المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

احتدت في اليومين الماضيين الحرب الكلامية بين الأطراف المرشحة لتشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، أو المشاركة فيها، في ضوء نتائج الانتخابات للكنيست الـ23 التي جرت يوم الاثنين، 2 آذار الحالي.

وكانت اللهجة أشد حدّة لدى رئيس الحكومة وزعيم الليكود بنيامين نتنياهو، الذي أجج خطابه العنصري الإقصائي ضد القائمة المشتركة، التي تمثل أساسا جماهير فلسطينيي الداخل، وارتفعت قوتها بمقعدين إضافيين، وحرقت فورا حلم نتنياهو بالوصول الى عدد المقاعد "الذهبي" الذي يمنحه تشكيل حكومة فورا مع شركائه: 61 نائبا من أصل 120 نائبا .

فقد ختم نتنياهو مساء يوم الانتخابات بابتسامة عريضة جدا، بعد أن تنبأت كل استطلاعات الرأي العام التلفزيونية، التي تجري ميدانيا في يوم الانتخابات، بحصوله مع شركائه الفوريين على 60 مقعدا، ما يعني من ناحيته أنه كان بإمكانه أن يقفز بمقعد إضافي، أو أن ينجح في إحداث شرخ في واحد من الكتل المعارضة له. ولكن لم تمر ساعات، وقبل بزوغ فجر اليوم التالي، حتى تبين أن الليكود وحلفاءه حصلوا على 58 مقعدا، وهذه هي النتيجة النهائية، بزيادة 3 مقاعد عن انتخابات أيلول. ولكن الليكود وحده زاد قوته بأربعة مقاعد، وحصل على 36 مقعدا، وبات الكتلة الأكبر، بعد أن اقتنص مقعدا من حليفه، تحالف أحزاب المستوطنين "يمينا"، ومقعدا آخر من حزب غريمه أفيغدور ليبرمان، "يسرائيل بتينيو (إسرائيل بيتنا)"، ومقعدا ثالثا وأكثر، من القوة الانتخابية التي كان من المفترض أن تحصل عليها قائمة "قوة يهودية" (عوتسما يهوديت)، المنبثقة عن حركة "كاخ" الإرهابية المحظورة .

وبعد أن تأكدت النتيجة لنتنياهو شرع يهاجم القائمة المشتركة، وعقد لقاء مع أنصاره، وشرح وهو يكتب على اللوح كيف أن الانتخابات حسمت لصالحه، باعتبار أن المقرر هم اليهود وحدهم، وأنقص من حسابات مقاعد الكنيست 15 مقعدا للقائمة المشتركة. ولاحقا بدأ الليكود ونتنياهو بالتشكيك بنتائج الانتخابات، مطالبا بتسلم كافة محاضر لجان صناديق الاقتراع، وعددها ما يقارب 10700 صندوق.

وفي حين أن نتنياهو سيحصل لدى رئيس الدولة على تأييد 58 نائبا من أصل 120 نائبا، فإن هذا لا يعني أن غانتس سيحصل فورا على تأييد بتكليفه من 62 نائبا، فالطريق ليست سهلة، لأنه في حال حصل فعلا على دعم حزب "يسرائيل بيتينو" وزعيمه ليبرمان الذي له 7 مقاعد، ودعم كتلة "العمل- غيشر- ميرتس" التي لها 7 نواب، فإن القائمة المشتركة بنوابها الـ 15 هي التي ستقرر. والحصول على تأييد القائمة المشتركة لن يكون بهذه السهولة، على ضوء شكل تعامل "أزرق أبيض" وغانتس مع القائمة، بعد انتخابات أيلول، إذ رفض غانتس عقد أي لقاء أو تلقي أي طلبات من القائمة، كشرط لدعم تكليفه لدى الرئيس. وفي نهاية المطاف حصل على دعم 10 نواب من أصل 13 نائبا.

وخلال الحملة الانتخابية، انضم غانتس الى الخطاب الإقصائي، وقال لناخبيه إنه لن يقبل بتشكيل حكومة تستند الى القائمة المشتركة.

وقال تقرير للإذاعة الإسرائيلية العامة، صباح يوم الأحد الماضي، إن النائبين اليمينيين المتطرفين يوعز هندل وتسفي هاوزر، من حزب "تلم" في تحالف "أزرق أبيض"، يرفضان أن تكون هناك توصية بغانتس من القائمة المشتركة، فيما قال رئيس حزب "تلم" المرشح الثالث في قائمة "أزرق أبيض"، موشيه يعلون، إنه يرفض أن يكون نواب حزب "التجمع" الثلاثة، في القائمة المشتركة، بين المؤيدين للتوصية بتكليف غانتس، وقال إنه سيعمل على سن قانون لإخراج حزب التجمع عن القانون.

وقد رفض نواب في القائمة المشتركة تصريحات يعلون وهاجموها.

وقالت مصادر لصحيفة "هآرتس" إن النائبين هندل وهاوزر يمثلان الجناح اليميني الأكثر تطرفا في تحالف "أزرق أبيض" ويعارضان بشدة أي دعم خارجي من القائمة المشتركة لحكومة أقلية، ويطالبان بأن يتم سن قانون يحظر على نتنياهو رئاسة الحكومة، لكونه يواجه محاكمة في قضايا فساد، ومن ثم تقام حكومة وحدة مع الليكود. وحسب تلك المصادر فإن هذا هو أيضا اتجاه أفيغدور ليبرمان. ومن المفارقة أنه في حين يرفض هاوزر وهندل أي تواصل مع القائمة المشتركة، فإن قانونا كهذا لا يمكن أن يسن في الكنيست إلا فقط بالتنسيق مع القائمة، ورغم أن هذا القانون لا يمكن أن يسن ويسري فورا على شخص نتنياهو.

وحاول رئيس "تلم" يعلون التخفيف مما ينشر عن حدة موقف هذين النائبين، بقوله إن كل ما يُقرر في قيادة "أزرق أبيض" سينفذ. وأبدى مساء الأحد تراجعا ما في موقفه، ففي حين قال يوم الخميس الماضي إنه يريد دعما من القائمة المشتركة، من دون نواب حزب التجمع الوطني الديمقراطي، فقد قال مساء الأحد إنه لن يعترض على دعم القائمة المشتركة، من دون ذكر حزب التجمع.

أما القائمة المشتركة فقد قررت كتلتها في جلستها التي عقدت يوم الأحد الأخير، أنه لن تكون توصية على بيني غانتس أمام الرئيس الإسرائيلي، وأنه إذا أراد تحالف "أزرق أبيض" التوصية، عليه أن يتوجه للقائمة المشتركة علنا، وأن تجري مفاوضات حول التوصية، فيما أكد نواب في المشتركة أن الجانب السياسي تجاه القضية الفلسطينية سيكون مطروحا في مفاوضات كهذه في حال جرت.

في المقابل، ادعت مصادر في "أزرق أبيض" لصحيفة "هآرتس"، أنه تجري اتصالات من وراء الكواليس مع القائمة المشتركة، "نظرا للحساسية في الاتصال بين القائمتين، وفقط في حال تمت بلورة صيغة ما، سيتم الإعلان عنها". وأضافت المصادر أن احتمال تشكيل حكومة وحدة ضئيل جدا، فهناك سلسلة من الشروط يجب أن تنفذ لقيام حكومة كهذه.

وقال غانتس في تصريحات إعلامية، إنه قرر "تشكيل حكومة مستقرة وقوية تشفي اسرائيل من الكراهية والانقسام". وأضاف أنه سيبذل كل ما في استطاعته "كي لا تكون هناك انتخابات رابعة". وقال في مؤتمر صحافي إن "الشعب أشار لنتنياهو إلى مكان الخروج".

ورد غانتس على نتنياهو قائلا: "لن أسمح لك بإشعال حرب أهلية في اسرائيل الحديثة من أجل ورقة الخروج من المحاكمة. دولة اسرائيل ناضلت قبلك وهي ستنمو وتزدهر بعدك. الشعب قال كلمته في ثلاث جولات انتخابية وبأغلبية ساحقة: لقد انتهى عهد حكم نتنياهو".

تعزيز الحراسة الأمنية على غانتس

على صعيد آخر قرر ضابط الكنيست تعزيز الحراسة الأمنية على رئيس تحالف "أزرق أبيض" غانتس، في إثر سلسلة من التهديدات ضده على مواقع التواصل الاجتماعي. وقال ضابط الكنيست إن القرار جاء وفقاً لتوصيات الشرطة الإسرائيلية.
وكان مكتب غانتس وجّه في نهاية الأسبوع الفائت رسالة إلى ضابط الكنيست طالبه فيها بالتحرك إزاء التهديدات التي وصلت إليه بكميات كبيرة، وأرفق بالرسالة صوراً لنحو 10 تهديدات انتشرت على موقعي "تويتر" و"فيسبوك" وفي مجموعات "واتسآب" مختلفة.

وقال غانتس إن التحريض على العنف في المجتمع الإسرائيلي تجاوز كل الحدود، وإذا لم يتم كبحه ستقع عملية اغتيال سياسية أخرى. واتهم نتنياهو بالاستعداد لإحراق كل شيء بغية تفادي مثوله أمام المحكمة. وأضاف غانتس "إن نتنياهو الذي أدار معركة انتخابية تدهورت إلى أسفل درك من القذف والتشهير يؤجج الآن نيران العنف والتطرف ويلمح إلى خرق قواعد اللعبة".

ولفت غانتس إلى العواقب الوخيمة التي أفضى إليها التحريض العام 1995، والذي تسبب في اغتيال رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك إسحاق رابين. وأضاف أن نتنياهو يرتكب خطأً فادحاً إذا ظن أن لغة التهديد والوعيد ستجديه نفعاً، وأكد أن سلوكه هذا الطريق يثبت ضرورة إطاحته من سدة الحكم من أجل سلوك طريق أفضل ووقف التحريض والانشقاق.

في سياق متصل قال الرئيس السابق لجهاز الأمن العام ("الشاباك") يوفال ديسكين إن تطرّف الأجواء العامة في إسرائيل بعد نتائج الانتخابات يتطلب نقل مسؤولية الحراسة الأمنية على غانتس، منافس نتنياهو على رئاسة الحكومة، إلى جهاز "الشاباك".

وأكد ديسكين في حديث خاص أدلى به إلى صحيفة "هآرتس"، أنه بالرغم من أن الأنظمة المتبعة في الكنيست لا تفرض منح رؤساء الكتل البرلمانية حراسة من "الشاباك" فإن ما يلزم في بعض الأحيان هو ممارسة الحس السليم وليس تطبيق القواعد بحذافيرها الجافة، وحتى لو لم يستحق غانتس الحراسة من طرف "الشاباك" بحسب القانون والقواعد الرسمية إلا إنه الآن زعيم حزب لديه فرصة لتشكيل حكومة. وتابع: "على الشاباك عدم تجاهل الأجواء في الأماكن العامة. وأعتقد أن عليه اتخاذ موقف واضح، وتحذير المستوى السياسي من العواقب المحتملة، والتوصية بأن يتولى هو حراسة غانتس".

وحذّر ديسكين من أن هناك احتمالاً للعودة إلى الأجواء التي سادت في منتصف تسعينيات القرن الفائت حينما اغتيل رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك إسحاق رابين من طرف ناشط يميني.
وأوضح ديسكين أن مواقع التواصل الاجتماعي تعمل على زيادة تأثير التحريض.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات