المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
   الأحزاب المشاركة في حكومة بينيت تقضم من ثوابتها من أجل البقاء. (وكالات)
الأحزاب المشاركة في حكومة بينيت تقضم من ثوابتها من أجل البقاء. (وكالات)

أقر الكنيست الإسرائيلي الأسبوع الماضي بالقراءة الأولى مجددا مشروع القانون الذي يحرم آلاف العائلات الفلسطينية، التي أحد الوالدين فيها من الضفة الغربية وقطاع غزة ودول عربية، من لم الشمل؛ ولم يتسن للحكومة اجتياز ما كان يظهر وكأنه عقبة إلا بعد التنسيق مع الكتلة الأكثر تطرفا في اليمين الاستيطاني في صفوف المعارضة، التي تم إقرار مشروعها الأكثر تشددا لنفس الغرض في ذات المشهد. ومشهد التصويت يدل على تعلق الأحزاب المشاركة في الائتلاف بهذه الحكومة، حتى لو أصابت ممارساتها نقاطا جوهرية في مواقف سابقة لها. في المقابل، فإن موجة الغلاء ما تزال تشغل الساحة الإسرائيلية والحكومة تعرض خطوات لن تغير الكثير من واقع الغلاء.

وكان هذا القانون، كما هو معروف، قد أقره الكنيست كقانون طوارئ مؤقت في العام 2003، على وقع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، على أساس أن يتم العمل به لمدة عام، بسبب الضغط على مكاتب وزارة الداخلية الإسرائيلية، وقيل منذ ذلك الحين إن "الأسباب أيضا أمنية" بالنسبة لإسرائيل. ويطال القانون حسب التقديرات آلافاً كثيرة من العائلات الفلسطينية، وهناك من يرى أنه يطال عشرات آلاف العائلات، بعد ضم عائلات القدس، التي فيها نسبة عالية من العائلات التي أحد الوالدين فيها من الضفة الغربية. ولا توجد حاليا احصائيات دقيقة، لكن ما تُجمع عليه مراكز حقوقية هو أن هذا القانون يضر بتشتيت عشرات آلاف الفلسطينيين في آلاف العائلات.

وعملت إسرائيل عادة على تمرير القانون سنويا بغالبية عادية، من كل ائتلاف حكومي وأي معارضة يمينية، ولم يكن القانون في أي مرّة موضوع مقارعة بين أي معارضة من الأحزاب الصهيونية، وأحزاب كل حكومة، باستثناء كتلة ميرتس، من بين الأحزاب الصهيونية، التي كانت تصوّت دائما ضد القانون، وذات يوم كانت رئيسة الحزب سابقا، زهافا غالئون، من بين الملتمسين ضد القانون. كما أن بعض نواب حزب العمل كانوا يعارضون القانون حينما يكونون في مقاعد المعارضة، من بينهم من باتت اليوم رئيسة الحزب، وزيرة المواصلات ميراف ميخائيلي.

وفي مطلع شهر تموز من العام الماضي، ولأول مرّة، سقط طلب الحكومة لتمديد سريان القانون لعام آخر، بعد أن اصطفت المعارضة اليمينية والتي تضم كتلتي المتدينين المتزمتين ضد طلب الحكومة، التي كانت قد بدأت عملها قبل 3 أسابيع من ذلك اليوم، إذ راهنت كتل المعارضة على التسبب بأزمة مستقبلية للحكومة، ما يقرّب تفكيكها.

وقد سقط القانون بتعادل الأصوات، وكل الكتل التي كانت تعارض القانون من صفوف المعارضة، بما فيها قائمتا ميرتس والعربية الموحدة ورئيسة العمل ميخائيلي، دعموا القانون، ولكن القانون سقط بالتعادل نتيجة تمرد نائب من "الموحدة" في حينه.
على الرغم من سقوط القانون كليا من كتاب القوانين الإسرائيلي، إلا أن العمل بمضمونه استمر من خلال وزيرة الداخلية أييلت شاكيد، التي رفضت المصادقة على طلبات لم الشمل، التي تم تقديمها، بعد انتهاء سريان مفعول القانون. وصدر قبل أقل من شهر قرار من المحكمة العليا يمنع وزيرة الداخلية من الاستمرار في العمل بموجب قانون لم يعد قائما رسميا.

وطوال الفترة الماضية، كانت مفاوضات بين الائتلاف الحاكم، ممثلا بالوزيرة شاكيد، والمعارضة اليمينية المتطرفة، حتى تم التوصل الى اتفاق بأن تصادق الحكومة من حيث المبدأ على مشروع كتلة الصهيونية الدينية، الأشد تطرفا في الكنيست، سوية مع مشروع قانون الحكومة، الذي هو بذات الصيغة التي كانت قائمة سابقا، على أن يتم دمج القانونين لاحقا في مرحلة التصويت عليه نهائيا.

وترى الحكومة أنها ستعمل على إنهاء تشريع القانون من جديد في بحر شهر آذار المقبل، إلا أن هذا يتطلب من الحكومة القبول ببعض البنود الأشد تطرفا الواردة في مشروع قانون الصهيونية الدينية، وتهدف هذه البنود الى تقليص حاد للحالات الاستثنائية التي يتم فيها منح إقامة مؤقتة لبعض أقراد العائلات المتضررة. هذا الدمج، وإذا كان بمستوى يثير ضجة، فإن قسما من الائتلاف الحاكم سيتحفظ ولربما سيعترض عليه، لذا من السابق لأوانه الحديث عن الصيغة النهائية للقانون.

كي تمرر الحكومة مشروع القانون في الأسبوع الماضي، وبعد الاتفاق على دعم قسم من المعارضة اليمينية الاستيطانية، منح الائتلاف حرية التصويت لقائمتي ميرتس والعربية الموحدة، وقد أعلنت القائمتان أنهما ستعارضان مشروع القانون رغم أنهما أيدتا القانون في مطلع تموز الماضي.

في جلسة التصويت طلبت كتلة القائمة المشتركة، التي وقفت وحيدة في معارضتها للقانون فعليا، احتساب التصويت على القانون بمثابة منح ثقة للحكومة، فغادر نواب كتلتي ميرتس والموحدة القاعة. وحصل القانون على أغلبية 44 نائبا مقابل معارضة 5 نواب، هم نواب المشتركة بغياب نائب واحد لأسباب صحية.

تمرير القانون لم يتبعه أي شرخ في الائتلاف الحاكم، ولم تهدد أي من قائمتي ميرتس والموحدة بمغادرة الحكومة، في حال تم إعادة سن القانون كليا، وربما هذا هو دليل آخر على تمسك أحزاب الحكومة الثمانية بحكومتها، حتى لو كانت هناك سياسات وقرارات وقوانين تشتمل على مواقف ومبادئ تمس بما كانت تعلنه تلك الأحزاب سابقا.

إجراءات اقتصادية هامشية لمواجهة الغلاء

من ناحية أخرى تواصل إسرائيل انشغالها بموجة الغلاء المستفحلة، في الأسابيع الأخيرة، وهي أصلا بدأت في منذ أكثر من عام ونصف العام. وفي الأسبوع الماضي، أعلن رئيس الحكومة نفتالي بينيت، ووزير المالية أفيغدور ليبرمان، ووزيرة الاقتصاد أورنا بربيباي، عن إجراءات اقتصادية بادعاء التخفيف عن الجمهور، إلا أن الإجراءات المعلن عنها لا تفيد الشرائح الفقيرة الأكثر تضررا من الغلاء، ولذا فإن المحللين تقريبا أجمعوا على انتقاد الإجراءات.

وحسب ما أعلنه المسؤولون الثلاثة، وباحتفالية وكأنهم يواجهون موجة الغلاء، فإن أبرز الإجراءات هي:

رفع أسعار الكهرباء حاليا بنسبة 3.4%، بدلا من 5.7%، إلا أن النسبة المتبقية من القرار السابق ستدخل حيز التنفيذ لاحقا.

منح عائلات عاملة لديها أطفال بعمر 6 سنوات إلى 12 سنة تخفيضا ضريبيا إضافيا.
تقديم ما تسمى منحة عمل، بقيمة 300 شيكل لمرة واحدة، لأصحاب الرواتب المتدنية، ومنح تخفيض في رسوم حضانات جيل الطفولة المبكرة للشرائح الوسطى، إذ أن العائلات الفقيرة تحصل عليها أصلا.

تخفيض الجمارك على الأغذية المستوردة التالية: اللحوم والأسماك والبيض، وبعض أصناف الإضافات على الطعام، وبعض أدوات المطبخ، إضافة إلى تخفيض الجمارك على قطع غيارات السيارات، ومعدات الحمامات البيتية، وأدوات بلاستيكية، ومعدات كهربائية بيتية.

ويقول المحلل الاقتصادي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، غاد ليئور، إن هذه الاجراءات المعلنة، والتي تمت صياغتها تحت الضغط، والزج ببعض بنودها في الساعتين الأخيرتين قبل الإعلان عنها، لن تحل مشكلة ارتفاع الأسعار، لكنها ستوفر إضافة لطيفة للعائلات التي يعمل فيها كلا الوالدين، ومن يتقاضى راتباً متوسطاً أو أكثر. أما إذا لم يكن لديك أطفال، فستكتفي بدعم سعر الكهرباء. لذا فبالتأكيد هي ليست خطة مثالية، لمكافحة المعيشة في إسرائيل.

ويضيف ليئور: حينما يكون سعر فرشاة الأسنان في إسرائيل أعلى بنسبة 150% من معدل سعرها في الدول الأخرى، فإن المطلوب إجراءات أخرى. فهذه خطة هدفها الرئيس وقف التهجمات على الحكومة بسبب الموجة الجديدة من ارتفاع الأسعار. لا يمكن لمثل هذه الخطة أن تعالج التكلفة الهائلة للمعيشة في إسرائيل، والقائمة طوال العقدين الماضيين.

وبحسب التقديرات فإن كلفة هذه الإجراءات للخزينة العامة، حوالي 4.4 مليار شيكل. ويقول ليئور إن هذا المبلغ كبير، ومن غير المؤكد أنه يستحق الاستثمار في بعض الإجراءات التي تم الإعلان عنها. وهذا يذكر إلى حد ما بالمليارات التي خصصتها الدولة لتوزيع "منحة على كل مواطن"، في أيام الحكومة السابقة، خلال موجات الكورونا الأولى.

وبرأي المحلل الاقتصادي البارز في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، سيفر بلوتسكر، فإن "شيئاً واحداً يمكن قوله بيقين، هو أن خطة كبح التضخم المالي كما تم عرضها ليست موجهة لكبح التضخم المالي. توجد فيها حسنات ونواقص، لكن ليس فيها أي علاج للتضخم المالي. لم تعرض الحكومة خطة لمكافحة ارتفاع الأسعار، باستثناء تلطيف غلاء الكهرباء. كما أن قائمة التخفيضات الضريبية، والتسهيلات الجمركية، تستهدف التسهيل على حياة الطبقة الوسطى الميسورة العاملة".

وبحسب بلوتسكر، فإنه رغم أن شبح التضخم المالي دق الباب بقوة اندرجت في ميزانية 2021- 2022، فإن الكثير من أوجه الغلاء بادرت اليها المالية: الفحم، الأواني البلاستيكية، ضريبة الأرنونا، المشروبات. وإلى كل هذه أضيفت ارتفاعات في أسعار الوقود والكهرباء وعلى جدول الأعمال أيضا ارتفاع أسعار المياه. ولأن مواد الطاقة المستوردة إلى البلاد ارتفعت أسعارها، برأي الخبراء، مؤقتا فقط، كان للحكومة مجال واسع لرد فعل آخر، واختارت بعيون مفتوحة إشعال الدائرة السحرية لغلاء محلي، فالوقود والكهرباء والماء تشكل عناصر مركزية في الإنتاج، وفي التسويق، وفي النقل، وفي البناء للسكن، لذلك شدوا الأحزمة لإقلاع إضافي في أسعار الشقق.

وختم بلوتسكر: لقد كان الاستعراض التلفزيوني الثلاثي زائدا تماما. لم يبث مصداقية، لم يبث جوابا للأزمات، لم يبث مهنية. ولم يشارك فيه أحد مهني، ولم يبث إلا جملة خطوات فزعة ومتأخرة، هدفها "الإحسان للشعب".

من ناحيته قال المحلل الاقتصادي في صحيفة "هآرتس" وملحقها "ذي ماركر"، سامي بيرتس، في مقال له، إن الخطة المتسرعة التي تم طبخها في وزارة المالية استهدفت في المقام الأول منع الاضطرابات العامة، رغم أنه في الحقيقة لم نشاهد الجمهور يخرج للتظاهر، أو ينصب الخيام في شارع روتشيلد في تل أبيب. ولكن بينيت وليبرمان أدركا أن التغطية الاعلامية الكثيفة لموجة رفع الأسعار يمكن أن تتطور إلى غضب عام سيهدد استقرار الحكومة. لذلك استخدما الضغط الشديد على البيروقراطية المهنية في وزارة المالية، من أجل أن تقدم ردا سريعا يخفف الضغط.

وشدد بيرتس على أن جزءا كبيرا من الخطة التي تم نشرها لن يخفض أبدا غلاء المعيشة، وربما حتى يؤدي إلى ارتفاع الأسعار. وفي الأسابيع الاخيرة فحصت وزارة المالية أيضا امكانية أن تتحمل الدولة جزءا من ارتفاع أسعار الوقود، ولكن هنا الشعبوية توقفت لدى البيروقراطية المهنية التي أوضحت مغزى ذلك: وقود سائل يعني خلق تشجيع للسفر في السيارات الخاصة، وفي إطار محاولة السيطرة على غضب الجمهور فإن زيادة الاختناقات في الشوارع هي الأمر الأخير الذي يجب تشجيعه الآن.

ويرى بيرتس أن ليبرمان وبينيت يعرفان جيدا أن هذه الخطة ليست ذات شأن لخفض كلفة المعيشة. لذلك أوضح وزير المالية أيضا أن هذه "ليست الرزمة الأخيرة". هذا حقا يبدو مثل حبة مسكن صغيرة، يمكن أن تُفرح الجمهور بشكل قليل، لكنها لن تحرك شيئا في القضية الحقيقية: تقليص فجوة الـ 20% بين اسرائيل ودول الـ OECD في غلاء المعيشة. لذا فمشكوك فيه أن تهدئ هذه الخطوات الانتقاد العام. ولكن على الأقل في هذه المرحلة هي ستهدئ المستوردين وشبكات التسويق والمنتجين.

ورد وزير المالية ليبرمان على الانتقادات قائلا إنه في نية وزارته تحويل هذه الإجراءات إلى قانون، يقرّه الكنيست حتى النصف الأول من شهر نيسان المقبل، على أن تدخل الإجراءات حيز التنفيذ بشكل تراجعي منذ مطلع العام الجاري، في ما يتعلق بالتسهيلات الضريبية ورسوم الحضانات. وادعى ليبرمان "أن النية كانت في الأساس مساعدة العائلات التي لديها أطفال في المرحلة المدرسية الابتدائية، إذ لا يمكن إرضاء الجميع"، على حدّ تعبيره.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات