المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

يشهد المنهاج الرسمي لجهاز التربية والتعليم الإسرائيلي، وبشكل خاص منذ مطلع سنوات الألفين، تقلبات في التوجهات، خاصة وأنه من أصل 6 وزراء تناوبوا على هذه الحقيبة منذ العام 2001 وحتى الآن، 5 منهم كانوا من التيار الديني الصهيوني واليمين الاستيطاني. وكل واحد منهم عمل على تعميق دراسة موضوع "اليهودية" والديانة اليهودية، على حساب التثقيف على الديمقراطية والحريات.

وهذا نهج استفحل أكثر منذ تولي نفتالي بينيت الحقيبة في العام 2015، وتلاه حاليا الحاخام العسكري السابق رافي بيرتس، الذي فرض على المنهاج للعام الدراسي الجديد تعليم "قانون القومية"، الذي أقره الكنيست في صيف 2018، وهو قانون قائم على أسس عنصرية واقتلاعية، وعلى إلغاء كامل لحق الشعب الفلسطيني في وطنه، ويمنح اليهود وحدهم أفضليات كثيرة، خاصة في مجال الأرض والسكن.

ولربما أن الاحصائيات التي نشرتها صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية في الأسبوع الماضي، مع افتتاح السنة الدراسية المدرسية الجديدة، تعطي لمحة عما يجري.

ففي العام الدراسي الجديد، استوعب جهاز التعليم 7 معلمين فقط لموضوع الفيزياء، و8 معلمين لموضوع الكيمياء، و13 معلما جديدا لموضوع الجغرافيا، وهذا كعينة. وذلك في حين استوعب جهاز التعليم 361 معلما جديدا لموضوع اللغة الإنكليزية، وللرياضيات 432 معلما، ولكن هذا لم يسد النقص الكبير في عدد المعلمين في هذين الموضوعين. أما لموضوع "اليهودية"، بمعنى كتاريخ واعتبارها "قومية"، فقد تم دمج 477 معلما جديدا.

وتقول الاحصائيات ذاتها إنه بحسب وزارة التربية والتعليم، ينقص جهاز التعليم 3065 معلما. ولكن هذا العدد لا يأخذ بعين الاعتبار واقع جهاز التعليم العربي، الذي يعاني من كثافة في الغرف التعليمية، ولو كانت الكثافة مساوية لما هي في جهاز التعليم العبري، لكان نقص المعلمين أكثر بكثير مما ينشر.

وتضيف الاحصائيات، أنه على الرغم من الزيادة الحاصلة في عدد معلمي اللغة الإنكليزية، إلا أنه ما زال ينقص الجهاز 626 معلما لهذا الموضوع. وكذلك الرياضيات، فهذا الموضوع وعلى الرغم من الزيادة، ما زال بحاجة إلى 383 معلما، بينما لم تشر الاحصائيات الى أي نقص في المعلمين لموضوع الديانة اليهودية، ولليهودية بشكل عام.

ذروة في تعليم الدين

ويقول تقرير آخر لصحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية إن عدد ساعات تعليم الدين اليهودي في المدارس الابتدائية الإسرائيلية، يعادل 3 أضعاف ونصف ضعف معدل ساعات تعليم الدين في الدول الأعضاء في منظمة التعاون بين الدول المتطورة OECD. ويشير إلى أن ساعات تعليم الدين في جهاز التعليم الإسرائيلي تستمر الى ما بعد مرحلة التعليم الإلزامي، بمعنى المرحلة الثانوية (التوجيهي).

وحسب التقرير، فإنه لا توجد دولة تستثمر الكثير من الموارد في الدراسات الدينية بالقدر الإسرائيلي، ولا حتى الدول التي يعتبر دينها عنصرا أساسيا في ثقافتها، مثل إيطاليا وإيرلندا وتركيا.

ويقول التقرير إن صحيفة "هآرتس" كانت قد نشرت في السنوات الأخيرة سلسلة تقارير تشير الى تغلغل المضامين الدينية اليهودية، في منهاج التعليم، حتى مضامين لم تذكرها التوراة اليهودية، بمعنى مضامين كانت تأتي على ألسن حاخامات على مر السنين.

وترى "ذي ماركر" أن "استثمار إسرائيل في دراسات التوراة، وتأكيدها على هذه الدراسات، أمر محيّر على ضوء الحالة الكارثية لجهاز التعليم الإسرائيلي في العلوم والرياضيات واللغة الإنكليزية، وفي اختبارات PISA (العالمية) الأخيرة، التي أجريت في العام 2015، كان معدل الفشل في اختبارات الرياضيات واللغة الإنكليزية والعلوم مرتفعا، بمقدار 150% عن معدل الفشل في دول OECD. وهذا من دون احتساب الطلاب المتدينين الحريديم، الذين لا يتعلمون الرياضيات العصرية، وانما الأولية فقط، وبدوافع دينية، فالحريديم لا يشاركون في هذه الاختبارات العالمية. كما أن 31% من الطلاب الإسرائيليين فشلوا في اختبار العلوم، و32% فشلوا في الرياضيات، و27% فشلوا في القراءة".

ويشار هنا الى أن نسبة كبيرة من هذا الفشل نابعة من أوضاع جهاز التعليم العربي، الذي يعاني من سياسة تمييز صارخة، في الميزانيات والموارد اللامنهجية، التي تمويلها يعتمد على قدرات المجالس البلدية والقروية وعلى الأهالي.

وكانت تقارير سابقة قد دلت على أن مستوى تحصيل الطلاب اليهود في هذه الاختبارات العالمية قريب من معدلات التحصيل في الدول الأوروبية المتطورة، بينما معدلات تحصيل الطلاب العرب، ورغم أنه شهد تحسنا محدودا في السنوات الأخيرة، أقرب لمعدلات تحصيل طلاب الدول الفقيرة.

ويقول تقرير الصحيفة ذاتها إن جهاز التعليم للمرحلة الابتدائية يخصص 14% من ساعات التعليم لموضوع الدين، والمواضيع القريبة منه (اليهودية)، وهذا أعلى بثلاثة أضعاف ونصف الضعف من المعدل القائم في الدول الأعضاء في OECD، إذ أن المعدل هناك 4% من ساعات التعليم الأسبوعية.

خفض دروس العلوم والتكنولوجيا

في المقابل، عندما يتعلق الأمر باكتساب مهارات القراءة والتعبير، فإن إسرائيل تمضي 22% من وقت الدراسة في هذا الموضوع، مقارنة بـ 25% في الدول المتطورة. في فرنسا، على سبيل المثال، يتم تخصيص ما يقرب من 40% من المناهج الدراسية لاكتساب اللغة. في الرياضيات، تستثمر إسرائيل حوالي 1% أعلى من معدل دول OECD..

كما تُظهر البيانات أيضا أن إسرائيل تخصص موارد أقل للتربية البدنية (6% في إسرائيل مقابل 9% في OECD)، وأقل في الدراسات الفنية (6% مقارنة بـ 10% في OECD).

ويُبرز تقرير منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي (OECD) الذي نشر العام الماضي، حقيقة أن بعض الدول قد بدأت في تخصيص أجزاء من مناهجها الدراسية لاستخدام تكنولوجيا المعلومات والإنترنت على أفضل وجه، لكن لم يتم التأكيد على هذه القضايا في إسرائيل. إلا أن وزير التعليم السابق نفتالي بينيت كان قد أعلن في العام الماضي عن تقليص عدد ساعات تعليم الرياضيات والعلوم والتكنولوجيا واللغة الإنكليزية في الصفوف الابتدائية الستة الأولى. وفي المقابل زاد ساعات تعليم اليهودية في المدارس اليهودية.

وتقول "ذي ماركر" إنه خلال ولاية الوزير بينيت، التي استمرت 4 سنوات كاملة، أصبحت الدراسات اليهودية مادة إلزامية في الصف الثالث ابتدائي، وتمت زيادتها إلى 5 ساعات أسبوعية، بالإضافة إلى دراسة التوراة، وهي مهمة أسبوعية مدتها 15 ساعة أسبوعيا لدراسة التوراة واليهودية، مقارنة بـ 12 ساعة دراسية في الفترة التي سبقت، والعلوم والتكنولوجيا والرياضيات 30 ساعة أسبوعيا.

خفض التثقيف على الديمقراطية

ويقول تقرير آخر لصحيفة "كالكاليست" الاقتصادية، التابعة لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، إنه منذ بداية القرن الـ 21، لوحظ انخفاض واضح في تحفيز المدارس على التثقيف على القيم الديمقراطية والليبرالية والعالمية. وهذا ما استنتجته دراسة أجرتها الدكتورة تامي هوفمان، من المعهد الإسرائيلي للديمقراطية.

وتُظهر الدراسة أن قلة قليلة جدا من الرسائل الدورية للمدير العام لوزارة التعليم، التي تعنى بتوجيه التعليمات وتوصيات الوزارة لعمل المدارس، تتعامل مع القضايا المدنية والقيمة الاجتماعية المتعلقة بالتعليم الديمقراطي. وعندما يتعلق الأمر بالديمقراطية، فإنها تأتي في المقدمة بشكل رئيسي في الأنشطة العشوائية العرضية وغير الإلزامية، ليتبعها مباشرة تذكير بالصهيونية والكثير من القضايا القومية وإبرازها.

ووفقا لهوفمان، فمن المؤشرات التي اعتمدت عليها في دراستها أنه حينما تجري بحثا في محرك البحث في موقع وزارة التعليم، تبين لها أن 73 رسالة مدير عام فقط تطرقت مباشرة لمواضيع تتعامل مع القيم الديمقراطية. ولكن يتبين أن 66% من القضايا التي تضعها الوزارة في مقدمة أولوياتها تتعلق بالشؤون اليهودية. وبيّنت أن 6 رسائل من الرسائل الـ 73 التي ظهرت منذ العام 2017 وحتى الآن هي رسائل دورية عمومية، في حين أن الرسائل الـ 67 الأخرى تعاملت مع موضوع الديمقراطية، بشكل عشوائي، أو ارتباطا بأحداث، مثل أن 15 رسالة تعلقت باغتيال رئيس الحكومة الأسبق يتسحاق رابين، و14 رسالة تعاملت مع حقوق الإنسان، وثلاثة رسائل فقط خلال السنوات الـ 18 الماضية تعاملت مع موضوع التسامح. وفقط خلال ولاية الوزيرة يولي تامير من حزب العمل، بين العامين 2006 و2008، كانت رسائل توجيهية تتعامل مع مسألة المساواة بين الجنسين.

وتقول دراسة هوفمان إنه في السنوات الـ 18 الأخيرة، أقدمت الوزارة عن سابق تخطيط ومعرفة، على تعميق تعليم اليهودية، والديانة اليهودية، دون إجراء توازن مع تعليم القيم الديمقراطية والإنسانية ومفاهيمها.

وقالت هوفمان إن الانقلاب في توجهات منهاج التعليم الإسرائيلي انعكس في توزيع الميزانيات. فميزانية تعليم اليهودية ارتفعت منذ العام 2014 وحتى العام 2017 بنسبة 76%، من 120 مليون شيكل في العام 2014، إلى 211 مليون شيكل في العام 2017. وبطبيعة الحال فإن هذه ميزانية ترتفع باستمرار.

ونشير في هذا المجال إلى أنه منذ أن تولت الوزيرة السابقة عن حزب الليكود ليمور ليفنات حقيبة التعليم في العام 2001، جرى استهداف موضوع المدنيات أو المواطنة، وجرى تغيير طاقم تحديد المنهاج، من أجل التخفيف من الحديث عن القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، مقابل تركيز أكثر على اليهودية والصهيونية. كما تم شطب مصطلح النكبة من كتب التدريس، ولاحقا تم شطب الرواية الفلسطينية لما جرى في العام 1948، وما تزال المعركة دائرة حول موضوع المدنيات، خاصة في جهاز التعليم العربي.

التطرف سيتصاعد

استفحل التطرف الديني والقومي في فترة الوزير نفتالي بينيت، الذي كان يترأس حزب المفدال الديني باسمه الجديد "البيت اليهودي". ولكن في مطلع شهر حزيران أقال نتنياهو بينيت، الذي خسر انتخابات نيسان. وجاءت الإقالة بعد أن أعلن بينيت عزمه خوض انتخابات أيلول. وبدلا منه عين نتنياهو وزيرا للتعليم الرئيس الجديد لحزب "البيت اليهودي" الحاخام العسكري رافي بيرتس، الذي كان لسنوات حاخام الجيش الأكبر، وفي فترته صدرت سلسلة من الفتاوى التي أثارت ضجيجا، خاصة تلك المتعلقة بالفصل بين الرجال والنساء في الجيش.

ومن أول قراراته بشأن السنة الدراسية المدرسية الجديدة، أعلن رافي بيرتس عن تعليم "قانون القومية" العنصري الاقتلاعي، الذي أقره الكنيست في منتصف تموز العام 2018، وعلى الرغم من أن الالتماسات ضده ما تزال عالقة أمام المحكمة العليا، منذ أكثر من عام، ولم تجر حتى الآن أية جلسة مداولات بشأن هذه الالتماسات.

ويواجه قرار بيرتس بشأن تعليم "قانون القومية" معارضة جارفة في الهيئات الشعبية لفلسطينيي الداخل وأحزابهم، وأيضا من أطر أولياء أمور الطلاب.

وليس واضحا ما إذا سيبقى بيرتس في منصبه بعد الانتخابات المقبلة، خاصة وأنه لم يعد الشخص الأول في القائمة التحالفية "يامينا" التي ترأسها الوزيرة السابقة أييلت شاكيد.

 

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات