المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
السياسة الإسرائيلية عالقة بمناورات نتنياهو. (إ.ب.أ)

وافق رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مساء أمس الأحد على دحرجة أزمة حكومته لأكثر من ثلاثة أشهر، رغم أنه بات يلعب بأوراق مكشوفة، فهو معني بانتخابات مبكرة، تقلب تركيبة حكومته، بما يسمح له في الاستمرار بالإمساك بخيوط الحكم، في حال فرضت عليه المحكمة تجميد صلاحياته، مع بدء الجلسات المكثفة لمحاكمته في الشهر الأول من العام المقبل، ولأسابيع طويلة. إذ يتخوف نتنياهو من أنه في ظل تجميد كهذا، سينقل صلاحياته لشريكه في الائتلاف بيني غانتس، ما يعني بداية النهاية السياسية لنتنياهو، على الأقل كما يبدو حتى الآن.

فقد وافق نتنياهو في ساعة متأخرة من مساء الأحد، على مشروع قانون طرحه عضو الائتلاف الحاكم، من كتلة أزرق أبيض تسفي هاوزر، يهدف الى تعديل قانون الأساس القائم، في ما يخص الموعد النهائي لإقرار الموازنة العامة، إلى مطلع كانون الأول المقبل، بدلا من 25 آب الجاري، ولكن ليس واضحا ما إذا سيوافق نتنياهو لاحقا، على طرح مشروع موازنة مزدوجة للعامين الجاري والمقبل 2021، بموجب ما نصت عليه اتفاقية الائتلاف الحاكم، وهذا ما سيتضح في الأيام المقبلة.

فحتى أمس، كان يُصر نتنياهو على إقرار ميزانية للعام الجاري فقط، منقلبا بذلك على اتفاقية الائتلاف، في حين يُصر شريكه، رئيس كتلة أزرق أبيض، بيني غانتس على إقرار ميزانية للعامين الجاري والمقبل، بموجب الاتفاق.
وموافقة نتنياهو على مشروع القانون، تعني إزالة العراقيل أمام الإجراءات البرلمانية التي ستسمح للكنيست بسن القانون على وجه السرعة، إذ سينطلق القانون في مسار التشريع يوم الأربعاء من هذا الأسبوع، بالقراءة التمهيدية، ولكن على الكنيست أن يقر القانون نهائيا في بحر الأسبوع المقبل، قبل الوصول إلى تاريخ 25 آب. ويحتاج هذا القانون لأغلبية عددية من 61 نائبا كحد أدنى كونه تعديلا لقانون أساس.

وكانت الأزمة بين الفريقين الشريكين في الحكومة، قد سجلت يوم الأحد الأخير ذروة، انعكست بعدم عقد جلسة الحكومة الأسبوعية، بعد أن رفضت كتلة أزرق أبيض جدول أعمال الجلسة، الذي لم يتضمن النظر في الميزانية المزدوجة، ما أوحى أن الطريق بات مسدودا، وأن الكنيست سيحل نفسه تلقائيا في 25 آب ليتجه الى انتخابات مبكرة، معني بها نتنياهو.

وهناك عدة تفسيرات للتغيير المفاجئ في موقف نتنياهو، منها إعلان كتلة "يوجد مستقبل- تلم" نيتها طرح مشروع قانون يمنع أي شخص يواجه محاكمة جنائية، مثل الفساد، من تكليفه بتشكيل حكومة. فهذا القانون، في حال حلّ نتنياهو حكومته، ستصبح له أغلبية في الكنيست.

وكما يظهر، فإنه سيتم، يوم الأربعاء القريب، أولا طرح مشروع تأجيل إقرار الميزانية، وفي حال تم تمرير مشروع القانون، بموافقة الليكود، فإن كتلة أزرق أبيض لن تؤيد مشروع القانون الذي يمنع شخصاً متهماً بشبهات جنائية من تشكيل حكومة جديدة. وهذا يدل على عدم ثقة بين الكتلتين، وأن التصدع القائم في الشراكة الحكومية لا يسمح لها بالاستمرار حتى نهاية الولاية المقررة بالاتفاق: ثلاث سنوات من يوم بدء عمل الحكومة.

وكما ذكر، فإن موافقة نتنياهو على مشروع القانون الذي سيؤجل الأزمة، قد تكون مناورة من ناحيته، نظرا لحسابات طارئة، فهو قلق من احتمال إقرار القانون الذي يستهدفه. والانطباع السائد أنه ما زال بحاجة لقلب تركيبة الحكومة، إما بانتخابات مبكرة، أو بإخراج كتلة أزرق أبيض من الحكومة، وادخال كتلتي "يمينا" و"إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان، وهذا سيناريو طُرح في وسائل الإعلام. وحسب ما نشر فإن الكتلتين رفضتا العرض الذي طرحته أمامهما جهات من حزب الليكود.

ونتنياهو بات يلعب بالأوراق المفتوحة، إذ أن هناك شبه اجماع بين السياسيين والمراقبين والمحللين، على أن حسابات نتنياهو شخصية، وهو معني بحل الحكومة، والتوجه لانتخابات مبكرة، كي يمنع نقل رئاسة الحكومة لبيني غانتس؛ وهو ما قد يضطر نتنياهو لفعله قبل الوصول إلى موعد التناوب يوم 21 تشرين الأول 2021، في حال صدر قرار قضائي متوقع، يفرض على نتنياهو تجميد صلاحياته كرئيس حكومة، على ضوء انشغاله ابتداء من الشهر الأول من العام المقبل بجلسات محاكمته المكثفة أسبوعيا. وما لا يريده نتنياهو، هو نقل صلاحياته لغانتس، بل لشخصية يختارها من حزب الليكود، تكون مخلصة له، وتفسح له المجال للتأثير، والاستمرار في الإمساك بخيوط الحكم عن بُعد.

الاستطلاعات وقلق نواب الليكود

حتى نهاية الأسبوع الماضي، أظهرت استطلاعات الرأي استقرارا تقريبا عند نتيجة متقاربة، حول أن التحالف الأساسي لليكود، سيحظى بأغلبية مطلقة ما بين 62 إلى 64 مقعدا. ولكن الليكود وحده سيخسر من قوته، من 36 مقعدا اليوم، إلى ما بين 29 وحتى 31 مقعدا في أعلى نتيجة حققها. ومن خلف خسارة المقاعد هذه، هناك نواب قلقون على مستقبلهم السياسي، خاصة أولئك الذي يحتلون المقاعد الأخيرة في قائمة الليكود، فهم تأرجحوا على مدى عام كامل في ثلاث جولات انتخابية، بين الدخول للكنيست والخروج منه.

والمشكلة ستتعمق أكثر لدى عدد أكبر من النواب، في حال قرر الحزب إجراء انتخابات داخلية جديدة، لأن قائمة المرشحين للكنيست تم انتخابها في مطلع العام 2019، وعلى الأغلب سيقرر الحزب انتخابات داخلية سريعة، وبموجب النظام الداخلي لليكود، فإن حوالي 40% من النواب الحاليين سيخسرون مقاعدهم، لصالح مرشحين من المناطق. عدا عن هذا، فإن نتنياهو اعتاد على حرب تصفيات أو إقصاء، بمعنى إبعاد شخصيات عن المقاعد الأولى، ليقلل من وزنها السياسي، وهذا قائم على أساس الولاء لشخص نتنياهو.

هذا المشهد يوسع دائرة القلق في كتلة الليكود، وحسب أحاديث في أروقة الكنيست، فإنه لو طُرحت مسألة حل الحكومة والكنيست، بحرّية في كتلة الليكود، لظهرت أغلبية ساحقة رافضة لهذا التوجّه، ولكن النواب ومنهم وزراء، يتخوفون من البوح بموقفهم. ومنهم من توجه لنواب المعارضة، ومن القائمة المشتركة، لمعرفة موقفهم من مشروع القانون السابق ذكره، والداعي إلى تعديل القانون، لتأجيل الموعد النهائي لإقرار الميزانية.

ورغم خسارة الليكود من قوته، وفق الاستطلاعات، إلا أنه في الحسابات الشخصية لنتنياهو يبقى رابحا. فقد عمل نتنياهو طيلة الوقت للتمدد في التيار الديني الصهيوني وفي المستوطنات، على حساب أحزاب التيار الديني ذاته، والأحزاب التي ترتكز على المستوطنين أساسا، وهذا يفسر التراجع المستمر في تمثيل تحالف هذه الأحزاب، بتسمياته المختلفة وحاليا "يمينا"، من 12 مقعدا في انتخابات 2013، إلى 6 مقاعد في آذار 2020. أما الآن، فإن استطلاعات الرأي منحت تحالف يمينا" قفزة كبيرة جدا وغير مسبوقة، ليصل تمثيله الى ما بين 14 وحتى 19 مقعدا.

وسيكون نتنياهو رابحا، رغم خسائر الليكود، لأنه بحسب هذه الاستطلاعات فإنه سيرتكز على قاعدة ائتلاف ثابتة من اليمين الاستيطاني، رغم أنها أغلبية ليست كبيرة، وأن الليكود سيكون رهينة لكتلة "يمينا" المتضخمة، التي سترفع سقف مطالبها إلى أقصى الحدود، فبدونها لن تكون حكومة يريدها نتنياهو.

الضغوط الاقتصادية

في ظل هذا المشهد السياسي الضبابي والمتوتر، فإن مؤشرات الاقتصاد تدل، حتى الآن، على ما هو أسوأ من التقديرات الصادرة في الفترة الأخيرة، وهي تقديرات تتزايد سوءا، مثل انكماش الاقتصاد في العام الجاري بما بين 5,9% وحتى 7,2%، بحسب الخبيرة الأكبر في وزارة المالية. بينما الآن تتحدث الصحافة الاقتصادية في مطلع الأسبوع الجاري، عن أن الأعين تتجه إلى يوم الأحد المقبل، 16 الشهر الجاري، الذي سيعلن فيه مكتب الإحصاء المركزي تقديرات النمو للربع الثاني من العام الجاري. وحسب التوقعات، فإن النتائج ستكون "صادمة" للمؤسسة الإسرائيلية، إذ أن الانكماش في الربع الثاني وحده، قد يصل الى 10%، وهي نتيجة غير مسبوقة في السنوات الـ 72 الماضية، ولا في أوسع الحروب الإسرائيلية. وفي حال صحّت هذه التقديرات، فإن الانكماش الاقتصادي في العام الجاري سيتجاوز تقديرات وزارة المالية وبنك إسرائيل المركزي، خاصة على ضوء التقارير الدورية لفروع الاقتصاد، والسوق الاستهلاكية.

وتقول آخر التقارير إن قطاع المطاعم ومرافق الطعام يتحدث عن انخفاض بنسبة 66% في عدد رواد المطاعم ومرافق الطعام، وقد تكون المداخيل قد تراجعت بنسبة شبيهة أو أقل. وهذا وحده مؤشر لقطاعات استهلاكية أخرى، خاصة وأنه حسب تقرير صدر في نهاية تموز الماضي، فإن الاستهلاك الفردي تراجع في الربع الثاني من العام الجاري بنسبة 50%، نظرا للإغلاقات، ولكن أيضا نظرا لتراجع القوة الشرائية، بفعل البطالة المتفاقمة.

والبطالة بحد ذاتها، هي الشغل الشاغل للمؤسسة الرسمية والحكومة. وقال آخر تقرير صادر عن مؤسسة التأمين الوطني (مؤسسة الضمان الاجتماعي الحكومية)، إنه في شهر تموز الماضي تراجع عدد طلبات الحصول على مخصصات بطالة بنسبة تقارب 50% عما كان في شهر نيسان الماضي. وهو ما يعني بحسب هذه المؤسسة، أن نسبة العاطلين عن العمل انخفضت من 21% في نيسان إلى 10,75% في تموز. ولكن هذه النسبة لا تأخذ بعين الاعتبار الشبان من عمر 18 عاما وحتى 20 عاما، المحرومين من مخصصات بطالة استثنائية. كذلك فإن نسب البطالة لا تأخذ بعين الاعتبار "المستقلين"، بمعنى الحرفيين والمهنيين وأصحاب المصالح الاقتصادية الصغيرة، التي تعتمد على الفرد وعائلته، فهؤلاء لا يدخلون في حسابات البطالة، ولكن نسبة عالية منهم توقفت أشغالهم، أو أن مداخيلهم تراجعت الى حد يصعب عليهم تسديد كلفة المعيشة.

وأيضا بحسب التقارير، فإن الضغوط الاقتصادية تتفاقم على مستوى الفرد والعائلة، وكل هذا يدفع نتنياهو نحو دفق المزيد من الصرف على الجمهور، بحسب ما ذكرته صحيفة "كالكاليست" في عدد الصادر في مطلع الأسبوع، يوم الأحد 9 آب. وبحسب الصحيفة، فإن مجموع ما يسعى نتنياهو لصرفه حاليا حوالي 14 مليار شيكل (سعر صرف الدولار حالياً في محيط 3,41 شيكل للدولار). بينما تقول تقارير أخرى إن نتنياهو ومعه وزارة المالية كانا سيعرضان على الحكومة في جلستها التي لم تعقد أمس الأحد، مخطط دعم إضافي بقيمة 8,5 مليار شيكل، ولكن في غالبيتها ستتجه لأصحاب العمل. وهذا في حين تقول تقارير إن على الحكومة أن تدفق على صناديق التقاعد القديمة لا أقل من 5 مليارات شيكل فورا، ولكن هذا يتطلب إقرار ميزانية العام الجاري، وإلا فإن رواتب التقاعد سيتم خصمها، لأن هذه الصناديق التي عملت حسب نظام احتساب التقاعد القديم تواجه أزمة وعجزاً متفاقماً. وخصم رواتب التقاعد يُعدّ إجراء غير مسبوق في العقود السبعة الأخيرة.

إذا لم تتفجر أزمة جديدة في الأيام القليلة المقبلة، فإن الكنيست سيعود الى مزاولة عمله المعتاد، وليس تحت تهديد حله والتوجه إلى انتخابات مبكرة أخرى. ولكن كل هذه الأزمة التي ظهرت في الأسابيع القليلة الماضية، أثبتت أن نتنياهو قابض على جهاز التحكم بمصير الكنيست ككل، ويضغط على الأزرار المناسبة له، ووفق حساباته الشخصية، وهو يُكثر من المفاجآت، كما فعل مساء الأحد، ولهذا ليس مضمونا أن أزمة الائتلاف قد انتهت فعليا، وقد يبادر نتنياهو إلى خلافات إضافية، إذا ما قرر مرّة أخرى أن الانتخابات المبكرة هي التي تخدمه في هذه المرحلة.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات