المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
صورة تجمع يائير لبيد مع منصور عباس.   (الصورة عن: "حدشوت 13")
صورة تجمع يائير لبيد مع منصور عباس. (الصورة عن: "حدشوت 13")

كانت مساعي تشكيل حكومة جديدة في إسرائيل حتى مطلع الأسبوع الجاري ما تزال تراوح في مكانها. ومن المفترض بعد أن عادت طائرات الاحتلال إلى قواعدها، وسكتت فوهات المدافع، في عدوانها على قطاع غزة، أن يشهد الحراك وتيرة أسرع، خاصة وأنه ما زال أمام المكلف الحالي، يائير لبيد، أسبوعان فقط ليبلغ الرئيس الإسرائيلي عن تشكيل حكومة، إلا أن كل المعادلات التي تعيق تشكيل الحكومة ما زالت على حالها. في المقابل، فإن ترشيحين وحيدين فقط لمنصب رئيس الدولة، وليسا من أعضاء الكنيست، كان مفاجئا من حيث برودة المنافسة، بعد أشهر طويلة تحدث فيها حزب الليكود عن تنافس شديد على منصب رئيس الدولة، الذي حسب مؤشرات أولية، قد يكون من نصيب رئيس الوكالة اليهودية الصهيونية إسحاق هيرتسوغ، ولكن كل مفاجأة قد تكون واردة.

والسيناريوهات الافتراضية للأحزاب، المطروحة حتى مطلع الأسبوع، هو أن يستمر بنيامين نتنياهو بالارتكاز على ائتلاف متماسك يضم 59 نائبا، وأن يجد نائبين متسربين من إحدى الكتل في الطرف الآخر، كي يستوفي أغلبية 61 نائبا من دون الحاجة إلى القائمة العربية الموحدة، برئاسة منصور عباس، الذي لم يتراجع عن استعداده لدعم أي ائتلاف يقوم، في مقابل تحقيق مطالب مدنية معينة للمجتمع العربي. إلا أن سيناريو تسرّب نائبين ما زال غير منظور، طالما أن ائتلاف نتنياهو يضم، حتى الآن، كتلة "يمينا" بزعامة نفتالي بينيت.

في المقابل، قالت مصادر في حزب "يوجد مستقبل" بزعامة يائير لبيد المكلف الحالي بتشكيل الحكومة، إن عودة بينيت إلى حضن الليكود ونتنياهو ليست نهاية المطاف، وكل شيء وارد حتى الدقيقة التسعين في الأسبوعين المتبقيين للبيد حتى الإعلان عن حكومة.

يشار إلى أنه بموجب القانون الإسرائيلي، فإنه في حال فشل المكلف الثاني بتشكيل حكومة، فإن مسألة التكليف تعود للكنيست، الذي سيكون أمامه فرصة 3 أسابيع أخرى، لاختيار مرشح لتشكيل الحكومة مع أغلبية واضحة. وفي حال فشل الكنيست في هذا يتم حله تلقائيا والتوجه إلى انتخابات مبكرة.

ويتيح القانون للكنيست، في حال وجدت أغلبية، أن يتم حل نفسه قبل انتهاء مدة التكليف، وقبل انتهاء الفرصة الأخيرة الممنوحة للكنيست ليجد مرشحا لرئاسة الحكومة.

انتخابات رئاسية باردة

يجري يوم الثاني من حزيران المقبل انتخاب رئيس الدولة الإسرائيلية، وهي انتخابات تجري في الكنيست، يشارك فيها الأعضاء الـ 120. وحسب القانون، الذي تم تعديله في نهاية سنوات التسعين، يجري انتخاب الرئيس لدورة واحدة ووحيدة من سبع سنوات. ودائما كان هذا المنصب يحظى بمنافسة شديدة، وفي الكثير من الأحيان، كانت النتيجة ليست محسومة مسبقا، والفارق يكون ضئيلا بين المتنافسين اللذين يصلان إلى الجولة الأخيرة.

وفي السنوات الأخيرة، كان التنافس على هذا المنصب يبدأ قبل فترة طويلة من يوم الانتخاب، وفي كثير من الأحيان، كان يجري الحديث عن طموح سياسي ما بأن يصل لرئاسة الدولة، ولو كانت الانتخابات ستجري بعد عامين وثلاثة.

كان هناك حتى وقت قريب منافسون، أو طامحون من بين أعضاء الكنيست، لهذا المنصب، وأبرزهم من يتولى حاليا حقيبة الصحة، يولي إدلشتاين، من أبرز وجوه الليكود، وهو الرئيس السابق للكنيست. وكان الحديث عن أن حظوظه مرتفعة، إلى أن اختفى عن واجهة المنافسة. وحسب الحديث في أروقة الكنيست، فإن إدلشتاين خسر المنافسة في اليوم الذي قرر فيه، كرئيس للكنيست، عدم تنفيذ قرار المحكمة العليا الذي ألزمه بإجراء انتخابات لرئاسة الكنيست بعد انتخابات الكنيست الـ 23، في آذار 2020. وفضّل الاستقالة من منصبه، على أن يطبق قرار المحكمة.

الغريب الآن، ومنذ سنوات طويلة جدا، أنه لم يقدم أي من أعضاء الكنيست ترشيحه، والأكثر غرابة، أن حزب الليكود وزعيمه بنيامين نتنياهو، لم يطرحا مرشحا من طرفه، أو أن يعلن جهارا عن دعم أحد المرشحين.

وقد تمكن اثنان فقط من إيفاء شروط الترشح لمنصب رئيس الدولة، وأولها ضمان 10 تواقيع أعضاء كنيست كحد أدنى، دعما للترشح (تزكية)، وهما رئيس حزب العمل الأسبق، ورئيس الوكالة اليهودية (الصهيونية) الحالي، إسحق هيرتسوغ، الذي ضمن 27 توقيعا من غالبية الكتل البرلمانية. وتنافسه مريام بيرتس، التي جمعت 11 توقيعا، كلها من أحزاب اليمين الاستيطاني، باستثناء نائبة من كتلة "أزرق أبيض"، التي تعد وفق المعايير الإسرائيلية يمين وسط.

وهناك من يفسّر سكوت بنيامين نتنياهو وحزبه في هذه المنافسة، بميل ما لانتخاب هيرتسوغ، الذي يحظى بعلاقات طيبة مع أوساط عديدة في الحلبة السياسية الإسرائيلية، ومن اصطفافات تبدو متناحرة على الساحة السياسية، رغم كونه رئيسا سابقا لحزب العمل؛ وكل حياته السياسية أمضاها في هذا الحزب، قبل أن يتم انتخابه بسهولة لرئاسة الوكالة اليهودية (الصهيونية) في العام 2018.

بالإمكان القول إن انتخاب هيرتسوغ لرئاسة الوكالة اليهودية، جاء في حينه بدعم كبير حظي به من أبناء الديانة اليهودية وجمعياتهم ومراكزهم في العالم. وهذا عامل قد يلعب دورا في احتمال انتخابه للرئاسة الإسرائيلية، فهناك من يرى أن انتخابه بات مضمونا، ولكن في السياسة الإسرائيلية لا يوجد ما هو مضمون حتى ظهور النتيجة النهائية. فإسرائيل الرسمية، وبشكل خاص حكومتها ورئيسها بنيامين نتنياهو، في علاقة شائكة مع قسم كبير، ولربما الأكبر، من يهود العالم ومنظماتهم، وبشكل خاص في التجمع الثاني من حيث حجمه لأبناء الديانة اليهودية، في الولايات المتحدة الأميركية، التي فيها قرابة 5.4 مليون يهودي، ممن تعترف المؤسسة الدينية الإسرائيلية بيهوديتهم.

وعلى الرغم من قوة اللوبي الصهيوني وتأثيره على الحكم الأميركي، إلا أنه وفق استطلاعات دائمة، فإن غالبية الأميركان اليهود على خلاف سياسي مع الحكومة الإسرائيلية. وتوجهاتهم أكثر سلامية، من اليهود الإسرائيليين. ولكن عدا الشأن السياسي، فإن إسرائيل الرسمية دخلت في صدام واضح مع الطوائف الدينية الإصلاحية اليهودية، وهي نسبتها عالية جدا بين اليهود في العالم، وبالذات في القارتين الأميركية والأوروبية.

ولهذا فإن الميل لانتخاب هيرتسوغ، حتى من نواب في أحزاب اليمين الاستيطاني، بما فيها الليكود، قد يهدف إلى عدم اتساع الشرخ بين إسرائيل الرسمية والدينية، وبين يهود العالم، فمنصب الرئيس الإسرائيلي هو تمثيلي، وليس تنفيذيا، وصلاحياته محدودة، ولكنه يبقى البوابة الأولى للمنظمات اليهودية الاجتماعية والدينية، وحتى السياسية.

وفي تصريح لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، بعد إغلاق باب الترشيحات يوم الأربعاء من الأسبوع الماضي، قال هيرتسوغ إن هناك "ضرورة لترابطنا داخل أنفسنا أيضا، ولكن ليس أقل من ربط الشعب اليهودي الذي يعيش هنا في صهيون مع الجاليات اليهودية في الشتات لتعزيز مكانة إسرائيل الدولية، وحماية سمعتها الطيبة في أسرة الأمم ولقتال معاداة السامية".

ترى صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن حقيقة أن نتنياهو لم يتقدم بمرشح، وأن الأحزاب اليمينية تتمتع بحرية التصويت، تشجع هيرتسوغ بشكل كبير. وقال مسؤول كبير في الليكود للصحيفة: "بقدر ما قد يبدو الأمر غريبا، فإن نتنياهو يفضل هيرتسوغ، وليس مرشحا من اليمين". وأضاف: "كان لدينا رئيس من اليمين والليكود، ولكنه لم ينجح في الأمر بشكل جيد". وقال وزير من الليكود: "نتنياهو مغرم جدا بهيرتسوغ. حتى في الماضي، عندما ترشح هيرتسوغ لرئاسة الوكالة اليهودية (الصهيونية)، لم يساعد نتنياهو مرشح الليكود يوفال شتاينيتس".

عرض الصحافي اليميني المتشدد عميت سيغل في مقال له في نهاية الأسبوع الماضي، في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، تفسيرا لحال انتخابات الرئاسة الإسرائيلية، وبرودتها، خاصة بالمقارنة مع الانتخابات السابقة، التي ظهر فيها بداية ستة مرشحين، من بينهم ثلاثة أعضاء كنيست ووزراء، أما الآن، كما يقول سيغل، "فهذه المرة، ولأول مرة منذ ما يقرب من خمسين عاما، لم يترشح أي من أعضاء الكنيست للمنصب. ولم يعلن أي حزب حتى الآن عن مرشح رسمي نيابة عنه. رئيس الوكالة اليهودية يندفع لتحقيق نصر واضح، عندما يواجه مرشحة بدون دعم سياسي رسمي، هي مريام بيرتس". ويقول سيغل إن "سبب عدم خوض مرشحين مثل وزير الخارجية الأسبق دافيد ليفي، ورئيسة الكنيست السابقة داليا إيتسيك، وحتى بنيامين نتنياهو، الانتخابات يعود إلى فهم الجميع أنه سيكون من المستحيل تقريبا التغلب على هيرتسوغ. فقد أدار هيرتسوغ حملته الانتخابية بصمت تام منذ ثلاث سنوات. في حين كان الجميع منشغلين بمسألة من سيكون رئيس الحكومة؛ التقى هيرتسوغ جميع أعضاء الكنيست، بمن فيهم أولئك الذين خسروا مقاعدهم في الجولات الانتخابية المتلاحقة وحقق مرتكزات مهمة في الكتل والاصطفافات البرلمانية، أيضا لدى نواب الحريديم واليمين؛ وعمليا نجح في تشكيل ائتلاف حوله، بعكس فشله في بناء ائتلاف ليترأس الحكومة في العام 2015".

ويتابع سيغل كاتبا أن لغز ترشيح هيرتسوغ هو في موقف نتنياهو الذي هزمه في السباق على رئاسة الحكومة في العام 2015. ويسأل الكاتب: "ما معنى إعلان الليكود غير المألوف، عن حرية التصويت؟ هل يعقل أن رئيس الحكومة، وهو أيضا المتهم الأكثر شهرة في البلاد، يتخذ مثل هذه البرودة المفاجئة تجاه الرجل الوحيد في إسرائيل المخوّل بإصدار العفو ومنح المقاعد لتشكيل الحكومة؟ من ناحية أخرى، ألم يستثمر من وجد طريقا إلى قلوب حتى آخر أعضاء الكنيست في يهدوت هتوراة وميرتس، جهودا في رئيس الحزب الذي يشكل ربع أعضاء الكنيست؟"، ويقصد اتصالات محتملة بين هيرتسوغ ونتنياهو.

ويختم سيغل كاتبا: "من المرجح أن الاثنين يعرفان كيفية التوافق مع بعضهما البعض، سواء في السباق الرئاسي، أو في الرئاسة نفسها إذا تحققت. في العام 2016، سافرا معا لحضور مؤتمرات قمة سرية حول العالم العربي، ثم أجريا اتصالات مكثفة من أجل الوحدة التي كانت ستتحقق لو كان الأمر متروكا لهم. لقد ولت الأيام التي كانا يهينان فيها بعضهما البعض في الأماكن العامة ومنذ ذلك الحين أصبحا صديقين سرا. يمكن لنتنياهو، ربما، محاولة هزيمة هيرتسوغ مرة أخرى. ولكنه لم يحاول حتى، وفي حالته لدى نتنياهو بالتأكيد أسباب وجيهة". كل هذا يجعل المحللين والمراقبين يعتقدون أن انتخاب هيرتسوغ أمر سهل، كون منافسته جاءت من خارج الحلبة الحزبية، وهي مريام بيرتس (67 عاما)، ورصيدها السياسي الوحيد هو أن اثنين من أبنائها قتلا في الحروب التي شنتها إسرائيل، وعلى هذا الأساس يتم استقبالها في الأوساط السياسية والاجتماعية. ولكن بيرتس ليست محايدة سياسيا، فهي مستوطنة منذ زواجها، إذ بعد زواجها في مطلع سنوات السبعين، انتقلت مع زوجها للاستيطان في مستوطنة أوفيرا، في شمال صحراء سيناء، وتم إخلاؤها في نهاية سنوات السبعين في إطار اتفاقيات كامب ديفيد مع مصر، فانتقلت مع عائلتها للاستيطان في مستوطنة غفعون وسط الضفة، لفترة قصيرة، بعدها انتقلت للاستيطان في مستوطنة غفعات زئيف، الجاثمة بين شمالي القدس وجنوبي منطقة رام الله.

والمؤشر الثاني لحقيقة توجهاتها السياسية، هي أن 10 نواب من أصل 11 نائبا منحوها تزكيتهم للترشح، هم من أحزاب اليمين الاستيطاني المتطرف بما في ذلك الليكود، إلا أن نوابا من الليكود منحوا أيضا تزكيتهم لسحاق هيرتسوغ.

وفي حياتها العملية، عملت مريام بيرتس في مجال التربية والتعليم، وقالت تقارير صحافية إسرائيلية إنها تلقت في السنوات الماضية عروضا كثيرا من أحزاب يمينية متشددة لتترشح على قوائمها في الانتخابات البرلمانية ولكنها كانت ترفض.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات