المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

سعى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو طيلة الوقت إلى تفتيت التحالفات الحزبية، التي كانت قائمة في الولاية البرلمانية المنتهية، والتي تشكلت تمهيدا لانتخابات 2015، بهدف أن يكون الليكود الكتلة البرلمانية الأكبر من دون منافس. وعلى الرغم من تفتت ثلاثة تحالفات، أحدها في ائتلاف اليمين الاستيطاني واثنان في المعارضة، إلا أن نتنياهو فوجئ بتشكل تحالف "أزرق أبيض" من ثلاثة أحزاب.

وعلى الرغم من أن هذا التحالف شد أعصاب نتنياهو طيلة المعركة الانتخابية، مع ظهور تفوقه في الاستطلاعات على الليكود، إلا أن التجربة علّمت أن تحالفا كهذه من الصعب رؤيته مستمرا؛ وحتى إن صمد طوال الولاية البرلمانية التي ستبدأ للتو، هناك أسباب كثيرة تدعم التوقعات بأنه سيكون تحالفا لمرّة واحدة.

يضم تحالف "أزرق أبيض" ثلاثة أحزاب، اثنان منها تشكلا قبل أسابيع من موعد تقديم القوائم للانتخابات البرلمانية، أولهما حزب "تيلم" بزعامة موشيه يعلون، وهو حزب يمين استيطاني متطرف، والثاني حزب "مناعة لإسرائيل"، برئاسة رئيس أركان الجيش الأسبق بيني غانتس، وهو حزب يعج بالشخصيات من ذوي الخلفيات العسكرية والأمنية، وقد تتضح خلفيات بعضهم لاحقا. أما الحزب الثالث فهو "يوجد مستقبل" برئاسة يائير لبيد الذي تشكل في العام 2013.

وفي حين أن غانتس ويعلون تحالفا في وقت مبكر نسبيا، فإن التحالف مع "يوجد مستقبل" اكتمل قبل 48 ساعة من إغلاق باب الترشيحات، وقيل إن ضغوطا كثيرة شاركت من أجل ضمان هذا الوليد، من بينهم عساكر كبار وأولهم رئيس الأركان الأسبق غابي أشكنازي، وأيضا حيتان مال وأثرياء كبار، كأولئك الذين يؤثرون على "يوجد مستقبل".

وهذا تحالف هجين يضم الكثير من التناقضات، فسنرى أن بين نوابه من اليمين الاستيطاني المتشدد، وحتى من هم محسوبون على ما يسمى "اليسار الصهيوني" بالذات في حزب "يوجد مستقبل"، ولكن أيضا في حزب "مناعة لإسرائيل". وقد تنشأ لاحقا خلافات حول مشاريع قوانين ومبادرات سياسية، رغم أن الحديث يجري على الأغلب عن كتلة ستقبع في صفوف المعارضة الخلفية، على الأقل في المرحلة الأولى، إذا لم تحدث مفاجأة ويتجه نتنياهو لحكومة موسعة، خلافا لمصلحته الحزبية الضيقة.

وفي ما يلي ملامح كل واحد من المركبات الثلاثة، الذي خارجها سيكون غابي أشكنازي، غير المحسوب على أي من الأحزاب الثلاثة، لكنه يتلاقى مع الشخصيات الثلاث وغيرها في الحزب، في السعي لمحاسبة نتنياهو والعمل لإقصائه عن الحكم.

حزب "تيلم"

حزب "تيلم" برئاسة موشيه يعلون، رئيس الأركان الأسبق، ومن كان وزيرا للدفاع في السنة الأولى لحكومة نتنياهو المنتهية ولايتها. وقد تبين لاحقا أن نتنياهو أطاح بيعلون، ليس فقط من أجل كسب حزب "يسرائيل بيتينو" وزعيمه أفيغدور ليبرمان في الحكومة وتوسيع قاعدتها، وإنما أيضا لوجود خلافات جدية بين يعلون ونتنياهو على أمور عدة، أكبرها الخلاف الذي دار بينهما حول صفقة الغواصات مع ألمانيا. وكما يبدو فإن يعلون اشتم رائحة فساد في هذه القضية، ومن الممكن أنه مصدر معلومات جدي للشرطة التي تحقق.

ويعلون هو من صُلب اليمين الاستيطاني المتشدد، ولكن منذ أن أنشأ الحزب كانت تمنحه استطلاعات الرأي ما بين 4 مقاعد، أو عدم اجتياز نسبة الحسم. وقد اختار معه اثنين من أشد المتطرفين في اليمين الاستيطاني، د. يوعز هندل، العامل في معهد الأبحاث للاستراتيجية الصهيونية، وهو معهد يميني متطرف. والثاني من كان سكرتيرا لحكومة نتنياهو 2013- 2015، تسفي هاوزر.

ولهذا فإن هذا الفريق الصغير في الكتلة البرلمانية التي تضم 35 نائبا، سيكون المؤشر الأبرز لليمين الاستيطاني، ومن المتوقع لهم أن يشاركوا في مشاريع القوانين الداعمة للاحتلال والاستيطان خلال سير عمل الولاية البرلمانية.

"مناعة لإسرائيل"

حزب "مناعة لإسرائيل" أقامه رئيس الأركان الأسبق بيني غانتس الذي خلع البزّة العسكرية في العام 2015، وهو من تعيين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، لكن منذ أن غادر منصبه العسكري جرى الحديث عن أن وجهته نحو السياسة. وعلى مدى فترة طويلة كانت تكهنات حول الإطار الذي سيختاره، فهل سينضم لحزب العمل وينقذه من حضيضه، أم أنه سيكون ثانيا مع حزب "يوجد مستقبل"، أو أنه سيتجه لإطار جديد، وهذه خانات تدل على أن غانتس سيختار ما يسمى اليمين الوسطي المعتدل، بحسب المقاييس الإسرائيلية.

والأسماء التي أحضرها غانتس معه إلى قائمته، منها شخصيات عسكرية برزت على الساحة الإسرائيلية العامة، إضافة إلى إعلاميين وإعلاميات، وبالذات شخصيات تحاكي الجمهور العلماني في ما يسمى إسرائيليا مجازا "دولة تل أبيب". ولذا فإن برنامج التحالف الذي أسموه "أزرق أبيض" فيه جوانب علمانية عديدة، تردع المتدينين والمتدينين المتزمتين عن الاقتراب من هذا التحالف.

"يوجد مستقبل"

هذا الحزب الذي أسسه الصحافي يائير لبيد تمهيدا لانتخابات 2013، أثبت خلال الولاية المنتهية 2015، ورغم جلوسه في صفوف المعارضة، أنه حزب يمين متشدد، ويغازل كثيرا اليمين الاستيطاني، رغم وجود نواب من المحسوبين على ما يسمى "اليسار الصهيوني" فيه. وهذا الحزب يسجل عليه قانون سلب ونهب أموال الضرائب الفلسطينية، التي تجبيها السلطات الإسرائيلية عند المعابر الدولية. ويقضي القانون باحتجاز أموال من الضرائب بذات قيمة المخصصات السنوية التي تدفعها السلطة أو منظمة التحرير الفلسطينية أو أي جهة من طرفيهما للأسرى في السجون وعائلاتهم، وللأسرى المحررين، ولعائلات الشهداء، وغيرهم. وحسب التقديرات فإن الحديث يجري عن أكثر من 130 مليون دولار سنويا.

أضف إلى هذا أن حزب "يوجد مستقبل" بادر من صفوف المعارضة إلى مشروعي قانونين يقضي الأول منهما بطرد عائلات المقاومين المقدسيين من مدينتهم إلى الضفة، والثاني يقضي بفرض شبه إقامة جبرية على عائلات المقاومين من الضفة، بحيث يكون محظورا عليها مغادرة بلداتها، إضافة إلى تدمير بيوتها.

وبحسب الرصد الذي أجريناه في مركز "مدار" للقوانين العنصرية والداعمة للاحتلال والاستيطان، فإن كتلة المعارضة "يوجد مستقبل"، أيدت أكثر من 23% من القوانين العنصرية الداعمة للاحتلال والاستيطان، وعارضت 26% فقط من هذه القوانين، فيما تغيبت عن 49% منها، وبالنسبة للمعارضة فإن التغيب عن التصويت هو بمثابة دعم غير معلن، وعدم رغبة بالتصويت ضد هذه القوانين. وهذه النسب هي الجهد الجمعي لنواب الكتلة في كل واحدة من عمليات التصويت.

ومن أصل 11 نائبا في الكتلة في الولاية المنتهية، لاحظنا ثلاثة نواب كان أداؤهم أخف وطأة من باقي زملائهم في التعامل مع هذه القوانين، ومنهم من كان يصوت خلافا لموقف غالبية نوابه، وهم الصحافي عوفر شيلح، ورئيسة بلدية هيرتسليا السابقة ياعيل غيرمان التي كانت في حزب ميرتس، والنائبة كارين الهرار. لكن هؤلاء الثلاثة أيدوا قانون نهب أموال الضرائب الفلسطينية.

كيف ستعمل المركبات الثلاثة

في تفاصيل هذا العرض للأحزاب الثلاثة منها ما سيكون مصدر خلافات داخلية بين نواب الكتلة في قضايا جوهرية، وبالذات حينما يبدأ الكنيست في بحث وتشريع قوانين عنصرية وداعمة للاحتلال والاستيطان، ومن بينها النيّة لفرض "السيادة الإسرائيلية" على الكتل الاستيطانية في الضفة، وعلى المستوطنين، والقصد على المستوطنات الصغيرة الواقعة خلف جدار الاحتلال في الضفة.

لكن علينا عدم الذهاب كثيرا في هذا المجال، لأن النواب الـ 31 على الأغلب سيكونون منصاعين للقادة الأربعة الذين يقودون التحالف، وهم رؤساء الأحزاب الثلاثة المذكورة، ورابعهم رئيس الأركان الأسبق غابي أشكنازي، بمعنى أن الأمور الخلافية سيتم حسمها بين هذه الرباعية، بقدر ما ستبقى هذه الرباعية متماسكة.

ومسألة تماسك الرباعية هي الرهان الأكبر لهذا التحالف. فنحن نتحدث عن ثلاثة جنرالات، كانت في أيديهم حتى وقت قريب المفاتيح الأشد خطورة، ولهم ظهور شبه يومي في الإعلام الإسرائيلي وواجهة السياسة بشكل عام، ورابعهم من كان وزيرا للمالية، يائير لبيد، ولربما سيشعر بخطورة على مستقبله في أن يبقى لسنوات أخرى في صفوف المعارضة الخلفية، وهنا المسألة ليست شخصية، بل الجهات التي أرسلت هذه الأسماء، وبالذات حيتان مال، وتنتظر منها تسديد فواتير، وأن تكون قادرة على دفع بعض مصالح هذه الجهات، رغم أن هذه مهمة صعبة غالبا من صفوف المعارضة.

لذا فإن التحدي الأول لهذه التحالف هو أن يكون لدى قادته نفس طويل، يتحمل الجلوس في مقاعد المعارضة لفترة ليست محددة، فإما أن تكمل الولاية البرلمانية فترتها القانونية، أربع سنوات ونصف السنة، وهذا صعب جدا، ومرتبط بمصير ملفات فساد نتنياهو، أو أن تحصل تقلبات سياسية جوهرية واستراتيجية، ترافقها طلبات من وراء المحيط، من واشنطن، كالطلب بتوسيع الحكومة من أجل تمرير "صفقة القرن"، بشكل أحادي الجانب من إسرائيل.

وإذا ما طالت فترة الجلوس في صفوف المعارضة، فليس من المستبعد أن تبدأ صراعات حول صدارة التحالف، من بينها مثلا طلب لبيد بعد مرور عامين تبوء منصب رئيس المعارضة، الذي يمنحه القانون الإسرائيلي امتيازات أمام الحكومة القائمة.

مناورات نتنياهو لفض التحالف

في الأسابيع والأشهر الأولى جرت العادة على أن نرى فترة هدوء كبير على المستوى البرلماني، بمعنى عدم ظهور تصدعات جدية داخل الائتلاف، ولا بين صفوف المعارضة، لكن كلما تقدم عمل الكنيست زمنيا، فإن مثل هذه الاختلافات، وهي كثيرة، ستبدأ في الظهور على السطح وفي مجالات عديدة.

لكن التجربة علمت أن بنيامين نتنياهو لن ينتظر الأمور تسير وحدها، بل سيستمر حفارا في الكتل الأخرى ليفتتها، ويدس أصابعه في كل جسم كبير أمامه لإحداث شقه، والهدف الأساس في هذه المرحلة سيكون تحالف "أزرق أبيض"، رغم كل ما يرى من صعوبة اختراق في هذه المرحلة.

نذكر مثلا أنه في الولاية البرلمانية الـ 18، (2009- 2013)، عمل نتنياهو جاهدا لشق كتلة كديما التي كان لها 28 مقعدا، أكثر بمقعد واحد من الليكود، وفي حينه سعى لتعديل قانون الكنيست، بحيث يجيز لسبعة نواب، حتى لو لم يكونوا ثلث الكتلة البرلمانية، بأن يشقوا الكتلة البرلمانية. وكان الهدف جذب النائب شاؤول موفاز وشقه عن حزب كديما، حينما كان برئاسة تسيبي ليفني.

ولاحقا خسرت ليفني رئاسة كديما لصالح موفاز، وقيل في حينه إن أصابع نتنياهو لم تكن بعيدة عن هذه النتيجة. وفي شهر أيار 2012، حينما صوّت الكنيست بالقراءة الثانية على قرار حلّه والتوجه إلى انتخابات مبكرة، تم وقف عملية التصويت بشكل مفاجئ، وما هو إلا وقت قصير جدا، أقل من ساعتين، حتى تم الإعلان عن حكومة وحدة تضم الليكود وكديما دامت لأكثر من شهرين بقليل، حتى تم فض الكنيست مجددا، والتوجه إلى انتخابات مبكرة جرت في مطلع العام 2013.

لكن قبل هذا، وفي ذات الولاية، نجح نتنياهو في شق حزب العمل الذي كان يتزعمه إيهود باراك. وكان للحزب 13 مقعدا. وفي مطلع العام 2011 انشق باراك ومعه 4 نواب آخرين عن حزبه العمل بعد أن أيقن بوجود أغلبية في هيئات الحزب للانسحاب من حكومة نتنياهو، وهذا الانشقاق ضمن استمرار عمل حكومة نتنياهو، حتى مطلع العام 2013.

وفي تركيبة "أزرق أبيض" ثغرات ليست قليلة قد تسهل على نتنياهو مهمة شرخ هذه التحالف، فالحلقة الأضعف من ناحيته هي "يوجد مستقبل"، على الرغم من معارضة الحريديم الشديدة لهذا التحالف. فيما ستكون الحلقة الأضعف لضمها للحكومة حزب "تيلم" نظرا للخلاف الشديد بين نتنياهو ويعلون، ولأن الأخير يُعد طرفا في الشهادات في قضية الغواصات من المانيا.

وعلى الرغم من أننا ما زلنا في بداية ولاية برلمانية ستبدأ عملها في غضون أسابيع قليلة جديدة، وأنه من الصعب حسم مصير تحالف "أزرق أبيض"، إلا أن تجارب العمل البرلمانية، وخاصة مثل هذه التحالفات، ترجح أن من الصعب رؤيته تحالفا سينصهر في يوم ما ليشكل حزبا واحدا.

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات