المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

كثرت الادعاءات والتحليلات التي تتهم بنيامين نتنياهو بمحاولة إقامة تحالف مع أكثر القوى السياسية الأوروبية محافظة ورجعية، وبأن تحقيق هذا الهدف هو ما وجّهه للتوصل إلى تسوية، جلبت عليه الغضب، مع حكومة بولندا بشأن قانون معاقبة "كل من يتهم علناً بأن الأمة البولندية، أو الدولة البولندية، مسؤولة أو متواطئة في الجرائم النازية التي ارتكبها الرايخ الألماني الثالث"، مع حذف البند الذي يقضي "بغرامة مالية أو عقوبة سجن تصل إلى ثلاث سنوات" على الفاعل.

وتوجد لهذا التحليل جذور تتجاوز القضية العينية المتعلقة بالقانون البولندي قيد البحث، بل سبق أن صدرت بعض الاتهامات المماثلة عن زعماء طوائف يهودية في أوروبا، عبروا عن قلقهم من ارتباط إسرائيل الرسمية بقوى يمينية أوروبية تحمل ملامح "لاسامية" وفقاً للمصطلحات المستخدمة.

ويجدر استعراض عدد من المعطيات والمحطات التي برز فيها التقارب بين اليمين الإسرائيلي واليمين الأوروبي المتطرّف، إذ بحث الأول عن حلفاء له لدى الثاني لغرض صد الإدانات الموجهة لسياسات الاحتلال والاستيطان والتهجير التي تقترفها المؤسسة الرسمية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني.

ضمن هذا السياق، عادت نوعا لنداو قبل نحو أسبوع ("هآرتس") إلى ما قبل سنة واصفةً ما قام به نتنياهو لإيصال "رسالة" إلى دول الاتحاد الأوروبي المركزية، بالقول: "لقد أُعطيَت الإشارة الرسمية قبل سنة في تموز 2017 عبرَ خلل ميكروفون مفتوح ليس واضحا تماما إذا كان متعمدا أم حدث بالخطأ، وسُمع رئيس الحكومة نتنياهو وهو يهاجم بشدة الاتحاد الأوروبي. كان الأمر يتعلق بلقاء مغلق في بودابست مع رجال من حكومة هنغاريا والتشيك وبولندا وسلوفاكيا، وهي مجموعة دول وسط أوروبا التي تسمى "منتدى فيسغراد" أو "في 4". "الاتحاد الأوروبي هو المنظمة الدولية الوحيدة التي تشترط علاقاتها مع إسرائيل، التي تزودها بالتكنولوجيا، باعتبارات سياسية"، قال في حينه نتنياهو. وذلك يبدو في آذان الزعماء فقط، لكن أقواله سمعت جيدا أيضا من خلال السماعات التي وزعت على الصحافيين قبل لحظة من إغلاقها".

وترى الكاتبة أن نتنياهو يسعى من خلال هذه الشراكة إلى "قضم الإجماع في أروقة الاتحاد الأوروبي في الموضوع الفلسطيني والموضوع الإيراني". وتقتبس ما خاطب به زعماء الدول المذكورة: "اقترح أن تنقلوا رسائل لنظرائكم في اوروبا، لا تتآمروا ضد الدولة الوحيدة في المنطقة التي تهتم بمصالح أوروبا. كفوا عن مهاجمة إسرائيل. أوروبا تقوض أمنها عندما تقوض إسرائيل في محاولة هستيرية لوضع شروط سياسية". وهي تلاحظ كيف أنه "في موازاة رفع مستوى العلاقة مع إسرائيل، يزداد الاحتكاك بين دول وسط أوروبا والاتحاد الأوروبي، لا سيما في موضوع الهجرة". نتنياهو يلعب في مساحة هذا الشرخ، لتكريس سياسة الاحتلال والتوسّع. إنه يبحث عن أيادٍ تدعمه في الأمم المتحدة. وهي مقايضة واضحة لا يحاول أي طرف فيها إخفاء انتهازيّته.

نتنياهو يستخدم مجموعة "فيسغراد" لتقويض الاتحاد الأوروبي

هذا الصراع "الاوروبي الداخلي"، كما تصفه الكاتبة، مركب وحساس، وتستغله في السنوات الأخيرة إسرائيل من أجل تغيير نمط نماذج القرارات المتعلقة بها في مؤسسات الاتحاد. وتقتبس مراقبين في أروقة بروكسل يتحدثون عن "تأثير مبرر"، خلقه تحالف إسرائيل مع "فيسغراد"، على قدرة نشر تصريحات مشتركة باسم كل الـ 28 دولة الاعضاء. "هذا كان نجاحا بالنسبة لنتنياهو، أن يستخدم هذه المجموعة من أجل تقويض الاتحاد الأوروبي"، قالوا. هذه الظاهرة غير محدودة فقط بالدول الأربع المذكورة، بل هناك علاقة مشابهة بصورة اقل أو اكثر أيضا مع النمسا، ومع رومانيا وبلغاريا وليطا وقبرص وحتى مع اليونان. "عندما يريد الاتحاد إخراج شيء ما باسم كل الدول، مثلما يحدث في الشؤون الخارجية، تكون حالات متكررة توقف فيها هنغاريا بالذات هذه التصريحات أو تطالب بتخفيف الانتقاد لإسرائيل إلى مستوى لا تستطيع فيه دول أخرى التوقيع على التصريح، وهكذا يتم الغاؤه"، قال المراقبون وفقا للنداو.

مارتن كولتشينو هو مدير جمعية ذات توجهات ليبرالية باسم "مشروع الشرق الأوسط الأوروبي"، مقرها في بروكسل، وقد وصف ذلك كما يقتبسه المقال: "دول فيسغراد وعلى رأسها هنغاريا تضعف بصورة متزايدة وحتى تمنع تصريحات مشتركة للاتحاد الاوروبي عن النزاع (الإسرائيلي الفلسطيني) وتنضم اليها احيانا دول اخرى من شرق اوروبا مثل رومانيا وبلغاريا أو كرواتيا. هذه الديناميكية غير جديدة، لكن المنع تحول إلى ظاهرة متزايدة اكثر حزما في السنتين – الثلاثة الأخيرة. لقد أصبح من الصعب اكثر على الاتحاد التحدث بصوت واحد وواضح عن الصراع".

أما د. نمرود غورن، رئيس المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الاقليمية "ميتافيم"، فيعتقد أنه من خلال تحسين العلاقات مع دول فيسغراد على حساب الدول الليبرالية الكبيرة في غرب أوروبا، فان إسرائيل تضر بصديقات أكثر اهمية.

"إسرائيل تفضل بصورة تقليدية تعزيز علاقاتها مع دول معينة في أوروبا على الاتحاد الأوروبي، في السابق كان هناك ايضا اعتراف إسرائيلي موازٍ وموسع بشأن أهمية العلاقة مع الاتحاد، من ناحية المصالح المشتركة ومن ناحية الهوية والقيم. هذا لم يكن موضوعا سياسيا مختلفا فيه. في السنوات الأخيرة حدث تغيير، والحلف مع دول فيسغراد يعبر عن ذلك بصورة جيدة"، قال.

من هنا تتوصل الكاتبة إلى أن تمسك نتنياهو بالإسراع في حل مشكلة القانون في بولندا، كما قالت جهات سياسية إسرائيلية، كان مرتبطا أيضا برغبته في تسوية الخلافات مع الدولة على خلفية العلاقات الآخذة في التوثق في الساحة الدولية. بكلمات أخرى، إن ما حرّك نتنياهو ليس الزعم الإسرائيلي المعهود عن "تمثيل الشعب اليهودي والحفاظ على وقائع الهولوكوست الحقيقية"، بل تمثيل مصالح جهاز الاحتلال والاستيطان والحفاظ على الوقائع الناجزة بالقوّة على الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية!

وتعد العلاقات اليمينية الرجعية المتطرفة بشقيها الإسرائيلي والأوروبي محط اهتمام وتحليل منذ سنوات. في آذار 2015 تحدثت مجلة "نيوزويك" الأميركية عما وصفته بأنه "حلف غير مقدس بين اليمين الأوروبي ونتنياهو". وأشارت إلى عدم الرضى الأوروبي بعد فوز نتنياهو في الانتخابات الأخيرة، مشيرة إلى أن صحيفة "إلبايس" الإسبانية كتبت: "فاز الخوف في الانتخابات"، وجاء في افتتاحيتها: "في إسرائيل الخوف هو الملك، والذي يتربع على العرش هو نتنياهو"، بينما قالت صحيفة "لوموند" الفرنسية: "إن فوز نتنياهو يدفع باحتمال تحقيق تسوية مشرفة للنزاع الفلسطيني إلى قلب المجهول". أما الذين كانوا راضين عن هذا الانتخاب فهم أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، حيث أن "شعورا بالفرح ساد اليمين المحافظ والهامشي، والجماعات المعادية للأجانب والجماعات المحلية والأحزاب الشعبوية، لفوز نتنياهو في الانتخابات".

وأشار تحقيق المجلة إلى اليميني الهولندي المتطرف خيرت فيلدرز القائل إن "فوز نتنياهو جيد لعدة أسباب، فنحن نشاركه مواقفه ضد إيران، ومعارضته لإقامة الدولة الفلسطينية في يهودا والسامرة"، وإلى منسق الشؤون الخارجية في حزب الحرية النمساوي ديفيد لازار القائل إن فوز نتنياهو "أمر جيد لإسرائيل، وهو أيضا جيد للأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا؛ لأنه يعرف أن أول ما يهدد أوروبا هو الأسلمة".

علاقات مشبوهة بين اليمين الإسرائيلي وأحزاب أوروبية وأميركية مناهضة لليهود!

هذا التهليل يأتي من أحزاب "لديها تاريخ طويل في معاداة اليهود أو السامية" كما قالت "نيوزويك" (حزب الحرية النمساوي، والجبهة الوطنية الفرنسية، والديمقراطيون السويديون) ولكنها تقوم في السنوات الأخيرة بحرف تركيزها عن اليهود، وتركيز عدائها ضد الإسلام. وهكذا تنشأ المصالح القومجية المشتركة. ولا يفسّر زعماء اليمين الإسرائيلي، الذين يسوّقون أنفسهم كممثلي الديمقراطية الوحيدة الشرق أوسطية، كيف لا يرتاحون سوى بالتقارب مع أحزاب تصنّف في خانة الفاشية في أوروبا! لكن الجواب يظلّ بكل بساطة في أن حماية مشروع الاحتلال بات غاية تبرّر كل واسطة، مهما انحدرت.

قبل سنوات شنت الجاليات اليهودية في أوروبا هجوما حادا ضد حزب الليكود، بعد تسريب أنباء عن قيام منسق الإعلام والعلاقات الخارجية لحزب الليكود بدعوة منسق الشؤون الخارجية لحزب الحرية النمساوي اليميني لزيارة إسرائيل، على الرغم من كون هذا الحزب مدرجا ضمن "القائمة السوداء" لوزارة الخارجية الإسرائيلية. الجمعية العامة لـ"الكونغرس اليهودي الأوروبي" اتهمت الليكود الذي يتزعمه نتنياهو بإقامة علاقات من وراء الكواليس مع الحزب النمساوي اليميني، وقالت إن سياسيين كبار في إسرائيل يقيمون علاقات مع اليمين المتطرف في أوروبا سراً. رئيس اللجنة التنفيذية للجاليات اليهودية في بريطانيا وجّه خطابا حاد اللهجة إلى السفارات الإسرائيلية في دول أوروبا وإلى الحكومة في تل أبيب.

في السياق نفسه، كشف موقع ميديابارت الفرنسي في شباط المنصرم عن "علاقات مشبوهة بين اليمين الإسرائيلي وأحزاب سياسية أوروبية وأميركية مناهضة لليهود"، مؤكدا أن نتنياهو والليكود لا يترددان منذ سنوات عديدة في تجاوز ما كانت تعتبر خطوطا حمراء. وحدّد أن هذا يتم ضمن محاولة لإيجاد أرضية مشتركة لرفض الإسلام، وبهذه الطريقة فإن الجماعات العنصرية الأوروبية لم تعد معادية للسامية، كما أن اليمين الإسرائيلي يتمكن من اجتذاب المزيد من الدعم لبناء مستوطنات، وممارسة العنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة.

ينطبق هذا بشكل خاص على الولايات المتحدة الأميركية حيث أشار الموقع الفرنسي إلى ان "المجتمع اليهودي الأميركي لم يشهد مثل هذا المستوى من معاداة السامية في الخطاب السياسي والعام منذ 1930". ويفسر الموقع أن "الخطاب الأبيض" الذي شجعه دونالد ترامب ومحيطوه يعدّ عاملا أساسياً في تفشي ذلك الخطاب. كل هذا لا يمنع اليمين الإسرائيلي من امتداح الإدارة الأميركية برئاسة ترامب بدرجات نفاق غير مسبوقة. فكما سبق القول: كل شيء مبرّر لحماية مشروع الاحتلال الاستيطاني الكولونيالي!

الكاتب الإسرائيلي الشجاع جدعون ليفي لخّص هذا بالقول: "عندما تعتمد الصداقة مع إسرائيل على دعم احتلال الأراضي الفلسطينية، فليس لدى إسرائيل أي صديق سوى العنصريين والقوميين، فهؤلاء يحبون إسرائيل لأنها تحقق أحلامهم المتمثلة في قمع العرب، وإساءة معاملة المسلمين، ونزع ممتلكاتهم، وقتلهم، وهدم منازلهم، والدوس على كرامتهم"!

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات