المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ذاع مؤخراً، في أعقاب إعلان رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب القدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها، صيت الحركة الإنجيلية (Evangelicalism) باعتبارها العامل الأساس لاتخاذ ترامب هذا القرار. فما هي الإنجيلية؟ ومن هم الإنجيليون؟ وما هي علاقتهم بإسرائيل والقدس؟.

 

الإنجيلية هي تيار داخل الدين المسيحي البروتستانتي نما في القرن الثامن عشر. وتعود تسمية الإنجيلية إلى الكلمة اليونانية "Gospel" وبالإنجليزية "Good News" والقصد هو الأخبار السارة الآتية من مملكة الرب، أما التسمية العربية للحركة فتعود إلى "الإنجيل" باعتبار أن الحركة تمتاز بتركيزها على المعنى الحرفي لنصوص الكتاب المقدس، وتدعو لاعتباره المصدر الوحيد للديانة المسيحية. وفيما يخص التسمية يُشار إلى أن الحديث هنا يدور حول الإنجيليين (Evangelicalism) وليس حول "الأنجيليكية – Anglicanism" (وهو اسم الكنيسة في إنكلترا بعد استقلالها عن الكنيسة الكاثوليكية في القرن الـ16).

تُعد الولايات المتّحدة أكبر تجمّع للإنجيليين، بالإضافة إلى مراكز أخرى لهم في هولندا ونيوزيلندا وأستراليا والبرازيل ونيجيريا وغيرها. وتشير تقارير عديدة إلى كون الإنجيلية تياراً صاعداً في بلدان عدّة. وبسبب صعوبة الإحصاء تُنقل عن الإنجيليين أعداد متضاربة. ففي العام 2011 نقل أن عددهم هو حوالي 285 مليون نسمة في العالم وأن نسبتهم حوالي 13% من المسيحيين، وفي العام 2017 ارتفع عددهم إلى 550 مليون نسمة ونسبتهم إلى 25%.

وتشير بعض التقارير إلى أن أعدادهم في الولايات المتحدة هي حوالي 80 مليون.

ومع أن هناك أصواتاً تشكك في هذه الأعداد، خاصة وأنها في كثير من الاحيان أرقام توفّرها الحركة الإنجيلية ذاتها، إلا إنّه لا يمكن التغاضي عن صعود تأثيرهم خاصة على المستوى السياسي في الولايات المتحدة.

معتقدات مركزية

تتبنى الحركة الإنجيلية مجموعة من المعتقدات الخاصة بها. يشدد الإنجيليون على ضرورة "التحوّل" الشخصي و"الحياة من جديد" وعلى أهمية الثقة الشخصية الكاملة والمتناهية في المسيح من أجل الخلاص. وتشدد الحركة على أن الإنجيل هو كلمة الرب دون أي خطأ في الأصل، وأنه هو السلطة النهائية، وهو أعلى من أي سلطة دنيوية، ويؤمن هذا التيار بضرورة تقليص السلطة الدينية الدنيوية وينادي بالعلاقة المباشرة بين الإنسان والرب دون الحاجة للوسطاء، بالإضافة لمجموعة من المعتقدات الأخرى.

كما طوّرت الحركة الإنجيلية مجموعة من الأفكار وأنماط الحياة المشتركة؛ وعلى سبيل المثال، يؤكد الإنجيليون على أهمية البيت والعائلة، وأهمية الهوية المسيحية للمطالب والنضالات السياسية، مثل حركة مناهضة الكحول والحركة لإبطال قانونية الخدمات الجنسية والحركة لمنع الإجهاض.

مكانة إسرائيل والقدس

تعتبر أغلبية الإنجيليين في الولايات المتحدة حاضنة داعمة لإسرائيل والصهيونية، ويقوم كثيرون منهم بالتبرع لإسرائيل والعمل لأجلها، وبالتحديد لحركات اليمين الاسرائيلي. يعود ذلك بالأساس إلى أسباب دينية متعلقة بموضوع عودة المسيح واليهودية.

بالرغم من التفرعات العديدة في الإنجيلية، يمكن أخذ فكرة عن منطق دعم إسرائيل مما كتبه مفكر إنجيلي- إيرلندي يدعى نلسون ديربي (1800-1882) وتتبعه أغلبية من الإنجيليين. يدعي ديربي أن هناك في الكتب المقدسة سلسلة متصلة من النبوءات التي تأتي على مراحل والمرتبطة ببعضها البعض؛ خلاصتها أن المسيح عليه السلام سوف يظهر في المرحلة الأولى في السماء ويأخذ إليه المؤمنين، ومن ثم تقوم في المرحلة الثانية المآسي على الأرض، مثل كوارث طبيعية وحروب. ولليهود، الذي يسيطرون على "أرضهم" في هذه الفترة، تكون الحياة صعبة بشكل خاص. ويقول إن النصوص المقدسة تشير إلى أنه بدل أن يؤمن اليهود بالمسيح، يؤمنون بمسيح-كاذب يقوم ببناء الهيكل، فتقوم الحرب عليهم، ويقتل فيها ثلثا اليهود. أما الثلث المتبقي فيعتنق المسيحية ديناً، وبعد سبع سنوات ينزل المسيح مع المؤمنين من السماء ويطرد "المسيح- الكاذب"، ومن ثم يحكم المسيح العالم لمدة ألف سنة من داخل عاصمته، القدس.
يقود هذا السيناريو المشبع بالحتميّة الإنجيليين إلى الإيمان بأن الخلاص سوف يبدأ بإقامة الدولة اليهودية (1948) والاستيلاء على المسجد الأقصى (1967) وبناء الهيكل، الذي يعتبر تفصيلاً أساسياً في هذا السيناريو، الذي وضعه ديربي، حيث أن أحد أهم مراحل هذا السيناريو هو أن يقوم "المسيح- الكاذب" بتدنيس الهيكل. بالتالي من أجل تدنيس الهيكل يجب بناؤه أولاً، ومن أجل بناؤه يجب أن يسيطر اليهود على القدس.
وفي العام 1970 صدر في الولايات المتحدة كتاب بعنوان "The Late Great Planet Earth" لكاتب إنجيلي اسمه هال ليندسي، حقق أرقام مبيعات قصوى وطُبِعت 15 مليون نسخة منه. يقول ليندسي لمتبّعي دربه: "ابحثوا في إسرائيل عن حركات تدعو لجعل القدس مركزا دينيا لكل العالم وتدعو لإقامة الهيكل من جديد". وبالفعل، منذ الثمانينيات بدأت العلاقة بين متتبعي ليندسي وحركات اليمين في اسرائيل بالنمو، خاصة تلك التي تشدد على القدس والهيكل.

العمل من أجل إسرائيل

قدمت المجموعات والكنائس الإنجيلية الدعم لإسرائيل بشكل عشوائي حتى تم توحيد جهود كثير منها تحت منظمة "مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل" (CUFI - Christians United for Israel). تقول المنظمة، التي تأسست عام 1992 وتم تنشيطها فعلياً عام 2006 على يد جون هاغي وتعتبر أكبر منظمة إنجيلية داعمة لإسرائيل، إن عدد أعضائها تعدى المليون عضو، يقومون بفعاليات شهرية ومؤتمر سنوي يمتد لعدة أيام يشارك فيه الآلاف.

وثمة منظمة إنجيلية أخرى هي "السفارة المسيحية العالمية"، التي تضم مسيحيين متضامنين مع إسرائيل من كافة أنحاء العالم. تقوم هذه المنظمة بعقد مؤتمر سنوي في القدس منذ حوالي 40 عاماً يشارك فيه آلاف من الإنجيليين من شتى أنحاء العالم، ويعَد الحدث السياحي الأكبر في إسرائيل سنوياً. تدعي المنظمة، التي تنشط في ما تسمّيه "الدبلوماسية الإنجيلية"، أنها تمتلك فروعاً في 90 دولة وأنها تعمل في 170 دولة.

وهناك منظمة مشهورة أخرى هي "مؤسسة الصداقة"، تعمل في مواضيع الهجرة والاستيطان في إسرائيل والرفاه والأمن.

وقد تعرضت هذه المنظمة لانتقادات من أطراف دينية في إسرائيل، بحجة أنّ فعالياتها تهدف إلى تنصير اليهود. وتم وقف التعامل معها في بلدية القدس لفترة قصيرة، وفي حين حرّم بعض الحاخامين تلقي مساعدات مالية منها فقد حللها آخرون، على رأسهم عوفاديا يوسف.

إلّا أن الإنجيليين يؤكدون أنهم لا يهدفون لتنصير اليهود وأنهم معجبون بإسرائيل والشعب اليهودي وبما يقومان به. ويبدو أن الطرفين، الصهيونية والإنجيلية، يؤجلان أو يهمّشان التعارض في العقيدة بينهما، بسبب "المصلحة المشتركة" لكليهما.

الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل

يشكل الإنجيليون، بحسب معهد "بيو" الأميركي، حوالي 26% من جمهور المصوّتين في الولايات المتحدة، وقد صوّت 81% منهم لترامب (وذلك بالرغم من عدم تديّنه وقضاياه الجنسية التي لا تتلاءم مع القيم الإنجيلية)، وهي نسبة أكبر بكثير من النسبة التي حصل عليها ميت رومني وجون ماكين، المرشحان الجمهوريان السابقان.

ويعود الدعم الذي تلقاه ترامب لعدة أسباب منها: تعيينه لنائب رئيس إنجيلي هو مايك بينس، وإخافتهم من انتخاب هيلاري كلينتون بادعاء أنها سوف تستغل أموال الضرائب من أجل ضرب القضايا التي تهمهم، مثل قيامها بتمويل الإجهاض وتوسيع حقوق المثليين وغير ذلك، بالإضافة إلى مناغمته للنزعة اليمينية عموماً للإنجيليين في القضايا السياسية مثل موضوع المهاجرين.
أحد أهم الوعود التي قطعها الرئيس الأميركي على نفسه هو موضوع القدس. وتنقل مجموعة من التقارير الصحافية معلومات عن الدور المركزي الذي لعبه الإنجيليون في الضغط على ترامب بعد انتخابه من أجل إعلان القدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إليها. ونقل تقرير لوكالة "رويترز" أن الإنجيليين استخدموا عدة وسائل للضغط، منها الحملات على الإنترنت، والبرقيات والرسائل، بالإضافة للمستشارين المحافظين الذين ضغطوا على ترامب كي ينفذ وعده. بالإضافة لذلك، يشير التقرير إلى الدور الكبير الذي مارسه مايك هاكبي، والد سارة هاكبي المتحدثة باسم رئاسة البيت الأبيض، الحاكم السابق لولاية أركنسو والمرشح الرئاسي السابق. ويقف هاكبي على رأس منظمة مسيحية تدعى My Faith Votesنشطت في موضوع القدس ونشرت عريضة على موقعها على الإنترنت دعت الناس للضغط على الرئيس ترامب للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل

ويشير ديفيد برسونس، نائب رئيس منظمة "السفارة المسيحية العالمية" الإنجيلية، إلى أن نقل السفارة للقدس كان أحد أهم أسباب دعم الإنجيليين لترامب في حملته الانتخابية. ويدعي برسونس أن سبب دعم جيمي موراليس، رئيس غواتيمالا، لنقل السفارة للقدس هو كونه ابنا لعائلة إنجيلية وأن اكثر من 50% من أبناء مواطني بلده ينتمون للإنجيلية. كما ربط برسونس بين الدول ذات النسبة العالية من الإنجيليين وبين رفض اقتراح القرار الذي قدمته الدول العربية للأمم المتحدة لإدانة إعلان ترامب. وقال إنه يمكن رؤية العلاقة بين تعداد الإنجيليين ونمط التصويت. فتسع دول عارضت الاقتراح، منها غواتيمالا وهندوراس (36% من سكانها إنجيليون). واجتاحت الثورة الإنجيلية أفريقيا أيضاً، فإن دولة أخرى عارضت الاقتراح هي توجو في غرب أفريقيا، ويشكل الإنجيليون 10% من سكانها. وهناك دول أخرى امتنعت عن التصويت فيها نسبة كبيرة من الإنجيليين، مثلاً رواندا وربع سكانها من الإنجيليين، وأوغندا التي ينتمي ثلث سكانها إلى هذا التيار الديني.

تجدر الإشارة إلى أنه عقب إعلان ترامب، قال رئيس المجمع الإنجيلي الأردني عماد معايعة إن الطائفة الإنجيلية في الغرب ليست على موقف واحد بشأن دعم قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بخصوص الاعتراف بالقدس ونقل السفارة الأميركية إليها، وإن الداعمين لإسرائيل من بين الإنجيليين لهم تفسيرهم وإن آخرين لهم تفسير مختلف.

وقال المعايعة إن هناك اختلافات بين إنجيليي الشرق والغرب. وفيما يخص إنجيليي الأردن، الذي يعدون حوالي 10 آلاف نسمة، أكد المعايعة أنهم جزء من الوطنية الأردنية والأمة العربية ورفضوا قرار ترامب. وأشار إلى أن مجمع الكنائس الإنجيلي الأردني بعث برسالة لترامب تدعوه للعدول عن قراره.

المصطلحات المستخدمة:

الصهيونية

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات