المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
غانتس يوقع اتفاق الإطار مع وزير الدفاع المغربي عبد اللطيف لوديي. (أ.ف.ب)
غانتس يوقع اتفاق الإطار مع وزير الدفاع المغربي عبد اللطيف لوديي. (أ.ف.ب)

أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس من العاصمة المغربية الرباط، في الرابع والعشرين من تشرين الثاني الحالي، عن التوقيع على اتفاق إطار أمني بين المغرب وإسرائيل، وهو اتفاق وصفه غانتس قبل أن ينطلق في رحلته الجوية المباشرة والعلنية لأول وزير دفاع إسرائيلي إلى الرباط، بأنه "ذو طابع تاريخي"، وأنه يهدف إلى "وضع حجر الأساس لإقامة علاقات أمنية مستقبلية بين البلدين" ستضمن البناء على العلاقات السابقة "وتزيدها إلى الحدّ الأقصى" وفق تعبيره.

المغرب رابع دولة عربية تطبّع علاقاتها مع إسرائيل، بعد الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان، ضمن موجة التطبيع الجديدة في عهدي ترامب – نتنياهو، وهي الاتفاقيات التي عرفت بـ"اتفاقيات أبراهام" التي رعتها وأشرفت عليها، وتوسطت من أجل التوصل إليها، إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وشكلت بمجملها ترجمة حرفية لرؤية رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو المضمّنة في "صفقة القرن" عن تحقيق سلام إقليمي أولا وتأجيل حل القضية الفلسطينية، من خلال الاكتفاء بتحقيق السلام الاقتصادي مع الفلسطينيين، وهي الحالة التي رأى فيها كثير من المحللين والسياسيين الفلسطينيين والعرب نسفاً لمبادرة السلام العربية التي وضعت قيام الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس شرطاً مسبقاً لأي تطبيع مع إسرائيل.

علاقات قديمة

تجمع المغرب بإسرائيل علاقات تعاون سرية قديمة تعود لستينيات القرن الماضي، تخللها تعاون وتنسيق أمني رفيع المستوى في قضايا حساسة، وهذه العلاقة مكنت المغرب من لعب دور الوسيط بين مصر وإسرائيل وإدارة شبكة علاقات سرية معقدة بين البلدين توجت بلقاء جمع في العام 1977 بين وزير الخارجية الإسرائيلي، في ذلك الوقت، موشيه ديان مع المبعوث الشخصي للرئيس المصري أنور السادات، حسن التهامي، وهو اللقاء الذي مهد لزيارة السادات للقدس في 19 تشرين الثاني من نفس العام، وإلقائه الخطاب المشهور أمام الكنيست الإسرائيلي وما تلا ذلك من توقيع اتفاقيات كامب ديفيد والانسحاب الإسرائيلي من شبه جزيرة سيناء.

العلاقات المغربية الإسرائيلية كانت تتخذ أحيانا من وجود تجمع إسرائيلي كبير من أصول مغربية، واستمرار وجود صلات اجتماعية وعائلية بين هذا التجمع وبقايا الجماعة اليهودية في المغرب، سندا لها في تبرير العلاقات السياسية والإنسانية، وتعزز ذلك الروايات المنتشرة في صفوف اليهود المغاربة عن المعاملة الجيدة التي حظي بها اليهود تاريخيا من قبل العرش المغربي، وكذلك الحماية التي وفرها الحكم المغربي لليهود إبان الحقبة النازية، لكن معظم المحللين يذهبون إلى توافق المصالح السياسية والأمنية بين نظامين صديقين للغرب وللولايات المتحدة على وجه الخصوص وتجمعهما وجهات نظر مشتركة تجاه قضايا العالم.

تواصلت العلاقات المغربية- الإسرائيلية السرية وشبه العلنية، حيث زار شمعون بيريس المغرب واجتمع مع الملك المغربي في العام 1986 أثناء توليه رئاسة الحكومة في إسرائيل، وتبعتها زيارات لمسؤولين آخرين بشكل سري، إلى أن أعلن عن اقامة علاقات دبلوماسية في العام 1995 ما بعد توقيع اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير وإسرائيل، والذي لعبت المغرب دورا هاما في تشجيع الطرفين للتوصل إليه.
توقفت العلاقات الرسمية بين البلدين في العام 2000 في إثر اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، إلى أن عادت وتجددت، من خلال إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب في شهر كانون الأول 2020 عن التوصل إلى اتفاق يعيد العلاقات بين البلدين، وتعترف بمقتضاه الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية التي كانت وما زالت محل نزاع مع جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، مقابل تطبيع كامل للعلاقات بين إسرائيل والمغرب.
التوقيت والأبعاد

يرى بروس مادي وايزمان، المحاضر في جامعة تل أبيب والمتخصص في العلاقات المغربية- الإسرائيلية، أن توقيت زيارة غانتس للمغرب "لم يأت مصادفة بكل ما ينطوي عليه من أبعاد"، خاصة وأن الزيارة سجلت على أنها الأولى العلنية لوزير دفاع إسرائيلي للمغرب "في سياق التوتر مع الجزائر، وربما يرغب المغاربة في أن يظهروا للعالم، ولشعبهم وخصومهم الجزائريين وكذلك للغرب، أنهم بصدد تعميق علاقاتهم مع إسرائيل، مع كل ما يستتبع ذلك".

العلنية التي امتازت بها هذه الزيارة، والاتفاق الأمني الذي نتج عنها، دفعا صحيفة "معاريف" لأن تصف الاتفاق "بأنه غير مسبوق"، حيث أكد مصدر أمني للصحيفة "بأنه ينطوي على قيمة استراتيجية وليس رمزية فقط"، وأن إسرائيل ترى فيه "أهمية كبيرة لتعميق التعاون الأمني، وتنشيط صفقات السلاح وتبادل المعلومات الاستخباراتية والتدريبات والأبحاث".

أهمية التوقيت وفق "معاريف" تكمن في "الوضع السياسي والأمني المعقد الذي تمر به المغرب، بعد انهيار وقف إطلاق النار مع جبهة البوليساريو وتصاعد التوتر مع جارتها الجزائر"، وهي أزمة تتزامن مع تصاعد اللهجة التصعيدية بين إسرائيل وإيران، خاصة أن المغرب "يتهم إيران وحزب الله بالعمل ضد مصالحه" وهو ما يجعل الاتفاق وفق الصحيفة "طبيعيا جدا".

الصحافي في صحيفة "معاريف" طال ليف- رام، والذي رافق الوفد الإسرائيلي، شدد في مقابلة مع راديو103FM على أهمية عنصر العلنية في الاتفاق والرسائل التي ينطوي عليها في الإقليم معتبرا أن الأهمية الكامنة في الاتفاق "ليست في قضية بيع السلاح بل في العلنية (بحد ذاتها) وأي مقولة تعبر عنها خاصة في تحديها لإيران".

صحيفة "هآرتس" بدورها اتفقت مع توصيف الزيارة بأنها "غير مسبوقة" حيث نقلت عن رئيس الدائرة السياسية الأمنية في وزارة الدفاع الإسرائيلية، زوهار بالتي، أن "انطلاق طائرة تقل وفدا أمنيا وضباطا بزيهم العسكري من مطار بن غوريون لتهبط في الرباط بشكل علني يعد حدثا غير مسبوق" ستكون له تأثيرات بعيدة المدى "لصالحنا في المنطقة"، وهي الرسالة التي شدد عليها مصدر أمني لذات الصحيفة (24/11/2021) "بأن العلاقة تشكل حجر زاوية في أمن إسرائيل، ولا تقتصر على بيع السلاح، بل تقوية علاقتنا في المنطقة" في ظل التعقيدات التي تشهدها العلاقة بين المغرب والجزائر "المدعومة بالسلاح من روسيا وإيران"، وهو ما يجعل من "العلنية" في الزيارة "رسالة مهمة ترسلها المغرب إلى الجزائر".

موقع "مكور ريشون" نظر إلى علنية الزيارة على أنها "ستزيد من شرعية إسرائيل وسياساتها في المنطقة"، خاصة عندما تكون هذه الزيارة لدولة "فيها 37 مليون مسلم" كما أنها ستخدم المغرب من خلال "تعزيز قواتها وإمكانياتها في مواجهة عدوتها اللدود الجزائر".

يتضح أن عنصر "العلنية" الأقرب إلى الاستعراض، هو واحد من أهداف هذه الزيارة والاتفاقيات الأمنية المترتبة عليها، وهذا إلى جانب حسناته وما سيقدمه من إنجازات للطرفين، في ظل الصراع الذي تواجهه كل واحدة منها في المنطقة، والتي اعتبرها رئيس الدائرة السياسية الأمنية في وزارة الدفاع الإسرائيلية خلال إحاطة لمراسلين إسرائيليين رافقوا غانتس إلى المغرب، "لحظة تقاطع مصالح"، حيث أن المغرب "تحارب الإرهاب على عدة جبهات طوال سنين، وتكافح القاعدة ومنظمات جهادية إسلامية"، وهو ما يمكن اعتباره "إحدى ذرى اتفاقيات أبراهام".

الا أن هذا الحدث قد يفرض على إسرائيل وضعا كانت تتجنبه في السابق، وهو التدخل مباشرة في الصراع المغربي الجزائري، حيث أشارت صحيفة "هآرتس" (24/11/2021) إلى أن إسرائيل "كانت تجنبت التدخل المباشر (حتى الآن) في قضية الصحراء الغربية، إلا أن العلنية في العلاقات، وتعزيزها أمنيا مع المغرب سيدفع الاستخبارات الإسرائيلية إلى دراسة وضع الصحراء الغربية وحاجاتها الأمنية في ضوء التحديات التي تواجهها".

قلق جزائري وإقليمي

تتعزز هذه الحاجة من خلال صفقات السلاح التي تم إبرامها بين المغرب وإسرائيل، وكشفت عنها القناة 12 والتي ستصل إلى مئات ملايين الدولارات وستتضمن طائرات مسيرة من إنتاج الصناعات العسكرية الإسرائيلية بالإضافة إلى منظومات دفاع جوية متقدمة (برق 8) وأسلحة كانت إسرائيل ترفض بيعها للمغرب سابقا.

التعاون الأمني المغربي الإسرائيلي أثار اهتماما كبيرا بسبب وزن المغرب وموقعها الجيوسياسي ودورها في شبكة العلاقات الأوروبية- الأفريقية، والعربية- الأفريقية فضلا عن موقعها في منظمة التعاون الإسلامي لا سيما وأن المغرب تترأس لجنة القدس التابعة لهذا المحفل الدولي الكبير، كما أثار هذا التعاون حفيظة الدول التي تشهد صراعات إقليمية وحدودية مع المغرب منذ عقود وخاصة الجزائر وإسبانيا، خاصة بعد الكشف عن نية إسرائيل بناء قاعدة عسكرية في بلدة أفسو القريبة من مليلة ومغنية، وفق ما ذكره موقع "إسبانيول" في الثامن عشر من تشرين الثاني وما قبل زيارة غانتس للمغرب، حيث كشف أن المغرب وإسرائيل يعتزمان تشييد قاعدة عسكرية في بلدة أفسو (شمال شرقي المغرب) تبعد عن مليلة مسافة 68 كم تقريبا وعن مغنية الجزائرية مسافة 180 كم، وترى الجزائر وإسبانيا أن كل تعاون أو اتفاق بين المغرب وإسرائيل يهدد أمنهما.

الجزائر اعتبرت أن "زيارة غانتس للمغرب تستهدفها"، وفق تصريحات أدلى بها رئيس مجلس الأمة الجزائري صالح قوجيل، الذي شدد في خطاب له أمام مجلس الأمة الجزائري على البعد الأمني للزيارة التي اعتبر أنها "لو كانت من طرف وزير سياحة أو اقتصاد للكيان الصهيوني، فقد يمكن تفسيرها على أنها تدخل في إطار علاقات كانت موجودة من قبل بين هذا البلد (المغرب) والكيان الصهيوني، حتى ولو كانت مخفية، ولكن عندما يتعلّق الأمر بزيارة وزير دفاع هذا الكيان للمغرب، فإن الجزائر هي المقصودة (المستهدفة)".

ورمى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بثقله في هذه القضية فأعلن في خطاب نقلته وسائل الإعلام الجزائرية والعربية مساء 26/11/2021 أنه "يأسف لاتفاق المغرب مع إسرائيل" في التعاون الأمني والعسكري والذي وقعه غانتس مع قيادة الجيش المغربي خلال زيارته للرباط، وأكد تبون أن "تهديد الجزائر من المغرب خزي وعار ولم يحدث منذ 1948". وأشار الرئيس خلال حديثه مع ممثلي وسائل إعلام محلية، إلى تصريحات نقلتها وسائل إعلام مغربية عن وزير خارجية إسرائيل، يائير لبيد، قال فيها "نحن نتشارك مع المملكة القلق بشأن دور دولة الجزائر في المنطقة، التي باتت أكثر قربا من إيران وهي تقوم حاليا بشن حملة ضد قبول إسرائيل في الاتحاد الأفريقي بصفة مراقب"!

صفقات سلاح وأبعاد اقتصادية وثقافية

ثمار الاتفاق المغربي- الإسرائيلي وتطبيع العلاقات بين البلدين لن تقتصر على الشق السياسي والاستراتيجي والأمني، اذ سينتج عنه تعاون اقتصادي وعسكري وانفتاح سياحي وثقافي، إلى جانب صفقات السلاح التي وقعت بمئات ملايين الدولارات والتي كشفت عنها القناة 12. وأعلن القائم بأعمال مكتب الاتصال الإسرائيلي في المغرب ديفيد غوفرين، في تغريدة له على موقعه على تويتر يوم 62/11/2021، عن التحضير "لتوقيع اتفاقية توأمة بين مدينتي أزمور المغربية وكريات يام الإسرائيلية" والتي اعتبرها "من أجمل مظاهر التجانس الثقافي وتعزيز الروابط الاجتماعية بين المغرب وإسرائيل"، فيما نشر موقع ذي ماركر الاقتصادي في 24/11/2021 أن قسم العلاقات الدولية في مكتب غرفة التجارة يجري مسحا للاقتصاد المغربي لوضع خارطة للاستثمارات المستقبلية الممكنة في المغرب خاصة وأنها تحولت إلى هدف مفضل سياحيا لدى الجمهور الإسرائيلي وقد سبق ذلك إعلان شركة الخطوط الجوية المغربية عن إطلاق خط جوي مباشر يربط العاصمة الاقتصادية للمملكة وكبرى مدنها الدار البيضاء (كازابلانكا) بتل أبيب، وهو الخط الأول من نوعه انطلاقا من المغرب.

في مجال التصدير، يشير الموقع إلى الإمكانيات الكبيرة التي ستزود بها إسرائيل المغرب خاصة في مجالات التكنولوجيا الزراعية والمعدات الطبية المتقدمة والتكنولوجيا المتعلقة بتحلية المياه، إلى جانب مجالات السايبر والتقنيات الاستخباراتية المتقدمة والتي تأتي ترجمة للاتفاق الذي وقع في الرباط بين مسؤول منظومة السايبر في إسرائيل يغئال أونا، ونظيره المغربي الجنرال مصطفى الربيعي أثناء زيارة وزير الخارجية يائير لبيد للرباط الشهر الماضي، والتي تضمنت التوقيع على اتفاقيات تجارية واقتصادية بين البلدين من شأنها أن تنعكس على الاقتصاد الإسرائيلي بشكل مباشر.

وواجه الاتفاق المغربي- الإسرائيلي وتطبيع العلاقات بين البلدين، إلى جانب مخاوف الدول المجاورة للمغرب، انتقادات واسعة من قبل قوى مغربية وعربية. فاللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أصدرت يوم الجمعة 26/11/2021 بيانا شديد اللهجة، هاجم الاتفاق ووصفه بأنه "خروج عمّا نصت عليه القمم العربية والإجماع العربي ومبادرة السلام العربية، ويضر بالأمن القومي العربي ومصالح الأمة العربية" معبرة عن خيبة أملها من موقف المغرب "التي تترأس لجنة القدس" داعية إياها إلى التراجع عن هذا الاتفاق.

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات