المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

قال المحلل العسكري الإسرائيلي عمير رابابورت إن تاريخ دولة إسرائيل لم يعرف شخصاً كان له تأثير أمني بعيد الأمد أكثر من شمعون بيريس، باستثناء أستاذه ورفيقه دافيد بن غوريون.

وأضاف رابابورت الذي يعتبر محللا عسكريا واسع الإطلاع في سياق مقال نشره في صحيفة "مكور ريشون" اليمينية قبل عدة أيام، أن من بين أهم دعائم الأمن في إسرائيل تبرز اثنتان: القدرة النووية المنسوبة إلى الدولة، والصناعات الأمنية الراسخة والمتطورة. وأكد أن لبيريس دورا أساسيا في هذين المجالين، لكن تأثيره على الأمن الإسرائيلي أكبر من ذلك بكثير.

وعدّد المحلل الأعمال التي قام بها بيريس والتي تركت أثراً كبيراً على الأمن. وهي على النحو التالي:

بناء المفاعل النووي في ديمونه: كان بيريس الشخصية الأساسية للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية في العلاقة مع فرنسا، وذلك بصفته مديراً عاماً لوزارة الدفاع في الخمسينيات. وهذه العلاقة جلبت إلى البلد المهندسين الفرنسيين الذين بنوا المفاعل. وفي ما بعد كان بيريس من واضعي "سياسة الغموض" الإسرائيلية التي لا تؤكد امتلاك إسرائيل سلاحاً نووياً لكنها لا تكذب ذلك أيضاً.

الصناعات الجوية: حدث هذا قبل أكثر من 60 عاماً، في مطلع الخمسينيات، عندما كان بيريس موفداً من وزارة الدفاع الى الولايات المتحدة وأقنع الطيار الأسطوري آل شفايمر بأن يقيم مصنعا لتجديد الطائرات في إسرائيل لإصلاح طائرات سلاح الجو. وهكذا ولدت الصناعات الجوية التي تتصدر المكان الأول بين الشركات في التصدير التكنولوجي (مع طلبيات تفوق 9 مليارات دولار).

عملية قادش: بيريس الذي كان في سنة 1956 في الـ30 من عمره ولكنه كان شخصية مركزية في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، أدار الاتصالات التي سمحت للجيش الإسرائيلي باحتلال سيناء في عملية سريعة وبدعم من الدولتين العظميين في تلك الحقبة بريطانيا وفرنسا. وساهمت هذه الحرب في الرفع من شأن الجيش الإسرائيلي الذي كان حتى ذلك الحين نوعاً من الميليشيا التي تعتمد على المهاجرين الجدد.

عملية يونتان: كان شمعون بيريس في أواسط السبعينيات وزيراً للدفاع عندما خطفت طائرة إير فرانس كانت في رحلة بين تل أبيب وباريس إلى أوغندا. كان رئيس الحكومة آنذاك إسحاق رابين الشخصية الأساسية التي عالجت الأزمة، لكن بيريس أظهر حزما في هذه العملية التي تعتبر من أكبر العمليات الأمنية في تاريخ "محاربة الإرهاب". وقربت هذه العملية بيريس من قائد فرقة السييرت ميتكال يونتان نتنياهو الذي قُتل في تلك العملية.

الانسحاب الأول من لبنان: عندما كان رئيساً لحكومة الوحدة الوطنية سنة 1985 كان بيريس وراء قرار الخروج من لبنان والتمركز على خط الحزام الأمني في جنوبه. واتخذ القرار في الحكومة بأغلبية صوت واحد هو صوت أحد أعضاء الطاقم الوزاري من الليكود. وسمح القرار للجيش بإعادة بناء نفسه من جديد بعد غرقه ثلاث سنوات في الوحل اللبناني. ومع مرور الوقت يبدو أنه كان من الأفضل التمركز منذ البداية على خط الحدود الدولية وليس على خط الحزام الأمني.

صفقة جبريل: في سنة 1985 ارتكبت إسرائيل أحد أهم الأخطاء الأمنية الخطيرة، وفي تلك الفترة كان بيريس رئيساً لحكومة الوحدة الوطنية. فقد وافقت على اطلاق أكثر من 1100 أسير أمني مقابل بعض الأسرى الإسرائيليين كانوا لدى تنظيم أحمد جبريل. وشكل الأسرى الذين عادوا إلى المناطق المحتلة العامل الذي حرك عجلة الانتفاضة الأولى بعد مرور أكثر من عامين. وتحت تأثير صدمة صفقة جبريل رفضت إسرائيل صفقة أفضل بكثير من أجل اعادة الطيار الأسير رون أراد كان من المفترض أن تجري سنة 1988 قبل أن تختفي آثاره.

اغتيال يحيى عياش: قرار اغتيال "المهندس" الذي كان وراء عدد لا يحصى من الهجمات الإرهابية، اتخذه بيريس عندما كان رئيساً للحكومة في كانون الثاني 1996، أي بعد شهرين من اغتيال رابين. أنهى الاغتيال الهدنة، ووقف النار الطويل مع "حماس"، وأدى إلى موجة هجمات انتقامية دموية، وإلى خسارة بيريس الانتخابات في مواجهة نتنياهو.

عناقيد الغضب: هناك عملية أقل نجاحاً حدثت خلال فترة تولي بيريس رئاسة الحكومة في نيسان 1996: كانت الفكرة التي مصدرها الجيش، القيام بالضغط على السكان في جنوب لبنان للهرب شمالاً والضغط بالتالي على حكومة بيروت لوقف اطلاق حزب الله الكاتيوشا على إسرائيل. لم تنجح العملية وانتهت بالتوصل إلى تفاهمات مع سورية وحزب الله ما لبثت أن انهارت بعد أقل من 3 سنوات.

وأشار رابابورت إلى أنه عندما كان وزيراً ورئيساً للدولة، عمل بيريس كدرع واق في مواجهة جميع عواصم العالم كي يمنح الجيش الإسرائيلي وقتاً خلال القتال في أماكن مأهولة، ابتداء من عدوان "السور الواقي" في العقد الماضي حتى عدوان "الجرف الصامد" العام 2014. وفي أحيان كثيرة يكون تأثير الوقت المتاح للعملية التي ينفذها الجيش كبيراً.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات