المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
قوة أمنية إسرائيلية تراقب تظاهرة مناوئة لتفشي الجريمة وسط فلسطينيي الداخل وذلك في أم الفحم يوم 22 تشرين الأول الماضي. (أ.ف.ب)
قوة أمنية إسرائيلية تراقب تظاهرة مناوئة لتفشي الجريمة وسط فلسطينيي الداخل وذلك في أم الفحم يوم 22 تشرين الأول الماضي. (أ.ف.ب)

تتحدث الخطوط العامة التنفيذية لخطة الحكومة الإسرائيلية، المنشورة الشهر الماضي، لما أسمته "معالجة ظواهر الجريمة والعنف" في المجتمع العربي للأعوام 2022-2026، عن الحاجة إلى إبعاد المجتمع أو شرائح منه بالأحرى، عن دوائر الجريمة ومنع التدهور والانضمام إليها. وهو ما يتضمن، من بين أمور أخرى أشرنا إليها في مقال سابق قبل أسبوع (خطة الحكومة الإسرائيلية ضد الجريمة تجاهر بنوايا قمعيّة للاحتجاج السياسي تحت غطائها)، خلق أطر للتعليم والتشغيل وتأهيل شبان عرب من أجل دمجهم في مسار حياة معياري، ومعالجة العنف في مؤسسات التربية والتعليم وفي صفوف الشبيبة.

هذا يفترض أن يتم، وفقاً لهذا القرار الحكومي، بمرافقة ومساعدة السلطات المحلية العربية، بخصوص الشباب العرب من جيل 18- 24 عاماً ممن هم "خارج الأطر الثابتة"، تعليمياً وتشغيلياً. حددت الخطة هدف زيادة عدد الشبان في هذه الشريحة بـ 15 ألف شاب ضمن أطر تشغيل وتأهيل وتعليم وتعليم عال، إذ يفترض بوزارة التعليم أن تعمل، في إطار الموارد المخصصة في هذا القرار، على تنفيذ عدد من النشاطات: تفعيل خطة خماسية لتحقيق عدد من الأهداف بينها "تحسين وتطوير المناخ التربوي" وتعزيز "الشعور بالانتماء للطلاب على مستوى الصف والمدرسة"؛ رفع مستوى قدرات الطواقم التعليمية بخصوص مواجهة أوضاع من العنف في مؤسسات التعليم؛ تقليص التسرب الظاهر والخفيّ للطلاب من جهاز التعليم؛ رفع مستوى الشعور بالأمان والحماية لدى الطلاب وتقليص تورّط الطلاب بشكل جدي في حوادث عنف فيما بينهم.

من أجل تحقيق هذه الأهداف تم تحديد عدد من مسارات العمل الفعلية، منها تعميق التعاون بين جهات التربية والتعليم على مستوى مؤسسات التعليم وبين الجهات ذات الصلة على مستوى البلدة الواحدة. وتحديد ومعالجة الحالات التي يحتاج فيها الطلاب إلى تدخل، وذلك من خلال أشكال من التعاون وتوفير الموارد على مستوى السلطة المحلية، وزارة الرفاه والخدمات الاجتماعية، وسلطة الأمان الاجتماعي وغيرها. كذلك، تشدد الخطة على وجوب التركيز على المناطق والمواقع التي سجلت فيها نِسب عالية لملفات الجنوح والجنايات التي تم فتحها لأبناء شبيبة وذلك بالتنسيق مع جهات إنفاذ القانون والمعالجة ذات الصلة. من بين النشاطات التي يجب أن يتم تنفيذها: تفعيل خطة تشمل تحسين المناخ التعليمي وتطوير أدوات لتحديد الطلاب الذين في خطر عالٍ للتسرب وفقا لعدد من المتغيرات. كذلك مرافقة تربوية علاجية للطلاب الذين تبين أنهم في خطر وذلك من أجل ضمان وجود شخص مسؤول بالغ، بشكل جدي مؤثّر ومتواصل، لمساعدة هؤلاء الطلاب والمتابعة الجارية لحضورهم في المدرسة والاتصال بالجهات العلاجية والتأهيلية ذات الصلة في المجتمع وفي البلدة.

هناك إشارة أيضاً إلى وجوب توسيع رقعة إعطاء العلاجات على المستوى الفردي في القضايا السلوكية الخطرة، بما في ذلك الجهات ذات الصلة في السلطة المحلية العينيّة. وتفعيل خطة تربوية لمنع العنف في العائلة في إطار برنامج محدد يتضمن تأهيل مستشارات تربويات وطواقم تربية تعمل في إطار برنامج "مجتمعات وأزواج بدون عنف" في الصفوف الحادية عشرة في المدارس وفقاً لما تستدعيه الحاجة. وإقامة مراكز مرتبطة بالخدمات النفسية التربوية لمعالجة الطلاب الذين يعانون من مشاكل سلوكية بما في ذلك توسيع مساحة الردود العلاجية. تتحدث الخطة أيضا عن تفعيل عدد من البرامج التي يفترض بها خدمة كل تلك الأهداف المذكورة أعلاه، وذلك من أجل الوصول إلى تقليص الفجوات التعليمية وإعادة الطلاب إلى مسار التعليم الطبيعي.

فيما يتعلق بوزارة التربية ولتعليم مباشرة، تنص الخطة الحكومية على توجيه الجهات المهنية في الوزارة للمساهمة الفعالة في اللجان اللوائية التي سيتم تركيزها من قبل ممثلي "السلطة الوطنية للأمان المجتمعي" والمشاركة في تقديم البلاغات وفي عمليات الإشراف والرقابة من أجل إزالة كل العوائق التي يمكن أن تظهر خلال تفعيل هذه البرامج.

ألوف الشباب العرب خارج أطر التعليم والعمل

تتحدث الخطة أيضا عن تشجيع تشغيل الرجال العرب الشباب الذين يفتقرون إلى أطر تعليم أو تشغيل أو تأهيل ثابتة. وتضع أمامها هدف تقليص ما تسميه "انعدام الفِعل" في صفوف شباب عرب في أجيال 17- 25 عاما، وممن تتوفر في أوضاعهم الشروط التالية: لم ينهوا 12 سنة تعليمة، لا يتواجدون في إطار تشغيلي، ولا تأهيل مهني ولا تعليمي وغير مسجلين في مكاتب التشغيل رسمياً كمن يبحثون عن عمل.
أما الاقتراح التنفيذي فهو أن توضع أمامهم طرق للدخول في مسار حياة معياري طبيعي، وذلك من خلال تقديم المساعدة لهم على مواجهة المعيقات والاحتياجات العينية لهذه المجموعة من أجل الاندماج في دائرة العمل.

على المستوى الفعلي، تتحدث الخطة عن تحديد عيني والاستعانة بجهات وسيطة مثل الجمعيات من أجل الوصول إلى جمهور الهدف الخاص بهذه الخطة، بما في ذلك تحديد هؤلاء الشبان من قبل أصحاب وظائف محددين يتم تأهيلهم لذلك في المراكز البلدية أي على مستوى السلطة المحلية وبالتعاون مع جهات إضافية منها: وزارة التربية ولتعليم، مؤسسة التأمين الوطني (الضمان الاجتماعي)، السلطات المحلية، وقادة رأي عام في المجتمع وما شابه. وكل ذلك، تقول خطة الحكومة، من أجل خلق تواصل ملموس بين هؤلاء الشبان. لغاية زيادة الوضوح وإلغاء العوائق، سيتوجّب على أصحاب وظائف محددين الوصول إلى أولئك الشباب بالتنسيق مع الجهات الميدانية العاملة من قبل سلطة التطوير الاقتصادي وسلطة الشباب في وزارة المساواة الاجتماعية.

توجّه الخطة الحكومية إلى تفعيل برنامج بعنوان "سنة انتقالية" لمدة 6- 12 شهرا بحيث تشكل خطة شاملة ومكثفة للتطوير التشغيلي للشباب، وتشمل مركبات منها: المرافقة الشخصية وعلى مستوى مجموعات التأهيل المهني، تعليم اللغة العبرية ومنح الشباب مؤهلات إضافية يحتاجون إليها في سوق العمل.

هناك إيعاز بالقيام بما تسميه الخطة تأهيل هادف لشبان خارج الأطر التعليمية والتشغيلية أو التأهيل الثابت، بحيث تتيح لهم الاندماج في سوق العمل وتوفير ما ينقصهم من مؤهلات مطلوبة مثل معرفة اللغتين العبرية والإنكليزية، وإتقان والتمكّن من الوسائل الرقمية المختلفة، وتطوير مقاييس لفحص مدى فاعلية هذه الخطة ابتداء من العام 2023. وبموازاة ذلك إجراء بحث نوعي بخصوص الظروف التي تدفع بهؤلاء الشباب للبقاء خارج أطر العمل وخارج أطر التعليم أو التأهيل وأن يجري الفحص مع شرائح الشباب أنفسهم بشأن ماهية الخطوات أو الطرق التي يمكنها أن تشجّع اندماجهم في واحد من تلك الأطر.

تتحدث الخطة عن توجيه الجهات ذات الصلة على المستوى الميداني للقيام بدور فاعل في اللجان البلدية التي سيركزها ممثلو "سلطة الأمان المجتمعي" وفقا لخطة عمل ستتم بلورتها. توجه الخطة الحكومية سلطة التشغيل للعمل على زيادة الاستجابة لجمهور الهدف الشاب الذي تتحدث عنه بواسطة عدد من الوسائل والأدوات.

ملاحق هذه الخطة التي وضعتها جهات الاستشارة القانونية العاملة في الحكومة، تتحدث عن ضرورة وجود مركبات إضافية للمساهمة في الإطار التربوي والمجتمعي والرفاهي والتشغيلي، المخصص لإتاحة إجراء علاج شامل لقضايا عميقة متعلقة بإبعاد شرائح كبيرة، والشباب منها خصوصاً، عن دوائر الجريمة ومنع التدهور والانضمام إليها. وكذلك، وجوب القيام بنشاطات للعلاج ومنع العنف وتأهيل متورطين في الجريمة ومعالجة المتضررين من المخالفات.

كذلك توجد حاجة للقيام بنشاطات مختلفة على المستوى البلدي في الجوانب المتعلقة بمواجهة الجريمة وتعزيز القدرة على تعاطي مواجهة السلطة المحلية نفسها في هذه المجالات. هذه الخطة تشبه من حيث تركيبتها الخطة الحكومية السابقة من ناحية ضرورة التطرق إلى جوانب مجتمعية إضافية تتجاوز مسألة إنفاذ القانون مباشرة، ومواجهة العنف والجريمة على مستوى عيني ومحدد لا أكثر، نحو الذهاب إلى ضرورة إجراء بحث وتوفير علاج لما يمكن اعتباره بنية تحتية أو أرضية أو ظروف محيطة، متّصلة بنشوء هذه الظاهرة وتفاقمها في المجتمع العربي وخصوصا بين الشباب.

التعاطي مع جميع المسائل شريطة ألا تصل إلى قضية الأرض!

مثلما في خطط سابقة يبقى الامتحان في مستوى التطبيق، المستوى العملي. وهذا حتى قبل أن يتم فحص مدى الفاعلية المحتملة في المقترحات العينية التي تأتي بها الخطة. هنا يمكن إجراء مقارنة مع ما تضمنته خطط سابقة وخصوصا الخطة المفصلة الأخيرة التي صاغتها لجنة المديرين العامين للوزارات الحكومية الإسرائيلية، وترأسها مدير مكتب رئيس الحكومة. وكما أشرنا في مقال سابق تناول تلك الخطة، فقد خرج طاقم المديرين العامّين في الحكومة السابقة من النطاق الضيّق للتعاطي مع الجريمة كفعل مخالفة قانون فقط، وتناول سياقات اقتصادية- اجتماعية لها. وهذا ربط مهم بين خلفيات مركبة وبين سلوك اجتماعي ناجم عنها أو متأثر بها. وهو يتيح التعامل مع القضية بلغة وأدوات السياسة وليس بلغة إنفاذ القانون الضيقة جداً. إن مجرّد التطرّق إلى الجانب الاقتصادي، وهو الطبيعي والمفروض منطقياً وعلمياً في أي مكان آخر، يُعد "تطوراً" في الحالة الإسرائيلية؛ إذ تمّ على الدوام نسْب الجريمة والعنف بين المواطنين العرب إلى "ثقافتهم" أو "عدم احترامهم القانون". فجرى تجريم العرب بما يتعرضون له من عنف وجريمة. أما وقد تناول أخيراً مستند رسمي القضية من جانبها الاجتماعي- الاقتصادي، فهو عملياً تكذيب مهم لمجمل الخطاب الرسمي الدارج على ألسن عنصرية مختلفة وكثيرة في المؤسسة الحاكمة.

هذه الخطة الحالية أيضا سترافقها لجنة بمشاركة مدير عام مكتب رئيس الحكومة، والمدير العام لوزارة العدل، والمسؤول عن الميزانيات في وزارة المالية. مرة أخرى، بالإضافة إلى التأكيد على حضور الشرطة وأجهزة إنفاذ القانون في الحيز العام ووضع أهداف (متواضعة يجدر القول) لتقليص وخفض نسبة الجرائم، فإن مسائل متعلقة بالتعليم والعمل والتشغيل يتم إيرادها هنا. ولكن يمكن التحدث عن قضايا أخرى ومجالات كاملة أخرى ناقصة ولا يتم التطرق إليها.

ففي إسرائيل يتم التعاطي مع جميع المسائل والقضايا شريطة ألا تصل إلى قضية أساس هي الأرض. فالمدن والقرى العربية في حالة أشبه بالحصار ولا يمكنها أن تتطور وأن تتوسع مما يزيدها اكتظاظاً وازدحاماً. ثمة مساحة ثابتة للسكن، والمساحات للصناعة والاقتصاد والإنتاج والسياحة شبه معدومة، ولكن مع ازدياد مستمر في عدد السكان، والنتيجة هي اكتظاظ متزايد على نحو مستمر ولكن بدون أن ترافقه منشآت وفضاءات للتطور، سواء السكني أو الاقتصادي أو الثقافي والترفيهي للناس.

القضيّة العميقة المغيّبة هي أنه لا يمكن الحديث عن تشغيل وعن زيادة انخراط شباب غير عامل وغير متعلم في أطر تأهيلية وتعليمية وتشغيلية، طالما لم يتم توفير بنية تحتية تشغيلية وبدائل عمل في مناطق صناعية وفي مناطق إنتاج وفي مناطق تجارية تفتقر إليها معظم البلدات العربية. هذا إلا إذا كان المقصود مواصلة تشغيل شباب في مرافق وقطاعات تقع في بلدات يهودية حيث توجد مراكز تشغيل ومراكز تجارية ومراكز صناعية وما شابه، وإبقاء البلدات العربية بمثابة فنادق ينام فيها العمال بعد عودتهم منهكين من مراكز العمل والتشغيل في البلدات اليهودية القريبة منهم، وأحيانا البعيدة عنهم.

إن قضية التشغيل والانخراط في العمل لا تحتاج إلى مرافقة اجتماعية ونفسية وتقديم تأهيل تعليمي تدريسي فقط، وإنما أيضاً تحتاج بالتوازي التام إلى توفير مراكز وبنى تحتية تشغيلية للبلدات العربية سواء كانت مدناً أو قرى، وهذا يتطلب شيئاً واحداً واضحاً: توفير مساحات من الأرض وموارد حيّزية لاستيعاب النمو السكاني، ومن جهة أخرى إقامة المنشآت اللازمة والضرورية لتشكل أماكن لتشغيل هؤلاء الشباب الذين اعترفت الحكومة هنا بأنهم يجدون أنفسهم بلا عمل وبلا تعليم وأمام فراغ يدفع أقساماً منهم نحو مسارات تهدّدهم وتهدّد مجتمعهم.

المصطلحات المستخدمة:

التأمين الوطني, رئيس الحكومة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات