المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
صورة تجمع نتنياهو وكاتس في حزيران الماضي.  (فلاش90)
صورة تجمع نتنياهو وكاتس في حزيران الماضي. (فلاش90)

تمثل أحد أبرز المتغيرات في الكنيست الإسرائيلي، ابتداء من العام المنصرم 2021، بعد أربع جولات انتخابية في غضون 23 شهرا، وآخرها شهر آذار الماضي، في توسيع نطاق ما يسمى "القانون النرويجي"، الذي يجيز استقالة وزير من عضوية البرلمان، ليدخل نائب من حزبه مكانه، مع حقه بالعودة لمقعده البرلماني، في أي وقت، أو في حال استقالته من الحكومة، إذ أن هذا النمط منح الائتلاف استقرارا في الحضور في الكنيست لمواجهة المعارضة، إلى جانب متغيرات واضحة في أجواء العمل البرلماني، مقارنة مع ما سبق. في المقابل، يبدو أن المعركة في الليكود بدأت تسخن، بمبادرة رئيسه بنيامين نتنياهو الذي "فتح النار" على منافسيه المفترضين.

"القانون النرويجي"

بدأ الكنيست في تطبيق هذا النمط، الذي تأسس في النرويج منذ سنوات طويلة، في العام 2015، حينما كان ائتلاف حكومة بنيامين نتنياهو، بعد انتخابات ذلك العام، يرتكز على 61 نائبا، من أصل 120 نائبا، ما يجعل كل الوزراء مقيدين خلال عملهم الوزاري بأيام عمل الهيئة العامة للكنيست، وبشكل خاص يومي الاثنين والأربعاء أسبوعيا، والمخصصين للتشريعات الحكومية والخاصة.

وكان تطبيق القانون جزئيا في العام 2015، بحيث شمل ما بين 6 إلى 8 وزراء، من أصل قرابة 24 وزيرا. وعند تشكيل حكومة نتنياهو التالية في العام 2020، بشراكة مع حزب "أزرق أبيض" برئاسة بيني غانتس، كان الائتلاف أيضا ضيقا نسبيا، وجرى توسيع القانون قليلا، ليشمل عددا أكبر من الوزراء، المسموح لهم بالاستقالة من عضوية الكنيست.

أما الحكومة الحالية، التي ترتكز هي الأخرى على 61 نائبا من أصل 120 نائبا، فقد عملت على توسيع كبير للقانون، ما فسح المجال لاستقالة 20 وزيرا من أصل 28 وزيرا، ونائب وزير من أصل 6 نواب وزراء، من عضوية الكنيست، في حين أن وزيرا واحدا، نحمان شاي، من حزب العمل، هو أصلا ليس عضو كنيست.

وهذا يعني أن 21 عضو كنيست يجلسون على مقاعدهم بشكل مؤقت، إذ أن أحدا منهم لم يفز بمقعد برلماني، وفق النتائج النهائية للانتخابات، وبدأوا يدخلون للكنيست تباعا، بحسب استقالة الوزراء من حزبهم من عضوية الكنيست. وكل واحد منهم لا يعرف مستقبله البرلماني، ومصيره مرتبط بقرار الوزير المستقيل، في حال قرر إنهاء منصبه الوزاري، أو في حال استقالت الحكومة كلها. بكلمات أخرى، فإن أيا من هؤلاء النواب ليس حرا في مقعده البرلماني، وبالتالي فإنه مقيّد أكثر من غيره بقرارات الحكومة، ولا احتمال أمامه لأن يتمرد ويعترض على أي قرار، ويهدد بالتصويت ضده، لأنه في هذه الحالة قد يفقد منصبه، بأن يقرر الوزير الذي استقال من الكنيست العودة مباشرة إلى مقعده لينهي حالة التمرد، التي من شأنها أن تهدد الأغلبية الهشة للائتلاف.

عمليا، فإن التركيبة البرلمانية من حيث الائتلاف أمام واقع جديد لم يعرفه الكنيست من قبل، من حيث مدى تماسك الائتلاف على مستوى النواب، إذ أن احتمالات الانشقاقات والخلافات داخل الكتلة البرلمانية قد تراجعت، ما يؤثر تلقائيا على قراءة مستقبل الحكومة، إذ يجب أخذ هذا الجانب بالحسبان.

ويشار إلى أن هذا التطبيق لـ"القانون النرويجي" هو بموجب قانون مؤقت، مرتبط بعمر الحكومة الحالية، وفق سلسلة قوانين مؤقتة أقرها الكنيست لضمان ثبات الائتلاف الحالي. ويبقى السؤال، حول مدى استخدام كل حكومة مقبلة هذا التطبيق الواسع للقانون وتحويله لقانون ثابت.

واجهت الحكومة عند تشكيلها انتقادات في وسائل الإعلام، بسبب الكلفة العالية لتطبيق القانون لأن الأمر يتعلق بإضافة كلفة 21 عضو كنيست جديد، إذ أن الوزراء يتلقون رواتبهم كوزراء، ويضاف لهم الآن 21 عضو كنيست، مع طواقم مساعدين لكل واحد منهم، عدا الصرف الخاص بعمل كل عضو كنيست، وهذا يعني سنويا كلفة إجمالية تقارب 36 مليون شيكل سنويا (11.5 مليون دولار)، وفي حال صمدت الحكومة لأربع سنوات، فإن هذا يعني إجمالي صرف 144 مليون شيكل (46 مليون دولار).

وسيكون الاستمرار بتطبيق هذا القانون مستقبلا، منوطا بحجم الحكومة التي ستنشأ، فإذا كانت ذات أغلبية هشة، فإنها ستواصل العمل بالقانون، وفي حال كانت ذات أغلبية واضحة، لنقل من 65 نائبا وما فوق، فإنها ستواجه انتقادات أكبر، في حال قررت الاستمرار بتطبيق "القانون النرويجي" بالتوسيع القائم.

ظهرت في سنوات الألفين الأولى أفكار تبعتها مداولات لزيادة أعضاء الكنيست الـ 120، بنحو 30 عضو كنيست آخر، بادعاء أن عدد المواطنين ازداد عدة أضعاف منذ العام 1948، وحتى بدأ الحديث حول مدى جاهزية مبنى الكنيست لاستيعاب 30 عضو كنيست جديد، وها هو الآن ثبت أن المقاعد موجودة في الهيئة العامة، وكذا المرافق. إلا أن هذا الملف تم طيّه لعدة أسباب، من بينها الكلفة العالية لهذه الزيادة. وزيادة كهذه، لو حصلت، ما كانت ستلغي يوما إمكانية تشكيل حكومة بأغلبية نائب واحد ما يعني العودة إلى ذات الدوامة.

مستقبل الحكومة

وعودة لما ذكر هنا، فإنه مع انتهاء العام 2021 ومرور نحو 7 أشهر على عمل الحكومة، لا تبدو هناك أزمات في الحكومة من شأنها أن تهدد وجودها، وكما يبدو لأشهر طويلة من الآن إلا إذا ظهرت مفاجآت لا مؤشر لها حاليا.

ويساهم في هذا المشهد ليس "القانون النرويجي" فقط بل أساسا إدراك جميع الكتل البرلمانية الثماني التي تشكل الائتلاف الحالي، حقيقة أنها تقف كلها على سجادة ضيقة واحدة، وأي اهتزاز فيها، سيقود إلى خسائر حزبية لجميع الكتل بدون استثناء، إن كانت خسائر في القوة البرلمانية، في حال تم حل الكنيست والتوجه لانتخابات جديدة، أو من حيث المكانة في سدة الحكم، التي تحظى بها كل واحدة من الكتل، التي باستثناء واحدة منها كلها كتل صغيرة، حازت على مكانة حكومية كبيرة.

وجعل هذا الإدراك في الكتل الثماني كل واحدة منها تعرف مصلحة وحدود الكتل الأخرى، ولذا فهي تسعى لضمان الحد الأدنى المطلوب من كل واحدة منها، في حين أن كتلتي ميرتس، التي تمثل ما يسمى "اليسار الصهيوني"، والقائمة العربية الوحدة، تبدوان كمن تتمسكان بطرف "السجادة"، كي لا تقعا مقابل مكاسب هامشية.

فكتلة ميرتس، التي كانت تظهر وكأنها "مقاتلة برلمانيا" ضد سياسات اليمين الاستيطاني، تتماشى حاليا مع كل هذه السياسات، وتصمت على كل مشاريع الاستيطان، واعتداءات المستوطنين، وصولا إلى مشاركة وزراء ميرتس في جلسة حكومتهم في مرتفعات الجولان السوري المحتل، في الأسبوع الماضي، بهدف إقرار خطة لمضاعفة الاستيطان هناك.

أما كتلة القائمة العربية الموحدة، بزعامة عضو الكنيست منصور عباس، فإنها تظهر تباعا، كمن تتخلى عن كل ثوابت المواقف الوطنية الفلسطينية، وبرز هذا في الأيام الأخيرة بتكرار تصريحات منصور عباس ودعواته للرضوخ لتعريف إسرائيل لنفسها "دولة يهودية"، وتأييد نواب الكتلة الأربعة لثلاثة قوانين عسكرية، أحدها يواصل تجنيد الجيش لقمع الأسرى في السجون الإسرائيلية.

في حال استمر استقرار الحكومة الحالية، فإن هذا سينقل الأنظار إلى محطتين مقبلتين: الأولى في النصف الثاني من العام الجديد 2022، حينما ستعمل الحكومة على إقرار موازنة العام 2023، ولربما أيضا ميزانية العام 2024 سوية. وفي حال تم عبور هذه المحطة، ستتجه الأنظار إلى رئيس الحكومة نفتالي بينيت، إذا ما كان سيفي بشروط تشكيل الحكومة، ويسلم الرئاسة في شهر آب 2023 لشريكة، يائير لبيد، رئيس حزب "يوجد مستقبل".

نتنياهو بدأ معركة بقائه

بيّنت سلسلة من التحركات في حزب الليكود أن رئيس الحزب بنيامين نتنياهو يبادر بنفسه، بشكل مباشر أو غير مباشر، لعراك مع منافسيه الأقوى المفترضين، وحاليا ضد من كان الرئيس الأسبق لبلدية القدس، نير بركات، وأيضا النائب يسرائيل كاتس، المعروف بأنه قوي في قواعد الحزب الدائمة.

ففي الأيام الأخيرة، هاجم نتنياهو، كلا من بركات وكاتس، لكونهما حسب رأيه، يرتكزان على المنتسبين الجدد نسبيا لحزب الليكود، أو حسب التسمية الإعلامية "الليكوديون الجدد"، مدعيا أن "الليكوديين الجدد"، ما هم إلا "أحصنة طروادية"، بحسب تعبيره، متسللين من صفوف مصوتي أحزاب أخرى، أسماها "يسار"، وحتى من مصوتي "القائمة المشتركة" بحسب مزاعمه، بهدف المشاركة فقط في الانتخابات الداخلية لحزب الليكود لإسقاط نتنياهو، ما يعني من ناحيته أن هؤلاء ليسوا أعضاء حقيقيين في الليكود.

ونقلت وسائل إعلام عن نتنياهو قوله، في اجتماعات مغلقة لأتباعه، عن بركات وكاتس، إنهما يعملان بالتعاون في ما بينهما من أجل الحصول على دعم الليكوديين الجدد في الانتخابات المقبلة في الليكود، وأنهما يعملان لمنع إبعاد هؤلاء من قوائم منتسبي الليكود.

وانضم لنتنياهو في الهجوم نجله يائير، الذي هاجم بركات وكاتس وعدداً من أعضاء الكنيست من الليكود، الذين بحسبه، مثلوا أمام محكمة الليكود، الداخلية، يدافعون عن المنتسبين الجدد، خلال مداولات المحكمة في اعتراضات على أعداد كبيرة من المنتسبين الجدد لليكود.

لكن الأمر لا يتوقف هنا، بل كما يبدو فإن نتنياهو قلق من نير بركات أكثر من يسرائيل كاتس، ولربما بسبب الثراء الكبير لبركات، وقدرته على الصرف المالي الكبير في انتخابات الليكود الداخلية.

ومن أجل لجم قدرات بركات المالية، بادر عضو الكنيست، دافيد أمسالم، من أبرز التابعين لشخص نتنياهو في الليكود، لمشروع قانون يمنع منافسا في انتخابات حزبية داخلية من تمويل ذاتي لحملته بأكثر من 100 ألف شيكل (نحو 32 ألف دولار)، والقصد بالتمويل الذاتي هو أن يكون من المنافس مباشرة أو من أبناء عائلته، ومن أقربائه من الدرجة الأولى، مثل الأشقاء وأبنائهم.

وألقت وسائل الإعلام على مشروع القانون كنية "قانون نير بركات"، بقصد أن القانون يستهدف شخص بركات.

والمفارقة أن أمسالم يتحدث عن فرص متساوية بين من ليس لهم، وبين أصحاب القدرات المالية، في حين أنه لا يستطيع أي شخص المنافسة في الأحزاب الكبيرة، خاصة الليكود، إن كان على رئاسة حزب، أو على مكان مضمون في قائمة الحزب في الانتخابات البرلمانية، من دون تمويل ضخم، يأتي غالبا من "متبرعين"، هم بالغالب من أصحاب رؤوس الأموال، الذين لهم مصالح مباشرة في الوزارات، والإجراءات والقوانين الاقتصادية، وأخرى ذات صلة بمصالحهم.

وكما يبدو أيضا، فإن تحركات ضد نتنياهو تجري بالتوازي في صفوف وأروقة الليكود، وهذا برز في بدء المراقب الداخلي لحزب الليكود، شاي غليلي، في فحص تعيينات جديدة في إدارة الليكود، وفي مكتب رئيس الحزب نتنياهو، بناء على شكاوى تلقاها المراقب من أعضاء الحزب.

وحسب ما نشر، فإن التركيز على نيفو كاتس، الذي عيّنه نتنياهو مستشارا له لشؤون الاستيطان، على حساب ميزانية الحزب، فور إنهاء نتنياهو منصبه في رئاسة الحكومة.

وقال المراقب في رسالة إلى نتنياهو، طالبا توضيحات منه بشأن التعيين، إن وظيفة هذا المستشار ليست حيوية لحزب الليكود، وهو لا يؤدي عملا يخدم عمل الليكود ككل.

كل هذا يجري في الليكود، في الوقت الذي لم يتم فيه تحديد موعد لانتخابات الحزب الداخلية، وخاصة رئاسة الحزب. وقد حاول نتنياهو إجراء انتخابات سريعة، إلا أن محاولاته قوبلت بالرفض، حتى قبل أن تصدر على الملأ.

وحتى الآن ينافس نتنياهو على رئاسة الحزب يسرائيل كاتس، ونير بركات، ويولي إدلشتاين، رئيس الكنيست الأسبق، في حين أعلن النائب آفي ديختر عزمه المنافسة، ولكن لم يعلن هذا رسميا، إضافة إلى أسماء أخرى قد تظهر لاحقا. وفي حال جرت هذه الانتخابات بهذا العدد من المنافسين، فإنها المنافسة الأكبر التي سيشهدها الحزب منذ العام 2009، ولربما ستكون المنافسة الأكثر جدية منذ ما يزيد عن 25 عاما، حينما كانت المنافسة الشديدة بين نتنياهو وغريمه الأسبق دافيد ليفي.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات