المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

 

تعترف وجهة النظر الحريدية بالنظام الديمقراطي على أنه "وضع جيد في المستوى الوضعي فقط، لكنها لا توافق على اعتباره بديلا لمنظومة القيم في الشريعة اليهودية"، وفقا لكتاب "دليل المجتمع الحريدي: معتقدات وتيارات". ويعني ذلك أن شرعية النظام الديمقراطي مرفوضة ليس بسبب المضامين التي تتميز بها الديمقراطية، وإنما بسبب "تطلع النظام الديمقراطي إلى طرح منظومة قيم شاملة تسعى لأخذ مكان الشريعة اليهودية كمصدر شرعي وحيد لإدارة الحياة العامة اليهودية". ومن الناحية العملية، يعني ذلك أن وجهة النظر الحريدية لا يمكنها الموافقة على شكل نظام يهودي لا يستند إلى التوراة.

ووفقا للمراجع التي يعتمدها الحريديم، وهي مؤلفات لحاخامين كبار، فإن وجهة النظر الحريدية مستعدة لأن تستوعب المبادئ الديمقراطية داخل خطاب الشريعة اليهودية، وذلك فقط في حال تكون المنظومة كلها مبنية على هذه الشريعة، التي ترى بأن "أوامر الرب نموذج أساسي". لكن في حال عدم استناد منظومة الحكم في إسرائيل على السيادة الإلهية وأخضعت نفسها إلى سيادة بشرية، فإن هذه القوانين التي يتم سنها بإجراءات تشريعية ثابتة وممأسسة تصبح "قوانين وهمية".

ويعني ذلك أن الحريديم لا يمكنهم التماثل مبدئيا مع نظام يهودي علماني لا يقبل التوراة كمصدر رئيسي للصلاحيات. والتوجه الحريدي الآخر، هو قبول الوضع القائم. وهذا التوجه يميز تعامل التيار المركزي في اليهودية الحريدية مع وجود إسرائيل ونظامها. لكن الحريديم ينظرون إلى أنفسهم في هذه الحالة على أنهم "مرغمون"، بمعنى أنهم كانوا يفضلون نظاما آخر، لكن لم يسألهم أحد عن رأيهم، ولذلك هم مضطرون للعمل في ظل الحكم القائم.

ويبدو أن الحريديم فرحون بقبول هذه "القيود"، وكأنها فرضت عليهم، وهم راضون من النظام الديمقراطي، وموقفهم هذا يمكنهم من توجيه انتقادات للنظام.

وأحد الانتقادات التي يوجهها الحريديم يتعلق بتعريف إسرائيل أنها دولة "يهودية وديمقراطية"، ويرون أن هذا التعريف ينطوي على تناقض داخلي. وكان الحاخام موشيه بار بك، وهو أحد الحاخامين المناهضين للصهيونية، قد كتب أن المصطلحين "يهودية" و"ديمقراطية" يناقضان بعضهما. وأضاف، محاولا إقناع الحريديم بعدم زيارة حائط البراق، وذلك في العام 1968 وبعد احتلال القدس، أن "الدولة الصهيونية لم ترغب أبدا بأن تكون دولة يهودية، لأنها أزالت عن كاهلها حِمل التوراة، لكنها أرادت أن تتظاهر بأنها يهودية من أجل أن تجذب نحوها جمهور المحافظين على الفرائض الدينية".

من جانبهم، يُبدي الحريديم الشرقيون ليونة معينة في موقفهم، لكنهم لا يتبنون بحماسة الديمقراطية كمثال أعلى. وتبنت حركة شاس، التي تمثل الحريديم الشرقيين، الديمقراطية بتحفظ. وتقول هذه الحركة في برنامجها السياسي إنها "تؤمن بوجود دولة إسرائيل كدولة الشعب اليهودي، التي تستند إلى القيم الديمقراطية بموجب توراة إسرائيل".

لكن ذكر كلمة "ديمقراطية" في نصوص سياسية حريدية هو أمر نادر جدا. والحزب الحريدي الأشكنازي "يهدوت هتوراة"، المنافس لشاس، لا يذكر في برنامجه السياسي كلمة "ديمقراطية". كما أن البرنامج السياسي لحزب شاس لا يذكر عبارة "يهودية وديمقراطية" ويشدد على أن الديمقراطية تخضع للتوراة.

مهاجمة قيم الحرية والمساواة

انتقد الحريديم قيم الحرية والمساواة منذ القرن التاسع عشر، عندما دخلوا في مواجهة مع حركات علمانية في أوروبا. ويعتبر الحريديم "الحرية" أنها أساس العلمانية. ويطلق الحريديم على العلمانيين تسمية "أحرار"، وما زالوا يستخدمون هذه التسمية حتى اليوم في خطابهم الداخلي، وخاصة بين الأولاد الحريديم.

ويرى الحريديم أن نمط حياتهم الملتزم بالمعتقدات الدينية اليهودية يتعارض مع قيم الحرية، وأن نمط الحياة هذا يستلزم سلسلة طويلة من القيود على اليهودي، وذلك انطلاقا من أن هذا الأمر يصلح الإنسان. واستوجب الدفاع عن نمط الحياة الحريدي المواجهة مع قيم الحرية، ويبرز هذا الدفاع في الفلسفة الحريدية، التي ألفها حاخامون أشكناز من الطائفة الحريدية الليتوانية بالأساس.

ويرتبط انتقاد الحريديم للحريات الشخصية بشكل مباشر بالانتقادات العامة التي يوجهونها إلى قيم الحرية. وطور الفكر الحريدي طريقتين لمواجهة قيم الحرية؛ الطريقة الأولى تعتبر أن الحرية الحقيقية هي الانصياع للتوراة والفرائض الدينية. وتنفي الطريقة الثانية الحرية وترى بالانصياع للتوراة والفرائض الدينية نقيضا لها.

ويعتبر الحريديم أن استعباد الإنسان لرغباته الآنية وغرائزه هو بمثابة عبودية، وأن نمط الحياة الحريدية، أو "الحياة التوراتية" تحرر الإنسان من العبودية العلمانية وتعيده إلى مشيئته الحقيقية.

 

المصطلحات المستخدمة:

التيار المركزي, الصهيونية

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات