المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

كشف تقرير إسرائيلي رسمي جديد حجم الحواجز التي يواجهها المواطنون العرب في إسرائيل في قطاعات العمل العصرية، وبشكل خاص التقنية العالية، إذ أن ارتفاع مستوى التحصيل العلمي، وازدياد أعداد الطلبة في الجامعات بشكل عام، وفي مواضيع التقنية العالية بشكل خاص، لم يساعدا الشبان والشابات العرب على الانخراط أكثر في قطاع التقنية العالية.

 

ويستدل من هذا التقرير الصادر عن الخبير الاقتصادي الرئيسي الحكومي، أن الخلفية القومية تلعب دورا في هذه الحالة، فالعلاقات الخاصة تشكل عاملا، ويضاف لها تفضيل من خدموا في الجيش الإسرائيلي، وبالذات في وحدات متخصصة بالاستخبارات والرصد الالكتروني.

وبموجب المسح الذي ظهر في تقرير الخبير، فإن نسبة العرب في وظائف مهنية في التقنية العالية، بلغت هذا العام 4ر1% من إجمالي العاملين في القطاع، على الرغم من أن نسبة العرب من القوة العاملة في إسرائيل 5ر15%، وترتفع النسبة إلى 4ر17% بعد شمل الفلسطينيين في القدس، بموجب قانون الضم الاحتلالي، ما يعني أن نسبة انخراط العرب تساوي 9ر0% من نسبة انخراطهم في سوق العمل، بينما نسبة الرجال اليهود من دون الحريديم المنخرطين في التقنية العالية أكثر من 74%، وهذا ضعفا نسبتهم في سوق العمل. والنساء اليهوديات أكثر من 23%، ما يعني 50% من نسبتهن في سوق العمل. أما الحريديم فإن نسبة انخراطهم في قطاع التقنية العالية هامشية تقل عن نصف بالمئة.

وقد أجرى مكتب الخبير الاقتصادي الرئيسي مسحا بالتعاون مع مكتب مسؤول التشغيل في وزارة العمل والرفاه الاجتماعي. ومن بين نتائج المسح أن الطلاب العرب حققوا في السنوات الأخيرة ارتفاعا في معدلات النجاح في امتحان الدخول للجامعات والكليات الإسرائيلية، المسمى "بسيخومتري" (مقياس القدرة الذهنية)، وخاصة في المستويات التي تؤهل للدخول إلى علوم التقنيات العالية، على الرغم من استمرار وجود فجوة لصالح اليهود. ومعروف أن الطلاب العرب يواجهون صعوبات في هذا الامتحان بفعل اللغة، إذ أن الترجمة العربية ليست بذلك المستوى، عدا عن أن الامتحان يرتكز على مناهج التعليم العبري وليس العربي.

ويتبين أن هذا الارتفاع في نتائج البسيخومتري لم يُسعف الطلاب العرب في القبول لعلوم التقنية العالية بالقدر ذاته لدى اليهود، ولا في سوق العمل. ويقول المسح إن 50% من الخريجين اليهود من مواضيع التقنية العالية، والحاصلين مسبقا على علامات عالية جدا في البسيخومتري، ينخرطون فورا في سوق العمل، مقابل نسبة 30% من النساء اليهوديات، و28% من الرجال العرب و10% من النساء العربيات. ويقول المسح إن هذه الفجوة القائمة تبقى أقل مما كان قائما حتى قبل سنوات.

ويضيف المسح أنه منذ العام 1985 وحتى العام 2014، كان في إسرائيل 4ر68 ألف حامل للقب الاول في مجالات التقنية العالية على مختلف تخصصاتها، من بينهم 1598 عربيا، أي نسبة 3ر2% من اجمالي حاملي اللقب، بمعنى 50 خريجا عربيا سنويا. إلا أن السنوات الأخيرة شهدت قفزة في أعداد العرب المتجهين إلى علوم التقنية العالية. ويقول أحد تقارير مكتب الاحصاء المركزي إنه في العام الدراسي الأكاديمي 2011/2012 كان عدد الطلاب العرب نحو 959 طالبا، وقد ارتفع عددهم في العام الدراسي 2014/2015 إلى 1410 طلاب. كما حصل ارتفاع ملحوظ أيضا في نسبة الطلاب العرب الذين يدرسون المواضيع العلمية والتكنولوجية في الكليات الإسرائيلية، ففي العام الأكاديمي 2011/2012 كانت نسبة الطلاب 7% ثم ارتفعت إلى 5ر13% في العام الأكاديمي 2014/2015. أما في العام الدراسي الأخير، 2016/2017، فيقول تقرير الخبير الاقتصادي الرئيسي إن عدد الطلاب العرب في مواضيع التقنية العالية قفز إلى 2222 طالبا، وهو ما يعني 5ر9% من اجمالي الطلاب في مواضيع التقنية العالية. كما أن هذا العدد هو أكثر بنسبة 40% من كافة حاملي اللقب الأول الذين تعلموا وتخرجوا من العام 1985 إلى 2014. يشار هنا إلى أنه في العام الدراسي الماضي، ومن أصل 2222 طالبا، كان 600 طالب عربي منهم في معهد التطبيقات الهندسية "التخنيون" في حيفا، الذي يعد الجامعة الإسرائيلية ذات المستوى الأعلى في مواضيع الهندسة والتقنية العالية.

وجاء في استنتاجات الخبير الاقتصادي الرئيسي، أن من بين الحواجز التي تقف أمام العرب في الاندماج في قطاع التقنية العالية، هو الانطباع المسبق عن العرب، اضافة إلى ظاهرة التشغيل في شركات التقنية العالية، القائمة بنسبة عالية على أساس العلاقات الخاصة، أو بموجب المصطلح القائل "صديق يجلب صديقا"، اضافة إلى صعوبات اللغة لدى العرب في العبرية والانجليزية، والبعد الجغرافي عن منطقة تل أبيب الكبرى، حيث الغالبية الساحقة من الشركات.

كما أشار التقرير ذاته إلى أن أحد الحواجز هو تفضيل شركات التقنية العالية من أنهوا الخدمة العسكرية، وبشكل خاص في وحدات تعمل في مجال التقنية العالية، مثل وحدة الاستخبارات والرصد الالكتروني "وحدة 8200". وكل هذه المقاييس تقود إلى تمييز واضح ضد العرب، يفسر نسبتهم الضئيلة في هذا القطاع.

وعلى الرغم من النسبة الضئيلة في انخراط العرب في قطاع التقنية العالية، إلا أن هذه النسبة كان من الممكن أن تكون أدنى مما هي عليه الآن، لولا المبادرات المحدودة في المجتمع العربي. وبحسب ما هو معروف توجد حتى الآن عدة شركات صغيرة بادر لها مبادرون عرب مختصون، ويعمل في كل واحدة منها بضعة أفراد، وشركتان منها يعمل في كل واحدة منها بضع عشرات من العاملين العرب، بضمنهم عدة موظفين يهود. يضاف إلى هذا أنه قبل سبع سنوات افتتحت في مدينة الناصرة، بمبادرة بلديتها في حينه، "دفيئة تكنولوجية" عبارة عن مبنى ضخم وعصري، يضم عدة شركات تقنيات عالية، مثل "أتش بي"، في حين أن شركة ميكروسوفت افتتحت مكاتب لها في قلب مدينة الناصرة قبل نحو عامين. وهذه فرصة لتشغيل عشرات العاملين العرب، الذين يجدون صعوبة في العمل في منطقة تل أبيب الكبرى، حيث تتكدس الغالبية العظمى من شركات التقنية العالية.

وتقول صحيفة "ذي ماركر" في استعراضها لتقرير الخبير الاقتصادي الرئيسي، إن المعطيات التي يعرضها الخبير الاقتصادي الرئيسي تثبت حقيقة أن قطاع التقنية العالية خاضع لسيطرة الرجال اليهود من دون الحريديم، بينما النساء اليهوديات والعرب بشكل عام والحريديم يشكلون أقلية في هذا القطاع، الذي أصبح العمل فيه يشكل بطاقة دخول للفئات العليا في الطبقة الوسطى.

وتضيف الصحيفة أن الظاهرة ذاتها قائمة في كافة المهن الأكاديمية. ففي حين نرى أن أكاديميا يهوديا من أصل كل 5ر6 أكاديمي يهودي ينخرط في قطاع التقنية العالية، فإن المعدل بين العرب هو واحد من كل خمسين أكاديميا، وهذا أيضا نراه في مجال إدارة ومراقبة الحسابات، وفي مجال إدارة القوى العاملة، حيث احتمال قبول العرب لإشغال وظيفة يبقى ضعيفا.

الحصار والهروب نحو مهن أكاديمية

قبل أكثر من عام، ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خطابا اعتبرته الجماهير العربية في الداخل استفزازيا من الدرجة الأولى، بدعوته للعرب: "أخرجوا إلى سوق العمل"، وكأنهم يمتنعون عن الانخراط في سوق العمل بقرار مسبق. وقبل هذا، كان نتنياهو من أبرز المدّعين بأن ضعف انخراط المرأة العربية في سوق العمل ناجم عن العادات والتقاليد، دون أن يكترث هو وغيره من ساسة إسرائيل إلى حقيقة شبه ثابتة، أن نحو 25% من الأكاديميات العربيات عاطلات عن العمل، وأن أكثر من 50% من الأكاديميات العربيات يعملن في وظائف أقل من مستوى تحصيلهن العلمي.

عن هذا تقول المحللة الاقتصادية ميراف أرلوزورف، في مقال لها نشرته في صحيفة "ذي ماركر" قبل بضعة اسابيع "إن وجهة النظر القائلة بأن النساء العربيات تقليديات ولا يعملن، بات من الصعب أن تصمد أمام اختبار الواقع". وتدرج الكاتبة معطيات عن جمهور النساء العربيات، مثل أن 72% من العرب الحاصلين على شهادة اللقب الأول في الجامعات الإسرائيلية من النساء العربيات، ونذكر هنا أنه مع احتساب الخريجين من جامعات دول الخارج فإن هذه النسبة تتراجع، لكن ما من شك في أن نسبة النساء الأكاديميات العربيات تتجاوز نسبة الرجال. كما تشير أرلوزوروف إلى الارتفاع المستمر في معدل سن الزواج بين الشابات العربيات، ففي العام 2012 كان 4ر22 عام، وهو في ارتفاع مستمر، مقابل 26 عاما للشابات اليهوديات.

وكان مسح أجرته سلطة التطوير الاقتصادي في المجتمع العربي، وهي سلطة تابعة لمكتب رئيس الوزراء، حول عمق البطالة بين الأكاديميين العرب، ونشر قبل عامين، قد بيّن أن غالبية حملة الشهادات الاكاديمية من العرب يتجهون إلى وظائف ليست بمستوى مؤهلاتهم، فمثلا 3ر1% فقط من حملة شهادات التقنية العالية يعملون في وظائف تلائم كفاءاتهم، بينما أكثر من 50% من حملة شهادات التقنية العالية يتجهون إلى التدريس بسبب اغلاق أبواب العمل في وجوههم. كما يشير المسح إلى الفجوات في رواتب الأكاديميين بنفس مستوى الوظائف، وحسب التقديرات فإنها تتراوح ما بين 35% إلى 40% لصالح اليهود.

وقد أكد بحث سابق أجراه "معهد الديمقراطية الإسرائيلي" أن اليهودي الإسرائيلي بإمكانه أن يحظى بمكان عمل بمقدار أربعة أضعاف الفرصة التي أمام طالب عمل من الفلسطينيين في إسرائيل، حتى وإن كانت مؤهلات الفلسطيني ملائمة للوظيفة، واليهودي مؤهلاته أقل. ويقول البحث إن غالبية العاملين العرب، من ذوي المؤهلات العلمية والمهنية، يعملون في وظائف أقل من مؤهلاتهم بسبب قلة فرص العمل.

والأمر البارز في السنوات الأخيرة، أن الشبان العرب يختارون اضطرارا دراسة مواضيع مهن أكاديمية "تقليدية"، يهجرها الطلبة اليهود، الذين يتجهون إلى دراسة علوم عصرية، مثل التقنية العالية على مختلف تنوعاتها وتخصصاتها. ففي كل عام يتخرج مئات الطلبة العرب حاملين شهادة الطب، غالبيتهم الساحقة من الخارج، وبشكل خاص الأردن، ومن جامعات أميركية منتشرة في شرق أوروبا، أو في دول أوروبا الغربية.

كما سبق هذا تدفق ضخم على موضوع الصيدلة. وكان بحث لمعهد "طاوب" الإسرائيلي قد اشار إلى أن غالبية الصيادلة الجدد في إسرائيل، هم من العرب، لترتفع نسبتهم من هامشية في سنوات الثمانين، حتى نسبة 33% في المرحلة الحالية، ولكن رواتبهم تبقى أدنى بكثير من رواتب الصيادلة اليهود.

ويعود سبب هذا كله إلى معرفة الطلاب العرب مسبقا آفاق العمل التي تنتظرهم بعد تخرجهم، ولذا فهم لا يغامرون كثيرا في التوجه إلى دراسات عليا عصرية سيجدون صعوبة بالغة بعدها في الانخراط في سوق العمل.

المصطلحات المستخدمة:

دورا, مسحا, التخنيون, بنيامين نتنياهو

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات