المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

عملت المنظومة الإسرائيلية الاستعمارية على إقامة نظام يقوم على التدخل والتحكم في حياة الفلسطيني، بغية إبقائه تحت السيطرة باستمرار من خلال آلية الضبط والمراقبة. وشكلت التصاريح إحدى أدوات هذه المنظومة.

ويمكن أنَّ نقترح تعريفاً للتصريح بأنه أداة تصنيف للفلسطيني إما بصفته منضبطاً وغير خارج عن القانون أو العكس، ويفضي ذلك إلى كونه أداة ضبط لأن من يخرج عن التصنيف يمكن أن يحكم عليه بالفقر لعدم قدرته على الوصول لأرضه أو العمل، أو بقطعٍ اجتماعيٍ له من خلال فقدان القدرة على التواصل مع أقربائه في المناطق المقسمة استعمارياً أو المعتقلات حتى. ويهدف التصريح إلى خلق إنسان فلسطيني مطابق لمعايير الاستعمار ولا يقوم بأي حراك سياسي خوفاً من فقدانه لامتياز التصريح، كما يجعله عارياً ويشعر أنَّه مراقب دوماً، ومُراقباً نفسه.

في هذه المقالة سنحاول تتبع تاريخ التصاريح والتحولات التي مرت عليها والأسس القانونية التي تستند إليها والأشكال الجديدة لها.

بعد نكبة 1948، فرضت السلطات الإسرائيلية نظام حكمٍ عسكري استمر منذ العام 1948 وحتى العام 1968، أقر إنهاء العمل في نظام الحكم العسكري الذي كان ضمن صلاحية الجيش الإسرائيلي العام 1966 بشكل قانوني، ولكن فعلياً تم تحويله إلى الشرطة وتم إبقاء العمل على أنظمة الطوارئ. ويشير يئير بويمل إلى أنَّه في العام 1967 تم العمل بنظام التصاريح بحدة أشد من السنوات السابقة، ولم يتوقف العمل بأنظمة الدفاع لحالة الطوارئ إلاّ في العام 1968. على معظم مناطق الداخل المأهولة بغالبية عربية من السكان، واستند ذلك إلى أنظمة الدفاع الانتدابية لحالة الطوارئ المكونة من 162 مادة، 5 مواد منها مرتبطة بالتنقل والأراضي. يئير بويمل، "الحكم العسكري"، في: الفلسطينيون في إسرائيل: قراءات في التاريخ، والسياسة، والمجتمع، تحرير: نديم روحانا وأريج صبّاغ- خوري (حيفا: مدى الكرمل- المركز العربي للدراسات الإجتماعية والتطبيقية، 2011)، ص 60. وفي هذه الأثناء بدأ العمل في نظام التصريح، فقد أخضع الفلسطيني إلى نظام صارم من التصاريح وكلُّ ما رغب في القيام به من نشاطات خارج منطقة سكناه استوجب عليه الحصول على تصريح من الحاكم العسكري. نفسه، ص 61.


كان الحصول على تصريح للخروج من أجل العمل أو العلاج يستلزم الانتظار أمام مكان تواجد الحاكم العسكريّ لساعات، وبعدها قد يرفض إصداره.

وقد استخدمت التصاريح، منذ ذلك الحين، كجزرةٍ تُعطى للمقرّبين والمتعاونين، وكعصا تُستعمل ضدّ المعارضين والمغضوب عليهم، خاصةً إذا علمنا أنه عندما لا تمنح السلطات تصريحاً للعمل فهذا يعني الحكم على طالبه بالفقر والبطالة. عادل مناع، نكبةٌ وبقاء: حكاية فلسطينيين ظلّوا في حيفا والجليل (رام الله: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ط2، 2016)، ص 322. وكان الهدف إلى جانب اخضاع الفلسطيني للحاكم العسكري، تكامل القوانين المرتبطة بالتنقل مع تلك التي تهدف إلى مصادرة الأراضي، فعدم وصول الفلسطيني إلى أرضه يعني تحولها إلى أرض بور مما يتيح لوزير الزراعة مصادرتها ومنحها للكيبوتس أو المستوطنات، يوسف تيسير جبارين، "أنظمة الطوارئ"، في: الفلسطينيون في إسرائيل، مرجع سبق ذكره، ص 82. وقد أشارت وثائق إلى أنَّه تم إلغاء الحكم العسكري بعد هدم عدة قرى كان قد لجأ سكانها إلى مناطق أخرى وأصبح من غير الممكن عودتهم إليها. "وثائق: الحكم العسكري ألغي بعد هدم وتحريش القرى المهجرة"، عرب 48، 27 أيار 2019.

لاحقاً وبعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، كان الدخول إلى الضفة الغربية وقطاع غزة يحتاج إلى تصريح من الحاكم العسكري، هشام دويك، "الحركة عبر الحواجز: تقرير حول تفييد حرية حركة الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة"، (رام الله: الهيئة الفلسطيني المستقلة لحقوق المواطن، 1998)، ص 10. لكن في العام 1972 تم اتباع سياسة الحدود المفتوحة ولم يتم استخدام التصاريح حتى الانتفاضة الأولى. Yael Berda, “The Bureaucracy Of The Occupation: An Introduction To The Permit Regime 2006”, The paper was written by the author in a course at Tel Aviv University, and published on the Academia website, Pp 5. في أيار 1988 فُرض على سكان قطاع غزة استحداث بطاقات هوية جديدة ممغنطة ليتمكنوا من التنقل والمرور عبر الحواجز جبرائيل الشوملي، التجربة العصيانية في بيت ساحور: دراسة مقارنة العصيان الوطني والعصيان المدني، (القدس: مركز الزهراء للدراسات والأبحاث، 1991)، ص 95. كما ورد ذكر ذلك في النداء رقم 18 الصادر عن القيادة الوطنية في الموحدة للانتفاضة بتاريخ 28/5/1988. وهو ما يمكن اعتباره البداية الفعلية للتصاريح المستخدمة اليوم وهي بالطبع استمرار لما طبق خلال فترة الحكم العسكري. مع حرب الخليج الثانية تم إلغاء الأمر العسكري "تصريح الخروج العام إلى إسرائيل" وأصبح كل فلسطيني من الضفة الغربية أو قطاع غزة يحتاج من أجل التنقل عبر الخط الأخضر إلى الحصول على تصريح من أجل ذلك، Amira has, “Israel's Closure Policy: An Ineffective Strategy of Containment and Repression”, Journal of Palestine Studies, No. 123, Spring 2002, pp. 6-7. واستندت تصاريح الدخول إلى قوانين الدفاع في حالة الطوارئ البريطانية، "عن نظام تصاريح العمل الصهيوني: الحياة في الطوارئ"، بوابة الهدف، 29 كانون الأول 2017. وهي ذاتها التي تم استخدمها في فترة الحكم العسكري عقب نكبة 1948.

في الفترة نفسها، وبما أنَّ التصريح هو أداة سماح/ منع في الوقت ذاته، تم إصدار بطاقات خضراء فرضت على سكان الضفة الغربية لمن تعتبرهم من أصحاب السوابق الأمنية تمنعهم من تجاوز الخط الأخضر.رندة شرارة، "مشكلة العمال الفلسطينيين في إسرائيل"، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 86 (ربيع 2011)، ص 209.

مع توقيع اتفاقيات أوسلو وعلى أساس الملحق الثاني فيها تم تثبيت نظام التصاريح من خلال منظومة بيروقراطية كاملة، وأصبح الفلسطيني يحتاج إلى تصريح من أجل الرعاية الطبية والتعليم وزيارة العائلة ولم شمل العائلات. Berda, ibid, Pp 6. وتعززت منظومة التصاريح بشكلٍ أساس عقب الانتفاضة الثانية وبناء الجدار الفاصل.

تغير شكل التصاريح لم يكن على المستوى التقني بل على مستوى تقسيم الأذونات، وشكلت لها منطقاً بيروقراطياً ضمن منظومة الاحتلال، فقد أشارت منظمة "محسوم ووتش" إلى أنَّ هناك 101 نوع من التصاريح التي يحتاجها الفلسطيني للتنقل. حاييم ليفنسون، "الإدارة المدنية: 101 نوع من تصاريح الدخول للفلسطينيين"، هآرتس، 24 كانون الأول 2012. ويستند حصول سكان الضفة الغربية على تصريح على أساس القانون العسكري الصادر العام 1967 باعتبار الضفة الغربية منطقةً عسكريةً مغلقةً، والدخول والخروج منها يتطلب إذناً من القائد العسكري، أما سكان قطاع غزة فيتم ذلك بموجب قانون الجنسية والدخول إلى إسرائيل الصادر العام 2003. ورقة صادرة عن مكتب تنسيق الأنشطة الحكومية في المناطق (المحتلة)، "حالة التصاريح غير السرية للفلسطينيين للدخول إلى إسرائيل ومرورهم بين الضفة الغربية وقطاع غزة ومغادرتهم للخارج"، شباط 2020، ص 3.

في العام 2004 أعادت إسرائيل استخدام البطاقات الممغنطة وتم ذلك في قطاع غزة من أجل السماح لسكان المناطق القريبة من المستوطنات بالتنقل. "نشرة خاصة حول الإغلاق الإسرائيلي الشامل على قطاع غزة"، المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، تموز 2004. وترافق استخدام البطاقات الممغنطة مع إصدار تصريح وذلك من أجل تسهيل عملية الحصول على تصريح، ويتم إصدار هذه البطاقات من خلال 31 مكتباً تابعاً لوحدة التنسيق في حكومة الاحتلال."كيف يتم الحصول على تصريح؟"، وزارة الخارجية الإسرائيلية، 23 أيار 2013.

لاحقاً وبعد العام 2010 أصبح هناك اتجاه نحو تقننة البطاقات الممغنطة بحيث تتحول إلى هوية بيومترية، ويقوم الشخص الذي يرغب بالحصول عليها بتسليم بصماته وكذلك صورة للوجه، هنادي قواسمي، "قانون "البيانات البيومترية" الإسرائيلي.. ملاحقة من نوع جديد"، شبكة قدس الإخبارية، 6 تموز 2013. ورغم أنَّ هذه الاتجاه كان بالأساس نحو من يحمل الجنسية الإسرائيلية أو الإقامة في مدينة القدس إلاّ أنَّه ينسحب مباشرةً على سكان الضفة الغربية. ورغم غياب هذه القرارات المكتوبة لكن تقرر منذ نيسان 2019 أن يُلزم كل من يحمل تصريحاً ويريد المرور عبر الحواجز الإسرائيلية باصدار بطاقة ممغنطة "إسرائيل تجبي 40 مليون شيكل من البطاقات الممغنطة سنوياً"، فلسطين اليوم، 27 حزيران 2013. وحول الأبعاد الاقتصادية للتصاريح هناك ظارة سماسرة التصاريح، حول ذلك يمكن مراجعة عميرة هاس، "ثلث العمال الفلسطينيين يجبرون على الدفع لسماسرة من أجل الحصول على تصاريح عمل"، هآرتس، 22 تشرين الأول 2019. من أجل ذلك، تحولت صفحة منسق الاحتلال إلى منصة للتواصل مع الفلسطينيين ويمكن القول أنَّها تحولت إلى مكتب ارتباط صغير تبعاً للإعلانات التي توضع عليها، وأيضاً التواصل بين المنسق والفلسطينيين من خلال البث المباشر على الصفحة والرد على الأسئلة، وهذا الإعلان حول الإلزام بحمل بطاقة ممغطنة نشر على صفحة المنسق على موقع فيسبوك في 6 كانون الثاني 2019. وهذا ترافق مع عملية تحويل الحواجز الإسرائيلية إلى حواجز "ذكية" قادرة على قراءة هذه البطاقات بشكلٍ سريع.حول الحواجز البيومترية وبدء العمل بها يمكن مراجعة باسل رزق الله، "تكنولوجيا المُستعمِر: عن حواجز الاحتلال «الذكية»"، حبر، 3 كانون الأول 2019.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات