المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

 

تسود حالة من الترقب والتوتر الشديدين في أوساط حركة "ميرتس" الإسرائيلية خاصة، وفي أوساط "اليسار الإسرائيلي" عامة، مع اقتراب موعد المؤتمر الخاص الذي ستعقده الحركة في نهاية شهر كانون الأول الجاري، بما سيُطرح خلاله من قضايا تخص تنظيم الحركة ونهجها الفكري والسياسي وبما ستتمخض عن ذلك من نتائج، يرى كثيرون أنها "قد تعلن وفاة حركة ميرتس وزوالها عن الخارطة السياسية ـ الحزبية في إسرائيل".

 

وتتعمق حالة القلق والتوتر هذه خاصة، حيال ما تتخذه الصراعات الداخلية الدائرة في هذه الحركة من أشكال تتميز بالعدائية والحدة الكبيرتين، تفاقمت وظهرت بصورة جلية خلال الأشهر الأخيرة وخلال المؤتمر الأخير الذي عقدته الحركة في شهر أيلول الماضي، بشكل خاص.

فقد صوّتت أغلبية أعضاء المؤتمر، يوم 17/9/2017، إلى جانب اقتراح يقضي بتقصير ولاية رئيسة الحزب الحالية، عضو الكنيست السابقة زهافا غالئون، من خلال تبكير موعد الانتخابات لمنصب رئيس الحزب إلى شباط 2018، بدلا من كانون الأول 2018. لكن الاقتراح لم يحظ بالأغلبية اللازمة، حسب دستور الحزب، ليصبح قراراً نافذاً، إذ صوت إلى جانبه 54% من أعضاء المؤتمر (وعارضه 5ر45% منهم)، بينما كان يحتاج إلى أغلبية 60% على الأقل ليصبح قراراً ساري المفعول.

وفيما اعتبر معارضو غالئون، الذي ينتظمون ضمن "معسكر إيلان غيلئون" أساساً، نتيجة تصويت أعضاء المؤتمر إشارة واضحة إلى رغبتهم في أن تنهي مهام منصبها وتتخلى عنه، رفضت غالئون ذلك مؤكدة أنها لن تستقيل بل ستنتظر ما سيتمخض عنه المؤتمر القادم (في نهاية كانون الأول الجاري).

ما حصل في مؤتمر "ميرتس" في أيلول الأخير لم يكن المرة الأولى التي يُطرح فيها هذا الموضوع على جدول الأعمال. فعلى خلفية التراجع الذي حصل في قوة "ميرتس" في انتخابات الكنيست الأخيرة (الكنيست الحالي، الـ20، والتي جرت في آذار 2015)، سواء من حيث عدد الأصوات التي حصلت عليها (تراجع بأكثر من 7000 صوت) أو من حيث عدد أعضاء الكنيست (تراجع من ستة مقاعد إلى خمسة)، واستعدادا للانتخابات المقبلة للكنيست، بادرت رئيسة الحزب، غالئون، إلى محاولة لتغيير نظام وطريقة الانتخابات التمهيدية (البرايمريز) لقائمة مرشحي الحزب لانتخابات الكنيست، وذلك بالانتقال من "برايمريز مغلقة" (بواسطة مؤتمر الحزب الذي يبلغ عدد أعضائه ألف شخص ويتم انتخابه مرة كل أربع سنوات) إلى "برايمريز مفتوحة" يشارك فيها جميع أعضاء الحزب المسجَّلين رسمياً (ويقدّر عددهم بنحو 18 ألف شخص)، علما بأن هذه الطريقة الأخيرة (البرايمريز المفتوحة) كانت متبعة في هذا الحزب حتى العام 2008. لكن مؤتمر "ميرتس" الذي انعقد في تموز 2017 صوّت، بأغلبية أعضائه، ضد هذا الاقتراح وأسقط المحاولة.

في أعقاب هذا الرفض، أعلنت غالئون أنها مصرّة على الدفع بهذا الاقتراح مرة أخرى وأكدت أنها ستطرحه على المؤتمر التالي للحزب للتصويت عليه وتبنيه، كما هددت بأنه "في حال رفض المؤتمر القادم تبني الاقتراح بالانتقال إلى برايمريز مفتوحة، سأستخلص الاستنتاجات الشخصية اللازمة"، في تلميح صريح إلى احتمال تقديم استقالتها من رئاسة الحزب، بل من عضويتها فيه أيضا.

على هذه الخلفية، التأم مؤتمر "ميرتس" في أيلول الماضي للتصويت على اقتراح تقصير ولاية غالئون في رئاسة الحزب، لكن الاقتراح لم يحظ بالأغلبية اللازمة دستوريا لجعله ساري المفعول، كما ذكرنا. ورداً على ذلك، وفي إطار سعيها لتحقيق هدفها المُعلن، بالانتقال إلى "برايمريز مفتوحة"، أقدمت زعيمة "ميرتس"، زهافا غالئون، على تقديم استقالتها من عضويتها في الكنيست (في 18 تشرين الأول الأخير) بغية "التركيز في منصبي ومهماتي كرئيسة للحزب". وأعلنت، فور ذلك، أنها ستقدم استقالتها من الحزب كليا ونهائيا إذا "ما خسرت المعركة" ولم تنجح في تمرير برنامجها وتحقيق أهدافها خلال المؤتمر الوشيك الذي ستعقده الحركة في نهاية كانون الأول الجاري. وهو ما اعتبره إيلان غيلئون "مناورة خسيسة تدل على عدم المسؤولية والأنانية المفرطة"، مؤكدا أنه سيبقى عضوا في "ميرتس" حتى في حال خسارته خلال المؤتمر القادم. وأضاف: "لم أكن أرغب في المنافسة على رئاسة الحزب أصلاً، لكنّ زهافا غالئون هي التي اضطرتني إلى ذلك"! وقد نُقل في هذا السياق الحديث أن "رسائل وصلت إلى زهافا غالئون بأنها إذا ما تنازلت عن برنامجها بشأن "البرايمريز المفتوحة"، فسيتنازل غيلئون عن ترشيحه لمنصب رئيس الحزب".

صراع قد يكلف الحزب و"معسكر اليسار" ثمنا باهظا

يكتسي توقيت الصراع الحالي، المتجدد، بين المعسكرين المركزيين في "ميرتس"، بقيادة كل من زهافا غالئون وإيلان غيلئون، أهمية خاصة على ضوء نتائج استطلاعات الرأي الجديدة التي تُنشر تباعاً خلال الأشهر الأخيرة في إسرائيل، والتي تبيّن أن حركة "ميرتس" مرشحة لزيادة قوتها البرلمانية بصورة كبيرة نسبيا خلال الانتخابات القادمة للكنيست، من خمسة مقاعد (في الكنيست الحالي) إلى ثمانية مقاعد.

وتعزو تحليلات لنتائج هذه الاستطلاعات هذه الزيادة المتوقعة، بشكل أساس، إلى التصريحات الأخيرة التي أطلقها الزعيم الجديد لحزب "العمل" ("المعسكر الصهيوني")، آفي غباي، والتي تشدّ بهذا الحزب نحو اليمين، أكثر فأكثر، في مختلف القضايا والمجالات المركزية، السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

فبينما تسعى زهافا غالئون إلى "فتح صفوف الحزب، بما يضمن انتعاشه ورفده بدماء جديدة"، من خلال تغيير طريقة الانتخابات الداخلية (البرايمريز) بصورة أساسية (إضافة إلى تغيير مفتاح التعيينات في داخل الحزب وخطه الإيديولوجي أيضا)، يصرّ إيلان غيلئون على إبقاء الوضع على حاله، محذرا من أن "تغيير طريقة البرايمريز وفتح بوابات الحزب قد يُفقده مميزاته وطريقه". وفي الوسط، يتذمر أعضاء في "ميرتس" من أن هذا الصراع بين المعسكرين، والذي يتخذ اشكالا وتعبيرات حادة جدا، "يضرّ بالحزب نفسه وبمعسكر اليسار كله وسيكلفهما ثمنا باهظا، سينعكس في نتائج الانتخابات المقبلة بالتأكيد". وقد عقب بعض نشطاء "ميرتس" على ذلك بالقول إن "آفي غباي يخلي لنا ساحة اليسار في إسرائيل، بينما نحن مشغولون بحروبنا وصراعاتنا الداخلية"!

 

المصطلحات المستخدمة:

الكنيست, ألف

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات