المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

تعريف: خلص "مؤتمر هرتسليا لميزان المناعة والأمن القومي الإسرائيلي" الـ 16، الذي انعقد في الفترة بين 14 حتى 16 حزيران الجاري في "المركز المتعدد المجالات" في مدينة هرتسليا، إلى مجموعة واسعة من التلخيصات والاستنتاجات والتوصيات في مجالات اهتمامه وأبحاثه المختلفة والتي تتمحور، أساسا، حول الاستراتيجيات والسياسات الخارجية والأمنية.

وقد أصدر المؤتمر، الذي عقد هذا العام تحت عنوان "ترتيب قومي جديد في إسرائيل حيال التغيرات الإقليمية"، تلخيصاته واستنتاجاته وتوصياته هذه في وثائق خاصة مختلفة، كانت إحداها بعنوان "ترتيب إسرائيلي جديد ـ من الرؤية إلى الواقع" هي عبارة عن "ملخص مدراء" أعدّه كل من أليكس مينتس، حاييم فايتسمان، طومي شطاينر، أوري سلونيم وحين أليشع من "معهد السياسات والاستراتيجية" التابع لـ"المركز المتعدد المجالات".

ونقدم فيما يلي ترجمة شبه كاملة لهذه الوثيقة التي تعالج مقترح وضع صيغة جديدة للمواطنة في إسرائيل هي "الإسرائيلية المشتركة"، تعريفها، التحديات التي تطرحها، مضامينها، غاياتها والمعيقات والقيود التي تواجه تحقيقها. وكل هذا تأسيسا على ما عرضه رئيس الدولة، رؤوبين ريفلين، في خطابه في مؤتمر هرتسليا في العام الماضي، 2015، بعنوان "الأسباط الأربعة".

"الأسباط الأربعة" و"الإسرائيلية المشتركة"

تبدأ هذه الوثيقة بالتذكير بما كان قد عرضه رئيس الدولة، رؤوبين ريفلين، في خطابه في "مؤتمر هرتسليا 2015"، العام الماضي، تحت عنوان "الأسباط الأربعة"، وقال فيه إنه ليس ثمة في إسرائيل اليوم "سبط" واحد يشكل أغلبية واضحة في المجتمع الإسرائيلي، بل هنالك سيرورة تتفاعل فيها "الأسباط" الأربعة المركزية معاً: العلماني، الديني الوطني، العربي والحريدي. وهي "أسباط" تختلف عن بعضها اختلافا جذريا وجوهريا، لكنها تقترب من بعضها من حيث الحجم. ومن هنا، أضاف رئيس الدولة، فإن "بنية الملكية على المجتمع الإسرائيلي وعلى دولة إسرائيل يتغير أمام أعيننا"! ذلك أن "هذه التحولات ستصمم، من جديد، هويتنا كـ"إسرائيليين" وستؤثر تأثيرا عميقا على طريقة فهمنا لأنفسنا ولبيتنا القومي".

ولمواجهة هذه التحولات وإسقاطاتها وانعكاساتها، اقترح رئيس الدولة اعتماد صيغة / رؤية "الإسرائيلية المشتركة". وبروح هذا الاقتراح، وتحت رعاية رئيس الدولة نفسه، أقام "معهد السياسات والاستراتيجية" ما أسماها "لجنة توجيهية قـُطرية" للدفع نحو هوية "الإسرائيلية المشتركة" هذه. وهي لجنة مكونة من "ممثلي الأسباط الأربعة" المذكورة، ترأسها البروفسور أوريئيل رايخمان والبروفسور أليكس مينتس وعقدت خلال الفترة المنصرمة سلسلة جلسات "أجرت خلالها مداولات معمقة واستمعت إلى آراء مختصين، بغية فحص التحديات التي تضعها هذه الرؤية وسعيا إلى ترجمة الرؤية إلى خطوات وإجراءات عملية تقود إلى تحقيقها".

وعلى هذا، تعرض هذه الوثيقة "التوصيات والاستنتاجات الأساسية التي خلص إليها تقرير معهد السياسات والاستراتيجية، استنادا إلى مداولات اللجنة التوجيهية وبالاستعانة، أيضا، بأوراق موقف خاصة قدمها إليه ثلاثة من علماء الاجتماع الرائدين في البلاد هم: البروفسور سامي سموحة، البروفسور فيرد فينيتسكي والبروفسور أميتاي عتسيوني".

التحدّي ولعبة "مجموع الصفر"

في التركيبة الاجتماعية المتشكلة في إسرائيل، نحو نصف السكان ليسوا شركاء أصلا ومن البداية في الرؤية الصهيونية وفي الروح اليهودية ـ الديمقراطية المؤسسة لدولة إسرائيل. فالسبطان الحريدي والعربي، اللذان سيشكلان خلال سنوات معدودة نحو نصف عدد السكان في إسرائيل، يتعرضان للإقصاء النسبي (سواء كان الأمر إراديا أو غير إرادي) من النقاش العام ومن حياة التيار الإسرائيلي المركزي. وهما غير متساويين في الحقوق، غير متساويين في توزيعة الموارد، بل لا يتحملون الأعباء بشكل متساو، لا في المجال الاقتصادي ولا في المجال الأمني. لعبة "مجموع الصفر" تجري بين الأسباط.

تبين المعطيات أنه بالرغم من جهود معينة تم ويتم بذلها في السنوات الأخيرة، إلا أن حجم الاستثمار الوطني في الطالب الواحد بين الحريديم والعرب لا يزال أقل، ثقافتهم ومستوى تعليمهم أقل ملاءمة لمتطلبات جهاز التعليم العالي واحتياجات الاقتصاد العام ولا يزالون يتقاضون أجورا أقل من زملائهم العلمانيين والمتدنيين الوطنيين. وتنعكس هذه المعطيات أيضا في توزيعة البلدات ضمن تحليلات وزارة الداخلية وتصنيفاتها إلى "عناقيد اجتماعية اقتصادية"، إذ نجد البلدات العربية والحريدية في العناقيد المتدنية (1- 5) بالأساس، ونسبة العاملين الأجيرين من بينهم الذين يتلقون رواتب حتى الحد الأدنى للأجور هي النسبة الأعلى.

ثمة تلاؤم وثيق بين الشرخ الإثنوـ ثقافي وبين الفجوات الاقتصادية ـ الاجتماعية وهو يشكل عائقا أمام تشكيل تكاتف اجتماعي وأمام تهيئة رأسمال اجتماعي ـ وهما من مركّبات الأساس لإنشاء الإسرائيلية الجديدة وشروط وجدودها وبقائها.

تعمق الفجوات الاجتماعية ـ الاقتصادية في إسرائيل هو مصدر خطر على المجتمع الإسرائيلي. في نهاية المطاف، يمكن لإسرائيل أن تكون "أمّة ناشئة" (startup nation) لجميع مواطنيها، وإلا فسيجرّها الفقر والفجوات لتكون دولة عالم ثالث للجميع.

ما هي "الإسرائيلية المشتركة"؟

الإسرائيلية المشتركة ـ بروح ما عرضه رئيس الدولة في "خطاب الأسباط" في مؤتمر هرتسليا 2015 ـ هي جادة الصواب. فهي تدعو، من جهة أولى، إلى حفظ الهوية الإثنية، الثقافية، الدينية لجميع القطاعات. وهي تدعو، من الجهة الأخرى، إلى دمج توافقي للهوية الخصوصية لكل قطاع في هوية مدنية شاملة، مشتركة. وعلى هذا، فهي تجسد نهجا تكامليا ـ مدنيا جماعيا وحاويا للأسباط الأربعة جميعها. المنظومات الأساسية التي تصوغ الوعي وتبلوره هي السبطية (القبلية) والتميز، ويبدو أنها ستبقى على حالها. ومع ذلك، تدعو رؤية رئيس الدولة إلى قاسم قيميّ مشترك، لغة مدنية مشتركة ورؤية مشتركة تكون قادرة، معا، على ربط كل القطاعات وتوحيدها معا في دولة إسرائيل اليهودية والديمقراطية. لا يدعو رئيس الدولة إلى تشكيل مجموعة واحدة، وإنما إلى تبني قاسم مشترك قيمي، كما يشير البروفسور أميتاي عتسيوني.

في خطابه في مؤتمر هرتسليا 2015، عرض رئيس الدولة أيضا أربعة مبادئ أساس لإنشاء الشراكة الجديدة ـ ضمان حفظ وصون هوية كل واحد من القطاعات، مسؤولية مشتركة، إنصاف ومساواة، وبناء إسرائيلية مشتركة.

ينطوي مبدأ ضمان حفظ هوية كل واحد من القطاعات على تصريح واضح بأن محاولة إنشاء ترتيب إسرائيلي جديد لا يعني، البتة، إنشاء "بوتقة صهر" جديدة. "الترتيب الإسرائيلي الجديد" يمكن أن يقام فقط إذا شعر كل قطاع بالثقة وبأنه قادر على حفظ مكوّنات هويته، ضمن نسيج وطني ـ مدني أوسع. والثقة بقدرة كل قطاع على صون هويته مشروطة باعتراف مواطني إسرائيل جميعا بالهوية الجماعية لكل واحد من الأسباط واحترامها.

المبدأ الثاني في الترتيب الذي عرضه رئيس الدولة ـ المسؤولية المشتركة ـ يحدد، عمليا، أنه من غير الممكن أن يواصل السبط الرسمي الصهيوني والسبط المتدين ـ الوطني تحمل العبء الوطني وحدهما فقط. فضمن الترتيب الجديد، حيث يقترب الأسباط الأربعة من بعضهم من حيث الحجم، لا يمكن لسبط معين، أو أكثر، النأي بنفسه عن تحمل العبء والمسؤولية المشتركة عن أمن الدولة وازدهارها.

لكن المسؤولية المشتركة لا يمكن أن تتحقق في ظل التمييز والاضطهاد. ومن هذه الناحية، يشكل المبدأ الثالث ـ الإنصاف والمساواة ـ الوجه الآخر من العملة ذاتها المحفور عليها مبدأ المسؤولية المشتركة. ذلك أن الجهد الرامي إلى تحقيق فرص منصفة، متساوية وممكنة المنال لكل إسرائيلي وإسرائيلية ـ من أي سبط كان ـ من أجل تحقيق طاقاتهم الإبداعية والإنتاجية هو الشرط المفتاحيّ ليس لبناء مجتمع شامل، محتوٍ ومحترِم فقط، وإنما هو شرط أساس أيضا لضمان وتحقيق النمو الاقتصادي في دولة إسرائيل. وثمة لتوفير فرص متساوية لتطوير وتحقيق مواهب وقدرات جميع الشبان في البلاد أهمية قصوى، بل دراماتيكية ـ ليس من أجل الفرد وعلى حياته فقط وليس من أجل النمو الاقتصادي فقط. إن فتح سوق العمل وجعله أكثر منالية ودمج جميع الأسباط في دورات الاقتصاد الإسرائيلي هي عوامل حيوية جدا أيضا لبناء مساحات تماس والتقاء بين أبناء الأسباط المختلفة وخلق الظروف الضرورية لمعرفة الآخر، التعرف عليه واحترامه في الحيز الإسرائيلي العام. وهو ما يشكل، أيضا، القاعدة اللازمة لترسيخ وتعزيز الشعور بالمسؤولية المشتركة.

المبدأ الرابع والأكثر إثارة للتحدي يتمحور حول خلق النسيج المشترك ـ خلق الإسرائيلية المشتركة. الرؤية الصهيونية المؤسسة لدولة إسرائيل لا يمكن أن تبقى الأساس الحصري الوحيد في الحيز الإسرائيلي المتشكل. بالنسبة للسبطين الصهيونيين ـ هذا لا يعني التخلي عن الحلم الصهيوني، بل مرحلة أخرى جديدة منه تستدعي أن يقوم أبناء البلاد بتحديد وتعريف رؤية مشتركة تمثل مدماكا إضافيا جديدا، احتوائيا ودمجيّاً.

توصيات لدفع "الإسرائيلية المشتركة"

يبدو أن الوقت لم يحن بعد لوضع صياغة دقيقة للرؤية الإسرائيلية واللغة المدنية اللتين ستشكلان أساس الإسرائيلية المشتركة. وعليه، فإن التوصيات المثبتة أدناه بعضها توصيات عملية تجسد القاسم المشترك القائم حاليا بين الأسباط المختلفة وبعضها الآخر يرمي إلى خلق الظروف المواتية لبدء حوار مغاير وأنماط جديدة من الشراكة بين القطاعات والمجموعات المختلفة، فيما يبقى الهدف الأساس هو: دفع الإسرائيلية الجديدة.

ثمة أهمية كبرى للإجراءات المؤسساتية التي من شأنها تجذير فكرة خبراء معهد السياسات والاستراتيجية بشأن الإسرائيلية المشتركة ـ فعليا وتطبيقيا. والمأسسة ـ التي تنعكس في خطوات سياسية محددة، كما في إنشاء مؤسسة وطنية جديدة أيضا ـ هي خطوة هامة وحيوية، وخصوصا على خلفية الشروخ والفجوات العميقة بين الأسباط. ذلك أن التوجه المؤسساتي من شأنه التقليل من التعلق بتبدل الأشخاص و"المزاجات السياسية" والتأثر بها، حتى وإن كان (التوجه المؤسساتي) لا يلغيها تماما. وعلاوة على ذلك، وعلى خلفية مظاهر العنصرية والعداء في المجتمع الإسرائيلي، ثمة أهمية سياسية وجماهيرية قصوى لمأسسة سياسات ومؤسسات تدفع نحو الإسرائيلية المشتركة، ذلك أن مجرد القرار بدعم ورعاية مثل هذه الخطوات يعكس اعترافا رسميا بالتغيرات الحاصلة في المجتمع الإسرائيلي وصورته وبالطريق الصحيح لمواجهة إسقاطات هذه التغيرات وتداعياتها.

وتشمل توصيات معهد السياسات والاستراتيجية لدفع الإسرائيلية الجديدة المركّبات التالية:
1. التعليم ـ جهاز التعليم هو الإطار الأساس الذي يجري بواسطته ومن خلاله صياغة الوعي المدني ـ المواطني. وبرغم ـ وربما، بسبب! ـ حقيقة كون جهاز التعليم مقسما بصورة سبطية ومنفصلة وحقيقة أنه سيبقى كذلك، إلا أن جهاز التعليم هو الأداة المركزية لدفع الإسرائيلية المشتركة، انطلاقا من احترام حقوق وواجبات جميع الأسباط.
وينبغي على جهاز التعليم أن يدفع نحو تحقيق هدفين اثنين:

• تكريس الهوية المركّبة ـ جماعاتيا، إثنيا، ثقافيا ومدنيا.
• تكريس المساواة بين "الأسباط" بواسطة التمييز التفضيلي في الميزانيات المرصودة لكل طالب.
هذا الهدفان بالإمكان تحقيقهما بواسطة:
أ‌. تعزيز التعليم العالي المشترك؛
ب‌. برامج لمعرفة الآخر ـ تعليم السرديات الصهيونية، الحريدية، العربية والدينية ـ الوطنية، في جميع المدارس؛
ت‌. تعجيل العمل لتشريع قانون التعليم الجماهيري؛
ث‌. تعليم ثلاث "لغات أم" لكل طالب في إسرائيل ـ العبرية، العربية والإنجليزية؛
ج‌. ترويج ونشر الإسرائيلية المشتركة في المدارس باعتبارها أحد مقاييس النجاح لكل مدرسة؛

2. "عيد الأعياد" باعتباره خطوة لنشر الإسرائيلية المشتركة في نطاق الحيز الجماهيري العام، بحيث يتم تبني "عيد الأعياد" كعيد إسرائيلي عام وعلى أن تبقى مدينة حيفا مركزا لهذا العيد، مع تنظيم نشاطات وفعاليات أخرى في إطار هذا العيد في جميع أنحاء البلاد. ويكون هذا عيدا مدنيا مضمونه دمج جميع مواطني الدولة والتعاون بينهم، من جميع "الأسباط"، بحيث يتم وضع برامج مناسبة تحظى بقبول وموافقة كل سبط منها. وطبقا لما يقوله فيسنتسكي ـ سروسي، لم تقم أية أمة حديثة بدون دين مدني فاعل، ولاء شبه ديني يكتّل الناس حتى في مجتمع علماني التعريف والأسس.
3. عناقيد لوائية – ظهرت خلال السنوات الأخيرة مبادرات محلية لإنشاء "عناقيد" لوائية. تشمل هذه العناقيد بلدات من جميع الأصناف (مدن، قرى، بلدات جماهيرية) ومميزات السكان فيها مختلفة متنوعة (من جميع "الأسباط"). نحن نوصي بمأسسة هذا النموذج من العناقيد اللوائية وتطبيقه في جميع أنحاء البلاد، كوسيلة لتعميق المساواة والعدالة في إعادة التوزيع.


4. الاقتصاد ـ اتخاذ إجراءات وخطوات عملية لدفع المساواة الاقتصادية بين جميع القطاعات السكانية في التجمعات الحضرية وفي الأطراف؛ خلق أماكن عمل جديدة توفر دخلا لائقا في مناطق الأطراف؛ تقديم وتشجيع صناعات التكنولوجيا الدقيقة (هاي تك) في الأطراف، الجغرافية والاجتماعية؛ دعم وتقديم المصالح التجارية الصغيرة والمتوسطة؛ تأهيل مهني لأشخاص للعمل في مهن تدر مداخيل لائقة؛ المساواة الجوهرية في توزيع الموارد الوطنية؛ المساواة الجوهرية في تشغيل بنات وأبناء جميع الأسباط في القطاع العام، الحكومي والتجاري. الرفاه الاقتصادي للجميع هو شرط أساس لوجود "الإسرائيلية المشتركة".
5. الصحة ـ إقامة منشآت صحية وخدمات صحية متقدمة في الأطراف، بما في ذلك البلدات النائية والبلدات العربية والبدوية.
6. أرنونا ـ دفع المساواة في (عوائد) الأرنونا للحكومية: إقامة مؤسسات حكومية في بلدات الأطراف وفي المدن العربية.
7. إقامة سلطة إسرائيلية مشتركة - كي لا تبقى الإسرائيلية المشتركة مجرد تصريح غير متحقق أو غاية بعيدة المنال. يجب تكريس ومأسسة التعاون بين "الأسباط" الأربعة في إطار سلطة رسمية يتم إنشاؤها بموجب قرار حكومي وبمصادقة الكنيست وبحيث تكون خاضعة لرئيس الدولة وتحت إشرافه. فقط سلطة رسمية كهذه يمكن أن تكون قادرة على إعطاء دفع جدي لسياسة حكومية تمثل وتحقق المبادئ التي عرضها رئيس الدولة. وستعمل هذه السلطة من خلال ضمان التعاون التام مع جميع الأسباط وعلى أساس المساواة الجندرية التامة.

إن عرض هذه التوصيات لا ينتقص، إطلاقا، من حجم المهمة الكبيرة.

لا يستطيع شخص واحد ولا سبط واحد أن يرفع هذا الحمل وحده. يمكن خلق الإسرائيلية المشتركة فقط من خلال توجه تكاملي مؤسساتي يشمل جميع المجالات المكوّنة لحياتنا هنا. أما أفضل ما يمكننا اقتراحه فهو الاتجاهات والأهداف. هذه ستكون المهمة الأولى الملقاة على عاتق "السلطة الإسرائيلية المشتركة": بلورة وعرض مضامين وبرامج في المجالات المختلفة، تلك التي عرضناها وأخرى لم نذكرها هنا. ولهذا الغرض، على السلطة الإسرائيلية المشتركة الاستعانة بخبراء ومختصين في مختلف المجالات، أبناء جميع الأسباط والمجموعات، على قاعدة المساواة الجندرية والتعاون التام مع الجمهور.

8. دفع "الإسرائيلية المشتركة" هو مهمة متعددة المجالات تمس جميع مجالات الحياة والسياسات العامة. ولهذا، فهو يشكل هدفا جديرا جدا يستحق أن يُرصد له جزء من العوائد المتوقعة من حقول الغاز، في إطار "صندوق الغنى" الذي سيتم إنشاؤه.

معيقات وقيود أمام إيجاد "الإسرائيلية المشتركة"

في الطريق نحو إيجاد صيغة "الإسرائيلية المشتركة" في "الترتيب الإسرائيلي الجديد"، يمكن تحديد عدد من المعيقات والقيود التي سيكون من الضروري التغلب عليها وتجاوزها.

أولاً، نقطة الانطلاق هي انعدام التوازن في مسألة واجبات وحقوق مواطني الدولة وتحمل العبء بصورة مشتركة. التعبير الأبرز عن هذه المسألة المشحونة والإشكالية والمسببة للتقاطب في المجتمع الإسرائيلي هو قضية الخدمة العسكرية والمدنية، رغم أنها ليست الوحيدة والحصرية. كما أن المشاركة في قوة العمل، وخاصة بالنسبة للرجال الحريديم والنساء العربيات، تمثّل بعداً آخر جديا للمسألة، على الرغم من أن المعطيات تشير إلى مشاركة متزايدة في كلتا الحالتين، وإن كانت زيادة متواضعة.

ثانيا، في البيئة التي تسودها الرؤية والخطاب الأمنيان، قد تقوم الأغلبية بسدّ الطريق أمام أي تقدم سياسي لصالح الأقليات. والملاحظ أن التوجه الذي يعتمده ثلاثة من الأسباط، من بين الأربعة (العلماني، الديني ـ الوطني والحريدي)، حيال السبط الرابع ـ العربي ـ متأثر بالرؤى الأمنية. وتنظر أجزاء واسعة من المجتمع اليهودي إلى العربي نظرة تقوم على أن ولاءه للدولة موضع شك وأنه شخص موضع اشتباه دائم. وبالفعل، يتم إقصاء السبط العربي عن مراكز القوة واتخاذ القرارات في الدولة. في مثل هذا الواقع، وحتى لو استطاعت الأقلية إسماع صوتها ومطالبها، إلا أن مصيرها الرفض من جانب الأغلبية والدولة.

ثالثا، ثمة لدى الأسباط المختلفة تخوفات بشأن البعد القيمي وطابع دولة إسرائيل الديمقراطي الليبرالي. ويبدو أن السبط الرسمي الصهيوني، السبط الحريدي والسبط المتدين الوطني هي أكثر طرحا للتحدي من السبط العربي في كل ما يتعلق بالنواحي الثقافية وبتأثيراتها المحتملة على نمط الحياة العلماني. ففي المجتمع العربي، وكذلك في المجتمع الحريدي، هنالك إقصاء للنساء وعدم مساواة جندرية لا يتماشيان مع الديمقراطية الليبرالية ولا ينسجمان معها. كما تثار في السبط المتدين الوطني علامات استفهام حول القبول بسلطة الدولة وأسبقية (سيادة) سلطة القانون. ومن جهة أخرى، يعاني السبط العلماني، أيضا، من نظرة الاستعلاء القيمي حيال الأسباط الأخرى، وهو ما ينعكس في تصميم مؤسسات جماهيرية عامة على مثاله وصورته هو فقط. وللتذكير، فقد تطرق رئيس الدولة في خطابه المذكور، أيضا، إلى مسألة "تغيير الملكية".

هذه المعيقات الثلاثة، فضلا عن مصاعب أخرى أيضا ـ مثل، المنظومة الحزبية السياسية المعقدة في دولة إسرائيل، معارضة سياسية وبيروقراطية وأخرى متوقعة ومحتملة ـ تكشف مدى تعقيد هذا التحدي بشأن تأسيس "الإسرائيلية المشتركة". التغيير في بنية علاقات الأغلبية ـ الأقلية في إسرائيل نحو بنية "الأسباط الأربعة" يجعل دفع "الإسرائيلية المشتركة" أمرا ضروريا وحيويا. وفوق هذا، فإن الوجهة الحالية التي تتميز بالتعددية القطبية المتزايدة في بنية متعددة الأسباط من شأنها التشجيع على تعميق الشروخ والانفصال والانعزالية بين المجموعات المختلفة، مما يزيد من صعوبة مهمة بلورة "الإسرائيلية المشتركة".

ورغم هذا، تنبغي الإشارة أيضا إلى الظروف والشروط المشجعة التي تتيح دفع "الإسرائيلية الجديدة". ومنها، مثلا، ما يقوله البروفسور سموحه عن أن ثمة للأسباط الأربعة إسرائيلية مشتركة تشمل بضعة أسس، منها: "التعددية الثقافية الدينية، الديمقراطية، دولة الرفاه، أنماط تفكيرية وسلوكية مميزة، تقسيم البلاد، الطابع اليهودي للدولة واللغة العربية". وهو ما يعني أن ثمة سياسة واضحة مطبقة عمليا في إسرائيل قوامها الاعتراف بالاختلاف الثقافي لدى الأسباط المختلفة وبالتعددية الثقافية والدينية، وهو ما يوفر أساسا للأمل بأن في مقدور المجتمع الإسرائيلي الدفع نحو الإسرائيلية المشتركة بتصميم ونجاح، شريطة أن يأخذ المجتمع الإسرائيلي برمته هذه المهمة على عاتقه.

المصطلحات المستخدمة:

هرتسليا, الصهيونية, الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات