المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
مرسى يخوت في هرتسيليا. (وكالات)
مرسى يخوت في هرتسيليا. (وكالات)

تجمع القضية التي يتم تناولها هنا، في طياتها عدداً من المستويات والأبعاد، أوّلها التقسيمة الطبقية التي تجيز لبعض الأغنياء السيطرة على موارد وثروات طبيعية. المقصود هو مراسي وأرصفة اليخوت على امتداد الساحل في إسرائيل، والتي تُعرف بالمارينا، وعادة ما تكون مغلقة أمام الجمهور. مسألة مشابهة هي إتاحة مساحات خاصة وواسعة امام بلدات يسكنها أقوياء اقتصادياً أو من توارثوا قوة اقتصادية تتمثل بأراض أو موارد أخرى. على سبيل المثال: مقارنة أي كيبوتس بمساحاته الزراعية الواسعة مع أي بلدة عربية، أو حتى ما يسمى بلدة تطوير يسكنها إسرائيليون غير أقوياء اقتصاديا، هي مقارنة تبرز الفرق الشاسع بين ما يملكه كيبوتس وما هو متاح أمام بلدة عربية أو بلدة تطوير فقيرة.

يصف موقع "شكوف" العبري في تقرير كتبته ياعيل جعتون وضع مرسى اليخوت في تل أبيب كالتالي: الدخول إليه مسدود بواسطة بوابة حديدية ورقم سري. من ينجح بالدخول، عن طريق الخطأ، سيلتقي هناك بسرعة حارسا سيهتم فوراً بمرافقته للابتعاد خارجاً. وحدهم أصحاب النقود من يمكنهم التجول بحريّة على طول وعرض الأرصفة، والتمتع بالمناظر الطبيعية والنظر إلى الأفق من خلال صواري القوارب والسفن. وتضيف أن تل أبيب ليست استثناء، فجميع مراسي اليخوت في أرجاء البلاد مقفلة أمام الجمهور الواسع. بعض الإدارات تزعم أن هذا يأتي من أجل حماية ممتلكات أصحاب القوارب، وأخرى تقول إن الأسباب أمنية. التقرير تمحور في السؤال: كيف تمت مصادرة مقاطع واسعة من شواطئ البلاد من الجمهور، وهل من المسموح أخذ مقطع من البحر التابع لنا جميعا وإغلاقه؟

وفقاً لمعطيات سلطة السفن، هناك 1500 من أصحاب اليخوت الذين يصفون سفنهم في مراسٍ على البحر المتوسط. حتى العام 2040 سيقف أصحاب اليخوت أمام أزمة تتمثل بنقص يصل إلى آلاف مواقع الرسو. هنا جاءت خطة تقضي بإضافة وتكثيف مواقع رسو السفن في مراسي المارينا القائمة وإقامة مواقع جديدة على طول الشاطئ. وقد طُرحت ادعاءات منها أن أهداف الخطة ستعود بالفائدة ليس فقط على أصحاب اليخوت الأغنياء، وإنما أيضا على المدينة التي ستقام فيها المراسي، لأنها تعتبر "أساساً للتطوير الاقتصادي الهائل" الذي سيضم، ليس فقط مساحات عقارية للسكن والفنادق والاستجمام على طول الشاطئ، بل ستتحول أيضا إلى مراكز رياضية بحرية ومدارس للإبحار.

التسويغات الاقتصادية والاجتماعية لتوسيع وزيادة المراسي واهية

في سياق تلك الخطة، نشرت جريدة "ذي ماركر" تفاصيل جلسة صاخبة في اللجنة الفرعية لقضايا التخطيط عُقدت في شهر تشرين الثاني السابق، حضرها رؤساء البلديات المعنيّون. بعد ساعات طويلة جاءت التوصية التي من شأنها أن تغيّر خط الساحل في البلاد – وذلك بواسطة إقامة مرسى مارينا جديد في نهاريا وتوسيع خمسة من المراسي القائمة في أسدود (أشدود)، عسقلان (أشكلون)، هرتسليا، عكا، وكذلك مرسى المارينا القائم شرقي ميناء حيفا.

لاحظ التقرير أنه على الرغم من التكلفة الهائلة لإقامة المارينا إذ تصل إلى 100 مليون دولار، فإن رؤساء البلديات في الجلسة المشار اليها أعلاه تنافسوا على نيل الحق بإقامتها في مناطق نفوذهم. وبدا كأن التكلفة المالية هي آخر المعيقات بنظرهم. لكن العائق الذي لم يفكر فيه رؤساء البلديات هو أن هذه الخطة هي خط أحمر بالنسبة لوزارة البيئة ومنظمات البيئة، التي أكد ممثلوها أنها خطة معادية للبيئة ومعادية للمجتمع وستسلب المزيد من مقاطع الشطآن القليلة التي ما زالت مفتوحة أمام الجمهور، وستؤدي إلى تدمير مناطق جرف وتضرّ بتكاثر حيوانات بحرية كثيرة منها السلاحف البحرية وغيرها. كذلك أفاد رياضيون في مجال ركوب الأمواج ومجال السباحة وغيرهما أن تشجيع الرياضة والثقافة الرياضية والتربية البدنية لا يستدعي المزيد من البناء الضخم والمكثف على مقاطع الشطآن.

تعمل في إسرائيل اليوم 7 مراسي مارينا تضم 2570 مكاناً لرسو اليخوت والقوارب: عكا- 130، حيفا- 400، هرتسليا- 740، تل أبيب- 200، أسدود (أشدود)- 400، عسقلان (أشكلون)- 400. إسرائيل تضم 20 كيلومتراً من الشطآن، ووفقا للمعطيات التي قُدمت في تلك الجلسة، فإن الدولة تقع في المكان الـ15 أي قبل الأخير على مقياس اكتظاظ الشواطئ بين الدول التي تشمل أكثر من مليون نسمة وفيها مراسي مارينا. اليوم هناك أكثر من 200 مليون زيارة لشاطئ البحر في الموسم الواحد، وبعد نحو 20 سنة سيرتفع هذا الرقم ليصل إلى 300 مليون زيارة في الموسم الواحد. وفقا للتوصيات الجديدة فإن المارينا في عكا مخطط لها أن تتسع بـ300 مكان رسو، حيفا بـ200، هرتسليا بـ44 وأشدود بــ250. كذلك، هناك المارينا في ريدينج التي ستضم 300 موقع رسو وميناء يافا- 110 مواقع.

رؤساء السلطات المحلية الذين حضروا الجلسة، خرجوا بشعور من خيبة الأمل. لقد توقعوا المصادقة على إقامة 6 مراسي مارينا جديدة في مدنهم، لكن هذا القرار رفض لأسباب بيئية وخلافا لرغبتهم. وبعد أن كان يفترض بالمجلس القطري للتخطيط والبناء أن ينعقد ليصادق على التوصية أعلاه، قبل اتخاذ الحكومة قرارا في المسألة، اتضح أنه لم يتم حتى الآن تحديد موعد للاجتماع. رئيس طاقم التخطيط القطري، شلومي هايزلر، الذي كان يفترض به أن يدعو إلى اجتماع المجلس، لم يقم بذلك، ورفضوا في مكتبه تقديم السبب طالبين عدم التعقيب.

"لا يمكن سلب الشطآن من الجمهور لصالح أقلية ضئيلة"

كانت منظمة حماية الطبيعة كتبت في رسالة إلى وزيرة المواصلات ميراف ميخائيلي: "مراسي المارينا الجديدة ستقوم على حساب الشواطئ المفتوحة على الرغم من أن طول الشاطئ في إسرائيل أقل من 200 كيلومتر. ربع هذه المساحة تحتلها البنى التحتية اليوم، وتشمل الصناعة والاستخدامات العسكرية والأمنية. ويستدل من الحساب الذي أجريناه أنه بفعل الاكتظاظ والطلب على شطآن البحر، في حين أنه في العام 1948 كان هناك 30 سنتميتراً من الشاطئ لكل مواطن، فبحسب آخر المعطيات عن الوضع اليوم، العام 2020، يوجد لكل مواطن في إسرائيل 1.6 سم فقط بالمعدل من الشاطئ. نحن نفهم أن هناك مصالح متعلقة بقطاعات معينة أحياناً، ولكن لا يمكن للدولة تلبية احتياجات واسعة لكل قطاع. مثلما يتم تقليص مواقع صف السيارات في تل أبيب كقرار جماهيري، هكذا أيضا لا يمكن سلب الشطآن من الجمهور لصالح أقلية قليلة من أصحاب اليخوت. لا معارضة لإضافة أماكن في المراسي القائمة، ولكن إقامة كل مرفأ جديد هو تدمير غير قابل للإصلاح لشاطئ البحر".

صحيح أنه لن تقوم مراسي مارينا جديدة الآن سوى في نهاريا، لكن توسيع مراسي المارينا القائمة سوف تقلص أكثر فأكثر المساحة المتبقية للجمهور لغرض السباحة والتجوّل وما شابه. يقول تقرير "شكوف" إن النقاش حول الاستخدام الشخصي لثروات الطبيعة العامة، المملوكة للجمهور، ليس غريبا على الحلبة الجماهيرية في السنوات الأخيرة. في الصيف الأخير تم حسم معركة امتدّت على سنين طويلة تتعلق بمصير وادي العاصي، الذي يقطع كيبوتس نير دافيد. بعد سلسلة من الالتماسات القضائية، ألزمت المحكمة الدولة بوضع ترتيب ونظام يحافظ على حقوق أعضاء الكيبوتس ولكن بالأساس يمكّن الجمهور من الدخول إلى الوادي انطلاقا من مفهوم أن الوادي تابع لكل الجمهور.

رداً على السؤال: من يملك مراسي المارينا وهل من المسموح إقفالها أمام الجمهور بشكل فضفاض؟ يقول المحامي إلحنان ميران، الذي يدير الإجراء القضائي بشأن وادي العاصي، إنه وفقا لقراءته الجواب هو سلبي: "المنع الفضفاض لوصول الجمهور إلى مناطق مراسي المارينا مناقض للقانون ولقرارات المحكمة العليا. القانون يطمح إلى ضمان المنالية القصوى لمراسي الطبيعة والشطآن ويتوجب على مشغلي مراسي المارينا ووزارة المواصلات التأكد من أن تفعيل صلاحية تقييد الوصول إلى هذه المراسي يتم بشكل معقول ومن خلال فحص بدائل أخرى. مثلا، إمكانية تسجيل الزوار في مراسي المارينا أو وضع حراسة على مدخل الموقع. أو وضع لافتات أو تقييد الدخول إلى أيام وساعات معينة".

وفقاً للبند 5 من قانون حماية البيئة الساحلية، يجب أن يكون شاطئ البحر مفتوحا للسير مشياً على الأقدام على طوله. أما التقييد المطلق للتحرك لكل من لا يملك سفينة، فيوجب عرض تسويغ واضح متعلق بالأمان.

وزارة البيئة: مراسي يخوت تخدم أقلية على حساب الأكثرية

ردّت الشركة البلدية "أتاريم" التي تدير مرسى المارينا في تل أبيب، على سؤال بشأن منع دخول الجمهور: هذه المنشأة مغلقة من أجل حماية ممتلكات أصحاب السفن ولمنع نشوء مشاكل متعلقة بالأمان والسلامة. يجب الحفاظ على السفن من أي ضرر. لهذا السبب لا تستخدم هذه الأرصفة كأرصفة للمشي أمام الجمهور الواسع. أما ضابط الأمن الرئيسي في مارينا أسدود (أشدود) فقال إن في المرسى 500 سفينة وتوجد للناس ممتلكات على الأرصفة.

ولكن يسأل السؤال، كتب الموقع، هل يوجد في جميع مراسي المارينا حرّاس وكاميرات تصوير وإذا كان فلماذا يتم إقفال هذه المقاطع بشكل تام؟ ولكن لا يوجد في أنظمة قانون حماية البيئة الساحلية ولو كلمة تتعلق بالممتلكات والسرقات. مدير المارينا مخول بتقييد أو منع الدخول إذا كان الأمر برأيه ضرورياً لأسباب متعلقة بالأمان أو حماية البيئة البحرية، أو من أجل التفعيل السليم لهذا المرسى. أما مسألة ممتلكات أصحاب القوارب فليست واردة بالمرة.

ردّت وزارة المواصلات بأن الوزيرة ميراف ميخائيلي "أصدرت تعليماتها إلى المختصين للتأكد من استمرار فتح المساحات العامة في مراسي المارينا للجمهور العام قدر الإمكان، والمساعدة في تطوير الاستخدامات العامة بشكل أوسع في مناطق المراسي قدر الممكن".

أما وزيرة البيئة تمار زاندبرغ فقالت في أعقاب القرار بالاكتفاء بمارينا واحدة فقط: إن مساحات الشطآن في إسرائيل آخذة بالتقلص، وضغوط التطوير آخذة بالتزايد. لا يوجد أي منطق في تطوير مصفات جديدة لسفن ويخوت تخدم أقلية على حساب الأكثرية، وتمس بالتنوع البيولوجي الهام على الشطآن. هذه الخطة من النوع الذي يجب أن يغيب عن عالمنا. قرار إقامة مارينا في نهاريا مؤسف وآمل أن لا يتقدم أيضا.

أما وزارة الداخلية فقالت إن هذا القرار ليس نهائيا وإنما توصية فقط سيتم بحث الموضوع في المجلس القطري للتخطيط وبعد ذلك سيصل إلى الحكومة.
لا تتعلق هذه القضية كما ورد بمراسي المارينا وحدها، ولا حتى بالثروات والموارد الطبيعية والبحرية فقط. بل تتعلق بمسألة تخص حق ومنالية الجمهور للثروات الطبيعية برمّتها، والتي يفترض أنها ويجب أن تكون بملكية المواطنين. قضية نهر العاصي طرحت السؤال حول مدى قانونية قيام بلدة قوية اقتصادياً، هي كيبوتس نير دافيد بهذه الحالة، بالسيطرة على مقطع طويل من وادٍ؛ وليس فقط إغلاقه بل تشغيله لنيل أرباح من خلال إقامة غرف ومواقع استجمام ومبيت فوق مقاطع على طوله. في هذه الحالة تم إغلاق الوادي ليس فقط أمام نشطاء وإنما أمام جمهور سكان من بلدات أضعف اقتصاديا محيطة بهذا الكيبوتس. مراسي المارينا أيضا ليست مختلفة عن هذا. فمن يملك اليخوت هم الأقوى اقتصاديا وبالتالي فالمعادلة تصبح أن من يملك أموالاً أكثر يمكنه أن يسيطر بشكل حصري على مقاطع وأجزاء ومساحات من ثروات طبيعية وبحرية وبيئية وغيرها أكثر من المواطن غير المقتدر اقتصادياً، أو الذي لا يرغب في امتلاك سفينة فخمة.

 

المصطلحات المستخدمة:

كيبوتس, نهاريا, هرتسليا, ميراف ميخائيلي

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات