المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

نشر موقع "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" هذا الشهر، لمناسبة يوم المرأة العالمي، مقالا كتبه البروفسور عوفر كينغ بعنوان "يوم المرأة العالمي 2022: ما هو وضع النساء في السياسة الإسرائيلية؟". ويشير المؤلف، وهو باحث في المعهد المذكور ويتابع هذا الموضوع في عمله البحثي منذ سنوات، إلى أن يوم المرأة "فرصة لمراجعة مستوى تمثيل النساء في السياسة الإسرائيلية. فمن ناحية المعطيات الراهنة مشجعة، ونحن الآن في ذروة تمثيل النساء في الكنيست مع 35 عضو كنيست، وكذلك في الحكومة مع 9 وزيرات، ولكن من ناحية أخرى، ما زال الطريق إلى المساواة بين الجنسين في السياسة بعيداً جداً".

هذا النوع من الأبحاث حول قضية تمثيل المرأة في الحلبات السياسية، هو محور بارز داخل جدل الرأي العام في العديد من البلدان، وخصوصاً على امتداد العقدين الماضيين. ويرى الباحث أن "منطلق هذا النقاش هو أن التمثيل الجدي للنساء في المناصب السياسية يحمل أهمية كبيرة. فوجود النساء في الحلبة العامة أمر إيجابي وواجب من ناحية قيم ديمقراطية كالمساواة والتعددية، ويساعد على تعزيز مكانتهن في المجتمع وترسيخ مفهوم أن النساء مواطنات متساوية. هذا الجدل يجري على خلفية واقع لا تزال فيه نسبة النساء بين الممثلين المنتخبين في السياسة منخفضة في العديد من البلدان. وقد أدت هذه الفجوة بالدول والأحزاب إلى اتخاذ خطوات تهدف إلى تحسين تمثيل النساء في الحلبات السياسية. وهكذا، تبنى عدد من البلدان مبدأ حصص التمثيل التي أدت إلى زيادة مستمرة وجديّة في تمثيل النساء في المجالس التشريعية والنيابية المنتخبة. كذلك، ففي الآونة الأخيرة، لوحظ ارتفاع في عدد الحالات التي ظهرت فيها حكومات تشمل توازناً جندرياً، وهي تتألّف من عدد متساوٍ من النساء والرجال في المناصب الوزارية".

يسجّل الباحث أن عدد النساء اللاتي وصلن إلى المناصب السياسية العليا في عدد من الدول شهد زيادة كبيرة في العقدين الماضيين. وهو يحدّد تلك المناصب برئيسات الوزراء أو الرئيسات الفعليات، وليس في مناصب رئاسية أقرب للرمزية منها للفعلية- التنفيذية (كإسرائيل مثلاً). بين المعطيات التي يوردها: بعد تقاعد أنجيلا ميركل - التي قادت ألمانيا لأكثر من 16 عاماً - تشغل النساء الآن مناصب عليا في 7 دول من أصل 38 دولة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD. ومن بينهن: جسيندا أردرن (نيوزيلندا)، مته فردريكسن (الدنمارك) ومغدلينا أندرسون (السويد). منذ العام 2012، عملت النساء كرئيسات وزراء أو رئيسات لأكثر من نصف دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (21 من 38). تشمل هذه القائمة البلدان التي تم فيها "كسر السقف الزجاجي" لأول مرة خلال هذه الفترة (ألمانيا وبلجيكا والنمسا والسويد)، إلى جانب الدول التي شغلت فيها النساء مناصب عليا في وقت سابق أكثر (المملكة المتحدة وكندا ونيوزيلندا). بالمقابل، ففي 14 من أصل 38 دولة من دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، لم تشغل النساء بعد الوظيفة السياسية الأكثر أهمية. تشمل هذه البلدان أيضاً الولايات المتحدة، لكن فترة ولاية كاميلا هاريس كنائبة حالية للرئيس - وهي أول امرأة في هذا المنصب - تمثل تطوراً مهماً في هذا الصدد. بالإضافة إلى الولايات المتحدة، لم تشغل نساء منصب رئاسة او رئاسة حكومة في كل من: إيطاليا، إيرلندا، هولندا، تركيا، اليونان، اليابان، لوكسمبورغ، المكسيك، تشيكيا، فرنسا وكولومبيا.

ينوّه الباحث إلى أن إسرائيل ليست ضمن هذه القائمة، لأنها من أوائل الدول التي وصلت فيها المرأة إلى أعلى منصب سياسي في البلاد. حدث هذا في العام 1969 عندما تم انتخاب غولدا مئير رئيسة للحكومة. وقد كانت ثالث امرأة في العالم تصل إلى هذا المنصب. ومع ذلك، يكتب، فمنذ أن تركت مئير منصب رئيس الحكومة في العام 1974، شغل المنصب تسعة رجال ولم يكن بينهم رئيسة حكومة واحدة.

زيادة تمثيل ليست فريدة من نوعها على مستوى العالم

تشغل اليوم، آذار 2022، خمس وثلاثون امرأة وظيفة عضو في الكنيست، أي ما يعادل 29% من مجموع أعضاء البرلمان. وتعد الزيادة في عدد أعضاء الكنيست النساء من أبرز الظواهر السياسية في العقود الثلاثة الماضية. يورد الباحث تطوّر التمثيل كالتالي:

في الانتخابات الثلاث الأولى (1949-1955) كانت نسبة النساء بين أعضاء الكنيست حوالي 10%. ثم، لمدة أربعة عقود حتى العام 1999، كان هناك انخفاض في عدد النساء المنتخبات للكنيست، حيث تراوح عدد النساء المنتخبات للكنيست من 7 (العام 1988) إلى 11 (العام 1992). أما بين الأعوام 1999 و2015، فقد كانت هناك زيادة حادة في عدد النساء بين أعضاء الكنيست، ولكن منذ تلك الانتخابات لم يطرأ تغيير. في الانتخابات الخمس الأخيرة، تراوح عدد النساء المنتخبات للكنيست من 28 إلى 30. في الانتخابات الأخيرة، دخلت 30 امرأة كعضوات كنيست، لكن الاستخدام الواسع لـ"القانون النرويجي" - والذي بموجبه استقال وزراء من عضويتهم في الكنيست ودخل مكانهم من يتلونهم في قوائم أحزابهم- سمح لـ6 نساء أخريات بدخول الكنيست، (أُجبرت إحداهن على المغادرة بعد استقالة الوزير إيلي أفيدار وعودته إلى الكنيست).

يشدّد البروفسور كينغ على أن الزيادة في تمثيل النساء الإسرائيليات في الكنيست بعيدة عن أن تكون فريدة من نوعها على مستوى العالم. في الواقع، يضيف، تعد الزيادة في عدد النساء المنتخبات للبرلمان من أبرز الظواهر التي حدثت في العقدين الماضيين - وليس فقط في الدول الديمقراطية بالطابع الغربي. للتوضيح، حتى العام 2003 لم يكن هناك سوى بلد واحد كانت نسبة النساء في برلمانه أكبر من 40%. لكن منذ ذلك الحين، تجاوز عدد النساء في المزيد من البرلمانات هذه العتبة، واليوم هناك 32 دولة من هذا القبيل. وتظهر مقارنة التمثيل النسائي في الكنيست مع التمثيل المقابل في الدول الأخرى أن إسرائيل تحتل حالياً المرتبة 61 من بين 192 دولة. وإذا قلصنا النقطة المرجعية إلى الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فيبدو أن إسرائيل تحتل حالياً المرتبة 23 من أصل 38.

يورد الباحث جدولاً بنسبة النساء في برلمانات دول منظمة OECD وفقاً للواقع بتاريخ 1.1.2022، ومنها: المكسيك 50%، نيوزيلندا 49.2%، أيسلندا 47.6% السويد 46.1%، كوستاريكا 45.6%، في أعلى القائمة، بينما الدول الأقل تمثيلا للنساء في برلمانات دول هذه المنظمة هي: تشيكيا 25.5%، إيرلندا 23.1%، سلوفاكيا 21.3%، اليونان 21% وكولومبيا في الموقع الأخير بنسبة 18.8% من النساء في البرلمان. بين المجموعتين في أعلى القائمة وآخرها، جاءت إسرائيل بنسبة 30%، ضمن الدول العشر في آخر القائمة.

أما بخصوص تمثيل النساء في الحكومات الإسرائيلية، فيقول الباحث إنه حتى العام 1974، كانت المرأة الوحيدة التي تولت وظيفة في الحكومة الإسرائيلية هي غولدا مئير. فيما عدا ذلك "تيتمت طاولة الحكومة بالكامل من النساء" على حد وصفه. ولاحقا تولت نساء وظائف وزارية كالتالي: شولاميت ألوني (1974)، سارة دورون (1983)، شوشانا أربيلي- ألموزلينو (1986) وأورا نمير (1992). ويلاحظ أنه "في الواقع، بين عام قيام الدولة وبين العام 1996، شغلت 5 نساء فقط وظائف وزارية في الحكومة الإسرائيلية. ولكن منذ ذلك الحين، تحسن الوضع، وتم تعيين 23 امرأة أخرى في مناصب وزيرات".

لقد سجّلت الحكومتان الأخيرتان، كل منهما على حدة، وفقاً للمقال، مستويات قياسية جديدة لتمثيل النساء في الحكومة. الحكومة الخامسة والثلاثون، "حكومة التناوب" المتضخمة، التي تشكلت بعد انتخابات 2020، ضمت في بداية ولايتها عدداً قياسياً من النساء في المناصب الوزارية بلغ 8 نساء. وهذا يمثل ضعفي الرقم القياسي السابق. حتى ذلك الحين، عملت 4 نساء في وقت معين كحد أقصى في الحكومة. أما الحكومة الحالية، حكومة بينيت- لبيد، فقد حطمت الرقم القياسي وتضم حالياً 9 نساء من إجمالي 27 وزيراً (33%).

هناك حكومات متوازنة جندرياً وحتى مع أغلبية للنساء

ينصح الباحث بالنظر بشكل نقدي للواقع الحالي، فيقول إنه على الرغم من أن هذه تطورات إيجابية، إلا أنه من المستحسن عدم المبالغة في الإعجاب بهذا التحسن في الحضور النسائي في الحكومات الإسرائيلية. أولاً، لأن الزيادة في الحضور النسائي في الحكومة لم تترجم بعد إلى تعيين إحداهن في إحدى الوزارات الحكومية القوية المؤثرة (الأمن والخارجية والمالية). فآخر وزيرة خارجية كانت تسيبي ليفني (2009-2006) وفي الوزارتين الأخريين - الأمن والمالية - لم تتولاهما النساء قط. السبب الثاني، أن هذا التحسن بطيء مقارنة بالعديد من الديمقراطيات في العالم، والتي لم يزدد فيها تمثيل النساء في الحكومات فحسب، بل زاد أيضاً عدد الحالات التي عملت فيها حكومات متوازنة من ناحية جندرية، أو حتى تلك التي ضمت أغلبية من النساء. اليوم مثلا، في دول مثل النرويج، إسبانيا، فنلندا والسويد، توجد حكومات تشكل فيها النساء أغلبية، وفي كندا وهولندا - عددهن يساوي أو يكاد يكون مساوياً لعدد الوزراء الذكور. كما تم تسجيل تحسن كبير في هذا الصدد في الولايات المتحدة. قبل حوالي عامين، شكلت النساء 13% فقط من جميع أعضاء حكومة دونالد ترامب. بينما اليوم، ارتفع تمثيل النساء في مجلس الوزراء بشكل حاد إلى 38%، بما في ذلك أول امرأة تشغل منصب نائب الرئيس وأول امرأة تشغل منصب وزيرة المالية (جانيت يلين).

في تلخيصه لصورة الوضع الراهن، يقول الباحث كينغ إن البيانات المحدّثة تشير إلى أن التمثيل النسائي في السياسة الإسرائيلية هو حالياً عند مستويات قياسية - في الكنيست والحكومة وكذلك في السلطات المحلية. وهناك نساء في وظائف كبيرة أخرى، تجدر الإشارة إليها على الرغم من أنها ليست وظائف منتخبة، مثل تعيين غالي بهراف- ميارا في منصب المستشارة القانونية للحكومة، وهي أول امرأة في هذه الوظيفة، وولاية القاضية إستير حيوت كرئيسة للمحكمة العليا- ثالث امرأة في هذه الوظيفة. بالإضافة إلى ذلك، يقول الباحث، تجدر الإشارة إلى الاختراق الذي حدث في السنوات الأخيرة في التمثيل النسائي بين الأحزاب العربية. وكانت الذروة في السنتين (2021-2020) إذ ضم كل واحد من الأحزاب العربية ممثلةً عنه في الكنيست.

الصورة التي تظهر إيجابية، ولكن هناك أيضاً جوانب يتعثر فيها التحسن في التمثيل السياسي للمرأة، كما يتحفّظ الباحث. على سبيل المثال، يوجد حالياً قائدة حزب واحد فقط - ميراف ميخائيلي في حزب العمل. قبل تسع سنوات، كانت 3 نساء قائدات في أحزابهن (تسيبي ليفني في هتنوعا (الحركة)، زهافا غالئون في ميرتس، وشيلي يحيموفيتش في العمل). بالإضافة إلى ذلك، طالما استمرت الأحزاب الأرثوذكسية اليهودية المتشددة في رفض إدراج نساء في قوائم مرشحيها، فإن احتمال الاقتراب من المساواة بين الجنسين في تمثيل الكنيست سيكون ضئيلا. أي أن الطريق إلى التمثيل المناسب - الذي يعكس نسبة النساء من بين عموم السكان - لا يزال طويلاً.

في الختام، يكتب كينغ، لا ينبغي أن ننسى أن التمثيل السياسي يعكس جانباً واحداً فقط من مكانة النساء في المجتمع. هناك جانب رئيس آخر يجب أن يؤخذ في الاعتبار يتعلق بالوضع الاقتصادي للنساء في المجتمع. وهنا وضع المرأة في المجتمع الإسرائيلي أقل تشجيعاً: إلى جانب معدلات المشاركة المرتفعة للنساء في سوق العمل (المرتبة 22 في العالم وفقاً لتقرير مؤشر الفجوة بين الجنسين العالمي للعام 2021)، تعاني النساء في إسرائيل من فجوات عالية في الأجور مقارنة بالرجال الذين يعملون في وظائف مماثلة (المرتبة 105 في العالم!) ومن معدل تمثيل منخفض في مناصب الإدارة العليا (المرتبة 66).

المصطلحات المستخدمة:

الكنيست, رئيس الحكومة, ميراف ميخائيلي

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات