المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

قالت تحليلات إسرائيلية إن سياسة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الخارجية والأمنية تلقت طعنة قوية مؤخراً، وأشارت إلى أن الدليل الأحدث على ذلك هو حدوث تحوّل في السياسة الأميركية يمثل عليه قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب التخلي عن الأكراد في سورية، وتجاهله ازدياد القدرات العسكرية الإيرانية.

وكتبت صحيفة "هآرتس" في افتتاحية خاصة أنشأتها قبل عدة أيام أن هناك مفاجأتين استراتيجيتين قوضتا السياسة الخارجية والأمنية لنتنياهو، وجعلتا منها أداة فارغة وخيمة العواقب. المفاجأة الأولى كانت الهجوم الناجح على منشآت النفط في السعودية، المنسوب إلى إيران، والذي استُقبل بتجاهل أميركي. والمفاجأة الثانية كانت تخلي الرئيس الأميركي ترامب عن الأكراد، وهو ما سمح لتركيا بالقيام باحتلال "المنطقة الآمنة" في الإقليم الكردي في شمال سورية.

وتابعت الصحيفة: فوجئت إسرائيل بالقدرة العملانية التي أظهرها الإيرانيون ضد السعودية، وسارع نتنياهو إلى طلب زيادة الميزانية لتعزيز الدفاع الجوي. ولم تكن مفاجأتها أقل حيال الانسحاب الأميركي من شمال سورية. ففي المرة الماضية التي قرر فيها ترامب إخراج قواته من سورية، أعلم إسرائيل بذلك قبل 24 ساعة، وهذه المرة تخلى البيت الأبيض حتى عن مثل هذا الإعلان القصير.

وأشارت إلى أن نتنياهو اعتمد في سياسته الخارجية والأمنية على أساسين: تماهٍ مطلق مع ترامب، وتصعيد المواجهة مع إيران وحلفائها، بسلسلة هجمات ازدادت قوة في الأشهر الأخيرة ووصلت حتى إلى العراق. ولقد صدّق، وسوّق ذلك للجمهور، أن ترامب يصغي إلى نصائحه ويعمل على انهيار النظام في إيران. لكن للأسف الشديد قطع ترامب الصلة به منذ الانتخابات، ويعمل علناً على تسوية العلاقات مع إيران. ولا يوجد لنتنياهو حلفاء آخرون في أميركا، بعد أن قطع علاقته بالحزب الديمقراطي. وتجاهل ترامب الهجوم على السعودية والتخلي عن الأكراد هما إشارتا تحذير لإسرائيل بأنها لا تستطيع الاعتماد على صديق نتنياهو في البيت الأبيض. ويسعى ترامب لإنهاء التدخل العسكري الأميركي في الشرق الأوسط، وتحظى سياسته بدعم الجمهور والمنظومة السياسية في الولايات المتحدة. وجهود نتنياهو لعرقلة هذا التوجه الأميركي وتغييره، وإحباط التسوية مع إيران، ستثير فقط المشاكل.

وختمت "هآرتس" بأن نتنياهو يتولى أيضاً منصب وزير الدفاع، وهو يتحمل المسؤولية عن المفاجآت الاستراتيجية، وعن الإعداد الضعيف لإسرائيل لمواجهة التحول في السياسة الأميركية، والقدرة العسكرية الإيرانية، وهذا هو سبب جوهري آخر لإنهاء ولايته.

في سياق متصل أكد عضو الكنيست السابق نحمان شاي، الذي شغل منصب الناطق العسكري الإسرائيلي في الماضي، أن ما وصفه بأنه فعل خيانة والذي ارتكبته الولايات المتحدة بحق الأكراد، ينبغي أن يخرج إسرائيل من طمأنينتها، وله أهمية هائلة تتخطى أي قرار آخر اتخذه الرئيس دونالد ترامب.

وأضاف شاي في سياق تعليق نشره في موقع "واينت" الإلكتروني أنه جرى مؤخراً حديث عن حلف دفاعي بين إسرائيل والولايات المتحدة. ومع أن الفكرة جميلة، فثمة فكرة أخرى إلى جانبها وهي صحيحة الآن أكثر من أي وقت مضى، وفحواها أن على إسرائيل أن تؤسس وجودها وأمنها بالاعتماد على قوتها فقط. وبهذه الطريقة فقط ستنجو، وفقط بذلك ستقلل من خطر تخلي أحد ما عنها في وقت الشدة.

وأنهى شاي قائلاً: من المعقول ألّا ينقلب علينا ترامب غداً أو بعد غد. وعلى الرغم من تصريحاته التي قال فيها إنه "من المؤسف أننا دخلنا إلى الشرق الأوسط"، لا تزال هناك قوى كبيرة في الكونغرس وفي المؤسسة الأمنية - السياسية وفي الرأي العام تدعم إسرائيل، وتقدّر مكانتها الإقليمية، ومستعدة لمساعدتها. لكن التجربة الكردية تدل على أن كل شيء يمكن أن يتغير فجأة. فالمصالح تأتي وتذهب. وفي هذه الأيام بالذات، وعندما ننظر إلى الوراء، إلى حروب إسرائيل، نتذكر أن هذه القوة هي المرساة الأساسية التي يمكن الاعتماد عليها.

وكان المحلل العسكري لموقع "واينت" رون بن يشاي أشار إلى أن الهجوم الإيراني ضد السعودية يوم 14 أيلول الماضي لم يكن لدى الأميركيين والسعوديين، وأيضاً لدى أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، أي تحذير منه. وصحيح أنه ليس من المفترض بالاستخبارات الإسرائيلية أن توظف مواردها في الدفاع عن منشآت النفط السعودية، لكن الهجوم قام به أفراد من سلاح الجو في الحرس الثوري الإيراني، وهذا طرف يتعين على إسرائيل أن تعرف ما الذي يخطط له وكيف.

بالإضافة إلى ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الهجوم جرى بواسطة صواريخ بحرية وطائرات من دون طيار حلقت مئات الكيلومترات، تقريباً ألف كيلومتر، على علو منخفض وضمن مسار التفافي ومتعرج، بصورة أبقت كل منظومات الرادار والإنذار الأميركية والعراقية والكويتية في الظلام، بصورة مضاعفة. لقد كان الهجوم دقيقاً، أصاب على بعد متر تقريباً لا أكثر النقطة المستهدفة، وبمستوى تستطيع القيام به فقط جيوش وصناعات أمنية متطورة. ولذا ليس غريباً أن الهجوم الذي نُفذ أضاء جميع الأضواء الحمراء في إسرائيل.

وبرأيه ثمة شيء آخر فاجأ إسرائيل هو الاستخدام الناجع الذي قامت به إيران للصواريخ البحرية والطائرات من دون طيار من إنتاج صناعتها.

وتطرّق بن يشاي إلى احتمال وقوع حرب قريبة فقال: في الحقيقة، ليس لدى الجهات الأمنية في إسرائيل أي معلومات أو تقدير يتوقع حرباً في وقت قريب، ولا حتى هجوماً مفاجئاً محدوداً. لكن احتمال وقوع مواجهة كبيرة مع المحور الشيعي الراديكالي بقيادة إيران ازداد كثيراً مؤخراً. وأحد أسباب ذلك هو الضرر المستمر الذي تتسبب به العقوبات الأميركية للاقتصاد الإيراني. وسبب آخر هو أن لدى الإيرانيين الآن ثلاث طرق عمل محتملة للخروج من هذا الوضع. الأولى - العودة إلى طاولة المفاوضات والتحاور مع الولايات المتحدة بشأن إدخال تغييرات على الاتفاق النووي ومشروع الصواريخ. الثانية- زيادة عمليات التخريب والمضايقات ضد الملاحة في الخليج وضد حلفاء الولايات المتحدة بحيث لا يكون هناك مفر لترامب، وسيضطر إلى الرد أيضاً عسكرياً. في مثل هذه الحالة يمكن أن تتعرض إسرائيل أيضاً للهجوم وترد. والثالثة هو أن يسرع الإيرانيون في تطوير سلاح نووي من دون الانتقال إلى القنبلة. هنا أيضاً ستضطر إسرائيل إلى اتخاذ قرار ما إذا كانت ستسمح للإيرانيين بالتقدم نحو القنبلة النووية، أم أنها ستوقف العملية.

وأشار إلى أن كل واحدة من طرق العمل هذه لا تشكل بشرى جيدة لإسرائيل، وخصوصاً بعد أن اتضح مرة تلو المرة أن ترامب ليس حليفاً موثوقاً به. ومن أراد حلفاً دفاعياً مع ترامب، وحتى قدّم ذلك كعامل جذب انتخابي، يدرس بالتأكيد الآن مجدداً إذا كان مثل هذا الحلف مرغوباً فيه وخصوصاً عندما يكون في البيت الأبيض رئيس انعزالي يخرق كل اتفاق وقعته الولايات المتحدة. وفي هذه الأثناء، الإيرانيون يستخدمون الضغط ويحصدون نجاحات في الخليج. والدول العربية السنية المعتدلة التي يئست من ترامب تبدأ في مغازلة إيران. في وضع كهذا أصبحت فرص تطبيع العلاقات بين إسرائيل وجاراتها القريبات والبعيدات في الشرق الأوسط ضعيفة. كذلك أيضاً فرص الاستعانة بهذه الدول للتوصل إلى اتفاقات سلام وتطبيع مع الفلسطينيين. في مثل هذا الوضع فإن "صفقة القرن" لترامب يمكن أن تدجّج تصعيداً لا أن تحقق تهدئة. وفي الخلاصة، على إسرائيل أن تتعود مجدداً على فكرة أنها ستضطر وحدها، عاجلاً أم آجلاً، إلى مواجهة التهديد الإيراني.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات