المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أشار التقرير السنوي لـ "معهد سياسة الشعب اليهودي" إلى أن عدد اليهود في العالم، بما فيه إسرائيل، في هذه المرحلة بلغ 31ر14 مليون نسمة، وهذا أقل بـ 316 ألفا من التقديرات التي تم تضخيمها في تقرير سابق للعامين 2013- 2014، بعد أن تم تضخيم تقديرات عدد الأميركان اليهود. ثم تم التراجع عن تلك التقديرات. ولم يشمل جدول الاحصائيات التقديرية، التي نشرها "المعهد"، التقديرات للعام 2020، وخلافا لما كان يظهر في كل التقارير السنوية السابقة.

وكانت تقديرات التقرير السابق قد تحدثت عن هبوط عدد اليهود في ذلك العام إلى 82ر13 مليون نسمة. ما يعني أن الزيادة الحاصلة سنويا في أعداد اليهود في إسرائيل، لن تكون كافية مستقبلا، لسد التراجع الحاصل في جميع دول العالم تقريبا، باستثناء دولة أو اثنتين، وبأعداد طفيفة.

وعدد اليهود في العالم اليوم، هو بزيادة بنسبة 2ر13% عما كان عليه عدد اليهود في العام 1970، رغم أن عدد سكان العالم قد ضاعف نفسه تقريبا في هذه الفترة، من 7ر3 مليار نسمة في 1970، إلى ما يزيد عن 7 مليارات نسمة حاليا.

وكما هو الوضع منذ عشر سنوات، فإن عدد اليهود الأكبر في العالم موجود في إسرائيل، إذ يبلغ عددهم 217ر6 مليون نسمة. والتجمع الثاني من حيث الكبر، في الولايات المتحدة الأميركية، إذ بلغ عددهم 7ر5 مليون نسمة، بدلا من تقديرات تحدثت عن أكثر من 6 ملايين في التقرير السابق، إذ تم اعتماد تقديرات مراكز أبحاث واستطلاعات أميركية، تجاوز فيها تعريف من هو يهودي، وفق الشريعة اليهودية.

لكن أيضا العدد المطروح هنا، هو أكثر بنحو 260 ألفا، من تقديرات المختص البارز في الديمغرافيا، وأعداد اليهود في العالم سيرجيو دي فيرغولا، الذي اعترض في قبل عام على التقديرات الجديدة، وقال إن عدد اليهود في الولايات المتحدة الأميركية 425ر5 مليون أميركي، بزيادة بنحو 200 ألف عما كان ينشر حتى قبل ثلاث سنوات.

ويبلغ عدد اليهود في كندا 386 الفا، وهذا العدد أعلى بنحو 6 آلاف يهودي، عما كان في التقرير السابق قبل أقل من عامين. وتتميز كندا كالبرازيل، في أنها تحافظ على نفسها مع زيادة طفيفة سنويا، خلافا لباقي دول العالم. كما من المتوقع أن يكون في الزيادة الحاصلة في كندا هجرة من دول أوروبية، أو حتى من الولايات المتحدة، وأميركا اللاتينية.

ويقول التقرير إن عدد اليهود في أميركا اللاتينية تجاوز 382 الفا، وهذا يقل بنحو 3 آلاف عما كان قبل أقل من عامين. والتجمع الأكبر لهم، في الأرجنتين، التي فيها 181 ألف يهودي، ثم البرازيل- 94 ألفا، والمكسيك- 40 ألفا، فيما يتوزع 7ر66 ألف على باقي دول القارة الأميركية الجنوبية.

والتجمع الثاني لليهود نجده في أوروبا، من دون دول الاتحاد السوفييتي السابق، إذ بلغ عددهم 124ر1 مليون نسمة. والتجمع الأكبر في فرنسا التي فيها 467 ألفا، وهذا أقل بنحو 11 ألفا عما كان في تقرير قبل عامين، والغالبية الساحقة من هذا التراجع ناجمة عن الهجرة إلى إسرائيل، التي سجلت في العام الماضي 2015، ذروة غير مسبوقة منذ سنوات طويلة، من فرنسا بالذات، إذ بلغ عدد المهاجرين 7 آلاف فرنسي، في حين تقول تقارير ليست نهائية إن الهجرة من فرنسا هذا العام جاءت مخيبة لآمال الوكالة الصهيونية وهي تسجل تراجعا حادا، ولكن حسب التوقعات، فإنه حتى نهاية العام سيكون قد هاجر بضعة آلاف، وهذا يكون أعلى من الوتيرة التي كانت قائمة حتى قبل ثلاث سنوات. وترتفع الهجرة من فرنسا، على ضوء سلسلة من العمليات الارهابية التي شهدتها فرنسا، واستثمرتها الصهيونية.

والتجمع الثاني لليهود في أوروبا نجده في المملكة البريطانية المتحدة، إذ بلغ عددهم 290 ألفا. ثم المانيا حيث يوجد أكثر من 117 ألفا. وتليها هنغاريا- قرابة 48 ألفا، ثم رومانيا- أكثر من 9 آلاف، وبلغاريا- ألفا يهودي، فيما ينتشر قرابة 190 ألفا في دول أوروبية، في الاتحاد الأوروبي وخارجه. وكما يبدو أن هذا العدد تقديري، لدول يصعب اجراء تقديرات أو احصائيات فيها لأبناء الديانة اليهودية.

أما في دول الاتحاد السوفييتي السابق، فقد بلغ عدد اليهود فيها مجتمعة قرابة 286 الفا، وهذا أقل بـ 7 آلاف نسمة، مما كان عليه الأمر قبل عام، وجزء من هذا التراجع ناجم عن الهجرة إلى إسرائيل. وأكبر تجمع في تلك الدول، في روسيا التي فيها 183 ألفا، وتليها أوكرانيا- 60 ألفا. وتعد أوكرانيا هدفا كفرنسا لاستقدام اليهود منها، إذ تستغل الصهيونية حالة الاضطراب القائم بين أوكرانيا وروسيا، وانعكاس هذا أيضا على الأوضاع الاقتصادية هناك. وينتشر في باقي الجمهوريات السوفييتية السابقة 43 ألف يهودي.

كما ينتشر في عدة دول في آسيا، أكثر من 20 ألف يهودي، غالبيتهم في إيران. وفي القارة الأفريقية ما يقارب 75 ألفا، حوالي 70 ألفا منهم في جنوب أفريقيا، مقابل 2400 في المملكة المغربية، وعدد مماثل ينتشرون في عدة دول. أما في القارة الأسترالية، ففيها ما يزيد عن 120 ألف يهودي، قرابة 113 ألفا منهم في أستراليا، و7600 نسمة في نيوزيلندا ودول أخرى.

وكما جاء في تقارير سابقة، فإن العامل الأساس لتراجع أعداد اليهود في العالم نابع من الزواج المختلط مع الأديان الأخرى، اضافة إلى نسبة تكاثر ضئيلة. ويتسبب الزواج المختلط بخروج الأجيال التالية من الديانة اليهودية، التي تعترف باليهودي الذي فقط والدته يهودية، حتى لو كان والده ليس يهوديا، ففي حال تزوج اليهودي من غير يهودية، فإن أبناءه لا يُعدون يهودا؛ بينما أثبتت تقارير أنه في حال تزوجت يهودية من غير يهودي، واعتبر أبناؤها يهودا، فهم غالبا يتبعون والدهم، ولا يعتبرون أنفسهم يهودا. ويضاف إلى كل هذا، التوجهات العلمانية المتزايدة لدى الكثير من المجتمعات اليهودية في أوطانها، وخاصة في الولايات المتحدة، كما يؤكد هذا التقرير مجددا.

ويشير التقرير الجديد إلى أن نسبة الزواج المختلط في دول الاتحاد السوفييتي السابق، تتراوح ما بين 50% إلى 80%. وفي الولايات المتحدة الأميركية، حوالي 50%، وتتفاوت النسبة بمدى القرب من الديانة، إذ تصل لدى العلمانيين إلى نحو 70%. والمعدل القائم في الدول الأوروبية وأميركا اللاتينية ما بين 50% إلى 35%. بينما أدنى نسبة سجلها التقرير كانت المكسيك، من 1% إلى اقل من 5%. وفي إسرائيل تصل النسبة إلى 5%. ولكن الزواج المختلط في إسرائيل يعود أساسا إلى زواج مع يهود لا تعترف المؤسسة الدينية بيهوديتهم، ويقدّر عددهم بحوالي 270 ألفا، اضافة إلى الزواج مع مواطني ومواطنات دول في العالم.

وشمل التقرير أيضا مستوى المعيشة في كل واحدة من الدول التي فيها أبناء الديانة اليهودية. ففي حين أن معدل الفرد من الناتج العام في إسرائيل بلغ 33660 ألف دولار، فإن 1ر7 مليون من أبناء الديانة اليهودية، يعيشون في دول مستوى المعيشة فيها أعلى من إسرائيل. وهذا يشكل نسبة 5ر87% من اجمالي اليهود في العالم خارج إسرائيل. بينما أقل من مليون يهودي يعيشون في دول مستوى المعيشة فيها أقل من إسرائيل، ولكن غالبيتها الساحقة تتميز بكونها دول أمان واستقرار، عدا عن أنه في تقارير سابقة تبين أن اليهود عادة يعيشون في مستويات معيشة أعلى من أبناء شعوبهم.

وترى الصهيونية ومعها إسرائيل أن دافع الهجرة الأساس إلى إسرائيل هو العامل الاقتصادي والامان الشخصي، بينما يلعب العامل الأيديولوجي نسبة قليلة. وهذا الأمر برز في السنوات الثلاث الأخيرة، حينما أطلقت الصهيونية مشروعا خاصا لاستقدام الفرنسيين اليهود. وشكك الكثير من الخبراء والمحللين من أن تنجح هذه الخطة في استقدام مئات الآلاف من فرنسا، لعدة أسباب منها الأوضاع الاقتصادية، وأيضا المفاهيم الثقافية المترسخة لدى الفرنسيين اليهود، أسوة بأبناء شعبهم الفرنسي.

"الهوية والانتماء"!

ينشغل "معهد سياسة الشعب اليهودي" باستمرار في مسألة "الانتماء" لدى اليهود في العالم. وقد أشارت سلسلة من التقارير الصادرة عن هذا المعهد في السنوات الأخيرة، ومنها في مطلع العام الجاري، إلى التراجع المستمر في الشعور بالانتماء للديانة اليهودية، وفي مدى الاقتراب من المؤسسات الدينية والصهيونية، وبشكل خاص بين الأجيال الناشئة.

فقد جاء في أحد التقارير الأخيرة أن من بين أسباب ابتعاد الأجيال الشابة عن اليهودية والمؤسسات الصهيونية، هو ابتعاد الأهالي عن هذه المؤسسات وعدم ارسال ابنائهم اليها، فمثلا في الولايات المتحدة الأميركية 25% فقط من اليهود يرسلون أبناءهم إلى مدارس ومؤسسات يهودية، وترتفع هذه النسبة في فرنسا إلى 40% وفي بريطانيا إلى 60%، وتهبط في المانيا إلى 20%، وفي دول الاتحاد السوفييتي السابق إلى 15%.

وبنظر الحركة الصهيونية وإسرائيل، فإن الانخراط في المدارس والمؤسسات اليهودية هو مؤشر ومقدمة لتمسك الأجيال الناشئة بديانتهم، ورغم إثارة هذه القضية بشكل مكثف في العقدين الأخيرين، إلا أن كل الأبحاث والاستطلاعات تدل على تراجع مستمر في نسب المنخرطين في هذه المؤسسات.

وتبين في الشهر الماضي آب أن ما يسمى وزارة "الشتات" في الحكومة الإسرائيلية، التي يتولاها وزير التعليم نفتالي بينيت، قد خصصت بقرار من بينيت ذاته، ما يعادل 66 مليون دولار، تصرف على مدى عامين، لوضع برامج تقرّب الأميركان اليهود إلى الديانة اليهودية، وبالتالي إلى الصهيونية، الأمر الذي أثار حفيظة أوساط أميركية يهودية؛ إلا أن المشروع يعكس الأزمة التي تشعر بها الصهيونية، بين أوساط الأجيال الشابة من أبناء الديانة اليهودية في العالم، وبالذات في الولايات المتحدة الأميركية.

وكانت حفيظة الأوساط اليهودية نابعة من أن الوزير بينيت قرر تحويل هذه الميزانية إلى ثلاث تنظيمات دينية متشددة صهيونية. وستكون مهمة هذه التنظيمات الانتشار بالأساس في الجامعات الأميركية، وفي دول أخرى في العالم. وادعت الوزارة أن 22 مليون دولار ستدفعها الحكومة الإسرائيلية، في حين أن 44 مليون دولار ستكون من "تبرعات" تنظيمات يهودية صهيونية في العالم.

ويتضح من البرامج التي تعدها المنظمات التي تم تكليفها، أن هدفها ليس فقط التقريب إلى الديانة اليهودية، بل أيضا، وربما أكثر للمشاريع السياسية الصهيونية، ومن ابرزها تعميق المعرفة حول "المحرقة اليهودية"، وتنظيم رحلات مجانية إلى معسكرات ابادة نازية.

وكان التقرير الجديد للمعهد ذاته قد تركز هذا العام في مسألة الانتماء لدى اليهود الإسرائيليين. وكانت النسبة أعلى بفجوة هائلة عما هو قائم بين يهود العالم، إذ عبّر 88% من اليهود الإسرائيليين عن انتمائهم القوي "للشعب اليهودي"، حسب تسمية الاستطلاع والتقرير، بينما قال 93% إنهم يتفاخرون بكونهم يهودا، في حين قال 90% إن اليهودية شأن هام بالنسبة لهم في حياتهم اليومية.

المصطلحات المستخدمة:

الصهيونية, نفتالي بينيت

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات