المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
براد بيت يصور فيلم "حرب الزومبي العالمية" (2013) في إسرائيل.  (وكالات)
براد بيت يصور فيلم "حرب الزومبي العالمية" (2013) في إسرائيل. (وكالات)

 "نتفليكس في الطريق إلى تل أبيب، هكذا تخطط الحكومة لتشجيع الإنتاج الأجنبي على التصوير في إسرائيل"- بهذه الكلمات عنون موقع "واللا" الاخباري خبر مصادقة الحكومة الإسرائيلية يوم 14/11/2021 على قرار "تشجيع الإنتاج الأجنبي".قرار الحكومة رقم 629 https://www.gov.il/he/departments/policies/dec629_2021 ويهدف القرار إلى تشجيع إنتاج الأفلام والمسلسلات التلفزيونية الأجنبية في إسرائيل، عبر إلزام مدير عام وزارة الاقتصاد والصناعة، من خلال هيئة الاستثمار والتنمية في الوزارة، بإصدار تعليمات لتشغيل مسار المساعدة، بالاتفاق مع وزارات الثقافة والرياضة والسياحة والمالية والخارجية. وترى إسرائيل أن هنالك نقصا في التعاون العالمي في مجال إنتاج الأفلام وأن هنالك حاجة للبدء في خطة منظمة لتحقيق تطلعاتها على هذا الصعيد. في هذا السياق يأتي هذا القرار كخطوة من شأنها تقوية الاقتصاد، وتعزيز الثقافة والسياحة والعلاقات الخارجية الإسرائيلية؛ كما أن جذب الإنتاجات الكبيرة سيساهم في تحسين صورة إسرائيل وتحويلها إلى واجهة لصناعة الأفلام.

يقوم هذا التقرير باستعراض القرار، ويقف عند بعض المحاولات لصياغة قرار مشابه، كما يتناول إسرائيل كواجهة للأفلام الأجنبية في محطات تاريخية مختلفة.

تشجيع التعاون الأجنبي في إنتاج وتسويق الأفلام والمسلسلات

سبقت القرار الحالي عدّة محاولات لتشجيع الإنتاج الأجنبي من ضمنها مبادرة ميخا حريش، وزير التجارة والصناعة في حكومة رابين الثانية، في العام 1993، تبعتها سلسلة من المحاولات لتبني خطة تشجع التعاون الأجنبي- الإسرائيلي فيما يتعلق بإنتاج الأفلام والمسلسلات. وفي العام 2008 تم إقرار قانون تشجيع إنتاج الأفلام في إسرائيل كأمر مؤقت وتعديل تشريعي، قانون تشجيع إنتاج الأفلام في إسرائيل. أنظر الرابط التالي: https://www.nevo.co.il/law_html/law01/500_028.htm والذي يقدم مزايا ضريبية وحوافز مادية أخرى لتغطية جزء من تكاليف الإنتاج الأجنبي والإنتاج المشترك؛ إلا أن القانون كان معقد الإجراءات، فقد طالب المنتجين الأجانب بتلقي عائداتهم من خلال شركات أفلام محلية، وكانت الحوافز المالية لا تزال أقل من تلك التي تقدمها البلدان الأخرى. وتم إلغاء القانون في العام 2013، بعد وصول نفتالي بينيت إلى وزارة الاقتصاد. ودفعت عدة مؤسسات معنية أبرزها جمعية منتجي التلفزيون والسينما الإسرائيليينتأسست جمعية منتجي التلفزيون والسينما الإسرائيلية في العام 1981، وتقود الجمعية جهود تنظيم صناعة الأفلام في إسرائيل وتعزيز القوانين والقرارات، بحيث تشارك في المداولات البرلمانية والنقاشات الخاصة بالقرارات الحكومية المتعلقة بالمحتوى الفني السينمائي التلفزيوني وإنتاجه، كما تعمل على المساعدة في إنتاج المزيد من المحتوى الإسرائيلي الأصلي للتلفزيون والسينما، ونشر هذا الإنتاج عالمياً. للمزيد حول الجمعية أنظر الرابط التالي: https://www.producers.org.il/؟lang=ar نحو القرار الحالي، وتمكنت من تضمين الإنتاج التلفزيوني ضمن الأعمال التي يشملها، واعتبرت أنها خطوة ستوفر آلاف الوظائف للإسرائيليين وعشرات الملايين من الشواكل التي ستصل إلى الاقتصاد الإسرائيلي مثل نتيجة استخدام خدمات كالرحلات الجوية والفنادق والمطاعم والنقل وغير ذلك، إضافة للدور الذي ستلعبه في رفع الإنتاج المشترك.

يخصص القرار الأخير مبلغ 45 مليون شيكل، تصرف خلال العامين 2022- 2023، من ميزانيات الوزرات المعنية، بحصص متفاوتة كجزء من الإجراء، وسيحصل كل عمل أجنبي يتم تصويره في إسرائيل على استرداد بنسبة 25% من نفقات الإنتاج.

ووفقاً لبيان نشره ديوان وزير الاقتصاد والصناعة بتاريخ 11/11/2021، يشكل هذا القرار طريقاً للتركيز على إسرائيل كعلامة تجارية إيجابية في العالم، وكمركز لتصوير الأفلام والمسلسلات العالمية، باستخدام المواقع الطبيعية والتاريخية الفريدة الموجودة في إسرائيل.إجراء جديد لتشجيع الإنتاج الأجنبي على القدوم إلى إسرائيل، موقع وزارة الاقتصاد والصناعة. أنظر الرابط: https://www.gov.il/he/departments/news/economy-news-111121 وبحسب البيان، فإن إسرائيل تتمتع بالعديد من المزايا في مجال صناعة الأفلام والمسلسلات، والتي تجعل منها وجهة مناسبة وجاذبة للمنتجين الأجانب، فهي تمتلك بنية تحتية جيدة يمكنها توفير مرافق وخدمات الإنتاج، إضافة إلى المهنيين المهرة وخريجي مدارس السينما الذين يمكنهم المساهمة في الانتاجات الأجنبية. ويشير البيان إلى أن خطوة مثل هذه ستكون بمثابة رافعة لتطوير الثقافة الإسرائيلية، والسياحة الداخلية، ومن المتوقع أن تدر ملايين الشواكل على الاقتصاد الإسرائيلي، من الإنتاجات التي سيتم تصويرها، بحيث ستوفر فرص عمل لعشرات الإسرائيليين. بالإضافة إلى ذلك، من شأن هذه الخطوة أن تساهم في تحسين صورة إسرائيل في العالم.

وبحسب وزيرة الاقتصاد والصناعة أورنا باربيفاي فإن "الطريق لتشجيع الإنتاج الأجنبي هو أداة أخرى لتشجيع وتقوية صناعة السينما والتلفزيون الإسرائيلية" وإن التعاون بين الوزارات الحكومية "يعكس الإمكانات الكامنة في المشروع وقدرته على تعزيز الاقتصاد والثقافة والسياحة والعلاقات الخارجية. واعتبر وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد أن "الإنتاجات الدولية الأصلية طريقة ممتازة وغير تقليدية لرواية القصة الإسرائيلية، وإظهار الوجه الحقيقي والمتنوع لإسرائيل للعالم".المصدر السابق. فيما شارك وزير المالية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان القرار على صفحته الشخصية على فيسبوك بعبارة: "الإنتاجات الأجنبية مدعوة للتصوير في إسرائيل"، متابعاً: "حان الوقت لنرى مواقع التصوير باللونين الأبيض والأزرق".صفحة الفيسبوك الشخصية لوزير المالية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان https://www.facebook.com/AvigdorLiberman/posts/4922650474414528

ومع هذا القرار ستنضم إسرائيل إلى العديد من الدول في العالم التي تشجع الإنتاجات الأجنبية التي يتم تصويرها في بلدانها. في أيلول من العام الماضي، على سبيل المثال، اعتمد البرلمان الأوكراني قانوناً يهدف إلى تعزيز الإنتاج السينمائي في أوكرانيا من خلال منح حوافز ضريبية لمنتجي الأفلام الأجانب والمحليين.

إسرائيل كموقع تصوير

تم تصوير العديد من الأفلام الأجنبية/ العالمية في إسرائيل منذ بداياتها، كان أولها في العام 1953 فيلم The Juggler الأميركي من إنتاج ستانلي كرامر Stanley Kramer وإخراج إدوارد دميتريك Edward Dmytryk وبطولة الممثل اليهودي الأمريكي كيرك دوجلاس Kirk Douglas، ويروى الفيلم قصة تكون إسرائيل مسرحاً لأحداثها. وتبعته مجموعة من الأفلام التي اتخذت من إسرائيل موقعاً تصويرياً أبرزها فيلم "إكسودوس". إلا أن إسرائيل، كموقع للتصوير، كانت وجهة للأفلام ذات الميزانيات المنخفضة، فمنذ ستينيات القرن الماضي، بدأت إسرائيل تروّج نفسها كوجهة غير مكلفة لتصوير الأفلام الأجنبية، وطرحت نفسها كبديل لجنوب إيطاليا، إضافة إلى توجهها الجدي نحو الإنتاجات المشتركة، مسوقة مواقع التصوير "متعددة المزايا"، حيث الطقس المشمس، والمواقع الأثرية والصحراوية، إلى الجبال المغطاة بالثلوج، كلها تقع في بلد صغير يمكنه توفير طواقم عمل محترفة متعددة اللغات والخدمات. مثال على الأفلام التي اتخذت من إسرائيل، وخاصة صحراء النقب، موقعاً لها، فيلم Madorn" (1970)" والذي بالرغم من أن موقع تصويره الأساس كان في هوليوود إلا أن مشاهد إطلاق النار، والمشاهد العنيفة الأخرى تم تصويرها في صحراء النقب.

وشكّل العام 1973 نقطة تحول في قطاع إنتاج الأفلام الأجنبية في إسرائيل، فقد دفعت حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973 المنتجين إلى إعادة النظر في كون إسرائيل الوجهة الأجنبية المفضلة لإنتاج أفلامهم، وتزامن هذا مع المقاطعة العربية لإسرائيل والتي ساهمت في إعاقة إنتاج الأفلام الأجنبية ذات الميزانيات الكبيرة. لم يقضِ التراجع هذا على الإنتاج الأجنبي في إسرائيل بشكل نهائي، فقد استمرت أفلام الدرجة الثانية من الاستفادة من إمكانيات وإمتيازات مواقع التصوير الإسرائيلية، ولكن بصورة محدودة.

لاحقاً، بدأت إسرائيل نفسها بالظهور في الأفلام الأجنبية مثل فيلم “Deadly Outbreak” العام 1995، ثم فلم جان كلود فان دام، في العام 2001 بعنوان “The Order” والذي يظهر بشكل مباشر مشهداً لفان دام في زي حسيدي يركض من الشرطة الإسرائيلية في البلدة القديمة في القدس. وتبع هذا الفيلم تصوير مجموعة من أفلام هوليوود في إسرائيل كان أشهرها “Rambo III” (1988)، والذي اتخذ من تل أبيب، يافا، إيلات مواقع تصوير له، وفيلم نتالي بورتمان “A Tale of Love and Darkness” (2015)، وهو فيلم مأخوذ عن رواية السيرة الذاتية للكاتب الإسرائيلي عاموس عوز، وتتحدث فيه بورتمان اللغة العبرية، وقد تم تصويره في القدس. لمزيد حول أفلام تم تصويرها في إسرائيل: https://www.israel21c.org/how-israel-became-b-movie-central/
https://www.timeout.com/israel/movies/ten-hollywood-films-you-wouldnt-believe-were-shot-in-israel

الحوافز الحكومية والدور الرقابي

للنظر إلى العلاقة بين إنتاج الأفلام الأجنبية في إسرائيل وبين الدور الحكومي في دعم و/ أو تعطيل هذا النشاط، لا يكفي فقط أن ننظر إلى القرارات الحكومية، ومشاريع القوانين التي من شأنها دعم هذه الخطوة. فحادثة فيلم “Jesus Christ Superstar” (1973) وردود الفعل الحكومية، وإجراءات المقاطعة، وفرض الرقابة لاحقا، تسلط الضوء على التداخل بين الحكومة وبين الإنتاج الفني في إسرائيل؛ حيث إن الجدل الذي أثاره الفيلم عند عرضه دفع الحكومة الإسرائيلية آنذاك لاتخاذ سلسلة من الإجراءات بعد وصف الفيلم بأنه معاد للسامية، ويسيء لليهود واليهودية بشكل سافر. وفي بيان لها نفت الحكومة الإسرائيلية أي علاقة مباشرة بينها وبين منتجي الفيلم، واتخذت مجموعة من الإجراءات فأمرت وزارة الخارجية الإسرائيلية مسؤولي القنصلية الإسرائيلية في نيويورك ولوس أنجلوس بعدم حضور افتتاح الفيلم في مدنهما. ودفع الجدل حول الفيلم عدداً من المسؤولين الإسرائيليين، بمن فيهم وزير الخارجية آبا إيبان، إلى اقتراح قيام الحكومة بتشكيل لجنة دائمة لفحص نصوص الأفلام التي يرغب المنتجون الأجانب في تصويرها في إسرائيل. وتبدو مبادرة الحكومة اليوم لتشجيع تصوير الأفلام الأجنبية في إسرائيل كحلقة في سلسلة الإجراءات الحكومية المدروسة لتشكيل صورة معينة لإسرائيل عالمياً وتحسينها، وكخطوة علاقات عامة، تأخذ بعين الاعتبار المناخ السياسي السائد.
خلاصة

اللافت للنظر أن معظم الأخبار التي تناولت موضوع القانون الجديد أرفقت خبرها بصورة لشعار نتفليكس أو بصور لمسلسل "فوضى"، وهذا يدفع للتساؤل حول مكانة النجاح الذي حققته المسلسلات الإسرائيلية المعروضة على منصة العرض نتفليكس، ومسلسل "فوضى" تحديدا، في التطلعات نحو تحقيق المزيد من النجاحات الإسرائيلية في مجال إنتاج الأفلام والمسلسلات عالميا، وهذه المرة كحاضنة للأعمال الأجنبية. وبالإضافة إلى المكسب الاقتصادي الذي ستجنيه إسرائيل عبر استقطاب شركات إنتاج عالمية لتصوير أفلامها على أرضها، فإن موضعة إسرائيل كوجهة لمنتجي الأفلام والمسلسلات تهدف إلى محاولة تحدي جهود المقاطعة الاقتصادية والثقافية، وتطبيع وجود إسرائيل الثقافي والذي يؤدي إلى تطبيع حالة العنف التي ترافق وجودها بشكل تلقائي عبر تجاوزها أو التغاضي عنها أو حتى تحديها، من خلال استئناف الدعوات لإنتاج أعمال فنية في إسرائيل، بعد أن كانت، فيما سبق، مترددة وخجولة أو شبه غائبة، خاصة بعد تكرار عدة حوادث لوقف أكثر من عملية تصوير في إثر حرب طارئة تقرر إسرائيل خوضها. وتظهر المحاولة الجادة، هذه المرة، على شكل قانون تسنه الحكومة وتشترك في تنفيذه عدة وزارات وهيئات حكومية كمحاولة للاستفادة من النجاح الذي لاقته المسلسلات الإسرائيلية التي تبثها نتفليكس، إضافة إلى الاستفادة من موجة التطبيع الأخيرة مع عدد من الدول العربية.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات