المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تجري بعد غد الخميس، 26 كانون الأول الجاري، الانتخابات لرئاسة حزب الليكود. وعلى الرغم من أن نتيجة الانتخابات شبه محسومة لصالح بنيامين نتنياهو ضد منافسه غدعون ساعر، إلا أنها تعد الانتخابات الجديّة الأولى، إن صح التعبير، منذ العام 2005، ولربما بالإمكان القول إنها الانتخابات الأكثر سخونة منذ العام 1993.

إلا أن نتنياهو لا يكتفي بالفوز المضمون، لأنه يطمح لأغلبية حاسمة، لا تقل عن الثلثين، في حين أن ساعر يريد من هذه الانتخابات كسر احتكار نتنياهو لحزب الليكود. وفي كل الأحوال، فإن هذه الانتخابات ستكون بدء عهد جديد في الليكود، تعود فيه الصراعات لتكون علانية، منها ما هي في مواجهة رئيس الحزب نتنياهو.

وستكون الانتخابات مفتوحة أمام حوالي 130 ألف عضو منتسب لحزب الليكود، هم بغالبيتهم الساحقة منتسبون لغرض الانتخابات المفتوحة (البرايمريز). وستنتشر صناديق الاقتراع في جميع أنحاء البلاد. وحسب التقديرات، فإن نسبة المشاركة في التصويت ستتجاوز نسبة 50%.

ومنذ اللحظة التي أعلن فيها ساعر عزمه منافسة نتنياهو، وهو أمر كان متوقعا لدى الجميع، واجه هجمة شرسة من أنصار نتنياهو، خاصة من أعضاء الكنيست حديثي العهد، الذين ربطوا مصيرهم بزعيم حزبهم، إضافة إلى هجوم من أعضاء ميدانيين في الليكود. فبات ساعر "خائنا" و"طابورا خامسا" و"يطعن في الظهر"، ومن هذه التعابير ما يستخدمها نتنياهو وأنصاره ضد فلسطينيي الداخل. وليكتمل المشهد، الداعي أحيانا للسخرية، فإن ساعر طالب بنصب كاميرات في صناديق الاقتراع، إلا أن نتنياهو وفريقه، ومعهم لجنة الانتخابات في الحزب، رفضوا الطلب. وهذا يذكّرنا بطلب نتنياهو نصب كاميرات في صناديق البلدات العربية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.

ولا توجد منافسة سياسية بين الاثنين، لا بل إن ساعر يبدي مواقف أشد تطرفا، وهو يهاجم نتنياهو لمجرد أنه كان يذكر في ما مضى "حل الدولتين"، رغم أن ما عرضه نتنياهو هو كيان ممسوخ يسمى "دولة"، محاصر من الجهات الأربع ومن الجو، ولا سيادة له حتى على ما في باطن الأرض، مع إبقاء جميع المستوطنات على حالها.

ولكن ساعر يبقى في نظر كوادر خصومه في الحزب أنه المتمرد على "القائد"، وأنه لم يساند نتنياهو حينما تم توجيه ثلاث لوائح اتهام ضده، وأن ساعر يقول إن نتنياهو لن يكون قادرا على تشكيل الحكومة بعد انتخابات آذار المقبل. وفي نظر أنصار ساعر، فإن هذا يُعد جرأة الشخصية القيادية التي تقول لنتنياهو: كفى إلى هذا الحد.

وعلى الرغم من أن النتيجة شبه محسومة، وليس واضحا بأي نتيجة سيفوز نتنياهو، وفق كل التقديرات، التي حولها إجماع، إلا أن هذا يدل على مرحلة جديدة؛ والتعبير الأصح، مرحلة قديمة عادت إلى صفوف الحزب، وهو أن "الزعيم" لن يكون المسيطر الوحيد على الحزب. وهذه من علامات بداية النهاية السياسية لنتنياهو.

وبالإمكان القول إن آخر انتخابات ساخنة شهدها الليكود كانت في العام 1993، بعد خسارة يتسحاق شامير رئاسة الحكومة. وكانت المنافسة المركزية بين نتنياهو والوزير الأسبق دافيد ليفي. ومنذ العام 1996 وحتى العام 2005 لم يشهد الليكود انتخابات ساخنة، فبعد خسارة نتنياهو الحكم في العام 1999، كان انتخاب أريئيل شارون رئيسا لليكود أمرا سلسا.

وفي العام 2005 كانت آخر انتخابات شبه ساخنة، بين نتنياهو والوزير الأسبق سيلفان شالوم، الذي جرّب حظه آخر مرّة قبل انتخابات 2009، حتى توقف عن المنافسة. وكانت آخر انتخابات لرئاسة الليكود فيها منافسة، قد جرت في العام 2014، حينها حصل نتنياهو على 77% مقابل منافسه موشيه فيغلين.

وبين نتنياهو وساعر خصومة قائمة منذ سنوات، وعلى خلفيتها قرر الأخير اعتزال الحياة البرلمانية في العام 2014، ولم يخض انتخابات 2015، ولكنه عاد إلى المنافسة على مقعد في انتخابات نيسان 2019، وحصل على المقعد الرابع، وحافظ على موقعه في انتخابات أيلول الماضي. ولكن هذه المرّة طالب بانتخابات على رئاسة الليكود، وهذا ما تم.

والمنافسة لن تقف عند هذا الحد، كما يبدو، إذ أقرت محكمة الليكود الداخلية بأنه واجب على الحزب أن يجري انتخابات لقائمة الحزب وعدم تثبيتها، كما جرى في انتخابات أيلول. ومن أجل الغاء قرار المحكمة، سيكون على 60% من أعضاء مجلس الحزب الذي يضم قرابة 4 آلاف عضو، تعديل الدستور، وقد انتقل القرار لمحكمة الاستئناف في الحزب. وحتى صدور هذا العدد من "المشهد الإسرائيلي"، ليس واضحا ما الذي سيكون، لأن انتخابات عامة لقائمة الحزب تتطلب تحضيرات أسابيع، في حين أن تقديم القوائم للجنة الانتخابات المركزية، سيكون يومي 14 و15 كانون الثاني المقبل، بمعنى 3 أسابيع من الآن.

وعلى الرغم من أنه لم يتقرر أمر انتخابات القائمة، إلا أن ساعر تلقى تهديدات واضحة، على موقعه في القائمة، بمعنى أن أنصار نتنياهو سيعملون على دحر ساعر إلى مكان متأخر في القائمة، وهناك شك في ما إذا سيكونون قادرين على تحقيق هدف كهذا.

قلنا إن معركة نتنياهو ستكون على أغلبية حاسمة لا تقل عن الثلثين، وليس واضحا ما إذا سيكون بقدرته تحقيق الهدف. ومن ناحية أخرى، فإن المتمرد ساعر ليس بالضرورة أن يحقق هدفه بأن يثبت مكانه كخليفة نتنياهو، بعد اضطرار الأخير للنزول عن المسرح، جراء محاكمته، أو لأي سبب آخر. فشخصيات أخرى لا أقل وزنا من ساعر في الليكود أعلنت نيتها المنافسة على رئاسة الحزب بعد نتنياهو، ومن بينها وزير الخارجية الحالي يسرائيل كاتس، ورئيس الكنيست يولي إدلشتاين، الذي يقال إنه يُفضل المنافسة على رئاسة الدولة في الانتخابات التي ستجري في الكنيست في صيف العام 2021. والشخصية الثالثة عضو الكنيست نير بركات، الذي كان حتى العام 2018 رئيسا لبلدية القدس، ولربما تظهر أسماء أخرى. ولكن ما هو واضح أنه منذ الآن، وبالذات بعد نزول نتنياهو عن المسرح، فإن حرب المعسكرات في الليكود ستعود إلى سابق عهدها، وهذا ما سينعكس لاحقا على قوة الحزب برلمانيا.

غدعون ساعر

غدعون ساعر هو من مواليد 1966، متزوج من الصحافية غيئولا إيفن (الزوجة الثانية)، يسكن في تل أبيب، وحاصل على اللقب الأول في العلوم السياسية، واللقب الثاني في الحقوق. وظهر لأول مرّة على الساحة السياسية، حينما تولى منصب سكرتير الحكومة، في النصف الأول من العام 1999، في آخر أشهر حكومة بنيامين نتنياهو الأولى. وتم تعيينه مجددا لهذا المنصب في شتاء العام 2001، في حكومة أريئيل شارون.

وصل ساعر إلى الكنيست لأول مرّة في انتخابات مطلع العام 2003، ضمن قائمة الليكود برئاسة شارون، وبرز فور دخوله إلى الكنيست. كان ساعر في تلك الولاية البرلمانية الـ 16، ضمن التيار المتشدد في كتلة الليكود، الذي رفض خطة إخلاء مستوطنات قطاع غزة. وبقي في حزبه، بعد أن انشق شارون عن الليكود في شهر تشرين الثاني 2005 وشكّل حزب "كديما".

وفي انتخابات العام 2006 للكنيست الـ 17، دخل ساعر إلى الكنيست مجددا، ضمن كتلة حزبه الليكود التي حصلت وقتها على 12 مقعدا، دلالة على انهيار الحزب المرحلي في تلك الأيام. كما تم انتخابه للكنيست في انتخابات العام 2009، وكان قد حصل على موقع متقدم في قائمة الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو، الذي شكّل الحكومة، وأسند له وزارة التعليم.

وانتخب ساعر مجددا للكنيست الـ 18 في العام 2013، وحصل على حقيبة الداخلية. ولكن في تلك الولاية البرلمانية التي استمرت عامين، ظهر صراع بين نتنياهو وساعر، حينما لاحظ نتنياهو أن لساعر توجهات منافسة. وقد وصل الأمر إلى حد تضييق نتنياهو على عمل زوجة ساعر الجديدة في حينه غيئولا إيفن في التلفزيون الإسرائيلي. واستقال ساعر من الحكومة والكنيست في أوائل خريف العام 2014، قبل أسابيع قليلة من حل الكنيست.

ولم يخض ساعر انتخابات العام 2015، إلا أن اسمه بقي يلوح في الأجواء السياسية، كمن يتحدى نتنياهو وينافسه. فعلى سبيل المثال، ساند ساعر بعد انتخابات 2015، زميله الوزير غلعاد إردان، الذي رغم حصوله على المقعد الثاني بعد رئيس الحزب في قائمة الليكود، إلا أن نتنياهو لم يسند له حقيبة ذات وزن، حتى أسند له بعد شهرين على تشكيل الحكومة منصب وزير الأمن الداخلي مع ملفات أمنية أخرى.

وتمهيدا لانتخابات نيسان 2019، عاد ساعر لنشاطه، وتنافس على مقعد في القائمة، وحصل على المقعد الرابع المتقدم، رغم ما أشيع عن سعي نتنياهو إلى محاصرته. وحافظ على مكانته في القائمة في انتخابات أيلول 2019.

ويتمسك ساعر بمواقف يمينية غاية في التشدد، وهو من أنصار ما يسمى "أرض إسرائيل الكاملة".

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات