المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

وصفت مصادر رفيعة في ائتلاف اليمين الحاكم في إسرائيل الأجواء السائدة هذه الأيام بين الأحزاب المكونة للائتلاف الحكومي وفي داخلها بأنها "أجواء تصفيات نهاية الموسم"! التي تؤشر إلى اقتراب "نقطة اللاعودة"، المتمثلة في اضطرار الحكومة الحالية وشخص رئيسها، بنيامين نتنياهو، تحديدا، إلى تقديم الاستقالة القسرية والذهاب إلى انتخابات برلمانية مبكرة "قد لا يكون أي من الشركاء في هذه الحكومة معنيا حقا بخوضها الآن"، كما أكدت المصادر ذاتها.

ومن بين ما يرسم "أجواء تصفيات نهاية الموسم" هذه، تشير المصادر إياها إلى: الأجواء العامة في الدولة ـ أجواء التوتر والإحباط والتخبط؛ المظاهرات الحاشدة المتكررة للأسبوع الثالث على التوالي في مدينة تل أبيب ضد "الفساد السلطوي"؛ قرب انتهاء التحقيقات الجنائية مع رئيس الحكومة، نتنياهو، في ملفات الرشوة والفساد المختلفة والتي "يبدو أن لا مناص بخلوصها إلى تقديم توصيات بتقديم نتنياهو إلى المحاكمة"؛ إضافة إلى حقيقة أنه في شهر آذار المقبل ستمرّ ثلاث سنوات كاملة منذ الانتخابات البرلمانية الأخيرة في إسرائيل (في آذار 2015)، وهي فترة "أطول بكثير، نسبيا، من تلك التي صمدت فيها الحكومات الإسرائيلية السابقة خلال العقود الأخيرة".

وتؤكد هذه المصادر أن "جميع هذه العوامل، مجتمعة وكلا منها على حدة، تعيق عمل الائتلاف الحكومي وأداءه المنسجم إلى حد يجعله غير ممكن إطلاقا".

إلى جانب هذه العوامل، المركزية، تشير المصادر أيضا إلى حقيقة تورط رئيس الائتلاف الحكومي الحالي، عضو الكنيست دافيد بيطان (الليكود)، في تحقيقات جنائية خطيرة يُرجّح أنها تسير في اتجاه إعداد لائحة اتهام جنائية ضده في قضايا الرشاوى والغش والاحتيال وخيانة الأمانة "مما يجعل أداءه السويّ في منصبه هذا شبه مستحيل".

من جهتها، رأت المحللة السياسية ـ الحزبية في موقع "واي نت" الإسرائيلي، موران أزولاي، أن "بعض الأحداث التي حصلت هذا الأسبوع (الماضي) في الحلبة السياسية ـ الحزبية الإسرائيلية تشكل دليلاً قوياً على عمق الأزمة التي تعصف بهذه الحلبة". من بين هذه "الأحداث"، مثلا، "الاستدعاء على عجل" الذي وجهه مكتب رئيس الحكومة نتنياهو، شخصيا، إلى عضو الكنيست شارين هاسكِل (الليكود)، علما بأنه "من المرجح أن الغالبية العظمى من الجمهور في إسرائيل لم تسمع بهذا الاسم من قبل"! أما السبب وراء هذا "الاستدعاء العاجل" فهو تخوف رئيس الحكومة من أن هاسكِل تعارض مشروع "قانون الحوانيت" الذي سيخوّل وزير الداخلية، أرييه درعي (رئيس شاس)، صلاحية إلغاء قوانين مساعِدة في السلطات البلدية في إسرائيل، من أجل منع أية أنشطة تجارية فيها في أيام السبت. وقالت أزولاي: "وهكذا، فإن عضو الكنيست التي كان من المرجح أن نتنياهو لا يستطيع التعرف عليها في الشارع حتى قبل أيام تحظى الآن بلقاء رسمي شخصي مع رئيس الحكومة بنفسه"!

وذكّرت أزولاي بالخطوة غير المسبوقة التي قام بها نتنياهو الأسبوع الماضي، إذ حضر من مطار اللد الدولي (إثر عودته من زيارة رسمية إلى فرنسا) إلى الكنيست مباشرة، في ساعة متأخرة من الليل، في محاولة "لتجميع أصوات (أعضاء كنيست) تضمن تمرير مشروع القانون المذكور بالقراءة الأولى". وقالت: "هكذا يبدو الانهيار"!

لكن هاسكِل ليست الوحيدة بين أعضاء الكنيست من الليكود الذين لا يذعنون لإرادة الائتلاف الحكومي ولا يلتزمون بها بصورة "طبيعية وتلقائية"، وخصوصا في مسألة "قانون الحوانيت"، مما دفع الوزير أرييه درعي إلى التهديد بالاستقالة من الحكومة، ما يعني حلها وحل الكنيست وتبكير موعد الانتخابات البرلمانية، إذا لم يقرّ الكنيست هذا القانون بصورة نهائية. وهذا بالرغم من أن "آخر ما يريده درعي الآن هو خوض انتخابات جديدة للكنيست"، على ضوء استطلاعات الرأي التي تتوقع لحزبه (شاس) هبوطا حادا آخر قد يُخرجه من الكنيست كلياً، استمراراً للهبوط الحاد الذي مني به في الانتخابات الأخيرة (في آذار 2015)! وفوق هذا، يخضع درعي نفسه، أيضا، لتحقيقات جنائية تدور حول شبهات خطيرة قد تتبلور إلى لائحة اتهام جنائية جديدة "تضع حدا نهائيا لمسيرته السياسية"، علما بأنه كان قد أدين وسُجن بتهم تتعلق بالاختلاس والرشاوى في العام 1999 ولم يعد إلى الساحة السياسية إلا في العام 2012.

غير أن الوضع المتهاوي الذي يعيشه الائتلاف الحكومي الحالي وعدد من أبرز قياداته هو الذي يتيح لدرعي الآن إطلاق تهديده بالاستقالة، بعدما أيقن أن "قانون الحوانيت" لن يمرّ بدون مثل هذا التهديد! وحين يلجأ شريك أساس في الائتلاف الحاكم إلى "وضع مسدسه على الطاولة من أجل تمرير قانون"، فهو دليل قاطع على أن "ائتلاف نتنياهو الحالي قد وصل إلى طريق مسدود".

ولا يقتصر الأمر هنا على درعي وحده، إذ أن شركاء أساسيين آخرين في الائتلاف الحكومي الحالي "يشمّون رائحة تفككه في الأجواء" فيتخذ كل منهم موقعا ملائما للانقضاض، استعدادا لانتخابات برلمانية تبدو الآن أقرب من أي وقت مضى. هذا هو التفسير الأرجح للخطوة التي اتخذها رئيس حزب "كولانو"، وزير المالية موشيه كحلون، الأسبوع الماضي، حين عقد "مؤتمرا صحافيا عاجلا" للإعلان من خلاله عن "خطة التخفيضات الصافية" في بعض الضرائب والرسوم والأسعار. ذلك أن كحلون "يدرك، على ما يبدو، قيمة كل شيكل في هذه الفترة السياسية ـ الحزبية الحرجة والقابلة للانفجار في أية لحظة".

والأمر ذاته يمكن أن يقال، أيضا، عن وزيري الليكود يسرائيل كاتس (المواصلات) وغلعاد أردان (الأمن الداخلي) اللذين يعمدان إلى "عقد مؤتمرات صحافية احتفالية يوزعان عطايا مختلفة من خلالها"، أو وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان (إسرائيل بيتنا) الذي "عاد، بعد فترة طويلة لعب فيها دور البالغ العاقل، المسؤول والمعتدل، ليطلق تصريحات قد تعيده إلى الموقع المحبب عليه في اللعبة السياسية الإسرائيلية"، وأبرزها التحريض على المواطنين العرب في منطقة وادي عارة والدعوة إلى مقاطعتهم!

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات