المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

من المفترض أن تنتهي، اليوم الثلاثاء، مهلة الأيام الخمسة التي حددتها "محكمة العدل العليا" الإسرائيلية لكل من حزب الليكود، المستشار القانوني للحكومة، أفيحاي مندلبليت، رئيس لجنة الانتخابات المركزية للكنيست الـ 23 (الوشيكة)، قاضي المحكمة العليا نيل هندل، و"سلطة حماية الخصوصية" في وزارة العدل الإسرائيلية لتقديم ردودها على الالتماس الذي تقدم به المحاميان شاحر بن مئير وإسحاق أفيرام إلى المحكمة ضد استمرار استخدام برمجية "إلكتور" الانتخابية في إثر التسرب الذي حصل من خلالها وأدى إلى كشف كل المعلومات الشخصية لنحو 5ر6 مليون مواطن إسرائيلي على شبكة الإنترنت (6453254 مواطن، على وجه الدقة، هم من بين المواطنين الإسرائيليين أصحاب حق الاقتراع، من سن 18 عاما وما فوق).

ويفترض في "محكمة العدل العليا" أن تصدر قرارها النهائي في هذا الالتماس بأقصى السرعة الممكنة نظراً لاقتراب موعد الانتخابات العامة التي ستجرى يوم الاثنين القادم.

وقد تقدم المحاميان المذكوران بالتماسهما هذا إلى المحكمة العليا يوم 19 شباط الجاري، غداة قرار رئيس لجنة الانتخابات المركزية، القاضي هندل، رفض الالتماس الذي تقدما به إلى اللجنة ذاتها بحجة "عدم امتلاك اللجنة صلاحية" البحث في الموضوع واتخاذ قرار بشأنه.

ورغم قراراه رفض الالتماس، لعدم توفر الصلاحية، نوه القاضي هندل إلى "ضرورة النظر في إمكانية تعديل قوانين الانتخابات الإسرائيلية كي تتلاءم مع التطورات التكنولوجية المتسارعة، إذ أن القضايا المستجدة تثير أسئلة في غاية الأهمية لا يستطيع قانون الانتخابات الذي سنه الكنيست في العام 1969 وما زال على حاله توفير إجابات كافية وشافية عليها. يمكن القول إن التكنولوجيا غيرت وجه الانتخابات، بمعان مباشرة وغير مباشرة، مكشوفة وخفية".

وأعلن هندل أنه سيبادر، بعد الانتخابات القريبة، إلى تشكيل لجنة شعبية خاصة، برئاسة قاض متقاعد من المحكمة العليا، لفحص كل ما يتعلق بقضايا قوانين الانتخابات وخصوصا ما يتصل منها بقوانين حماية الخصوصية بكل أوجهها، بما فيها سرية الانتخابات، بالنظر إلى التطورات التكنولوجية التي أصبحت تتحكم بالمعارك الانتخابية وحملاتها الدعائية خلال السنوات الأخيرة. وقال إن هذه اللجنة ستقدم تقريرها وتوصياتها إلى الكنيست، الذي سيقرر كيفية إجراء التعديلات القانونية اللازمة.

وإلى جانب موضوعة الخصوصية، أكد هندل على ضرورة أن يشمل الفحص أيضاً مسألة "نشر الدعاية الانتخابية بما يتعارض مع القوانين، بوسائل تكنولوجية مختلفة تجعل من الصعب الوصول إلى مخالفي القوانين". وذكّر بمحاولات سابقة لفرض رقابة على الدعاية الانتخابية التكنولوجية (على شبكة الانترنت) لكن هذه المحاولات الإصلاحية باءت بالفشل جراء إصرار حكومة الليكود على إجهاضها قبل انتخابات نيسان 2019.

بإيعاز وتشجيع مباشرين من نتنياهو

جاء هذا الالتماس إلى لجنة الانتخابات المركزية على خلفية ما كشف عنه محققون خصوصيون من أن برمجية تدعى "إلكتور" (الناخب ـ Elector)، وهي تطبيق لإدارة ملفات الانتخابات والعلاقات مع الناخبين، يستخدمها حزب الليكود (وأحزاب إسرائيلية أخرى، كما تبين لاحقاً) قد تسببت بتسرب معلومات شخصية كثيرة وهامة عن نحو 5ر6 مليون مواطن إسرائيلي، من أصحاب حق الاقتراع، وانكشاف هذه المعلومات على الشبكة العنكبوتية، انكشافا تاما. كما تبين لاحقاً، أيضاً، أن هذه البرمجية تفتقر إلى أي وسائل أمان وأن المعلومات المخزّنة فيها عن المواطنين أصبحت مشاعاً على شبكة الانترنت ومن المرجح أنها أصبحت بين أيدي جهات ذات مصالح مختلفة، إجرامية أو سياسية أو أمنية أو سواها، علماً بأن هذه المعلومات تشمل جميع المعلومات الرسمية الواردة في سجل الناخبين للكنيست الـ 23، مع معلومات إضافية أخرى أضافها ناشطو ومسؤولو الحملة الانتخابية لحزب الليكود. وقد نشر أن هذه المعلومات تم جمعها وتركيزها وإضافتها ضمن "حملة واسعة النطاق" أجراها حزب الليكود، ضمن حملته الانتخابية الحالية، بإيعاز وتشجيع شخصيين مباشرين من زعميه، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.

ومن ضمن ما تشمله هذه المعلومات: أسماء الناخبين، أرقام هوياتهم، عناوين إقاماتهم بالكامل، آراؤهم السياسية وميولهم الانتخابية، أوضاعهم الاقتصادية، حالاتهم وحالات أقربائهم الصحية وغيرها. وقد نشر، على سبيل المثال، أن من ضمن المعلمات المخزنة عن أحد المواطنين ورد ما يلي: "والده ناشط معروف في الليكود. أما هو فقد صوّت في الانتخابات الماضية لحزب كاحول لفان (أزرق أبيض) وفي الانتخابات الحالية هو متلبك ومحتار. يجب ممارسة الضغط عليه، بالعاطفة وبالمنطق"!
وورد في ملاحظة أخرى عن ناخب آخر ما يلي: "هذا الشخص هو عميل واش لحزب "أزرق أبيض". انضم إلى مجموعة "فقط نتنياهو وفقط الليكود" يوم 28 كانون الثاني وقال كلاما بذيئا عن رئيس الحكومة. قمنا بطرده من المجموعة". وفي ملاحظة عن سيدة أخرى ورد: "هي عاشقة لبيبي (نتنياهو)، لكنها غاضبة جراء إطلاق سراح نعما يسسخار (من الحبس في روسيا)".

وقد أشير، في هذا السياق، إلى أن هذه المعلومات الشخصية الحميمة قد تؤثر لاحقاً على فرص قبول بعض الأشخاص لمجالات عمل معينة، بما في ذلك على خلفية مواقفهم السياسية وميولهم الانتخابية، بمعنى الانتقام منهم وحرمانهم من الانخراط في مجالات عمل معينة.

يطلب الملتمسان من "محكمة العدل العليا" تخويل رئيس لجنة الانتخابات المركزية صلاحية البحث في التماسهما مرة أخرى لاتخاذ القرارات المناسبة، كما يطلبان منها أيضاً إصدار أمر احترازي يلزم حزب الليكود بالتوقف الفوري عن العمل بهذه البرمجية ومنعه من السماح لأي شخص بالاطلاع على هذه المعلومات المخزنة عن المواطنين، باستثناء العاملين في الانتخابات بأجر وبشرط التزامهم بشروط وأحكام قانون حماية الخصوصية، ثم بإصدار أمر لحزب الليكود ولمدير عام شركة "إلكتور" بشطب وإزالة جميع المعلومات التي جمعها بواسطة هذا التطبيق.

تعريض المواطنين لإجراءات انتقامية

أشار المحاميان في التماسهما إلى "محكمة العدل العليا" إلى أن المستشار القانوني للحكومة وسلطة حماية الخصوصية قد أكدا، في ردهما إلى رئيس لجنة الانتخابات المركزية، أن "ثمة نواقص خطيرة في هذه البرمجية في مجال تأمين المعلومات المخزنة فيها لكن أياً من السلطات الرسمية المسؤولة، وخصوصا سلطة حماية الخصوصية في وزارة العدل والمؤتمنة على حماية خصوصية المواطنين، لم تحرك أي ساكن لوقف العمل بها بصورة فورية".

ونوه الملتمسان إلى أن "بنك المعلومات" في برمجية "إلكتور" ليس أنه تعرض للاختراق والتسريب فقط، وإنما تم وضعه على خوادم شركة "أمازون"، عملاقة الشبكة العنكبوتية، وهي الخوادم الموجودة، فعليا، خارج حدود دولة إسرائيل، مما يشكل انتهاكا صارخا لأحكام القوانين الإسرائيلية ذات العلاقة، وفي مقدمتها قانون حماية الخصوصية.

وإلى جانب الضرر الجسيم على مستوى المواطنين الأفراد الذي تسربت هذه المعلومات الشخصية عنهم إلى جهات وعناوين مختلفة لا علم لهم بمواقعها ومصالحها، يشير الملتمسان إلى ما سببه هذا التسرب من ضرر "جوهري وجدي جدا" في مجال طهارة الانتخابات وسريتها، بل قد يشكل هذا مدخلا وسيعا لانتشار الرشاوى الانتخابية في الانتخابات الوشيكة للكنيست. وأوضحا: "تسرب أو إخراج معلومات من صندوق الاقتراع عن هوية الأشخاص الذين لم يشاركون في عملية التصويت يتعارض مع الحق الدستوري المكفول للمواطن الإسرائيلي، بنص قانوني، في أن يكون تصويته سرياً... سرية التصويت بهذا المعنى تشمل، أيضاً، حق الإنسان في أن يبقى قراره بعدم ممارسة حقه في الانتخاب (كفعل سياسي، أيضا) طي السرية. أما كشف مثل هذا الشخص أمام الحزب بأنه قرر عدم المشاركة في التصويت فقد يعرضه لعقوبات اجتماعية أو ممارسات انتقامية، بما يعني سلبه حقه الدستوري في أن يبقى قراره سرياً وألا يتعرض لأي أذى من جرّائه".

وكان الملتمسان قد أرفقا التماسهما إلى لجنة الانتخابات المركزية برأي استشاري مهني أعدته د. عنات بن دافيد، المحاضرة الكبيرة في قسم علم الاجتماع، العلوم السياسية والإعلام في "الجامعة المفتوحة"، رأت فيه أن تقنيات تعقب الناخبين ومراقبتهم لا تختلف عن تقنيات التعقب والرصد في مجالات أخرى، إذ هي ـ على المنوال نفسه ـ تُنتج تشكيلة معلومات يمكن من خلالها المماثلة ما بين مواقفهم السياسية وهويتهم الشخصية. ومن شأن منح استخدام هذه التقنيات شرعية قانونية تسريع استخدام المعلومات في المستقبل على نحو يتيح المماثلة ما بين رأي الشخص وهويته في أي جانب من جوانب حياته الشخصية ـ سواء لدى رغبته في الانضمام إلى عمل ما، أو لدى طلبه خدمة معينة من الدولة أو من شركة تجارية، أو حتى حين يتفاعل مع أصدقائه. وفي دولة مثل إسرائيل، حيث ثمة أحزاب تعاني الإقصاء خارج "الإجماع القومي" ـ كما هي حال الأحزاب الممثلة للمواطنين العرب ـ تصبح إساءة استخدام هذه المعلومات بصورة انتقامية أمرا محتملا جدا وغير مستبعد إطلاقا.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات