المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

من المقرر أن تُعرَض حكومة الليكود ـ "أزرق أبيض" الجديدة في إسرائيل، برئاسة بنيامين نتنياهو وبنيامين غانتس، على الكنيست غداً الأربعاء، كما اتفق الرجلان، لتصويت الثقة عليها، وذلك بعد (وبفضل) قرار المحكمة العليا الإسرائيلية التي رفضت، بإجماع 11 قاضياً (!)، جميع الالتماسات التي قُدمت إليها ضد إسناد مهمة تشكيل الحكومة لنتنياهو في ظل لائحة الاتهام الجنائية الخطيرة المقدَّمة بحقه وضد بنود مركزية في الاتفاق الائتلافي المبرم بين الليكود و"أزرق أبيض" لتشكيل "حكومة الطوارئ الوطنية" الجديدة.

ينص أحد البنود المركزية في الاتفاق الائتلافي المذكور، الذي وقع عليه الطرفان يوم 20 نيسان الماضي، على دفع وتحقيق المسعى الإسرائيلي بشأن ضم منطقة غور الأردن وأجزاء واسعة من الضفة الغربية ووضعها تحت السيادة الإسرائيلية، نهائياً، وذلك ابتداء من مطلع تموز القريب. ولم يكن تحديد هذا الموعد صدفة، وإنما هو يقصد إتاحة المجال "لإنجاز الضم" قبل الانتخابات الأميركية للرئاسة، والتي من المقرر أن تجري في تشرين الثاني القادم، خشية خسارة الرئيس الحالي دونالد ترامب الرئاسة لصالح منافسه الديمقراطي، جو بايدن، الذي يعارض الضم.

وحيال هذا المسعى الحكومي الإسرائيلي، تعالت في إسرائيل أصوات تتساءل عن دوافع هذه الخطوة، تشكك فيها وفي دوافعها، تحذر من خطورتها، إسقاطاتها وعواقبها، كما تتساءل عن الردود المحتملة عليها في دول العالم، أو ما يسمى بالمجتمع الدولي، وخاصة في الدول الأوروبية، كلاً على حدة، وفي الاتحاد الأوروبي كهيئة جامعة، عموماً، ناهيك عما يمكن أن يصدر من ردود فعل على الصعيدين العربي والفلسطيني: هل سيبادر الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات على إسرائيل، مثلما فعل ضد روسيا في إثر ضمها شبه جزيرة القرم في العام 2014؟ بعض هذه العقوبات، يمكن أن يكون، بالاحتمال، تجميد أو إلغاء جزء من الاتفاقيات الثنائية، وقف التعاون المشترك في المجالات العلمية والتكنولوجية المختلفة، إلغاء الأفضلية الممنوحة للبضائع والمنتجات الإسرائيلية، مقاطعة جميع البضائع والمنتجات التي يجري إنتاجها وتصنيعها في المستوطنات الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية المحتلة، بل هل تصل بعض الدول حدّ إعادة سفرائها في إسرائيل مقابل الاعتراف بالدولة الفلسطينية؟

بعض هذه الأصوات انعكست في مجموعة من التقارير التي نشرها معهد "مِتافيم" (مسارات)، "المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية"، مؤخراً، والتي تشير، في مجملها، إلى أنه "ليس من الواضح الآن ماذا وكيف ستكون ردات الفعل هذه، لكن الواضح تماماً أن خطوة الضم الإسرائيلية ستلقى الكثير من الاستنكار والتنديد، إلى جانب اجتماعات عاجلة يعقدها مجلس الأمن الدولي وجامعة الدول العربية، وربما تصدر أيضاً بعد التهديدات"! ثم تخلص إلى التأكيد على أنه "بالرغم من أن خطوة حكومة نتنياهو ـ غانتس هذه ستكون تصريحية فقط، دون ترجمة عملية تتجسد في تغييرات على أرض الواقع، إلا أنها ستأتي بنتائج سلبية عينية على إسرائيل".

حذارِ من غضب الأوروبيين في ظل أزمة كورونا

يحذر إفرايم هليفي، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد)، والذي أشغل أيضاً منصب سفير إسرائيل لدى الاتحاد الأوروبي، من اتخاذ "خطوات، أياً كانت، من شأنها إثارة غضب الأوروبيين"؛ موضحاً أن "العلاقات بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي ليست محصورة في المجال السياسي فقط، وإنما تتعداه إلى مجالات أخرى عديدة، منها الاقتصادي والعلمي والتكنولوجي". وبالنظر إلى وضع إسرائيل الاقتصادي في الفترة الراهنة، إذ تقف على عتبة أزمتها الاقتصادية الأعمق والأخطر منذ إنشائها ـ كما يقول هليفي ـ فما الحكمة في إثارة غضب الأوروبيين الآن؟ ذلك أن "الأضرار الاقتصادية التي ستتكبدها إسرائيل، حتى لو لم يسارع الأوروبيون إلى إلغاء هذه الاتفاقيات الثنائية معها، بل وقفها مؤقتا فقط، ستكون أكبر وأعمق بكثير مما يمكن تخيله أو توقعه اليوم".

ويتساءل هليفي: "مع أكثر من مليون عاطل عن العمل في إسرائيل اليوم، بتأثير أزمة كورونا، لماذا يخاطر قادة إسرائيل بتعميق التوترات وتصعيدها مع الاتحاد الأوروبي، الشريك التجاري الأكثر أهمية بالنسبة لإسرائيل؟". ويحذر: "في الوضع الحالي، حيث العالم كله يقف أمام أزمة اقتصادية وصحية غير مسبوقة، لن تحظى إسرائيل بقدر كبير من التسامح".

ويضيف هليفي إن إسرائيل تعيش اليوم، في ظل أزمة كورونا الصحية والاقتصادية، في "حالة تخبط وغموض". وفيها أن البند الأول في قائمة الاحتياجات الإسرائيلية ينبغي أن يكون "ترميم الوضع الصحي والاقتصادي في إسرائيل، لا المخاطرة بخطوات وإجراءات سياسية قد تكون لها نتائج وتداعيات وخيمة"، وهو ما ينبغي أن يسبق أي اعتبار آخر ويتفوق عليه، بما في ذلك "الضم السياسي لمناطق نحن نسيطر عليها ونتحكّم بها أصلاً".

رد الفعل الفلسطيني الميداني هو الحاسم

"ردود الفعل تختلف من دولة إلى أخرى، لكن من غير الممكن في هذه المرحلة توقع الإسقاطات العينية والتفصيلية لقرار الضم"، يقول نمرود غورِن، رئيس معهد "متافيم"، "لأن نوع الضم الذي يختاره نتنياهو في نهاية الأمر سيؤثر على درجة خطورة ردات الفعل ويحددها. وفي كل الأحوال، سيكون رد الفعل الفلسطيني الميداني، سواء كان عنيفاً أو لا، هو العامل الحاسم".

دول عديدة كانت أكدت في وقت سابق أن الضم من جانب واحد يشكل انتهاكاً للقانون الدولي، وهو ما يستنتج منه غورن أن الخطوات التي ستتخذ رداً على الضم، في حال حصوله، لن تكون على صعيد ثنائي، بين كل دولة على حدة وإسرائيل، فقط، وإنما ستكون على الصعيد القانوني الدولي أيضاً. لكنه يرى أن على إسرائيل أن تتوقع ردات فعل سلبية جداً من بعض الدول الأوروبية، وخصوصاً فرنسا وألمانيا، وخصوصاً حيال تردد محتمل من جانب الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي في رد الفعل على الضم، جراء احتمال إقدام دول حليفة لإسرائيل، وخصوصا الولايات المتحدة، على استخدام حق النقض (الفيتو) لإجهاض أي قرار ضد إسرائيل، سواء كان تصريحياً فقط أو تنفيذياً ينطوي على إجراءات عملية بحق إسرائيل.

ويسند غورن تقييمه هذا على التأكيدات الأميركية المتكررة في الفترة الأخيرة، وعلى ألسن العديد من مسؤولي الإدارة الأميركية الكبار وفي مقدمتهم الرئيس دونالد ترامب، بشأن الدعم الأميركي لخطوة الضم الإسرائيلية المتوقعة "طالما أن الضم يجري في إطار صفقة القرن". وهو ما يشكل تأكيداً واضحاً على أن الإدارة الأميركية لن تتوانى في استخدام حق النقض ضد أي مسعى دولي لاتخاذ قرار يندد بالضم في مجلس الأمن الدولي، بينما يمكن التأكيد على أن قراراً كهذا من المتوقع أن يتخذ بأغلبية ساحقة في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، علماً بأنه قرار غير ملزم.

تجاهل التحذيرات الدولية تصرف غير حكيم

في أعقاب نشر تفاصيل الاتفاق الائتلافي بين الليكود و"أزرق أبيض"، حذر مسؤولون رسميون من مختلف أنحاء العالم من مغبة تنفيذ عملية الضم، كما نص عليها اتفاق نتنياهو وغانتس لتشكيل حكومتهما المشتركة: إمكانية طرح هذه المسألة للبحث في "المجلس الوزاري المقلص" وفي الحكومة، ثم في الحكومة والكنيست لإقرارها، ابتداء من مطلع تموز القادم؛ على أن الضم وفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية وغور الأردن ينفَّذان "بموافقة الولايات وبالحوار الدولي، فقط". وقد جاء هذا النص بناء على طلب غانتس و"أزرق أبيض" لتجنب حدوث أزمة سياسية حادة، في العلاقات مع الأردن، قد تصل في نظرهم إلى حدّ إلغاء اتفاقية السلام بين البلدين، في حال إصرار نتنياهو على تطبيق الضم على غور الأردن أيضاً، كما أعلن وتعهد مرات عديدة.

وقال المفوض الأعلى للشؤون الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، إن بروكسل (مقر الاتحاد الأوروبي) "ستتابع الوضع عن كثب وسترصد إسقاطاته ثم ستتصرف بما يتلاءم معها". وفي فرنسا، حذر مسؤول حكومي رفيع من أن "الضم لن يمر دون ردة فعل ولن نتغاضى عنه بسبب علاقاتنا مع إسرائيل"، بينما قال مسؤول كبير في الحكومة الألمانية إنه "ستكون للضم انعكاسات جدية وسلبية على مكانة إسرائيل في العالم". كما صدرت تصريحات مماثلة عن دول أوروبية أخرى، من بينها روسيا، بلجيكا، إسبانيا، إيرلندا، إيطاليا والنرويج.

وقال يغئال بلمور، الناطق السابق باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية والمسؤول الكبير في "الوكالة اليهودية" اليوم، إن "التجاهل الإسرائيلي للتحذيرات والتوبيخات الصادرة من دول عديدة في العالم هو تصرف غير حكيم ولا يعبر عن استقرار واتزان في السياسة الإسرائيلية، حتى لو كانت هذه التهديدات غير دقيقة وغير جدية تماما".

لماذا سيكون الضم خطأً فادحاً؟ ـ سبعة أسباب

تحت هذا العنوان، كتب البروفسور إيلي بودِيه، أستاذ الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية في الجامعة العبرية في القدس، مقالاً (نشره في صحيفة "هآرتس" يوم 6 أيار الجاري)، يقول في بدايته إنه "لا يمكن لقيادة مسؤولة أن لا ترى سوى الفرص من دون الأخذ في الحسبان المخاطر المحدقة نتيجة تحقيق الفرصة"، ثم يوضح أنه "بالإمكان تسجيل سبعة مخاطر، على الأقل، تتهدد إسرائيل في الساحة الدولية والإقليمية إن هي قررت تنفيذ الضم".

هذه الأخطار السبعة، كما يشرحها بوديه، هي:
الأول، الاتحاد الأوروبي ـ الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل ـ أعلن أنه لا يعترف بالسيادة الإسرائيلية على المناطق التي احتُلت في العام 1967، بل هدد بأن الضم لن يمر مر الكرام. ثمة من يستهينون بالدور الذي يلعبه الاتحاد الأوروبي في النزاع الشرق أوسطي، لا سيما على خلفية الخلافات في الرأي بين أعضائه، الدول الـ 27. ولكن ينبغي أن نتذكر أن الاتحاد الأوروبي قد رفض خطة ترامب (صفقة القرن) ويمكن الافتراض بأن ضم مناطق من الضفة الغربية ـ بما يتعارض مع سياسة الاتحاد الأوروبي المثابرة منذ إعلان البندقية (في إيطاليا) في العام 1980 – سيُعتبَر "خرقة حمراء" يجبر الاتحاد الأوروبي على اتخاذ إجراءات عقابية في المجالين الاقتصادي والسياسي.

الثاني، السلطة الفلسطينية وجميع الفلسطينيين في مختلف أنحاء العالم لن يستطيعوا المرور بصمت على هذا الخرق الفاضح للوضع القائم. وثمة لديهم جملة من إمكانيات الرد العديدة: ناهيك عن التنديد العلني والمتوقع، قد تندلع اضطرابات في الضفة الغربية قد تتدهور نحو انتفاضة ثالثة. هذه ليست المرة الأولى التي يصدر فيها هذا التهديد (دون أن يتحقق في السابق)، غير أنه سيكون هذه المرة عاملاً إضافياً على الاحتجاج ضد السلطة الفلسطينية وإسرائيل على خلفية الوضع الاقتصادي. وفي مثل هذه الحالة، قد تلجأ السلطة الفلسطينية إلى وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل نهائياً وربما ـ وهو تهديد صدر في الماضي أيضاً ـ تقرر حل نفسها أيضاً. من شأن خطوة كهذه أن ترغم إسرائيل على فرض الحكم العسكري من جديد على الضفة الغربية.

الثالث، "حماس" في قطاع غزة و"حزب الله" في لبنان ـ بدعم ومساعدات إيرانية ـ قد يختاران تصعيد الأوضاع على الحدود، الجنوبية والشمالية، بل والدفع نحو حرب جديدة.

الرابع، ستردّ الدول العربية بحزم وبطرق مختلفة. في 30 نيسان الماضي، نشرت جامعة الدول العربية بيانا رسميا تحذر فيه من أي ضم للمناطق الفلسطينية المحتلة منذ 1967 وتعتبره "جريمة حرب جديدة". صحيح أن الجامعة العربية هي هيئة من دون صلاحيات تنفيذية، إلا أنه ثمة لبيانها هذا معاني سياسية وأخلاقية قد تؤثر على الدول العربية التي تقيم علاقات رسمية (أو غير رسمية) مع إسرائيل، وهو ما قد يدفع الأردن ومصر تحديداً إلى إعادة سفيريهما من إسرائيل. وبما أن هذه الخطوة كانت قد اتُخذت في عدد من الأزمات المتعلقة في بالمسألة الفلسطينية في الماضي، فمن المحتمل أن تضطر عمّان والقاهرة إلى اتخاذ خطوة أكثر جدية وأثراً، ثم التهديد بمستقبل اتفاقيات السلام بينهما وبين إسرائيل. وتنبغي الإشارة هنا إلى أن الأردن ومصر تعملان من وراء الكواليس على الصعيد الدولي، منذ فترة، في محاولة لمنع الضم، انطلاقا من معرفتهما بالأخطار التي قد تتهدد نظاميهما في حال تم تنفيذ الضم.

الخامس، التعاون القائم من وراء الكواليس بين إسرائيل والدول الخليجية قد يتضرر بسبب الضم. المسلسلات التلفزيونية التي تبثها قنوات عربية اليوم بالذات، في شهر رمضان، تدل على حصول تغيير إيجابي في صورة اليهود وإسرائيل هناك وأن هذا التعاون ليس وليد الصدفة. غير أن قرار الضم سيشكل مشكلة لدى القصور الملكية قد يحول دون استمرارها في تحسين العلاقات مع إسرائيل، بل ربما يدفعها إلى وقفه تماماً.

السادس، إذا ما خسر ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، فقد يطرأ تدهور جدي على العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة. قد تتبنى الإدارة الأميركية، من جديد، الموقف التاريخي الذي يعتبر المستوطنات عائقاً أمام تحقيق السلام، قد تتراجع عن الموافقة على الضم وربما عن سياسة ترامب بشأن القدس أيضاً.

السابع، فكرة الضم تنطوي على خطر أكبر وأوسع من النظرة الإسرائيلية إليها. فمثل هذا الإجراء هو بمثابة القضاء التام والنهائي على خيار حل الدولتين، وهو ما سيبقي فكرة الدولة الواحدة باعتبارها الخيار الأبرز والوحيد. فكرة الدولة الواحدة تعني نهاية المشروع الصهيوني بشأن الدولة اليهودية الديمقراطية. وقد أصبحنا نسمع، منذ الآن، أصواتاً عديدة تقول إن المشروع الاستيطاني قضى، فعلياً، على إمكانية حل الدولتين، لكن إذا ما بقي هناك ولو بصيص أمل، فإن الضم يأتي ليكون "قبلة الموت". وسيكون من شأن هذه الخطوة، أيضاً، القضاء النهائي على الإيمان ـ الذي لا يزال قائماً لدى كثيرين في إسرائيل وبين اليهود في العالم ـ بأن إسرائيل دولة تريد السلام ومعنية بالتوصل إلى حل مع الفلسطينيين. عملياً، سيزيل الضم، بصورة نهائية، القناع الذي استخدمه قادة إسرائيل طوال سنوات عديدة وكأنهم يسعون إلى السلام، بحق وحقيق.

وبعد شرح المخاطر السبعة، يقول الكاتب إنه "في ضوء هذه الاعتبارات مجتمعة، يبدو الضم قرارا متسرعا وخاطئا وعلى زعماء إسرائيل أن يسألوا أنفسهم ما إذا كانت هذه الخطوة تستحق هذه المخاطرة الجسيمة. أما في الجواب، في نظري، فهو: لا كبيرة وأكيدة".

ويختتم بوديه مقالته هذه باستعارة المسلك الحكومي في إسرائيل وفي العالم في مواجهة جائحة كورونا فيقول: "في هذه الأزمة، لم يتخذ القادة السياسيون قراراتهم إلا بعد التشاور مع الخبراء في مجالات الصحة. فقد أيقنوا أنهم لا يملكون الأدوات المناسبة من أجل اتخاذ هذه القرارات لوحدهم وبصورة مستقلة. ومن لم يفعل كذلك من القادة، تسبب بموت كثيرين. وعليه، يسأل السؤال إذن: لماذا لا يبحث القادة السياسيون مسائل مصيرية في المجال السياسي مع خبراء في الموضوع. وحسب ما أعرف، فإن الغالبية الساحقة من الخبراء يعتقدون بأن فكرة الضم هي خطأ فاحش. يجدر بالائتلاف الحكومي الجديد الإصغاء إلى هذه الأصوات وعدم الجري وراء أفكار مسيانية".

"الضم خطر يخيم على علاقات إسرائيل مع العالم العربي"

من جهتها، اعتبرت عضو الكنيست السابقة كاسانيا سفيتلوفا، مديرة برنامج إسرائيل والشرق الأوسط في معهد "متافيم" والباحثة في المركز المتعدد المجالات في هرتسليا، في مقال باللغة الإنكليزية نشر في موقع "المونيتور"، إن "الضم خطر يخيم على العلاقات بين إسرائيل والعالم العربي".

لفتت سفيتلوفا بداية إلى حقيقة أن السياسيين الإسرائيليين، من كلا حزبيّ الائتلاف الحكومي الجديد، يتحدثون عن الضم من خلال السؤال "كيف؟" (كيف سيتم تنفيذ الضم) وليس من خلال السؤال "هل؟" (هل من الصحيح تنفيذ الضم؟)، وبذلك فهم "يطبّعون الضمّ". ولئن كان الحديث عن الضم قبل سنتين ـ ثلاث سنوات قصراً على أعضاء كنيست من "البيت اليهودي" أو الجناح الأكثر تطرفاً في الليكود، فإننا نرى اليوم أن رئيس "أزرق أبيض"، بنيامين غانتس، يساوم على كيفية التنفيذ وليس على السؤال ما إذا كان ينبغي البحث في الضم، أصلاً.

الأمر الهام الثاني هو أن ثمة أغلبية واضحة تماماً لعملية الضم في الكنيست الحالي، وفي الكنيست القادم أيضاً، على ما يبدو. فكتلة اليمين الجديدة "ديرخ إيرتس" (يوعز هندل وتسفي هاوزر، المنشقان عن "تلم" برئاسة موشيه يعلون)، أورلي ليفي ـ أبكسيس (المنشقة عن تحالف العمل وميرتس)، "أزرق أبيض"، "إسرائيل بيتنا" برئاسة أفيغدور ليبرمان، الليكود برئاسة نتنياهو، وكتل اليمين الأخرى ـ جميعها تؤيد الضم وتريد تنفيذه. وربما يضاف إلى هؤلاء جميعاً أعضاء كنيست من كتلة "يوجد مستقبل".

تقول الكاتبة إن العالم العربي لا يميز بين المركّب الأيديولوجي وبين المركّب السياسي في مسألة الضم ويتابعون بقلق كبير التصريحات التي تصدر عن ساسة إسرائيليين والحديث عن الضم يعزز المتطرفين في العالم العربي ويضعف المعتدلين. في الوضع الحالي، بينما تواجه الأنظمة العربية جائحة الكورونا، قد يشكل الضم صباً للزيت على نار عدم الاستقرار الإقليمي، بل التسبب بضرر فادح للأمن الإسرائيلي، خاصة وأن وثيقة داخلية أعدت في وزارة الخارجية الإسرائيلية مؤخرا تتحدث عن قلق جدي في إسرائيل من احتمال/ خطر انهيار بعض الأنظمة العربية نتيجة أزمة الكورونا.
لكن، حتى قبل انتشار وباء الكورونا، كان من الواضح أن الضم لن يكون مقبولاً على أنظمة عربية عديدة وعلى الشارع العربي، لكن الآن وبينما بقي في العالم العربي ملايين العاطلين عن العمل وتعمقت الأزمات الاقتصادية، فإن أية خطوة غير حذرة قد تمس بالعلاقات الحساسة جداً بين إسرائيل والعالم العربي، ما يعني ضرراً جسيماً للأمن الإسرائيلي أيضاً.

تقول الكاتبة إن "غالبية المسؤولين الكبار في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، في السابق والحاضر، والذين أجروا اتصالات وثيقة مع المسؤولين الكبار في العالم العربي طوال عشرات السنين، يدركون حجم الخطر الكامن في الضم". وفي هذا السياق تورد موقفي كل من عاموس جلعاد، الجنرال (احتياط) في الجيش الإسرائيلي ورئيس الدائرة الأمنية ـ السياسية في وزارة الدفاع سابقاً، وداني ياتوم، الجنرال السابق في الجيش والرئيس السابق لجهاز "الموساد"، اللذين يعارضان الضم ويريان أنه ينطوي على مخاطر جدية لإسرائيل.

وتختم الكاتبة مقالها بالتأكيد على أن الضرر الأكبر المترتب على الضم سيلحق بالفلسطينيين وبالأردن، على وجه التحديد، الأمر الذي قد يكلف إسرائيل ثمنا غالياً وقد يؤدي إلى هزة إقليمية كبيرة تضع حداً لحلم التعاون مع دول المنطقة وتشكيل جبهة موحدة ضد إيران.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات