المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أفرد تقرير "التقدير الإستراتيجي لإسرائيل 2016 – 2017" الصادر عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، فصلا خاصا للعلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة، أعده الدبلوماسي السابق عوديد عيران وميخال حاطوئيل ردوشيتسكي. ورجح الباحثان أن الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، سيستخدم أدوات شخصية وأيديولوجية وعملية في معالجة قضايا داخلية وخارجية. وأشارا إلى أنه ينبغي النظر إلى العلاقات الثنائية بين إسرائيل والولايات المتحدة على أنها "جزء لا يتجزأ من السياق الإقليمي والدولي".

وأشار الباحثان إلى العلاقات المتوترة للغاية بين حكومة بنيامين نتنياهو وإدارة الرئيس المنتهية ولايته، باراك أوباما، حول قضيتين أساسيتين، هما إيران والاتفاق النووي معها والقضية الفلسطينية. واعتبرا أن ما يميز هذه الأزمة بين الجانبين مدتها الطويلة قياسا بأزمات بين الجانبين في الماضي. كذلك أشارا إلى انتقادات إسرائيلية لإدارة أوباما، وخاصة فيما يتعلق بتراجع ضلوع الولايات المتحدة في نزاعات في الشرق الأوسط خصوصا وفي العالم عموما.

وتأتي هذه السياسة لإدارة أوباما، وفقا للباحثين، على ضوء حقيقة أن الولايات المتحدة باتت تعتمد أكثر على موارد الطاقة الداخلية وأصبحت مصدرة للطاقة، ولفتا إلى أن من شأن ذلك أن يزيد التوتر بين الولايات المتحدة وبين منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وخاصة مع السعودية، وأن ترامب سيعمل من أجل حماية الإنتاج المحلي. والسبب الثاني يتعلق بامتناع الولايات المتحدة عن استثمارات كبيرة في صراعات لن تعود بأرباح عسكرية وإستراتيجية وسياسية واقتصادية واضحة.

ورأى الباحثان أن "على الحكومة الإسرائيلية أن تحلل التبعات الإستراتيجية على إسرائيل في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة الجزئي والتدريجي من المنطقة. وإحدى التبعات، على سبيل المثال، هي ضلوع أميركي مقلص في عملية السلام. لكن على الرغم من هذا الضلوع المقلص، ستستمر الولايات المتحدة في أن تكون ضالعة في بلورة خطوات في الشرق الأوسط، وليس لدى إسرائيل أي طريق أفضل لكي تكون جزءا من تطورات كهذه من إجراء حوار وثيق مع الولايات المتحدة. وعلاقات إسرائيلية – أميركية كهذه تستوجب مستوى ثقة عاليا".

واعتبر الباحثان أن "قدرة إسرائيل على إبعاد نفسها عن الحروب والنزاعات الإقليمية تعزز الادعاء بعدم وجود علاقة منطقية بين الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني والنزاعات الأخرى في المنطقة، وأن حل الصراع الأول لن يكون له أي تأثير على حل النزاعات الأخرى. ويبدو أن هذا المنطق مقبول على الأميركيين، لكن النتيجة لم تكن بتخفيف الضغط على إسرائيل بسبب سياستها تجاه الفلسطينيين، لا من جانب الولايات المتحدة بزعامة أوباما ولا من جانب لاعبين دوليين آخرين".

ورغم أن ترامب لم يتحدث كثيرا عن الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، باستثناء الالتزام بأمن إسرائيل وأقوال مساعديه حول نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، إلا أن الباحثين أشارا إلى أنه "سيكون من الخطأ الافتراض أن هذا الموضوع سيغيب عن أجندة الإدارة المقبلة. وعمليا، على الأرجح أن يُطرح الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني في اللقاء الأول بين القيادة الإسرائيلية والرئيس الجديد، وكذلك في المداولات المتعلقة بعلاقات إسرائيل مع لاعبين إقليميين ودوليين"، لكنهما توقعا ألا تطالب إدارة ترامب إسرائيل، في الفترة القريبة، بأن ترسم حدودا مستقبلية دقيقة أو خططا مفصلة حول المستقبل السياسي للقدس، "وذلك على ضوء انعدام الاستقرار الحالي في المنطقة، ضعف القوة الدولتية، والظروف الخاصة داخل الضفة الغربية والسياسة التي تبناها تقرير الرباعية الدولية في تموز العام 2016، وينبغي بموجبها إنجاع جهود دولية من أجل الحفاظ على إمكانية تطبيق حل الدولتين".

وفي هذا السياق، لفت الباحثان إلى أنه "على الرغم من التعاون الواسع بين الدولتين في مواضيع الأمن والعلوم والتجارة وغيرها، إلا أن إدارة أوباما لم تنحرف عن الخط المتواصل لانتقادات أميركية شديدة حيال موضوعين: المشروع الاستيطاني الإسرائيلي، وما يعتبر أنه استخدام قوة عسكرية إسرائيلية مفرطة من أجل معالجة الإرهاب الفلسطيني".

ورأى الباحثان أن "حكومة إسرائيل ستفعل خيرا إذا اقترحت أفكارا عملية لوضع حل للطريق المسدود بين إسرائيل والفلسطينيين، مثلما تم التعبير عنه في رسالة الرئيس بوش (الابن) إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية، أريئيل شارون، في نيسان العام 2004، حول الحدود المستقبلية وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين وأنها ستسعى من أجل استئناف وتعزيز دور الولايات المتحدة في هذا السياق".

وأضافا "يبدو أنه خلال فترة ولاية أوباما تراجع أحد الأسس الهامة للعلاقات الثنائية، وهو الشعور بوجود ’قيم مشتركة" للدولتين، بسبب اعتبار أن الروح الديمقراطية الإسرائيلية ضعفت. وتظهر الاستطلاعات تأييدا أميركيا متواصلا لإسرائيل بين المحافظين، بينما يميل الليبراليون أكثر فأكثر لرؤية الضائقة الفلسطينية على أنها موازية للأبارتهايد. كما أن حركة BDS لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض عقوبات عليها تنتشر في الجامعات في أنحاء الولايات المتحدة وتنضم إلى خطاب الليبراليين. ورغم أنه لا يوجد حاليا أي تأثير هام لذلك على العلاقات الثنائية بين الدولتين، لكن لا ينبغي الاستهانة بهذا التحولات".

الخلافات بين إسرائيل ويهود أميركا

تطرق الباحثان إلى العلاقات بين إسرائيل والأميركيين اليهود، ولفتا إلى أنه "ربما ستكون للتراجع في القيم المشتركة بين الجاليات اليهودية في الولايات المتحدة وإسرائيل تبعات ضارة، لأن العلاقة بين المجتمعين هي في صلب التأييد لإسرائيل من جانب الجمهور الواسع في الولايات المتحدة وبين أعضاء الكونغرس. والعامل الثاني الذي يؤثر على الدعم الأميركي لإسرائيل مرتبط بالإدراك أن الحلف غير المكتوب بين الولايات المتحدة وإسرائيل يخدم مصالح الجانبين. والضلوع النشط للجالية اليهودية الأميركية في الأروقة السياسية في الولايات المتحدة أسهم في ذلك أكثر بكثير من حجمها الديمغرافي الحقيقي. ولذلك، فإن تغييرا في المفهوم الذي بموجبه تتعاطف الجالية اليهودية الأميركية مع الشعب اليهودي وخاصة مع إسرائيل سيؤدي بالضرورة إلى عواقب مضرة لإسرائيل".

وأضافا أن "الاعتراف بأهمية العلاقة بين الجاليتين اليهوديتين الأكبر في العالم ينبغي أن يزيد الوعي لهذه العلاقة من جانب حكومة إسرائيل والأحزاب والمنظمات غير الحكومية فيها حيال عواقب تراجع هذه العلاقة على إسرائيل".

ويشار إلى أن تراجع العلاقات بين إسرائيل واليهود الأميركيين ليس نابعا من أسباب سياسية فقط، والتي تمثلت بتأييد إسرائيل لترامب بينما صوت 70% من يهود أميركا لغريمته هيلاري كلينتون، وإنما دينية أيضا وذلك بسبب تصاعد الأزمة بين التيار اليهودي الأرثوذكسي، المسيطر في إسرائيل، والتيارين الإصلاحي والمحافظ الأكثر ليبرالية، الذي ينتمي إليه قرابة 90% من اليهود الأميركيين.

وأنهى الباحثان دراستهما بتوصية مفادها أن "على إسرائيل المبادرة إلى بداية جديدة في علاقتها مع الإدارة الأميركية الجديدة وعرضها بمساعدة تحليل شامل للتطورات الإقليمية الأساسية، ويشمل ذلك إيران، ومقترحات لتعاون إقليمي في المجالات الاقتصادية والسياسية والدفاعية. وانعدام الوضوح إزاء سياسة الولايات المتحدة تجاه الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني سيتطور وينتهي، وعلى إسرائيل أن تراقب بحذر ومسؤولية خطوات متشددة محتملة، وأن تأخذ بالحسبان جميع السيناريوهات ودراسة التبعات الطويلة الأمد لسياستها قصيرة الأمد".

المصطلحات المستخدمة:

بنيامين نتنياهو, باراك, رئيس الحكومة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات