المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

 أقيم في "مركز تراث مناحيم بيغن" في مدينة القدس، أمس الاثنين، حفل الافتتاح الرسمي لـ"معهد القدس للدراسات الاستراتيجية" الذي أنشئ في إسرائيل حديثاً.

وتحدث في حفل الافتتاح الرسمي، الذي أقيم تحت عنوان "تحديات القدس الموحَّدة"، عدد من ممثلي اليمين المحافظ في إسرائيل، برز منهم الوزير الليكودي زئيف إلكين، رئيس بلدية القدس، نير برْكات، النقيب يورام هليفي، قائد الشرطة الإسرائيلية في لواء القدس، إلى جانب رؤساء المعهد وباحثيه.

وكان "معهد القدس للدراسات الاستراتيجية" قد أطلق موقعه الرسمي على الشبكة العنكبوتية في أواخر شهر تشرين الأول الأخير، معرّفاً عن نفسه بأنه يسعى إلى "إفادة دولة إسرائيل، بتعزيز الخطاب السياسي والأمني المحافظ فيها"، من خلال "الأبحاث، المؤتمرات والتواصل مع أوساط حكومية، عسكرية، أكاديمية، إعلامية وجماهيرية".

ويحدد المعهد المبادئ التوجيهية التي يُرسي عليها أنشطته بأنها تشمل "العلاقة التاريخية بين الشعب اليهودي وأرض إسرائيل، كمركّب مركزي في رؤية المعهد الاستراتيجية؛ حيوية بعض المقوّمات الأمنية الأساسية في أية اتفاقيات سياسية؛ رفض أية إجراءات إسرائيلية أحادية الجانب من شأنها، فقط، تعزيز قوة الخصم؛ أهمية التعاون الاستراتيجي مع دول صديقة؛ الحفاظ على قوة إسرائيل وقدرتها على الدفاع عن نفسها بقواها الذاتية؛ وأهمية القدس الموحدة بالنسبة للأمن الإسرائيلي".
ويشير المعهد، في ختام بطاقته التعريفية المقتضبة، إلى أنه "يطمح إلى إنشاء وتطوير الجيل القادم من باحثي الأمن القومي ـ من الشبان خريجي الأكاديميا، الاستخبارات، الجيش والسياسة الخارجية ـ على قاعدة الفكر المحافظ في الغرب وقاعدة الفكر الصهيوني".

اللافت، من جهة أولى، أن المجموعة التأسيسية لهذا المعهد تضم مجموعة من الباحثين المؤسسين والمسؤولين البارزين في "مركز بيغن ـ السادات للدراسات الاستراتيجية"، في مقدمتهم البروفسور إفرايم عنبار، رئيس المعهد الجديد، الذي أشغل في السابق منصب المدير العام المؤسس لـ"مركز بيغن ـ السادات" لأكثر من ثلاثة وعشرين عاماً (كان خلالها، أيضا، محاضراً في كلية العلوم السياسية في جامعة بار إيلان)، ودافيد فاينبرغ، نائب رئيس المعهد الجديد، الذي أشغل في السابق منصب "مدير العلاقات العامة" في "مركز بيغن ـ السادات" (وعمل، أيضا: ناطقا رسميا بلسان جامعة بار إيلان، ناطقا رسميا بلسان "مؤتمر هرتسليا للأمن القومي"، مستشاراً لنائب رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، نتان شيرانسكي، ومؤسس "المنتدى العالمي ضد اللاسامية" في ديوان رئيس الحكومة الإسرائيلية).

واللافت، من جهة ثانية، أن بين طاقم الباحثين المركزيين في المعهد الجديد ثلاثة مسؤولين سابقين في "مجلس الأمن القومي" الإسرائيلي، هم: اللواء (احتياط) يعقوب عميدرور، الذي ترأس "مجلس الأمن القومي" (بين 2011 و 2013)، كما عمل مستشارا للأمن القومي لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وهو معروف بمواقفه اليمينية المحافظة وأبرزها معارضته العلنية لاتفاقيات أوسلو (1993) إبان إشغاله منصب "رئيس وحدة الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية" في الجيش الإسرائيلي، ثم معارضته خطة الانفصال عن قطاع غزة (2005)، حتى إشغاله وظيفة "المحلل العسكري" في صحيفة "يسرائيل هيوم" اليمينية المقربة جدا من نتنياهو؛ العقيد (احتياط) د. عيران ليرمان، نائب رئيس المعهد الجديد، الذي أشغل في السابق منصب نائب رئيس "مجلس الأمن القومي" للسياسات والشؤون الدولية؛ ود. دافيد كورن، المحاضر في قسم الدراسات الشرق أوسطية في جامعة بار إيلان و"مستشار رئيس بلدية القدس لشؤون العرب والقدس الشرقية"، والذي كان أشغل في السابق منصب "رئيس شعبة الشرق الأوسط" في "مجلس الأمن القومي".

من جهتها، اعتبرت صحيفة "مكور ريشون" اليمينية الدينية أن "معهد القدس للدراسات الاستراتيجية" يأتي ليكون "الرد اليميني المحافظ على معهد دراسات الأمن القومي"! وأشارت (يوم 20/10/2017) إلى حقيقة أن الأحرف الأولى من اسم المعهد الجديد باللغة الإنجليزية (JISS) قريبة/ مشابهة للأحرف الأولى من اسم "المعهد القديم" (معهد دراسات الأمن القومي) باللغة الإنجليزية (INSS) وإلى أن "رؤساء المعهد الجديد لا يخفون سعيهم إلى طرح توجهات مختلفة عن تلك التي يطرحها المعهد التل أبيبي" ("معهد دراسات الأمن القومي" يعمل كمعهد خارجي مستقل، لكنه تابع لجامعة تل أبيب ويحتل مقرّه إحدى بناياتها، وهو يعمل بالتعاون مع ديوان رئيس الحكومة).

وفي حديث مع رئيس المعهد الجديد، البروفسور إفرايم عنبار، قال للصحيفة إياها إن "اختيار المعهد أن يكون مقره في مدينة القدس وأن يخصص حفل افتتاحه الرسمي لموضوع وحدة القدس ليس صدفة وليس عبثيا"، موضحاً أن "الصراع على مستقبل القدس يدور بأقصى حدته هذه الأيام. فأحداث الصيف الماضي في "جبل الهيكل" (الحرم القدسي الشريف) وقرار إدارة الرئيس ترامب التراجع عن تعهده الانتخابي الصريح بنقل السفارة الأميركية إلى القدس ـ حيث مكانها الطبيعي ـ هما مجرد اثنين فقط من الجوانب العديدة التي تجسد هول التحدي في القدس وحولها، والذي ينطوي على أهمية حاسمة، بل وجودية حتى، بالنسبة لدولة إسرائيل وللشعب اليهودي". ويضيف عنبار، في الحديث نفسه، إن المعهد الجديد برئاسته "سيبذل كل طاقته لطرح المسوغات الضرورية ـ نحو الداخل ونحو الخارج، على حد سواء ـ لفهم مدى أهمية السيادة الإسرائيلية وسيطرتها المحكمة على القدس الموحدة، ثم تقصي السبل التي من شأنها ضمان، تعزيز وتحصين المكانة الإسرائيلية في القدس الموحدة، كمصلحة قومية عليا وحيوية".

وفي مقال مطوّل نشره في صحيفة "جيرزاليم بوست"، الإسرائيلية اليمينية الناطقة بالإنجليزية (يوم 27/10/2017)، للتعريف بالمعهد الجديد والترويج له، اعتبر نائب رئيس المعهد، دافيد فاينبرغ، أن تأسيس هذا المعهد الجديد يندرج في إطار "المعركة الفكرية على الخطاب الأمني"، وفي صلبها "تعزيز الخطاب الاستراتيجي الإسرائيلي بمفاهيم دفاعية، مثل الحرب الاستباقية والحدود الآمنة".

ورأى فاينبرغ أن "التيارات الفكرية المتصارعة في إسرائيل بشأن المسائل الدفاعية والدبلوماسية تشهد اليوم ثورة هامة"! أما هذه "الثورة" فتتجسد في أنه "على مدى سنوات طويلة جدا، طرح الجناح اليساري ـ الليبرالي في الحلبة السياسية الإسرائيلية رواية تخويفية ـ انهزامية مضمونها أن إسرائيل تفقد مكانتها العالمية وتخسر التأييد الدولي جراء استمرار الجمود في العلاقات مع الفلسطينيين. بداية، رأى اليسار أن إسرائيل في حاجة إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين، وإلا فإنها لن تكون آمنة. ثم جادل اليسار بأنه بدون عملية سلام، على الأقل، ستتعرض إسرائيل لحملة تشويه وتراجع في مكانتها دولية. والآن، يقول اليسار إنه بدون الانسحاب الإسرائيلي من جانب واحد وتقسيم عاصمتنا، سيتم سحق إسرائيل من الناحية الديمغرافية وستدخل في نفق معتم من الناحية الديمقراطية. لكن نتنياهو يقول لا لهذا كله. وهو يؤكد ـ كما في خطابه الأخير في الكنيست، لدى افتتاح الدورة الشتوية ـ أن إسرائيل قادرة على حماية حقوقها التاريخية ومصالحها الأمنية الحيوية، بل ما زالت تمضي قدما في تحسين أمنها ومكانتها العالمية والمحافظة على هويتها القومية المتينة".
ويمضي نائب رئيس "معهد القدس للدراسات الاستراتيجية" فيكتب: "بالطبع، سيكون من المفضل إجراء عملية مصالحة وتسوية مع الفلسطينيين. لكن مكانة إسرائيل، روحها ومركزيتها بالنسبة للشعب اليهودي وللعالم، هي أهمّ أكثر بكثير من وضعنا الصعب مع الفلسطينيين المتعصبين... ذلك أن لإسرائيل مكانة استراتيجية، إقليمية وعالمية، مستقلة ومتينة. فقوة إسرائيل والقيم الوطنية ـ الدينية الراسخة في مجتمعها بيّنة وتحظى باعتراف وباحترام شديد في الكثير من البقاع".

ثم يعلن فاينبرغ: "هذا هو السياق الذي يفسر، ولو جزئيا فقط، إنشاء خلية تفكير جديدة، محافظة، في الشؤون الأمنية في القدس هذا الشهر - معهد القدس للدراسات الاستراتيجية. ويسعى المعهد إلى مواجهة التيارات المُحبطة في مجال الدفاع الإسرائيلي والانضباط الدبلوماسي، واستعادة التيار الرئيسي في التفكير الأمني الصهيوني". ويقول: "للأسف، لم ينشئ جناح الوسط ـ اليمين الإسرائيلي بنية تحتية فكرية جدية يمكنها أن تقود إلى التفكير الأمني في اتجاه بديل. ولهذا، يسعى "معهد القدس للدراسات الاستراتيجية" إلى معالجة هذا الوضع؛ للرد على الطروحات والروايات الانهزامية؛ ولإعادة تعزيز الميول الفطرية السليمة والراسخة لدى الأغلبية الإسرائيلية"!
للنمذجة على هذه "الميول الفطرية السليمة والراسخة لدى الأغلبية الإسرائيلية"، يورد الكاتب أبرز ما أظهرته نتائج استطلاع خاص أجراه المعهد الجديد: 64% من الإسرائيليين يعتقدون بأن على إسرائيل إحكام سيطرتها على "القدس الكبرى" بأكملها، لدواعٍ إيديولوجية وأمنية على حد سواء. بل إن أغلبية أكبر من هذه حتى، تعتقد بأن على إسرائيل بسط وممارسة سيادتها على "جبل الهيكل" (الحرم القدسي الشريف)، أيا تكن الاعتبارات الدبلوماسية (72%)، بينما يعتقد 68% بأنه يجب تمكين اليهود من تأدية الصلاة على "جبل الهيكل".
وللتدليل على مركزية "القدس الكبرى الموحدة" في منظومة هذا المعهد الجديد ومنطلقاته، الفكرية والسياسية، يؤكد نائب رئيس المعهد في مقاله (في جيروزاليم بوست) أن "وجود معهد بحثيّ أمنيّ واضح الميول السياسية في القدس ينسجم مع التحول الهام الحاصل في ثقافة صنع القرار المتعلق بالأمن القومي. فقد كانت مهمة صنع القرار هذه، تقليديا، اختصاصا حصرياً للمؤسسات الدفاعية / الأمنية الواقعة ما بين "غيلو" و"الكرياه" في تل أبيب. أما الآن، فقد انتقلت مجموعة من الأجهزة الأمنية الوطنية الهامة إلى القدس".

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات