المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  المسار الائتلافي في إسرائيل محكوم بمصير نتنياهو.     (إ.ب.أ)
المسار الائتلافي في إسرائيل محكوم بمصير نتنياهو. (إ.ب.أ)

صدرت التقارير الإعلامية الإسرائيلية المتضاربة، بشأن المفاوضات بين طاقم الدفاع عن بنيامين نتنياهو، والنيابة العامة، سعيا للتوصل إلى صفقة ادعاء، مع احتمال خروج نتنياهو من الحلبة السياسية، في وقت بدأت فيه الحكومة تشهد شروخا أولية، ومؤشرات لنقاط تصادم بين أطراف الائتلاف، كانت معروفة سلفا. وبرغم الأحاديث عن فرضية خروج نتنياهو من الحلبة السياسية، واحتمال أن يؤدي هذا إلى تفكيك الائتلاف الحاكم، إلا أنه من السابق لأوانه الحديث عن تفكك حكومة كل أطرافها معنيون باستمرارها، لأن الخيار الآخر لن يكون منه سوى الخسائر على المستويين الحزبي والشخصي.

فحتى مطلع الأسبوع الجاري، استمر نشر التقارير الصحافية المتضاربة، بشأن المفاوضات بين طاقم الدفاع عن نتنياهو، والمستشار القانوني للحكومة، أفيحاي مندلبليت، الذي سينهي مهامه في اليوم الأخير من الشهر الجاري، التي شارفت على الانتهاء. إذ تقول تقارير إن نتنياهو معني بالتقدم في المفاوضات في الأيام المتبقية لمندلبليت، في حين تقول تقارير أخرى إن نقاط المفاوضات غاية في التعقيد، ومن غير الممكن إنهاءها في غضون أيام قليلة.

كما تقول تقارير، ومنها تقرير صحيفة "هآرتس" في نهاية الأسبوع الماضي، إن مندلبليت سيرفع يديه عن القضية لعدة أسباب، منها أنه لا يريد الظهور كمن يسارع إلى إجراء بهذا الحجم، في أيام عمله الأخيرة، وأفضل له أن ينقل هذا الملف الساخن لخلفه في المنصب، سوية مع طاقم النيابة العامة في قضية نتنياهو، الذي لم يكن في صورة المفاوضات في بدايتها، ما خلق تحفظات جدية لدى محامي النيابة، بحسب تلك التقارير.

وقالت "هآرتس" إن مندلبليت أعرب لمقربين منه عن ندمه لقبوله إجراء مفاوضات في الأيام الأخيرة لمنصبه، وأيضا تحييد طاقم النيابة الذي يخوص محاكمة نتنياهو، عن المفاوضات التي جرت مع طاقم الدفاع. وحسب الصحافي غادي فايس، فإن مندلبليت على قناعة بأنه في حال استمرت المحكمة، فإن الحكم النهائي على نتنياهو سيشمل دخوله السجن، وهذا ما وضعه في حيرة من أمره، تجاه شخصية شعبية، تحظى بتأييد جماهيري واسع.

وحسب كل التقارير الصحافية، فإن نقطة الخلاف المركزية، هي ما تسمى في القانون الإسرائيلي بـ"وصمة العار"، التي في حال فرْضها على الشخص في المحكمة، فإنه يكون محظورا عليه الدخول للمعترك السياسي، أو تولي مسؤولية ووظيفة هامة في مؤسسة الحكم، لمدة سبع سنوات، من يوم انتهاء قضاء عقوبته، مهما كانت مدتها. وفي حالات أخرى، تكون مدة وصمة العار أكبر، كما جرى في الماضي مع الزعيم السياسي لحزب شاس أرييه درعي، الذي بقي خارج السياسة لمدة 10 سنوات، بعد قضاء حوالي عامين في السجن.

ويريد المستشار القانوني أن تكون "وصمة العار" ضمن صفقة الادعاء في حال تم التوصل لها مع طاقم الدفاع، ما يعني خروجا فوريا لنتنياهو من الحلبة السياسية لمدة سبع سنوات. وفي المقابل، فإن طاقم الدفاع يعرض تعهدا من نتنياهو بالخروج من الحلبة السياسية بقرار شخصي، وأنه في حال قرر العودة إلى السياسة، فإن مسألة "وصمة العار" تبت بها المحكمة، وهذا ما يرفضه مندلبليت بشدة.

كذلك، وحسبما قالت سلسلة تقارير، فإن مندلبليت يتخوف من أنه بعد التوصل إلى اتفاق وتقرّه المحكمة، يمنح الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ عفوا عاما لنتنياهو، يشمل "وصمة العار" ليعود نتنياهو إلى السياسة. إلا أن صحيفة "هآرتس" ذكرت في تقريرها في نهاية الأسبوع الماضي، أن هرتسوغ الذي تولى منصبه قبل 6 أشهر، في شهر تموز الماضي، ولمدة 7 سنوات، قال لمقربين منه إنه طالما هو في منصبه لن يمنح نتنياهو عفوا عاما.

وكما يظهر، فإن نتنياهو يريد الإسراع في إتمام الصفقة، وأحد التكهنات لدوافع نتنياهو هو احتمال التوصل في غضون أيام قليلة لاتفاق صفقة ادعاء، في قضية صاحب السيطرة على صحيفة "يديعوت أحرونوت" أرنون موزس، في القضية التي عُرفت باسم "ملف 2000"، وبموجبها سيعترف موزس بأنه عرض على نتنياهو رشوة، بقصد تغطية إيجابية عنه في صحيفة وموقع "يديعوت أحرونوت"، مقابل التضييق على صحيفة "يسرائيل هيوم"، وبحسب خبراء، فإن مثل هذه الصفقة في حال إبرامها ستزيد من التعقيدات ضد نتنياهو في محاكمته بهذا الملف.

نتنياهو وتفكيك الحكومة

فور صدور الأنباء عن المفاوضات بين طاقم الدفاع عن نتنياهو والمستشار القانوني، والأحاديث عن احتمال مغادرة نتنياهو لرئاسة الليكود والسياسة كليا، اتجهت الأنظار فورا إلى الحكومة الحالية، وبدأ الحديث عن احتمال تفكك الحكومة في حال تولت رئاسة الليكود شخصية أخرى، من أجل تشكيل حكومة بديلة، ترتكز كلها على اليمين الاستيطاني، الذي تحتل أحزابه، سوية مع كتلتي الحريديم، 72 مقعدا في الكنيست من أصل 120 مقعدا، إذ أن قسما من هذه الكتل ترفض شخص نتنياهو، وليس حزب الليكود.

وتستند هذه التكهنات على الفرضية الأولى التي وُضعت مع بدء عمل هذه الحكومة، وهو أنها قد تتفكك، في حال تغيّر رئيس الليكود، إلا أنه بعد مرور 7 أشهر تقلبت العديد من المعادلات، ومعها الفرضيات، فما كان شبه بديهي مع بدايات الحكومة بات اليوم معقدا قليلاً.

وأول المتغيرات أن الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي، وهي كلها كتل صغيرة، أكبرها حزب "يوجد مستقبل" الذي له 17 مقعدا، رأت أنه على الرغم من عدم التجانس القائم في تركيبة الحكومة، إلا أن "التعايش" في ما بينها فاق كل التوقعات، ما ألغى العديد من السيناريوهات التي تم طرحها، لتكون من أسباب تفكك الحكومة لاحقا.

لكن إذا ما لخصنا عمل الحكومة في الأشهر السبعة الأولى لها، سنجد أن الأجندة الأقوى لهذه الحكومة، هي أجندة اليمين الاستيطاني، وخاصة من كتلتي "يمينا" التي يترأسها رئيس الحكومة نفتالي بينيت، ومعه وزيرة الداخلية أييلت شاكيد، وكتلة "أمل جديد"، برئاسة وزير العدل جدعون ساعر، ومعهما كتلة "إسرائيل بيتنا" برئاسة وزير المالية أفيغدور ليبرمان، وبدعم من كتلتي "يوجد مستقبل" و"أزرق أبيض" برئاسة يائير لبيد وبيني غانتس. وتتماشى مع هذه السياسات سكوتا أو تأييدا بالتصويت، كتل العمل وميرتس والقائمة العربية الموحدة.

ربما ما يثبت هذا، أنه في كل الفترة السابقة لم نشهد انتقادات من قيادات المستوطنين، وأطرهم التمثيلية، لأداء الحكومة، التي رفعت ميزانيات المستوطنات، وفتحت الطريق أمام مشاريع لبناء آلاف البيوت الاستيطانية، وثبتت لهم بؤرة استيطانية جديدة، على جبل صبيح، جنوب نابلس.

وهذا لا يعني عدم وجود شروخ في المواقف، لكن الانطباع العام هو أن الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحاكم ترى مصلحتها الآن تتطلب الحفاظ على الحكومة، وضمان استمراريتها، لمعرفة كل واحد من هذه الأحزاب أنه في حال تم تفكيك الحكومة، وعادت رئاستها لحزب الليكود، فإن بعض الأحزاب ستجد نفسها خارج التشكيلة، فيما الأحزاب المشاركة لن تحظى بذات المكتسبات السلطوية، التي هي من نصيبها في الحكومة الحالية، كما أن وزنها البرلماني في الائتلاف البديل سيكون أضعف مما هو عليه الآن.

فحزب "يوجد مستقبل"، الذي تتنبأ له الاستطلاعات بزيادة قوته بمقعد أو مقعدين، في حال جرت الانتخابات في هذه المرحلة، ليصل إلى 18 أو 19 مقعدا، من المفترض أن يتولى رئيسه، يائير لبيد، رئاسة الحكومة في شهر آب من العام المقبل 2023، وهذا ما لا يمكن أن يحظى به في حال تغيّرت تركيبة الحكومة.

وحزب "أزرق أبيض" برئاسة بيني غانتس له 8 مقاعد، وأثبت غانتس أنه يستطيع التعايش مع الليكود، وسيكون التعايش لربما أفضل من دون نتنياهو، ورغم هذا فإن البيئة السياسية في الحكومة الحالية أفضل له.

حزب "يمينا" الذي له 7 مقاعد، قبل أن ينشق عنه أحد النواب، فإن رئيسه نفتالي بينيت لن يحلم بالعودة إلى هذا المنصب الأول، في حال تغيّرت تشكيلة الحكومة، خاصة وأنه يسجّل سابقة لم تعرفها السياسة الإسرائيلية من قبل، وهي أن كتلة صغيرة بهذا الحجم، يتولى زعيمها رئاسة الحكومة مع مناصب رفيعة أخرى.

حزب "أمل جديد" برئاسة المنشق عن حزب الليكود، جدعون ساعر، الذي له 6 مقاعد، في حال خروج نتنياهو من الحلبة السياسية فإن الورقة التي يحملها ستسقط من يديه، ولذا فإنه في انتخابات مقبلة لا يشارك فيها نتنياهو، سيكون تحت احتمال عدم اجتياز نسبة الحسم، ويبقى السؤال ما إذا سيقرر العودة إلى الليكود مع ضمانات؛ والسؤال المقابل إذا أصلا القائد الجديد لليكود سيكون معنيا به.

حزب "إسرائيل بيتنا"، وله 7 مقاعد، بزعامة أفيغدور ليبرمان، أشد المعارضين لشخص نتنياهو وليس الليكود، وأثبتت ممارسات ليبرمان، على مدى 23 عاما منذ دخوله إلى الكنيست على رأس حزبه، أنه يفضل الحكومات الضعيفة، أو تلك التي يكون فيها حزبه بيضة القبان، وهو يعرف أن حكومة واسعة، سيكون فيها وزنه السياسي أقل، ولربما لن يعود إلى منصبه وزيرا للمالية.

حزب العمل برئاسة ميراف ميخائيلي له 7 مقاعد، صحيح أنه جرى تغيير كلي لقيادة الحزب التي كانت في السنوات الأخيرة بضمنها أسماء قديمة في الحزب، إلا أن أداء الحزب في هذه الحكومة يواصل ممارسات الحزب من قبل، وهو السكوت على سياسات اليمين الاستيطاني، مقابل البقاء في سدة الحكم، مع تحقيق بعض القضايا المدنية التي لا يعترض عليها اليمين الاستيطاني.

حزب ميرتس وله 6 مقاعد بزعامة نيتسان هوروفيتس، حقق هدفا وضعه في الانتخابات الأخيرة، وهو العودة إلى الحكومة بعد غياب دام 20 عاما، لكن هذا الحزب الذي لربما حقق بعض مطالبه المتعلقة بمثليي الجنس، لم يستطع مع باقي الكتل العلمانية الدفع قدماً بكسر بعض قوانين الإكراه الديني. أما في الملف السياسي، فقد سجّل ميرتس سقوطا كبيرا، بسكوته على سياسات اليمين الاستيطاني، ودعمه لقوانين عنصرية، أبرزها قانون حرمان العائلات الفلسطينية من لم الشمل.

وفي أي انتخابات مقبلة، فإن ميرتس سيعود إلى "دائرة الخطر"، بمعنى مسألة اجتياز نسبة الحسم للتمثيل البرلماني.

"القائمة العربية الموحدة"، ولها 4 مقاعد، بزعامة عضو الكنيست منصور عباس، هي الذراع البرلماني للحركة الإسلامية- الجناح الجنوبي، تشهد في الآونة الأخيرة ضغوطا جماهيرية، بسبب وجودها في الائتلاف الحاكم، خاصة على ضوء الهجمة السلطوية على البلدات العربية في النقب، عدا الهجمة على أحياء القدس، وخاصة الشيخ جراح وسلوان، ويضاف لهذا تصويتها إلى جانب قوانين عسكرية وأمنية، آخرها تأييد قانون فرض الخدمة الإلزامية على الشبان المتدينين المتزمتين الحريديم، الذي سقط بتعادل الأصوات رغم دعم الموحدة له. وهي حتى الآن لم تعرض إنجازا بحجم جدي، سوى بعض الميزانيات الهامشية، التي كانت تتحقق من دون الجلوس في الائتلاف الحاكم. وهذه القائمة ستفقد ورقتها التي سعت لها، لتكون بيضة قبان، في حال تشكلت حكومة واسعة.

رغم هذه الحسابات الحزبية، فإن الائتلاف الحاكم بدأ يشهد شروخا، إذ أن قانون فرض التجنيد على شبان الحريديم سقط بتعادل الأصوات، وبموازاة هذا، يوجد جدل حول إعادة طرح قانون حرمان العائلات الفلسطينية من لم الشمل، وفي صلب الجدل، هو تأييد كتلة "يمينا" ووزيرة الداخلية، أييلت شاكيد، ومعها حزب "أمل جديد" لصيغة قانون طرحتها الكتلة الأشد تطرفا في المعارضة، كتلة "الصهيونية الدينية".

وحسب تقرير نشر، في نهاية الأسبوع، في موقع صحيفة "يديعوت أحرونوت" على الإنترنت، "واينت"، فإن أقطاب الائتلاف الحاكم شرعوا بالتداول في ما بينهم، بشأن سُبل الحفاظ على الائتلاف، بشكل لا يتأثر من احتمال خروج نتنياهو من الحلبة السياسية. ومثل هذا الأمر سيتطلب صيغة عمل تُرضي جميع الأطراف، كي لا تكون شروخ في بعض الكتل المشاركة.

ما زال وقت حتى خط النهاية!

لا أحد يستطيع التكهن منذ الآن حول كيف سينتهي مسار محاكمة بنيامين نتنياهو، فقد تتوقف المفاوضات وتستمر المحاكمة، التي كما يبدو ستحتاج ربما لعامين وثلاثة وأكثر حتى الوصول إلى خط النهاية بعد الاستئنافات؛ أو أنه بالفعل يتم التوصل إلى صفقة ادعاء، تقضي بخروج نتنياهو من الحلبة السياسية لسبع سنوات، ونظرا لجيله الآن، 73 عاما، فإن هذا يعني خروجا كليا. إلا أنه في حال خروج نتنياهو من السياسة، فإن حزبه الليكود لن يبقى على حاله، لأنه حزب خاضع لسيطرة كلية ومطلقة لشخص نتنياهو منذ أكثر من 16 عاما، ومع غياب الشخص القيادي البديل، صاحب الكاريزما الشعبية، وفي ظل المنافسات التي نشهدها منذ الآن، فمن شبه المؤكد أن الحزب سيعود إلى عهد التكتلات والمناكفات الداخلية.

الأمر الآخر الذي سيفرزه خروج نتنياهو من السياسة، هو احتمال تراجع قوة الحزب الانتخابية في أوساط اليمين الاستيطاني المتشدد، وخاصة من التيار الديني الصهيوني، الذي يحظى منه الليكود بنحو 30% من حجمه الانتخابي، وهذا ما يعادل ما بين 3 إلى 4 مقاعد برلمانية، لأن التأييد هو أكثر لنتنياهو الشخص، الذي تماشى مع هذا التيار الديني، رغم أنه علماني.

كل السيناريوهات ستبقى مفتوحة في حال خروج نتنياهو من السياسة، ولا يمكن حسمها منذ الآن، لأن الكثير من المعادلات القائمة اليوم ستتغير كليا.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات