المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

من مفارقات حملة الانتخابات الإسرائيلية القائمة أن من ضغط على مدى سنوات لرفع نسبة الحسم إلى ما هي عليه الآن، 25ر3%، أفيغدور ليبرمان، بات هو شخصيا مهددا بها، إذ أنه من المرشحين لاحتمال عدم اجتياز نسبة الحسم، ومعه قوائم محسوبة على اليمين. في حين أن احتمال تراجع نسبة التصويت في الشارع العربي، وبالأساس بسبب ظاهرة اللامبالاة، قد تساهم في تقليل تمثيل العرب من القوى الوطنية في الكنيست المقبل.

وتنشر استطلاعات الرأي القوائم التي ستجتاز نسبة الحسم، التي ستحتاج إلى حوالي 151 ألف صوت كحد أدنى. وقليل من هذه الاستطلاعات ينشر النسبة التي ستحصل عليها القوائم التي قد لا تجتاز نسبة الحسم. وهذه الاستطلاعات تنشرها صحيفة "يسرائيل هيوم" بشكل ثابت. وبالإمكان التقدير أن هذه الصحيفة اليمينية، المؤيدة كليا لشخص بنيامين نتنياهو، تحذّر اليمين الاستيطاني من احتمال حرق عشرات آلاف الأصوات، ما قد يؤثر على تمثيله البرلماني.

وأبرز القوائم التي تصارع نسبة الحسم حزب "يسرائيل بيتينو" بزعامة أفيغدور ليبرمان، الذي يتأرجح ما بين عدم اجتياز نسبة الحسم، أو حصوله على 5 مقاعد، علما أن تمثيل الحد الأدنى هو 4 مقاعد. وذات الحال بالنسبة إلى قائمة "زهوت" التي شكّلها النائب السابق المتطرف موشيه فيغلين. ومن الصعب رؤية القائمتين تجتازان معا نسبة الحسم، فعلى الأقل واحدة منهما ستسقط، لكن في حال اجتازتا نسبة الحسم، فإن هذا سيكون على حساب قائمتين أخريين تمثلان اليمين الاستيطاني، وأيضا على حساب حزب الليكود، الذي سجل أعلى نسبة له في المستوطنات في الانتخابات السابقة، التي جرت في 2015.

لكن عدم اجتياز ليبرمان نسبة الحسم سيثير سخرية فوق العادة، كون ليبرمان ذاته كان على مدى سنوات يلوّح بضرورة رفع نسبة الحسم لغرض ضرب القوائم الناشطة بين فلسطينيي الداخل. وقد نجحت ضغوطه على الائتلاف في العام 2014، وتم رفع نسبة الحسم من 2% إلى 25ر3%. وهي نسبة من الصعب أن يكون لها مثيل في العالم، إذ من المتبع أن تكون نسبة كاملة مثل 3% أو 5%، لكن هذه النسبة بالذات كان الغرض منها ضرب القوائم الثلاث من العرب، التي كانت تتمثل كلا على حدة في الكنيست. وفي ذات الوقت إبعاد نسبة الحسم عن أصغر القوائم التي تمثل أساسا اليهود.

وصمود ليبرمان 20 عاما في الحلبة البرلمانية هو حالة شاذة، كون الحديث يجري عن حزب "الرجل الواحد"، فليبرمان هو المقرر الوحيد، ولا يسمح لأي من الشخصيات أن تبقى لسنوات طويلة في كتلته البرلمانية. وفي كل واحدة من الانتخابات يقصي نائبا أو أكثر أو وزيرا، دون أن يبلغهم مباشرة، إذ لا هيئات ولا مؤسسات في الحزب.

وما ساعد ليبرمان ببقائه طوال هذه المدة هو استناده لسنوات طويلة على أصوات المهاجرين من دول الاتحاد السوفييتي السابق في العقود الثلاثة الأخيرة. لكن هذا الجمهور الذي سعى لسن قوانين وأنظمة تقلل من وطأة قوانين الإكراه الديني عليه، بات يعرف أن ليبرمان يستخدمه للوصول إلى الكنيست. ولذا فإن التقارير تتحدث عن ابتعاد هؤلاء المهاجرين عن ليبرمان، وهذا يبرز في نتائج استطلاعات الرأي. وليبرمان يعرف هذه الحقيقة، لذا لجأ في العام 2013 إلى تحالف مع الليكود، وخاضا الانتخابات بقائمة واحدة، ضمن فيها ليبرمان له 11 مقعدا. وفي انتخابات 2015، حصل بقائمة منفردة على 6 مقاعد، ما يعني أن مؤشر تراجع ليبرمان واضح في استطلاعات الرأي. وفي حال لم يجتز نسبة الحسم، فإنه سيلامسها بالتأكيد، ما يعني أن اليمين الاستيطاني سيفقد من قوته ما يقارب 4 مقاعد فقط من هذه القائمة.

غير أن "يسرائيل بيتينو" ليست وحدها في معسكر اليمين الاستيطاني. فعلى الرغم من كل التقارير التي تتحدث عن احتمال قوي لقائمة "زهوت" بزعامة موشيه فيغلين بأن تجتاز نسبة الحسم، فإن احتمال عكس هذا ما يزال قويا، وسقوطه سيعني أيضا خسارة ما يلامس أربعة مقاعد.

وهذا المشهد كان في انتخابات 2015، حينما سقطت قائمة تحالفية بين حركة "عوتسما يهوديت"، وهي امتداد لحركة "كاخ" الإرهابية، مع قائمة "ياحد" التي شكلها المنشق عن حزب "شاس" إيلي يشاي، إذ حصلت هذه القائمة على أكثر من 125 ألف صوت، بينما نسبة الحسم كانت بحاجة إلى ما يزيد عن 138 ألف صوت. وهذه الحال دفعت نتنياهو للضغط على أحزاب المستوطنين لتضم لها حركة "عوتسما يهوديت"، ونجحت الضغوط، بينما لم تنجح الضغوط على حزب شاس وزعيمه السياسي أرييه درعي بأن يعيد إيلي يشاي، الذي في حال واصل منافسته قد يحرق ما يعادل أكثر من مقعد برلماني، وهذا سيكون على حساب حزب شاس.

وما ساهم في إضعاف حزب شاس في انتخابات 2015، حينما حصل على 7 مقاعد، واليوم مرشح لـ 5 مقاعد، ليس فقط يشاي، الذي اقتنص في حينه ما يعادل مقعدين من المتدينين المتزمتين الشرقيين، وإنما أيضا لأن جمهورا كبيرا من اليهود الشرقيين، من الشرائح الفقيرة، نقل قوته إلى حزب "كولانو" بزعامة وزير المالية الحالي موشيه كحلون.

وفي هذه الانتخابات، فإن كحلون يرتكز بقدر أكبر على اليهود الشرقيين، لكن في المقابل هناك قائمة "غيشر" التي شكلتها النائبة أورلي ليفي- أبكسيس، المنشقة عن حزب "يسرائيل بيتينو"، فهي ابنة الوزير الأسبق دافيد ليفي، أحد أبرز وجوه ساسة اليهود الشرقيين. وعلى الرغم من أنها تلوح بالقضايا الاقتصادية الاجتماعية، وقد تحصل على أصوات من كافة شرائح اليهود، إلا أنها سترتكز بالأساس على اليهود الشرقيين في بلدات فقيرة.

وحسب التقديرات، فإنه في حال استمرت في المنافسة فإنها قد تحرق ما يلامس 100 ألف صوت، وهذا يعادل أكثر من مقعدين، ما ينعكس سلبا على معسكر اليمين المتشدد، وبالتالي على اليمين الاستيطاني.

كذلك هناك قوائم صغيرة تتحرك داخل الجمهور الذي يصوت لأحزاب ائتلاف بنيامين نتنياهو، وقد تساهم خسارتها في إضعاف هذا الائتلاف، ولو بشكل طفيف.

في المقابل، فإننا لا نرى هذه الحالة في الجانب الآخر، الذي يواجه ائتلاف نتنياهو، وهذا ما يعزز القلق أكثر لدى اليمين المتطرف، خاصة وأنه حسب استطلاعات الرأي فإن حركة ميرتس لم تعد في دائرة الخطر من عدم اجتياز نسبة الحسم. وهذا ما ينعكس على نتائج استطلاعات الرأي، التي تواصل منح ائتلاف نتنياهو الأغلبية المطلقة.

الشارع العربي

في الجانب الآخر كليا من الخارطة السياسية، الشارع العربي، فإن التحدي الأكبر هو نسبة التصويت في يوم الانتخابات. فعلى مدى عقود هناك فجوة واضحة تتراوح ما بين 10 إلى 12% بين نسب التصويت بين العرب، وتلك التي بين اليهود. وحسب التقديرات، فإن نسبة التصويت قد تسجل هذا العام ارتفاعا طفيفا مقارنة مع انتخابات العام 2015، التي بلغت فيها نسبة التصويت 35ر72%، فيما تشير التقديرات إلى أن نسبة التصويت سترتفع هذا العام إلى 5ر73%.

وما يلجم ارتفاع نسبة التصويت العامة هو التقدير بأن نسبة التصويت بين العرب ستتراجع عن النسبة التي سجلتها في العام 2015، وكانت 5ر62%. ونسب التصويت متفاوتة من منطقة إلى أخرى. وأدناها في التجمعات السكانية الكبرى، مثل الناصرة. والعامل الأكبر لتراجع نسبة التصويت بين العرب هو ظاهرة اللامبالاة، أو رد الفعل على عدم استمرار القائمة المشتركة. في المقابل هناك حركة تدعو لمقاطعة التصويت من منطلقات سياسية، رفضها للبرلمان الإسرائيلي، رغم أن هذه القوى تشارك في انتخابات الحكم المحلي (بلديات)، التي تديرها وزارة الداخلية الإسرائيلية، وتجري وفق القوانين الإسرائيلية.

وتخوض الانتخابات في الشارع العربي 6 قوائم، منها اثنتان أساسيتان ستجتازان نسبة الحسم، وهما تحالف "الجبهة الديمقراطية- العربية للتغيير"، وتحالف "القائمة الموحدة- التجمع الديمقراطي"، والقائمة الموحدة هي الذراع السياسي للحركة الإسلامية (التيار الجنوبي). ثم هناك أربع قوائم أخرى لا وجود لها في الشارع، ثلاث منها تخوض الانتخابات تحت شعارات مختلفة، ولكنها تتساوق مع الادعاء بأن أعضاء الكنيست العرب من القائمة المشتركة لا يهتمون بقضايا فلسطينيي الداخل، وقائمة رابعة بادر لها أحد خدام جيش الاحتلال. والقوائم الأربع قد تحرق مجتمعة بضعة آلاف من الأصوات، إذا استمرت في خوض الانتخابات ولم تتراجع عن المنافسة، لكن رغم هشاشة النتائج المتوقعة لها إلا أن هذه الأصوات قد تساهم في عدم تحقيق مقعد إضافي لواحدة من القائمتين، اللتين من المفترض أن توقعا اتفاقية فائض أصوات. وبموجب هذا الاتفاق، فإن الفائض لكل واحدة من القائمتين، بعد احتساب المقاعد الكاملة، يتم احتسابه بوحدة واحدة، وفي حال حقق مقعدا إضافيا يحسب لمن حقق فائض أصوات أكبر.

لكن إذا ما تحققت التوقعات بتراجع نسب التصويت إلى حوالي 55%- 57%، فإن هذا سيضعف أكثر قوة أصوات العرب في الانتخابات، الذين يشكلون حوالي 7ر15% من إجمالي ذوي حق التصويت، لكن بسبب هذه الفجوة في التصويت فإن نسبة المصوتين العرب من إجمالي من أدلوا بأصواتهم في يوم الانتخابات ستهبط إلى 5ر12%، ما يعني فقدان قرابة 4 مقاعد؛ بمعنى أنه لو أن العرب يدلون بأصواتهم بذات النسبة بين اليهود لكانت قوتهم 19 مقعدا، لكن بسبب الفجوة في التصويت قد تهبط قوتهم إلى 15 مقعدا.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات