المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

عبر اثنان من أبرز الأدباء اليهود في إسرائيل عن قلق بالغ حيال ما وصلت إليه إسرائيل، عشية انتهاء السنة الميلادية الحالية وبدء سنة جديدة أخرى، في كل ما يتعلق بواقع استمرار الاحتلال وإسقاطاته المختلفة على واقع الحياة في داخل إسرائيل، بما في ذلك تضييق هامش الحريات الديمقراطية وتعميق الفجوات الاقتصادية ـ الاجتماعية بين المواطنين، من دون أن تلوح في الأفق المنظور أية بارقة أمل لمخرج من هذا المأزق المتواصل والمتفاقم نحو حالة من الاستقرار والأمن والرفاه الاجتماعي.

فقد اعتبر الأديب أ. ب. يهوشوع أن ما وصلت إليه إسرائيل اليوم "ينذر بتطورات وخيمة لا يمكن التنبؤ بها، تفوق في خطرها أي تهديد خارجي محتمل، واقعيا كان أو موهوما"! وقال، في مقابلة لموقع "واللا" الإسرائيلي، إن "الاحتلال يسمم الحياة في إسرائيل، يوما بعد يوم، دون أن يكون هنالك أي تحرك جدي ومسؤول لوضع حد لهذا الورم الخبيث".

وأعرب يهوشوع عن أسفه حيال ما أسماه "استحالة الحديث عن حل الدولتين في الواقع القائم اليوم"، داعيا "اليسار الإسرائيلي" إلى المطالبة بـ"بمنح الفلسطينيين في منطقة C المواطنة الإسرائيلية، سعيا إلى تحسين مكانتهم وأوضاعهم مقابل المستوطنين".

وعاد يهوشوع وكرر دعوته هذه في مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي (غالي تساهل)، أمس الإثنين، موضحا أن "حل الدولتين أصبح غير ممكن اليوم بفعل عاملين اثنين: أ. المستوطنات الهائلة التي تضع تطبيق حل الدولتين اليوم أمام الحاجة إلى إخلاء نحو 400 ألف مستوطن يهودي، وهو أمر غير معقول ولا يمكن تصوره؛ 2. القدس، التي أصبح تقسيمها اليوم أمرا غير قابل للتنفيذ حيال حالة الاختلاط بين العرب واليهود فيها، في العديد من المجالات والمناطق، وهو ما أصبح واقعا ناجزا عصيا على التغيير".

وقال يهوشوع إن "الحل المرحلي المطلوب" اليوم هو منح الفلسطينيين المقيمين في المنطقة C، والذين يبلغ عددهم نحو 100 ألف إنسان، حق الإقامة كما هي الحال مع سكان القدس العرب، أو حتى المواطنة الإسرائيلية، من أجل تحسين مكانتهم وأوضاعهم بالمقارنة مع أوضاع المستوطنين من حولهم، وهو ما من شأنه برأيه "التخفيف من حدة الجزء الأكثر خطورة في الاحتلال، والذي يسمم الحياة في داخل إسرائيل أيضا".

ورفض يهوشوع أن يكون في اقتراحه هذا "معنى الضم"، كما أكد أن "لا مشكلة ديمغرافية جدية في هذا"، منوها إلى أن "المستوطنين هم الذين انتصروا هنا، بمعنى فرضهم حقائق في الميدان لا يمكن تغييرها".

وتحدث الأديب سامي ميخائيل عن "الثالوث الدنس" في إسرائيل، متمثلا في "نظام الحكم الفاسد، رأس المال الجشع الذي يبتلع كل شيء والدين المسياني العنيف"، وقال إنه حيال هذا الثالوث، "يقف الشعب في إسرائيل عاجزا، مشلولا ومتخبطا".

وقال ميخائيل، في مقالة مطولة نشرها في صحيفة "يديعوت أحرونوت" (12/12)، إن الحكام في إسرائيل "يدّعون بأنهم يستولون على السلطة بصورة ديمقراطية، إذ يتمتعون بأغلبية في الكنيست. لكن الديمقراطية ليست حكم الأغلبية فقط. الديمقراطية هي، أيضا، المحافظة المشددة على حقوق الآخر والمختلف. وهي، أيضا، ضمان حياة الضعفاء. ولكن، حين يلقي النظام مئات الآلاف من المواطنين إلى هاوية الفقر والعوز، فهو ليس نظاما ديمقراطيا وإنما زمرة من عديمي الإحساس الإنساني".

وتطرق ميخائيل إلى الهجوم المتواصل على الجهاز القضائي في إسرائيل والمحاولات المستمرة للتضييق عليه وتقليص صلاحياته وإشهار سيف التهديد المباشر في وجهه، كمؤسسة وكأفراد، وإلى تضييق الحريات الديمقراطية والدوس على حقوق أساسية، مما "يجر بإسرائيل نحو العالم الثالث الظلامي ويبعدها، أكثر فأكثر، عن العالم الديمقراطي المتنور"، مؤكدا أن "الضحية المباشرة والأولى لهذا الواقع هي الفئات السكانية المستضعفة، وفي مقدمتها المواطنون العرب، الذين يرغبون، في غالبيتهم الساحقة، في العيش الهادئ في ظل نظام سليم". وأعاد ميخائيل التذكير بحملة التحريض الرسمية ضد المواطنين العرب التي أطلقها رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، شخصيا، وتبعه فيها وزراء حكومته ومسؤولون رسميون آخرون على خلفية موجة الحرائق التي اجتاحت مناطق مختلفة في إسرائيل، "دون أن تسعفهم تصريحاتهم بأن البلاد هي بلادهم، مثلما هي بلاد المواطنين اليهود، وبأن الألم العام هو ألمهم هم أيضا".

وقال ميخائيل: "في واقع الاحتلال والاستيطان العنيف على أراض ليست لنا، تصبح مبادرات قوانين النهب وصورة المحتل العنيف موضع تقدير وإعجاب في الثقافة الإسرائيلية السائدة اليوم".

وروى ميخائيل كيف جاء إلى البلاد من العراق وهو في سن 23 عاما "شاهدت من حولي عيونا تلمع، كانت ثمة أحلام، كان ثمة أمل في تحقق المساواة والعدل"، ثم تساءل: "كيف تبددت كل هذه الآمال والأحلام واندثرت تحت أقدامنا؟"، ثم ختم قائلا: "على الرغم من هذا كله، شهدت خلال حياتي، وأنا ابن التسعين عاما اليوم، أمبراطوريات شرّيرة كانت تعتقد بأنها ستصمد ألف سنة، لكنها تفككت وانهارت وتبددت تحت قدم الإنسان المتطلع إلى الإنسانية. وكذلك هذا الكابوس الذي يلفنا اليوم، مصيره إلى زوال".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات