المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

يستدل من المعطيات الأولية، التي صدرت في مطلع الأسبوع الجاري، بمناسبة افتتاح السنة الدراسية الأكاديمية في معاهد التعليم العالي الإسرائيلية (يوم 30/10/2016)، أن الزيادة التي شهدها هذا العام في عدد الطلاب في الجامعات والكليات تلامس الصفر (2ر0%) مقارنة مع العام الماضي، الذي هو أيضا لم يُسجل زيادة خاصة.

وبالإمكان الاستنتاج أن شروط القبول في الجامعات الإسرائيلية من جهة، والكلفة والأعباء المالية الأخرى من جهة ثانية، يشكلان حاجزا أمام زيادة أعداد الطلبة وبشكل خاص من الشرائح الضعيفة والفقيرة. ونشير أيضا إلى أن أعداد الطلاب العرب في تزايد مستمر، إضافة إلى الأعداد الكبيرة التي تضطر للدراسة في الخارج، وأيضا في جامعات الضفة الغربية المحتلة.

وتحتاج المعطيات النهائية إلى بضعة أيام حتى يتم اكتمال انخراط الطلاب في معاهدهم المختلفة، ولكن حتى الآن يتضح أن عدد الطلاب في مختلف الجامعات والكليات تجاوز بقليل 310 آلاف طالب، وهذه زيادة بنسبة 2ر0% عن العام الذي سبقه 2015/ 2016.

ويتضح أيضا أن أعداد المنتسبين للقب الجامعي الأول تراجعت بنسبة 6ر0%، وأن زيادة قد طرأت على الإقبال على اللقبين الثاني والثالث.

ويقول تقرير نشرته وسائل الإعلام الإسرائيلية، إن أعداد الطلاب للقب الأول في الجامعات الإسرائيلية الثماني، شهد تراجعا بنسبة 1ر4%، كما تراجع أعداد الطلاب للقب الأول في الجامعة المفتوحة بنسبة 9ر2%. في المقابل فإن أعداد الطلاب في الكليات سجل ارتفاعا بنسبة 2ر3%.

ويشار إلى أنه في سنوات التسعين الأولى، تم فتح العديد من الكليات التابعة عمليا لواحدة من الجامعات الإسرائيلية، ولكن لاحقا تم فتح عدد من الكليات الخاصة، وساهمت هذه الكليات في رفع أعداد الطلبة الجامعيين في المعاهد الإسرائيلية عامة بثلاثة أضعاف خلال عقدين من الزمن.

ويتبين من سلسلة التقارير التي نشرت بمناسبة افتتاح الدراسية الجامعية 2016/2017 أنه منذ سنوات التسعين وحتى اليوم، ارتفعت أعداد الطلاب في الكليات الرسمية بنسبة 650%، بينما ارتفعت أعداد الطلاب في الكليات الخاصة بنسبة 560%. وفي هذه الكليات الخاصة تصل أقساط التعليم إلى 250% من القسط في الجامعات والكليات. والهرب إلى تلك الكليات الخاصة وتكبد هذا العبء المالي، نابع من أن شروط القبول فيها أقل والطلاب ليسوا ملزمين بامتحان القبول ("البسيخومتري").

ونقلت صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية عن مسؤولين في مجلس التعليم العالي قولهم إنه وفق التقديرات فإن أعداد الطلاب في الجامعات الإسرائيلية الثماني سيستمر في التراجع أيضا في العام الدراسي التالي، بسبب تباطؤ نسبة الولادات التي كانت قائمة قبل 18 إلى 22 عاما قياسا مع السنين اللاحقة، وأيضا بسبب جمود نسبة الحاصلين على شهادة الثانوية العامة "البجروت"، التي توازي شهادة التوجيهي.

امتحان القبول والأعباء المالية

وكما ذكر، فإن الحاجزين الأكبرين أمام دخول الطلاب إلى الجامعات الإسرائيلية، هما امتحان القبول "البسيخومتري"، وأيضا الأعباء المالية. وقد بدأت إسرائيل في اتباع امتحان القبول بشكله الحالي منذ مطلع سنوات التسعين؛ ومع مرور السنين بات أشد صعوبة، وأصبحت مقاييسه تشكل صعوبة بشكل خاص للطلاب العرب لأسباب عدة. لكن في ذات الوقت يشكل عقبة أمام كل الطلاب، إذ أن نتيجة الامتحان تحسم مسألة قبولهم للمواضيع التي يرغبون بها، إذ يتم تحديد مستوى نجاح لكل واحد من مواضيع التعليم.

كما أنه مع مرور السنين تحول هذا الامتحان إلى قطاع اقتصادي تصل فيه الدورة المالية إلى مئات ملايين الدولارات سنويا، لأن نسبة عالية جدا من الطلاب تضطر لتعلم دورات تحضيرية لهذا الامتحان، بكلفة تصل إلى ألف دولار للطالب الواحد، عدا رسوم الامتحان ذاته التي تصل إلى 150 دولارا ومصاريف أخرى مرافقة. وقد طرح هذا الامتحان مرارا على أجندة الكنيست لإلغائه، وظهرت الكثير من الأبحاث التي تعرض إشكالياته.

لكن الامتحان وحده لم يعد يكفي، كما يبدو على ضوء ارتفاع نسبة النجاح، إذ أن بعض الجامعات أضافت امتحانات أو فرضت المثول أمام لجان قبول في مواضيع رفيعة مثل الطب وما شابه. كذلك فإن بعض الجامعات استخدمت شروط القبول من أجل التحكم في نسب الطلاب العرب لديها، وبشكل خاص جامعة حيفا، التي تتجاوز فيها نسبة الطلاب العرب 30% نظرا لكونها في شمال البلاد، حيث 53% من السكان هم من العرب.

والحاجز الثاني هو كلفة التعليم، إذ يبلغ القسط التعليمي في الجامعات والكليات الرسمية في حدود 3 آلاف دولار، ولكن هناك كلفة الإقامة الباهظة جدا، خاصة في المدن الكبرى، تل أبيب والقدس وحيفا، والسفريات، والمعيشة؛ وقال استطلاع نشرت معطياته في الأسبوع الماضي إن 83% من الطلاب والطالبات الجامعيين يعملون من أجل التمويل أو المساهمة في تمويل تعليمهم. ويقول مسح آخر إن الطلاب للقب الأول ينهون تعليمهم الذي يمتد من ثلاث إلى أربع سنوات بدين تراكمي يصل إلى 12 ألف دولار بالمعدل.

وأعلنت الغالبية الساحقة من الطلاب العاملين أن مداخيلهم الشهرية لا تسد حاجاتهم المالية، لذا يكونون مضطرين للاعتماد على عائلاتهم.

وما يزيد من الأعباء المالية على الطلاب الجامعيين، مسألة المبيت للطلاب من المناطق البعيدة، إذ يستدل من استطلاع للرأي، بادر له اتحاد الطلاب الجامعيين في إسرائيل، أن 7% فقط من الطلاب الجامعيين يقيمون في مساكن الطلبة، وأن 45% يضطرون إلى استئجار بيوت، بكلفة تزيد عن مساكن الطلبة من 25% إلى 50%، بإضافة كلفة المواصلات، في حين أن 7% من الطلاب اشتروا بيوتا في مدن جامعاتهم ويسددون أقساط قروض إسكانية. ويقيم 39% من إجمالي الطلبة في بيوت عائلاتهم، أو لدى أقارب، علما أن نسبة عالية منهم تسكن في مدن وبلدات خارج مدينة الجامعة أو الكلية، ما يزيد كلفة التنقلات عليهم.

وتؤثر الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية مباشرة على نسب الانخراط في سلك التعليم العالي، فكلما انخفض المستوى الاقتصادي للبلدات، انخفضت معه نسبة المتقدمين للتعليم العالي، باستثناء جمهور المتدينين المتزمتين "الحريديم"، الذين يعيشون بنسب فقر عالية جدا، تقارب نسب العرب، إلا أن انخفاض اقبالهم على التعليم الجامعي يعود لشكل ثقافتهم الدينية وابتعادهم عن العلوم والمواضيع العلمية على أنواعها، ونسبتهم في الجامعات تكاد لا تذكر.

والتدريج الاقتصادي الاجتماعي في إسرائيل يتم تقسيمه على 10 درجات، إذ أن الدرجة الأولى هي الأشد فقرا، والدرجة العاشرة هي الأكثر ثراء. وتحتل البلدات العربية تقريبا كل الدرجتين الأولى والثانية، مع استثناءات من بلدات "الحريديم"، والعرب أيضا يشكلون الغالبية الساحقة من الدرجة الثالثة، التي تعد الدرجة "الأفضل" من بين البلدات الفقيرة.

وبحسب معطيات نشرتها صحيفة "يديعوت أحرونوت"، بشأن الانتساب للجامعات والكليات الإسرائيلية، بمعنى ما لا يشمل الدراسة في الضفة والخارج، فإن قرية جسر الزرقاء العربية، التي هي من أشد البلدات العربية فقرا، وتقع جنوبي حيفا، بلغت نسبة الطلاب فيها للقب الأول 5ر4%، وللقب الثاني صفر بالمئة.

وفي مدينة أم الفحم، التي تحل في الدرجة الاقتصادية الاجتماعية الثانية، يتعلم قرابة 15% للقب الأول، و7ر1% للقب الثاني.

أما في مدينة الناصرة، التي تحل في الدرجة الثالثة من حيث التدريج الاقتصادي الاجتماعي، فإن نسبة الدارسين للقب الأول 5ر16%، وللقب الثاني 9ر2%.

وبالنسبة للناصرة وأم الفحم، فهذه الأرقام لا تأخذ بعين الاعتبار الدراسة في الخارج، كما ورد سابقا.

في المقابل، نجد أن نسبة الدارسين للقب الأول في مدينة حيفا، التي تحل في الدرجة السابعة المحسوبة على أعلى مستويات الشرائح الوسطى هي 7ر25%، وللقب الثاني ما يزيد عن 10%. في حين أن في مدينة هيرتسليا شمالي تل أبيب، والتي تحل في الدرجة الثامنة، وتعد من المستويات الثرية، نسبة الدارسين للقب الأول تلامس 30%، وللقب الثاني 7ر7%.

وأعلى نسبة لدراسة اللقب الأول نجدها في مدينة تل أبيب، التي تحل في المرتبة الاقتصادية الثامنة، إذ بلغت نسبة الدارسين للقب الأول أكثر من 47%، وللقب الثاني ما يزيد عن 20%. ولكن بالنسبة لتل أبيب يجدر قراءة المعطيات بحذر، لكون أعداد كبيرة من الطلاب من خارج تل أبيب، ينقلون عنوان سكنهم إلى المدينة، لغرض الاستفادة من التخفيض الحاد في ضريبة المسقفات البلدية، العالية جدا في تل أبيب، على البيوت التي يستأجرونها، وتمنح التخفيضات للطلاب الجامعيين بنسبة 80%. وهذا الحال مثبت أيضا في مدينة رامات غان، المحاذية لتل أبيب، التي تقع فيها جامعة "بار إيلان".

 

 

المصطلحات المستخدمة:

الكنيست, يديعوت أحرونوت, رامات غان

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات