المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
أسطول من سفن حربية إسرائيلية في استقبال سفينة "كورفيت ساعر 6" المشتراة من ألمانيا، لدى وصولها إلى حيفا الشهر الجاري.  (أ.ف.ب)
أسطول من سفن حربية إسرائيلية في استقبال سفينة "كورفيت ساعر 6" المشتراة من ألمانيا، لدى وصولها إلى حيفا الشهر الجاري. (أ.ف.ب)

أقرت الحكومة الإسرائيلية واحدة من أكبر ميزانيات الدولة، للعامين الجاري والمقبل 2022، بعد أن انتهى العام 2020، ولأول مرّة منذ 73 عاما، بدون أن تقرر له ميزانية خاصة، بفعل الأزمة الحزبية التي امتدت لأكثر من عامين. وتمشيا مع توصيات بنك إسرائيل المركزي، لم تقر الحكومة تقليصا كبيرا في الميزانية لسد العجز، بهدف تجاوز أزمة كورونا وما تخلفه من أزمات اقتصادية. ورغم ذلك فإن جمود ميزانيات بعض الوزارات هو بحد ذاته تقليص، في حين أن ميزانية الجيش وحدها ارتفعت بنسبة 14%. وخلافا للتقارير الإسرائيلية، فإن هذه الحكومة وائتلافها الضيق في الكنيست، قادران على تمرير الميزانية كليا، حتى الرابع من تشرين الثاني المقبل.

وبحسب ما ذكرته مصادر في الحكومة، في نهاية الأسبوع الماضي، فإن مشروع الميزانية سيتم طرحه على الكنيست في الأول من شهر أيلول المقبل، ليكون مُتاحا مناقشتها في الهيئة العامة، وإقرارها بالقراءة الأولى، بعد أيام قليلة، من تقديمها للنواب، لينتقل مشروع الموازنة مباشرة إلى اللجان البرلمانية ذات الشأن، ثم تقر الميزانية بكل أبوابها في لجنة المالية البرلمانية، ومن ثم تعود للهيئة العامة لإقرارها بالقراءتين الثانية والثالثة سوية، حتى يوم 4 تشرين الثاني المقبل.

وحقيقة أن الميزانية أقرت بالإجماع في جلسة الحكومة تقلص احتمال نشوب أزمات بين شركاء الائتلاف، خاصة وأنه لا يوجد أي حزب من أحزاب الحكومة الثمانية، بما فيها القائمة العربية الموحدة، معني بحل الحكومة والتوجه لانتخابات برلمانية جديدة.

يذكر أنه رغم كل الأزمات السياسية التي غرقت فيها إسرائيل في العقود السبعة الماضية، إلا أنه لم تسقط أي من الحكومات الـ 33 السابقة، بسبب خلاف على الميزانية، وإنما بسبب خلافات سياسية وغيرها، أدت إلى منع إقرار الموازنة العامة.

ووفقا لما نشر، فإن حجم الميزانية العامة للعام الجاري 2021 يبلغ 432 مليار شيكل، وهذا يعادل 133 مليار دولار، وهذه الميزانية لا تشمل الميزانية الاستثنائية المقررة سلفا، لصرفها على أزمة الكورونا ومخلفاتها، إذ أن تلك ميزانية منفردة. وستكون ميزانية العام المقبل 2022 حوالي 453 مليار شيكل، وهي ما تعادل 139 مليار دولار.

وتتوقع وزارة المالية أن يصل العجز في الموازنة العامة، في العام الجاري، إلى نسبة 6.8% من حجم الناتج العام أي ما يعادل من 96 مليارا إلى 100 مليار شيكل (30 مليار دولار). وتهبط نسبة العجز في العام المقبل حسب التخطيط إلى 3.9%، وفي العام 2023 إلى نسبة 3%، وتواصل النسبة تراجعها حتى العام 2026 لتكون 1.5%.

وأول ما تم الاتفاق عليه بين أطراف الحكومة كانت ميزانية الجيش، من خلال وزارة الدفاع، التي سيكون أساسها أكثر من 71 مليار شيكل (22 مليار دولار)، بضمنها حوالي 13 مليار شيكل هي ميزانية الدعم العسكري الأميركي السنوية لإسرائيل، ما تعادل 3.8 مليار دولار. وهذا لا يشمل الزيادات السنوية التي يحصل عليها الجيش، كميزانيات استثنائية، تتراوح سنويا ما بين 4 مليارات إلى 8 مليارات شيكل، وأحيانا أكثر، خاصة في سنوات الحروب. وفي سياق ميزانية الجيش، أعلنت وزيرة الداخلية أييلت شاكيد، من كتلة "يمينا" اليمينية المتطرفة، والتي يترأسها رئيس حكومتها نفتالي بينيت، أن الميزانية المخصصة للمستوطنات في وزارتها زادت بنسبة 50% في كل واحد من العامين الجاري والمقبل.

وعمليا فإن ميزانية الجيش وحدها ارتفعت بنسبة هائلة، 14%، لتدخل في أساس ميزانية الجيش، في حين أن ميزانيات باقي الوزارات شهدت حالة جمود نسبي، باستثناء وزارة الصحة التي تلقت زيادة بقيمة ملياري شيكل (615 مليون دولار)، بعد تهديدات وزيرها نيتسان هوروفيتس بعدم تأييد الميزانية، ووزارة الرفاه التي تلقت زيادة بقيمة مليار شيكل (308 ملايين دولار).

كما قررت الحكومة تثبيت ملاكات جهاز الصحة، التي أضيفت بشكل طارئ، لمواجهة كورونا، وتقرر تثبيت هذه الوظائف في جهاز الصحة بشكل دائم، وهذا يعني تثبيت 600 طبيبة وطبيب، كانوا أمام خطر الفصل من العمل، وقد هددت نقابة الأطباء بالإضراب المفتوح، كما سيتم تثبيت 1550 ممرضة وممرضا، و700 موظف إداري وعامل مساعد للطواقم الطبية. وأقرت الحكومة أيضا، ضمن ميزانيتها، زيادة عدد مقاعد دراسة الطب في الجامعات والكليات الطبية بنحو 270 مقعدا، ومعهم 1500 مقعد دراسي لموضوع التمريض.

كذلك تشمل ميزانية الدولة 900 مليون شيكل (277 مليون دولار)، مخصصة لأحزاب الائتلاف، لتقرر شكل صرفها على بنود صرف رسمية في الميزانية، في إطار تلبية مطالب حزبية، ضمن اتفاقيات الائتلاف. وحسب تقارير اقتصادية، فإن الميزانية المخصصة لكتلة "يمينا" للبت في شكل صرفها سيذهب جلها إلى المستوطنات، ولمؤسسات الجمهور الديني الصهيوني.

ضرائب جديدة

على الرغم من أن الحكومة ووزير المالية أفيغدور ليبرمان أعلنا مسبقا أنه لن يتم فرض ضرائب جديدة على المواطنين، إلا أنه عمليا تم فرض ضرائب بعباءات مختلفة، مثل الحفاظ على البيئة، وأيضا تقليص الأدوار عند الأطباء الاختصاصيين. ويؤكد محللون أن الشريحة الأكثر تأثرا وضررا من هذه الضرائب ستكون الشرائح الفقيرة والضعيفة. وأول الضرائب سيتم فرضها على أدوات الطعام البلاستيكية، التي تستخدم لمرّة واحدة، بحجة تخفيف الاستخدام حفاظا على البيئة، وستلقى هذه الضريبة كلها على عاتق المستهلكين، وتتوقع الوزارة جباية 800 مليون شيكل سنويا من خلال هذه الضريبة الإضافية. وحصة صرف الشرائح الفقيرة على هذه الأدوات من مدخولها، أكثر بنحو 10 مرات، مما هي الحال لدى الشرائح الميسورة. كذلك فإنه سيتم فرض ضريبة إضافية على المشروبات الغازية والعصائر، أيضا بهدف تقليص شربها. ومن المتوقع ان تُدخل الضريبة الجديدة لخزينة الدولة 380 مليون شيكل. ورأى المحلل الاقتصادي ناتي توكر، في مقال له في صحيفة "كالكاليست"، أن العائلات الفقيرة تصرف نصف بالمئة من مدخولها الشهري على هذه المشروبات، في حين أن النسبة لدى العائلات المتوسطة والميسورة 6 بالألف.

ووضعت وزارة المالية، ومعها وزارة المواصلات، أنظمة جديدة لشبكة المواصلات العامة، وبشكل خاص إلغاء أو تقليص الدعم على الخطوط العامة، وهذا من شأنه أن يرفع أجرة المواصلات بما بين 25% إلى 50%، وبطبيعة الحال فإن الغالبية الساحقة من مستخدمي المواصلات العامة هم من الشرائح الفقيرة والضعيفة. واللافت أن الضربة الأكبر ستكون في المواصلات في المناطق البعيدة عن مركز البلاد، شمالا وجنوبا، فهناك سيتم إلغاء الدعم الحكومي الاستثنائي.

الجانب الآخر في رفع الضرائب، سيكون في فرض ضريبة جديدة على ثاني أكسيد الكربون للجم انبعاثاته، وهذا ما سيؤدي إلى رفع أسعار الكهرباء للمستهلك بنسبة 5% بشكل تدريجي خلال خمس سنوات. ولكن ليست هذه الزيادة وحدها في أسعار الكهرباء، بل إن هناك جانبين آخرين سيساهمان في رفع أسعار الكهرباء أكثر. وهما: أولا، الارتفاع العادي لأسعار الكهرباء، بناء على أسعار الوقود والغاز في الأسواق العالمية، فمن المفارقة، وحسب سلسلة تقارير سابقة، أن شركة الكهرباء الإسرائيلية تشتري الغاز من الحقول التي تسيطر عليها إسرائيل في البحر الأبيض المتوسط، بسعر أعلى من الأسعار التي تدفعها دول تستورد الغاز من ذات الحقول، عدا عن أن كلفة النقل قد انخفضت بشكل حاد، وعمليا فإن المواطنين في إسرائيل لم يحصلوا على ما تم وعدهم به، بانخفاض أسعار الكهرباء بفعل اكتشاف حقول الغاز. والجانب الثاني، وعمليا الثالث بعد زيادة الضريبة على ثاني أكسيد الكربون، هو أن شركة الكهرباء، وبأمر من وزارة المالية، ستغير طريقة احتساب أسعار الكهرباء، إذ أنه حتى الآن، فإن أسعار الكهرباء في ساعات الضغط أعلى بنسبة 3%، والقصد بساعات الضغط هي ساعات النهار، التي تعمل فيها المصانع ومرافق العمل كلها. أما الآن، فسيتم نقل ساعات الضغط إلى ما بين الساعة الثالثة عصرا وحتى العاشرة ليلا، حينما تعود الناس إلى بيوتها، وفي هذه الحالة، فإن عبء الاستخدام في ساعات الضغط سينتقل إلى البيوت، وسيكلفهم هذا زيادة بنسبة 3% أخرى في أسعار الكهرباء.

ومن هنا فإن الضحية الأساس لكل هذه الضربات الاقتصادية هي الشرائح الفقيرة والضعيفة، ويشكل المواطنون العرب من هذه الشرائح حوالي 45%، رغم أن نسبتهم بين السكان هي نحو 20%.

السعي لخفض الديْن العام

انتهى العام 2019 مع معطيات اقتصادية "مثالية" حسب الوصف الإسرائيلي؛ نسبة بطالة 3.5%، ونسبة الدين 60% من حجم الناتج العام، وهي النسبة المفضلة لدى المؤسسات المالية الدولية، كحد أقصى. إلا أن عام كورونا قلب كل هذه المعطيات وضاعفها، وبلغ الدين العام في غضون أشهر قليلة، نسبة 78%، من حجم الناتج العام، بمعنى أن الدين العام ارتفع بنسبة 30% في بحر العام 2020، ثم تراجع حاليا إلى ما بين 71% إلى 73%.

ويرى محللون أن على الحكومة ألا تسارع في صب جهد لخفض الدين العام، بل عليها أن تعمل موازنة بين الحاجة لتقليص الدين، وبين رصد ميزانيات من شأنها أن ترفع نسبة النمو الاقتصادي، مثل الصرف على مشاريع البنى التحتية، التي تفتح أماكن عمل، وغيرها من الأمور. ويقول المحلل الاقتصادي سامي بيرتس، في مقال له في صحيفة "هآرتس"، إن رفع الدين العام لنسبة 70% ليس مأساة، بادعاء أن الاقتصاد الإسرائيلي قوي، ولكنه يضيف أن رفع نسبة الدين يجب أن يكون بشرط أنه بسبب صرف زائد وخاص على جوانب اقتصادية واجتماعية ذات شأن، وقادرة على تحريك عجلة الاقتصاد ورفع النمو الاقتصادي.

مؤشرات انتعاش

ظهرت بعد أيام قليلة من إقرار الميزانية في الحكومة مؤشرات انتعاش اقتصادي، ولكن باتت الآن تحت علامة سؤال أمام استفحال انتشار كورونا مجددا، والتداول بفكرة الإغلاق، ولو بشكل جزئي.

رزت مؤشرات الانتعاش في تقرير سلطة الضريبة الصادر في الأسبوع الماضي، إذ قالت السلطة إن شهر تموز الماضي سجل جباية ضرائب غير مسبوقة في مثل هذا الشهر من كل عام، ولامس حجم الضرائب التي تمت جبايتها 36 مليار شيكل (أكثر من 11 مليار دولار)، وهذا أكثر بنسبة 26% مما كان في تموز العام 2020، وأعلى بنسبة 18.7% مما كان في تموز 2019.

في المقابل، فإن الصرف الحكومي الجاري في شهر تموز، سجل تقريبا موازنة من دون عجز يذكر بالمقاييس الاقتصادية، إذ بلغ العجز 800 مليون شيكل، مقابل عجز بقيمة 10 مليارات شيكل في شهر حزيران الماضي.

وحسب التقرير، فإن العجز في الموازنة العامة هبط من نسبة 12% في شهر آذار الماضي، إلى 10.1% في شهر حزيران الماضي، إلى 9.3% في شهر تموز الماضي، علما أن هدف الحكومة الحالية خفض العجز مع نهاية العام الجاري إلى 6.8% من حجم الناتج العام، ليواصل هبوطه في العام المقبل 2022 إلى نسبة 3.9% من حجم الناتج العام.

ويقدّر حجم الناتج العام حاليا بحوالي 1400 مليار شيكل (430 مليار دولار)، ما يعني أن كل 1% يعادل حاليا 14 مليار شيكل. ما يعني أيضا، أن العجز في الميزانية حتى نهاية شهر تموز بلغ 130 مليار شيكل، والهدف أن يهبط إلى قرابة 95 مليار شيكل، حتى نهاية العام.

ويقول التقرير إن الرافد الكبير لهذه الزيادة في الضرائب كان قطاع الهايتك وقطاع العقارات، كذلك فإن الاستهلاك الفردي سجل ارتفاعا كبيرا، خاصة في مجال مشتريات المعدات البيتية، إضافة إلى السيارات الجديدة.

وقد بنت وزارة المالية تقديراتها لخفض العجز في الموازنة على زيادة حادة افتراضية لمداخيل الضرائب. وحذر محافظ بنك إسرائيل المركزي، البروفسور أمير يارون، في جلسة الحكومة التي أقرت الموازنة، من الإفراط في توقعات مداخيل الضريبة في العامين الجاري والمقبل، وبضمن ذلك الضرائب الجديدة التي ستتم جبايتها بعد زيادة الضريبة على أدوات الطعام التي تستخدم لمرة واحدة، وعلى المشروبات الخفيفة والعصائر. وقال يارون: "إن المطلوب هو العمل بحذر في كل ما يتعلق بتقديرات مداخيل الضريبة، وذلك بسبب احتمال وقوع متغيرات، وأوضاع طوارئ"، ويقصد الأوضاع الصحية.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات