المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

قالت عدة تحليلات إسرائيلية متطابقة إن الهجوم الذي شنه مسؤولون أمنيون إسرائيليون سابقون على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في نطاق "مؤتمر هرتسليا" الأخير (أواسط حزيران الحالي) ينطوي على احتمال انطلاق حراك سياسي قوي لاستبدال هذا الأخير.

وفي هذا الشأن تحديداً كتب المحلل السياسي شالوم يروشالمي من موقع "إنرجي" الإلكتروني، أنه لا يمكن تجاهل الكلام الصادر عن أشخاص يملكون خبرة غنية وقادوا هذه الدولة ويرون إلى أين هي ذاهبة.

وأضاف أنه لم يكن رئيس الحكومة مضطراً لأن يشعر بالضغط من هذا الكلام قبل وقت قليل من ذهابه إلى العطلة الصيفية، لكن إسراعه إلى الرد ربما كشف عدداً من نقاط الضعف. ولقد كان نتنياهو دائماً حساساً لكل ما يقوله ويفعله إيهود باراك، وإذا كان باراك تحدث عن بشائر فاشية، فيبدو أننا نرى هنا تحديداً بشائر قوة جديدة لاستبدال رئيس الحكومة.

لكن يروشالمي أكد أن الدراما السياسية الحقيقية في إسرائيل لم تحدث في "مؤتمر هرتسليا"، بل حدثت في ذلك اليوم الذي دخل فيه أفيغدور ليبرمان إلى وزارة الدفاع في احتفال رسمي في مبنى الكرياه، ومع الائتلاف الذي أصبح أوسع ويعتمد على دعم 66 عضو كنيست، كون هذه الخطوة منحت نتنياهو نفساً سياسياً طويلاً حتى نهاية 2019.

وبرأيه ستكون لما جرى في "مؤتمر هرتسليا" ضجة كبيرة بسبب عدد الخطباء وهويتهم، فموشيه يعلون ألقى أول خطاب جدي له منذ إقصائه عن وزارة الدفاع، وهاجم نتنياهو وقال إنه سيترشح لقيادة الدولة؛ وباراك حصد تأييداً بصورة خاصة بسبب الرسائل الواضحة التي وجهها، وأسلوبه الحاد، والهجمات التي شنها، والمظهر الجديد الذي أثار اهتمام الجمهور من جديد بالرجل الذي غادره قبل عامين ونصف العام؛ والأخبار عن النشاطات الاجتماعية لغابي أشكنازي وبني غانتس أثارت الشعور بوجود تنظيم لرؤساء أركان سابقين قبيل الانتخابات. لكننا نحن بعيدون عن ذلك، فالانتخابات بعيدة وليست مطروحة في الأفق.

وأضاف أن هذا الجدول الزمني يجب أن يعيدنا للنظر إلى الأمور بصورة نسبية. فالكلام الذي قيل أمر جيد وجميل لكنه سابق لأوانه. والذين يتحدثون ويكتبون عن هجوم الجنرالات على نتنياهو ينسون أن هؤلاء هاجموا بعضهم بعضاً، فباراك وقف ضد أشكنازي، ويعلون هاجم باراك والعكس. وبالإضافة إلى الاستثمارات الشخصية للمتحدثين الأساسيين في مؤتمر هرتسليا، فهناك أيضاً ثغرة أيديولوجية كبيرة تُفرق بينهم: يعلون يعارض فكرة الدولتين ويعتقد أن الحل مع الفلسطينيين لن يتحقق حتى بعد 200 سنة وهو لا يريد أن يرى حوله أي وزير خارجية أميركي نصير للسلام، في حين لا يتوقف باراك عن الحديث عن عملية سياسية وعن الزمن الذي يمر ويعمل ضدنا.

وتابع: إن الذي يجمع بين هؤلاء كلهم ليس واضحاً، مع الإشارة إلى أنه خلال السنوات القادمة من المنتظر ظهور أحزاب وحركات كثيرة تنشط في ظل فكرة إسقاط نتنياهو. وشخصياً لا أظن أن باراك سيصبح زعيماً لحزب، ففي المرة الأخيرة التي تزعم فيها حزب العمل في 2009 حظي الحزب بـ13 مقعداً. واستقال باراك من الحزب في 2011، وأقام حزباً مستقلاً وكان قادراً على خوض الانتخابات من خلاله في 2013، لكنه قرر الانسحاب من الحياة السياسية، وعلى ما يبدو عرف حجم قوته وسط الجمهور.

وماذا بالنسبة إلى يعلون؟ يبدو لي أن الأخطاء السياسية الكبيرة التي ارتكبها تعود إلى أيامه في حزب الليكود. لم يتمكن يعلون من أن يبني لنفسه معسكراً كبيراً من المؤيدين طوال سنوات، لكنه حافظ على صورته المهنية الخارجية. لو كانت لدى يعلون قوة في الليكود لما تجرأ نتنياهو على إبعاده عن وزارة الدفاع، مثلما لم يجرؤ مثلاً على تحريك يسرائيل كاتس من مكانه. ولو كان يعلون يملك قوة في الليكود، لكان في إمكانه منافسة نتنياهو داخل الليكود. الآن أصبح يعلون في الخارج، وفي كل يوم نسمع عن تكتل مختلف وانضمام جديد، بطريقة تذكرنا بأسلوب انتقال لاعبي كرة القدم من فريق إلى آخر خلال الصيف.

أما المحلل السياسي لموقع "والا" أمير تيفون فأكد أنه منذ سنوات طويلة لم تسمع هنا لائحتا اتهام بهذا العمق ضد رئيس الحكومة تأتيان من رجلين كانا، كل واحد في ولايته، الحليفين الأهم له في الحكومة. فباراك كان شريك السر المثالي لنتنياهو في خطط مهاجمة إيران. والتحالف بينهما تمّ تخليده في الصور المذكورة جيداً للهمس، والابتسامات والمؤتمرات الصحافية بالسترات الجلدية. وعندما كانوا في العواصم الهامة في أوروبا وفي واشنطن يشككون باستقامة نتنياهو ونزاهته، كان باراك هو من يتم إرساله للتهدئة والتوضيح. وطوال فترة طويلة، كان وزير الخارجية الفعلي لنتنياهو في كل ما يتصل بالعلاقات مع البيت الأبيض. وشهد باراك نفسه الآن بأنه ليس هناك في العالم أي زعيم يصدق كلام نتنياهو في الشأن السياسي. لا في واشنطن، ولا في برلين، لا في موسكو وأيضاً ليس في أي مكان آخر. وأقواله تنسجم مع ما سبق وقرأناه مؤخراً ـ وتمّ نفيه بشدة ـ عن غضب وإحراجات ومجرد انعدام اتفاق بعد زيارات نتنياهو في هذه العواصم. باراك حمل على نتنياهو وأيضاً على التظاهر الكاذب من جانب مقرّبيه بشأن حسن العلاقات مع الولايات المتحدة، والتي حسب زعمه تشهد أزمة شديدة. كما أن يعلون كان جزءاً من هذه الأزمة. فقبل عام ونصف، حينما وصل إلى واشنطن لم يحظَ بأي لقاء جوهري عدا مع وزارة الدفاع في أعقاب الانتقادات القاسية التي وجّهها لوزير الخارجية جون كيري، وتبيّن أن باراك تحديداً، كمواطن عادي ورجل أعمال، نال لقاء مطولاً مع نائب الرئيس جو بايدن. أما يعلون، من جانبه، فقد ركز على محاولة زعزعة الفكرة المركزية التي عرضها نتنياهو للجمهور الإسرائيلي منذ سبع سنوات بشكل متواصل، والقائلة بأن إسرائيل تعيش تحت خطر وجودي خطير، خطر بسببه ينبغي على الجمهور أن يغفر وأن ينسى كل ما تبقى من المشكلات التي تقلق راحته، ابتداء من أسعار السكن وصولاً إلى التصــرفات الشخصية لقائد الدولة.

ورأى هذا المحلل أنه في العام 1999 وقع أول "هجوم مشترك للجنرالات" على نتنياهو، والذي تضمّن باراك، وإسحاق مردخاي وأيضاً رئيس الأركان الأسبق أمنون شاحاك، وهو ما أسهم كثيراً في سقوطه في الانتخابات. وأضاف أنه من السابق جداً لأوانه القول إن كانت هذه خطوة مشابهة تحدث حالياً، ولكن حينما تربط خطابات وزيري الدفاع السابقين، مع الخبر الذي نشرته أخبار القناة الثانية حول العلاقة التي تتوثق بين رئيسَيْ الأركان السابقين، غانتس وأشكنازي، فإنه يستحيل عدم تذكر أحداث الماضي.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات