المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
سارة نتنياهو: إطلالات إشكالية متسلسلة.
سارة نتنياهو: إطلالات إشكالية متسلسلة.

أثار كشف المسؤول السابق في سلاح الجو الإسرائيلي ديفيد آرتسي عن وجود اتفاق سري موقع بين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وزوجته سارة يقضي بالسماح لها بالمشاركة في جلسات حكومية سرية، وبالشراكة في الموافقة على تعيين كبار المسؤولين خاصة الأمنيين، من جديد، ما يعرف بـ"قضية تحكم سارة بزوجها وتدخلها في نظام الحكم في إسرائيل".

قال آرتسي الذي كان مسؤولا كبيرا في الصناعات الجوية العسكرية الإسرائيلية وقضى فيها أكثر من أربعين عاما، قال في مقابلة مصورة مع الصحافي دان رافيف نشرت الأسبوع الماضي إنه اطلع في سنوات التسعينيات على اتفاق وقعه نتنياهو وسارة لدى المحامي دافيد شيمرون يدل على مدى تحكم سارة بزوجها بشكل شبه مطلق.

وبحسب آرتسي ينص الاتفاق على ما يلي:
• منع نتنياهو من الخروج ليلا دون مرافقتها.
• حقها في المشاركة في الجلسات السرية الحكومية رغم أنها لا تمتلك تصنيفا أمنيا يمكّنها من ذلك، وتكون مدعوة للمشاركة في الجلسات بشكل تلقائي، وهي تقرر إن كانت ستحضر أم لا.
• حقها في الموافقة المكتوبة على تعيين رئيس هيئة الأركان ورئيسي جهازي الموساد والشاباك.
• إدارة الشؤون المالية لنتنياهو بشكل كامل، بحيث لا يحق لنتنياهو امتلاك بطاقة اعتماد، ويحق لها ذلك، وعند حاجته للمال تقدم سارة له "مصروفه".
• في حال انتهاك نتنياهو لهذه الشروط ينص الاتفاق على أن تتحول كافة أملاكه إليها.

وقال آرتسي إن المحامي شيمرون عرض عليه الوثيقة لإظهار أهميته وقدراته كمحام، وذلك خلال محاولة هذا الأخير إقناع آرتسي بالتوسط له لمنع إنهاء عقد عمله مع إحدى المؤسسات الكبرى.

هل ستفضح المحاكم القضية؟

كرد فعل أولى رفع المحامي شيمرون دعوى ضد آرتسي في نهاية الأسبوع الماضي بتهمة التشهير وطالب بتعويضات بقيمة 425 ألف شيكل، مدعيا أن العقد الذي تحدث عنه آرتسي غير موجود.

ونقلت القناة 12 عن آرتسي تعليقه على الدعوى ضده بالقول: "لقد قدمت حقائق صحيحة وأنا مسؤول عنها"، وأضاف أنه خضع لفحصين لدى اثنين من خبراء كشف الكذب للتحقق من مصداقية روايته، وقال "لقد أكدا أنني أقول الحقيقة.. لكن يبدو أن شيمرون واقع الآن تحت ضغوط الزوجين نتنياهو الساعيين لأن لا تؤثر هذه المعلومات على نتائج الانتخابات".

وقال آرتسي إنه طلب من شيمرون الخضوع لفحص كشف الكذب أيضاً لكنه رفض. وأضاف: "رد فعل شيمرون الوحيد حتى الآن هو محاولة رشوتي. وسيتلقى دعوى مضادة للمضايقة ومحاولة التشكيك في مصداقيتي.. وإذا وصلنا إلى المحكمة، فسيتم استدعاء رؤساء أجهزة الأمن ليكونوا شهود دفاع، وسيُجبرون على الإدلاء بشهاداتهم بصدق بأمر قضائي".

كما قال آرتسي إنه ستتم دعوة كل من بنيامين وسارة نتنياهو للإدلاء بشهادتهما: "وسيتعين عليهما مواجهة الحقيقة في وجه أكاذيب شيمرون".

مطالبة بالتحقيق

طالب عضو الكنيست عن حزب "إسرائيل بيتنا" إيلي أفيدار بتشكيل لجنة تحقيق في القضية، وكتب على حسابه على فيسبوك الخميس الماضي أن شهادة دافيد آرتسي كانت الدليل الذهبي الذي يبين أن هناك إخفاقا خطيراً.

وأشار أفيدار إلى أنه خاض تجربة مشابهة في مقابلة توظيف مع نتنياهو، حين خرج من الغرفة وجاءت سارة لإجراء المقابلة. وأضاف أن تدخل سارة نتنياهو تصاعد في التعيينات الحكومية. وهذا الأمر خطير ويجب التحقيق فيه. فهي ليست مجرد زوجة ذات تأثير، بل هي شريك عميق في قرارات التعيينات العليا في الوظيفة الحكومية، وهذا يتعارض مع الإجراءات الإدارية السليمة وأحكام القانون.

وأضاف أفيدار أنه "لا مفر من إنشاء لجنة تحقيق برئاسة قاضٍ كبير يكلف بكتاب خاص، مع صلاحية استدعاء الشهود للإدلاء بشهاداتهم تحت القسم، وطلب الأدلة والمستندات، وصلاحية التوصية بفتح تحقيق جنائي".

ليست القضية الأولى!

ليست هذه القضية جديدة من ناحية تدخل وتحكم سارة في نتنياهو وحتى في شؤون الحكم، وفي توريطه في قضايا الفساد المتهم بها بالرشوة وخيانة الأمانة والاحتيال.

أعاد الصحافي في "معاريف" بن كسبيت، المعروف بانتقاده وتركيزه على أسرة نتنياهو، التذكير بقضية تدخلات سارة في تعيين كبار المسؤولين في إسرائيل، وباطلاعها على اللقاءات السرية. ويشير كسبيت إلى حادثة استدعاء العميد غاي تسور بشكل عاجل للقاء نتنياهو خلال حرب إسرائيل على قطاع غزة العام 2012، ورغم الحرب، ذهب تسور إلى لقاء نتنياهو، في فترة كان يسعى فيها إلى تعيين السكرتير العسكري لرئيس الحكومة، وما أن بدأ اللقاء بينهما حتى دخلت سارة وهمست شيئاً في أذن نتنياهو، فاستأذن للخروج، وأكملت سارة المقابلة مع تسور، وسألته عن موقفه من خطة الانفصال عن قطاع غزة التي نفذها أريئيل شارون العام 2005. وسألت سارة تسور بشكل استنكاري: "كيف كان باستطاعتك أن تقوم بذلك؟". بعد نصف ساعة عاد نتنياهو، جلس دقيقتين مع تسور، وانتهت المقابلة، ولم يحظ الأخير بالمنصب.

ويضيف كسبيت أن هذا السيناريو تكرر أربع مرات، إذ استدعي أربعة ضباط كبار للقاء نتنياهو في مكتبه، ثم استدعوا للقاء استكمالي في مقر سكن أسرة نتنياهو الحكومي، حيث كان يتم إبلاغ نتنياهو في بداية اللقاء بأن هناك مكالمة هاتفية هامة يجب الرد عليها، وعند خروجه كانت تدخل سارة وتجري المقابلة مع المرشحين للمناصب الحكومية أو الأمنية.

خاض رئيس الأركان السابق غادي آيزنكوت التجربة ذاتها عندما كان مرشحا للمنصب، واتصل مذهولا بوزير الدفاع في حينه موشيه يعلون، وقال له: "لم يكن اللقاء مع نتنياهو، بل كان مع زوجته". وكرد على ذلك، منع يعلون ضباط الجيش من لقاء نتنياهو في المسكن الحكومي وهم بالزي العسكري الرسمي. وتبين لاحقا أن سارة نتنياهو كانت تسعى إلى تعيين شخص آخر في منصب رئيس الأركان، لكن يعلون رفض بشدة، الأمر الذي أخر تعيين آيزنكوت ثلاثة شهور.

داغان أغضب سارة!

كما يشير كسبيت إلى دخول سارة إلى اجتماع بين نتنياهو ورئيس جهاز الموساد السابق مئير داغان، ويفترض أن يكون مثل هذا اللقاء في قمة السرية ولا يحضره إلا الحاصلون على تصنيف أمني رفيع، لكن سارة نتنياهو دخلت فجأة وانضمت للجلسة، فتوقف داغان عن الحديث، فقال له نتنياهو: "أكمل حديثك"، لكن داغان قال إنه "يفضل أن يكمل الحديث بعد أن تخرج السيدة (سارة)"، فقال له نتنياهو أن يكمل حديثه لأن سارة "شريكة أسراره". لم يقتنع داغان بذلك وقال "لا أذكر أنها حصلت على تصنيف أمني". فخرجت سارة من الغرفة غاضبة وطرقت الباب بشدة. لاحقا لم يتم استدعاء داغان إلى مقر سكن أسرة نتنياهو الحكومي أبدا، وجرت اللقاءات بينه وبين نتنياهو في مكتب رئيس الحكومة أو في مقر قيادة جهاز الموساد.

ويشير بن كسبيت إلى أن الكثيرين مثل داغان وُضعوا على قائمة الممنوعين من دخول مقر سكن أسرة نتنياهو الحكومي بقرار من سارة.

ملفات الفساد

كما يربط كسبيت بين تعيين رئيس الموساد الحالي يوسي كوهين وأحد المتهمين في قضايا فساد نتنياهو، عبر تدخل هذا الأخير لدى سارة لصالح كوهين. ويشير كسبيت إلى نص الشهادة التي قدمتها هداس كلاين، مساعدة رجل الأعمال أرنون ميلتشين، المتهم بتقديم الرشوة لنتنياهو وزوجته على شكل هدايا من السيجار الفاخر والشمبانيا والمجوهرات. وحسب شهادة كلاين، فقد كان "نون" (الحرف الأول من اسمه)، هو المرشح الأوفر حظا لرئاسة الموساد، لدرجة أن نتنياهو أبلغ "نون" ووزير الدفاع حينها موشيه يعلون بذلك، لكن ميلتشين أجرى عدة اتصالات مع سارة نتنياهو بضغط من كوهين، وبعد تأخير مدته ساعة وربع الساعة عن الموعد المحدد لإعلان اسم رئيس جهاز الموساد، أعلن عن تعيين كوهين في المنصب بدلاً من "نون".

ويواجه نتنياهو ثلاث تهم هي الرشوة وخيانة الأمانة والاحتيال في ثلاث قضايا، إحداها قضية ميلتشين الذي كشفت مساعدته كلاين عن أن سارة نتنياهو كانت تتصل معها لتطلب المزيد من الشمبانيا عند نفادها من مقر رئيس الحكومة، كما طلبت سارة في أحد أعياد ميلادها مجوهرات من ميلتشين كهدية لها.

الاتفاق بعد خيانة نتنياهو

يقول بن كسبيت إنه أشار إلى الاتفاق بين سارة ونتنياهو في كتاب ألفه مع ايلان كفير العام 1997، بعنوان "نتنياهو، الطريق نحو القوة"، وأن الاتفاق أبرم بين الزوجين العام 1993 بعد خيانة نتنياهو لسارة مع مستشارته حين كان يخوض المعركة على زعامة حزب الليكود. وسمحت سارة له بالعودة إلى المنزل بعد توقيع الاتفاق الذي مثلها فيه المحامي يعقوب نئمان، ومثّل نتنياهو المحامي دافيد شيمرون. لكن بن كسبيت قال إنه لم تتوفر لديه التفاصيل التي ذكرها آرتسي.

ثروة نتنياهو

تشير صحيفة "كالكاليست" المختصة في الشؤون الاقتصادية في تقرير نشرته في حزيران 2019 أي قبل جولة الانتخابات الثانية (أيلول)، إلى أن ثروة نتنياهو قد تصل إلى خمسين مليون شيكل. ويفصل التقرير الدخل السنوي لنتنياهو، مضيفا إليه الإعفاءات والمنح التي يحصل عليها في سكنه الحكومي وفيلته في قيسارية، والامتيازات التي يحصل عليها أفراد أسرته، إضافة إلى أملاكه غير المنقولة، واستثماراته التي يرفض الكشف عن تفاصيلها.

وفي العام 2015، وقبيل الانتخابات العامة، رفض نتنياهو أن يفصح عن ثروته، لكن فرع مجلة "فوربس" في إسرائيل ذكر حينها، أنه يمتلك أيضاً محفظة تضم كافة استثماراته، من دون أن يتم تحديد قيمتها.

كما كشف تقرير مراقب الدولة العام 2015، عن أن نتنياهو لا ينفق شيكلاً واحداً من جيبه الخاص، لأن الدولة تغطي كل نفقاته.

حب الإنفاق على حساب الغير

واجهت سارة تهمة إنفاق المال العام من دون حق في قضية شرائها وجبات من مطاعم فاخرة بقيمة تقارب مئة ألف دولار. ودانت محكمة الصلح في القدس سارة في حزيران 2016 بتهمة إساءة استخدام المال العام، وفرضت عليها دفع مبلغ 55 ألف شيكل، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت". وجاءت الإدانة بناء على صفقة بين النيابة الإسرائيلية العامة ومحامي سارة نتنياهو، تقر بموجبها سارة بالتهم الموجهة لها، مقابل دفع المبلغ المذكور، وفق المصدر ذاته. وأقرت سارة بالتهم المنسوبة إليها باستغلال موارد الدولة لشراء وجبات طعام من مطاعم فاخرة، رغم وجود طاه دائم في المقر الحكومي الذي تقيم فيه.

وتداولت وسائل الإعلام العبرية عدة قصص عن حب سارة الاستمتاع بوجبات مجانية، حتى لو تهربت بحضور نتنياهو من دفع الفواتير. ففي العام 2012 نشر غيدي فايتس الذي عمل نادلا مقالاً في "هآرتس"، قال فيه إن نتنياهو وزوجته سارة دخلا المطعم العام 1993، عندما كان زعيم المعارضة في الكنيست، حيث تولت سارة مهمة الحديث معه، فطلبت وجبة ونصف الوجبة من المعكرونة في طبق واحد مع شوكتين، وقالت إنها ستدفع ثمن وجبة واحدة، ثم طلبت كرة واحدة من البوظة، علماً أن الوجبة الأساسية تشمل ثلاث كرات أصلاً، وطلبت عدم إدراجها في الفاتورة.

يقول فايتس إن نتنياهو وزوجته خرجا من المطعم بعد تناولهما الطعام دون دفع الفاتورة.

وعن ردة فعل نتنياهو آنذاك من سلوك سارة، يوضح فايتس: "كان ينظر إلى سقف المطعم، وكأنه غير متنبه إلى ما يجري".

من ناحيتها أشارت القناة الثانية (الثانية عشرة حاليا) العام 2012، إلى أن قصص إحجام نتنياهو وزوجته عن دفع فواتير الوجبات معروفة.

ونقلت القناة عن يوفال بن عامي قوله إنه "في إحدى المرات عندما تولى نتنياهو رئاسة الحكومة للمرة الأولى (1996 إلى 1999) لحق موظفو أحد المطاعم بنتنياهو وسارة بعد خروجهما دون أن يدفعا، فطلب نتنياهو من النادل إرسال الفاتورة إلى مكتب رئيس الحكومة".

واضطرت سارة نتنياهو في العام 2015 إلى إعادة أموال للخزينة العامة في إسرائيل كسبتها من استرداد شركات المياه المزودة لمسكن رئيس الحكومة العبوات الفارغة. وذكرت صحيفة "هآرتس" أن سارة نتنياهو وبعد تولي نتنياهو الحكم في 2009 تلقت 4 آلاف شيكل بدل إعادتها عبوات المياه الفارغة التي يدفع ثمنها من الخزينة العامة. وأضافت الصحيفة أن القضية تكشفت رغم محاولات فرض السرية التامة عليها، بعد طلب عدة وسائل إعلام عبرية توضيحات حولها من هيئات إنفاذ القانون في إسرائيل.

وتكشفت في العام 2017 أيضا قضية نقل سارة نتنياهو أثاث حديقة من مسكن رئيس الحكومة إلى فيلا الأسرة في قيسارية، رغم أن الأثاث تم شراؤه بأموال عامة، على أساس أنه سيوضع في المقر الحكومي.

وذكرت صحيفة "كالكاليست" أن المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية قرر عدم تقديم لائحة اتهام ضد سارة، بعد إعادتها الأثاث إلى المقر الحكومي.

ورغم التهم التي أدينت بها سارة، إلا أن نتنياهو كان يستميت في الدفاع عنها ويعتبرها ضحية لمحاولات إساءة وتشهير بها.

ووصف نتنياهو في منشور على حسابه في فيسبوك اتهام سارة في قضية إساءة معاملة العاملين في المسكن الحكومي، بأنها "سخيفة وسيثبت أنها لا أساس لها من الصحة"، وأضاف أن "سارة نتنياهو امرأة شجاعة وصادقة ولا يوجد أبداً أي عيب في أفعالها"!

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات