لن يتواصلوا مع وحدة التنسيق بسبب عدم ثقتهم في النظام الحكومي.

لفهم أسلوب عمل هذه الهيئة الحكومية ومجمل مفاهيمها في التعامل مع حالات انفلات عنصري، يمكن التوقف عند ما قامت به في فترة مشحونة جداً سمّمت العدوانية العنصرية فيها الأجواء العامة. وهكذا تطرقت وحدة التنسيق إلى ما عرف باسم "أحداث شهر أيار 2021" حين احتج الفلسطينيون مواطنو دولة إسرائيل على العدوان (الجديد) على قطاع غزة: "في أيار 2021 بالتوازي مع عملية حارس الأسوار، اندلعت أعمال شغب عنيفة في مدن مختلفة بإسرائيل. أدى الجو العام المتوتر إلى زيادة القضايا والتصريحات العنصرية.

اتخذت وحدة التنسيق عدداً من الإجراءات الفورية في مجالات نشاطها: عقد منتدى طارئ لمنظمات المجتمع المدني من أجل الحصول على توصيف فوري للوضع في الحقل؛ اجتماع طارئ للوحدة الاستشارية للمجلس العام للتشاور حول الإجراءات؛ اجتماع طارئ لمنتدى المفوضين لمنع العنصرية لتوجيه وتمكين المفوضين؛ خطاب الزملاء والتشاور بشأن التعقيدات التي يواجهها الرؤساء في ذلك الوقت كجزء من دورهم؛ توجه مشترك من مدير هيئة التدريس بوزارة التربية، وحدة تنسيق النضال العنصرية في وزارة العدل، ومعهد موفيت لأعضاء هيئة التدريس في تدريب المعلمين على القراءة، من أجل القيام بأنشطة لتعزيز التعايش على أساس التسامح والتكافل المتبادل وإرسال منشورات ذات صلة؛ المشاركة في لقاء بتمثيل جهات حكومية وممثلي مجتمع مدني ومشاركين من مركز مينيرفا لحقوق الإنسان في الجامعة العبرية في القدس حول "حرية التعبير السياسية وعلاقات العمل – إضراب واحتجاج سياسي على خلفية أحداث الأسابيع الأخيرة " الذي جرى بعد ادعاءات عديدة عن نية أرباب العمل طرد العمال العرب الذين تغيبوا عن العمل ليوم واحد في إطار الاحتجاج؛ توفير منصة لحملات الوزارات الحكومية المختلفة حول موضوع الحياة المشتركة التي تم نشرها في ذلك الحين على صفحة الفيسبوك الخاصة بوحدة التنسيق لغرض تهدئة الخواطر"، وغيرها.

ربما أن هذا النوع من التعاطي في الوحدة الحكومية مع أحداث شديدة الاشتعال والتأثير، كهبّة أيار 2021، هو ما يفسّر إعلان غالبية من بين المواطنين العرب بأنهم لا ينوون التوجه إليها في حال واجهتهم تعبيرات أو ممارسات عنصرية. بالنسبة للمواطنين العرب كانت الجهات الحكومية وأذرعها التنفيذية وأولها الشرطة مسؤولة بالدرجة الأولى عما تعرّضوا له، سواء من اعتداءات بوليسية بشكل مباشر، أو من خلال تقاعس الشرطة وسائر أجهزة إنفاذ القانون في صد اعتداءات عنصرية منظمة تعرض لها مواطنون عرب، خصوصاً في أحياء عربية داخل المدن التاريخية.

قسم التحقيق مع الشرطة كنموذج للعنصرية المؤسسية

تطرقت الوحدة الحكومية في تقريرها إلى عمل قسم التحقيقات مع عناصر الشرطة- ماحش (تابع لوزارة العدل) وعدّدت التوصيات التي كانت قدمتها لتحسين عمل هذا القسم. لكن يتضح أن هناك أمورا بديهية لم تُنجز بعد، فيما يرتبط بمواجهة السلوكيات والتعابير العنصرية في جهاز الشرطة. مثلا، في منظومة المعلومات المحوسبة التي تسمح بجمع البيانات حول الشكاوى والقضايا في ماحش، ليس هناك طريقة لتحديد هوية مقدمي الشكاوى والفئة السكانية التي ينتمون إليها، بمختلف المعايير. ولا تتضمن هذه المنظومة أية إمكانية تسمح بالتعرف على الشكاوى التي جاءت على خلفية تعامل عنصري لعناصر شرطة مع مواطنين. علماً بأن الادعاء المركزي الذي تطرحه الشرائح الأساسية التي تصرّح بأنها تتعرّض لتعامل عنيف ومسيء من قبل الشرطة، هو أن السبب الأساس لذلك هو العنصرية، سواء كانت ضد مواطنين عرب أو يهود من أصول أثيوبية أو من المتدينين اليهود الحريديم.

هذا يفسّر الموقف السائد الذي ينظر بسلبية كبيرة ليس الى سياسة الشرطة وحدها، بل إلى سياسة الوحدة التي يفترض أن تحقق مع العناصر التي تنتهك القانون والأنظمة فيها خلال تعاملها مع مواطنين ونشاطات احتجاجية مدنية. منسوب الثقة المنخفض جداً بهذه الأجهزة هو الصورة المصغرة للنظر إلى المؤسسة برمّتها – والتي لا يُتوقع من الوحدة الحكومية لتنسيق مكافحة العنصرية أصلا أن تضعها في موقع المساءلة المركزي. وهذا ما يفسّر قيام لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، وفي خطوة هي الأولى من نوعها، بالتوجه برسالة ووثيقة إلى مؤسسات دولية وعالمية عديدة، تطالبها "بالتحرك الفوري لفرض الحماية لجماهيرنا العربية، في وجه تصعيد سياسات القمع والبطش التي تنتهجها المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة، خاصة في الأيام الأخيرة، في سعي لقمع حركة الاحتجاج ضد العدوان على شعبنا الفلسطيني خاصة في القدس وقطاع غزة. واستقدام السلطات لعصابات مستوطنين متطرفة لتشارك في الاعتداء على المواطنين العرب، خاصة في المدن الفلسطينية التاريخية، عكا وحيفا ويافا واللد والرملة" (أيار 2021).

"الرواية" التي تقدمها هذه الوثيقة بعيدة جداً عن مجرد الاقتراب من صورة الواقع والحقيقة التي تراها وتصوغها الوحدة الحكومية. فالوثيقة تتهم الأجهزة الإسرائيلية بالتواطؤ مع عصابات المستوطنين ودعم اعتداءاتها، وقالت: "تمّ تداول مقاطع الفيديو على منصات التواصل الاجتماعي، كما بثّت على شاشات التلفزيونات العالمية اعتداءات تبيّن كيف دعمت الشرطة الإسرائيلية العصابات اليهودية، بمن فيهم المسلحون، وهم يتجولون في الشوارع بهدف واضح هو الاعتداء الدموي على المواطنين العرب. لقد فاقم السياسيون الإسرائيليون الوضع وبثّوا الدعم للغوغاء وعصاباتهم (...) وانتشرت أعمال اللينش والاعتداءات والعنف ضد العرب الفلسطينيين في جميع أنحاء البلاد، دون أن تقوم الشرطة المنتشرة في كل مكان بحماية هؤلاء. في الواقع، وفي حالات متعددة شوهدت قوات الشرطة ترافق الغوغاء الإسرائيليين اليهود، بينما تقوم هي بقمع عنيف للغاية لمبادرات الفلسطينيين العرب في البلدات والأحياء لحماية أنفسهم وجمهورهم الأعزل".

تمييز عنصري مسؤولة عنه الحكومة نفسها التي شكّلت "الوحدة"

لو تابعنا نموذج "ماحش" هذا، فيجب التنويه بأن هذا الجهاز الرسمي أغلق تقريبا جميع الملفات التي كانت تتعلق بشكاوى لمواطنين عرب أو جهات عربية ضد عناصر في الشرطة، نفذت اعتداءات على خلفية عنصرية، ولكون المعتدى عليهم عرباً فلسطينيين. فمثلا، أعلن قسم التحقيق مع الشرطة بتاريخ 23/11/2021، عن إغلاق ملف الشكاوى على الاعتداء على المتظاهرين في أم الفحم في شهر شباط 2021. بل كتب لمركز "عدالة" القانوني أنه لن يقوم بالتحقيق فيما يصفه المتظاهرون والمركز القانوني بالقمع الوحشي للمظاهرة والتي استخدمت الشرطة خلالها العنف المفرط لقمع المتظاهرين وأدت إلى إصابتهم بإصابات عديدة وخطيرة.

وفيما يتعلق مباشرة بأحداث أيار 2021، أعلن "ماحش" في تشرين الثاني الماضي عن إغلاق ملف التحقيق مع قوات الشرطة وحرس الحدود التي اقتحمت بلدة كفركنا بتاريخ 14.05.2021 تحت غطاء اعتقال الشيخ كمال خطيب من بيته في عمليّة أشبه بالعسكريّة، وتم خلالها إطلاق النار صوب مواطنين عزل وإصابة العشرات منهم بإصابات مختلفة ومتفاوتة، بالرصاص الحي والمطاطي والغاز المسيل للدموع. قسم التحقيقات قام مرة أخرى بتجاهل إفادات وشهادات سكان البلدة التي كشفت عن هجوم ممنهج للشرطة على البلدة ومواطنيها، وحصارها وتطويقها بالقنص والوحدات الخاصة. كل هذا، وما زالت "الثقافة التنظيمية" السائدة في هذا الجهاز لا تسمح بالحصول على بيان لهوية المتوجهين إليه بالشكاوى، والتي يؤكد المشتكون فيها أن سبب الاعتداء عليهم وعلى حقوقهم المدنية هو انتماؤهم، ودافع الاعتداء هو العنصرية!

في ملخص تقريرها، كتبت وحدة التنسيق أنه "في نهاية خمس سنوات من العمل، أصبحت وحدة التنسيق راسخة ومستقرة كهيئة مهنية رئيسية في مكافحة العنصرية المؤسسية. منذ إنشاء وحدة التنسيق، كانت هناك وتيرة ارتفاع في مجال شكاوى الجمهور، والتقدم في مجال تطوير المعرفة المهنية وقيادة عمليات للقضاء على العنصرية المؤسسية". ومع ذلك، تستدرك "حتى في العام 2021 شجع أقل من نصف الوزارات الحكومية سياسات لمكافحة العنصرية". وتضيف أن" نشاط وحدة التنسيق والوزارات الحكومية تأثر في العام 2021 بالخصائص الفريدة لهذا العام، بما في ذلك نقص الميزانية وتغيير الحكومة ووباء كورونا وعملية "حارس الأسوار". ويتضح هذا، من بين أمور أخرى، في الشكاوى التي تلقتها وحدة التنسيق وفي المجالات التي اختارت الوزارات الحكومية التركيز عليها والعمل على مكافحة العنصرية المؤسسية". أخيرا تشير إلى "الحاجة إلى زيادة الوعي بأنشطة وحدة التنسيق في المجتمع العربي والتركيز على تعزيز السياسات المتعلقة بالتمييز في الخدمة العامة بشكل عام والنقل العام بشكل خاص، التمييز في التشغيل والتوظيف على خلفية عنصرية، التمييز في الشرطة وتطبيق القانون والتمييز في السكن". وعلى الرغم من الأهمية التصريحية لهذه الاعترافات بالتمييز، فالمشكلة هي أن مظاهر التمييز المذكورة مسؤولة عنها الحكومة نفسها التي شكلت هذه اللجنة وتشكل مرجعية لها وصاحبة الصلاحية فوقها.

وهكذا، فإن جميع النوايا الإيجابية لهذه الوحدة الحكومية أو تلك، لن يكون بوسعها كسب ثقة من ترفض الدولة النظر في شكواه بعد أن تعرض لإطلاق النار وهو بمسافة بعيدة عن قوات الشرطة، ومن أصيب برصاص الشرطة أثناء مكوثه داخل البيت أو على مدخله، ومن أصيب بالرصاص الحي في كتفه الأيسر في أثناء تواجده في بيت جاره، ومن أصيب بالرصاص ببطنه في أثناء مكوثه بجانب البيت. هذه ليست أمثلة افتراضية، بل حالات حقيقية لمواطنين من كفر كنا، والذين رفض قسم التحقيق مع الشرطة – أي وزارة العدل، أي الحكومة – احترام حقوقهم ومشاعرهم وألمهم.

 

المصطلحات المستخدمة:

الغوغاء

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات