المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أكد تقرير جديد صادر عن "جمعية حقوق المواطن" في إسرائيل أنه بالرغم من وجود تغيرات تتعلق بالسيطرة الإسرائيلية على المناطق المحتلة منذ 1967، فإن السّيطرة الإسرائيليّة على الحيّز الواقع بين نهر الأردن والبحر ظلت هي القوّة الأهمّ والأكثر تأثيرًا في الحياة اليوميّة لجميع الأشخاص الذين يسكنون في هذا الحيّز. وهذه القوّة والسّيطرة البالغة التي تملكها إسرائيل تُلقي عليها أيضًا مسؤوليّة كبيرة.

وأضاف التقرير أن هناك في المعتاد ميلاً إلى الحديث عن "الأراضي المُحتلّة" وكأنّها مساحة أو وحدة معروفة ومُحدّدة. لكن في العقود الخمسة التي انقضت منذ العام 1967، طرأ على هذه الأراضي تجزيء فظيع، أدّى إلى إلحاق ضرر بالغ بالسّكان الفلسطينيّين على الصّعيد الفرديّ، وعلى الصعيدين الجماهيريّ والقوميّ.

فقد ضُمَّت القدس الشّرقيّة رسميًّا من قبل إسرائيل منذ شهر حزيران 1967، وذلك بانتهاك للقانون الدّولي ودون إعطاء سكّان المدينة حقوقهم كاملة. وأدّت السّياسة الإسرائيليّة التي بُلوِرَت في شرقيّ المدينة إلى عزل القدس الشّرقيّة وانهيارها، بعد أن كانت في الماضي موطن قوّة اقتصاديّة، وسياسيّة، واجتماعيّة ودينيّة.

إضافة إلى الضّم القانونيّ، الذي فرّق القدس الشّرقيّة عن الضّفّة الغربيّة، بُني قبل عقد من الزّمن فاصل حقيقيّ بين القدس والضّفّة وذلك بهيئة جدار الفصل. ويفصل مسار الجدار الإسمنتيّ بين المجموعات السّكانيّة ويقطع التّواصل الطّبيعيّ للمجموعة السّكانيّة الفلسطينيّة في القدس عن تلك المجموعات المُحيطة بها.

كما أن توسّع مشروع الاستيطان تدريجيًّا، إضافة إلى شقّ طرق تؤدّي إلى المُستوطنات وبؤر الاستيطان، أدّيا إلى خلق فضاءات كاملة جديدة في الضّفّة الغربيّة والقدس، لا يُسمح للفلسطينيّين فيها بأن يتحرّكوا أو يسكنوا، أو قد يُسمح لهم ذلك بشكل مقلّص جدًّا، في حين أنّ إمكانيّة وصول المواطنين الإسرائيليّين إلى هناك متاحة. وجرت وتجري هذه الخطوة أيضًا بما يتنافى والقانون الدّوليّ.

كذلك، أُنتِجَت فضاءات مُغلقة أخرى في الضّفّة والقدس أُقصي منها الفلسطينيّون، وذلك بواسطة الإعلان عن مختلف المناطق أنّها مناطق إطلاق نار بهدف التّدريبات العسكريّة، أو مناطق عسكريّة مُغلقة، أو مواقع أثريّة أو حدائق وطنية. تُجبِر هذه الخطوات المُجتمعات الفلسطينيّة على العيش تحت نظام من التّحريمات ولا تُتيح إدارة حياة طبيعيّة وتؤدّي إلى إخلاء قسريّ أو إجباريّ لعائلات وجماهير كثيرة.

وجلبت اتّفاقيّة أوسلو تغييرات جذريّة بخصوص تقسيم الضّفّة إلى مناطق ’أ‘، ’ب‘ و ’ج‘ وإنشاء السُّلطة الفلسطينيّة. وجرى التّقسيم بحسب خطوط جغرافيّة مُصطنعة تفصل بين مناطق متّصلة في ما بينها في الواقع، مثل الطّرق المؤدّية من المدن الكبرى إلى القرى المُجاورة لها. وفي مدينة الخليل، التي يقع جزء منها تحت السّيطرة الفلسطينيّة ويقع الجزء الآخر تحت السّيطرة الإسرائيليّة، يمكننا أن نشعر بالعواقب السّلبيّة لهذا التّجزيء. وسكّان غور الأردن يعانون هم أيضًا من التّبعات الصّعبة التي صاحبت السّياسة الإسرائيليّة بفصل هذه المنطقة عن سائر أقسام الضّفّة الغربيّة. ويجري الفصل الأكثر تطرّفًا حاليًّا في قطاع غزّة.
وأدّى إنشاء السّلطة الفلسطينيّة إلى تغيير نِطاق صلاحيّات السّلطات الإسرائيليّة وطبيعتها، وعلى رأس هذه السّلطات – الجيش. مع ذلك، وبما أنّ صلاحيّات السّلطة وقوّتها محدودتان، فحتّى في المناطق التي تعمل السّلطة فيها ما زال هناك قدر كبير من السّيطرة الكامنة بين يدي القائد العسكريّ.

وبناء جدار الفصل في داخل الأراضي المُحتلّة مع بداية القرن الحاليّ أدّى إلى تجزيء إضافيّ لهذه الأراضيّ، إذ خلق الجدار جيوبًا فلسطينيّة معزولة وسمح بتوسّع المُستوطنات برعاية حجج أمنيّة. وعلى طول الجدار أنشِئت حواجز وبوّابات، يمرّ عبرها الإسرائيليّون بحرّيّة، إلّا أنّ مرور الفلسطينيّين عبرها محدود أو ممنوع، حتّى عندما تكون تحرّكاتهم داخل الأراضي المُحتلّة ذاتها (لا من أجل الدّخول إلى إسرائيل). وإلى غرب الجدار وإلى شرق الخطّ الأخضر، نشأت "منطقة التّماس"، والتي يستطيع الإسرائيليّون والأجانب أن يتحرّكوا فيها بحرّيّة، في حين أنّ إمكانيّة وصول الفلسطينيّين إليها للسّكن هناك أو للعمل في الأراضي محدودة ومُعقّدة. حتّى أولئك الذين سكنوا طيلة حياتهم في تلك المناطق اضطرّوا إلى مواجهة نظام تصاريح بيروقراطيّ مُعقّد ينطوي على المهانة والعُنف.

وقال التقرير إنّ التّحّكم بحركة الفلسطينيّين على طول خطوط التّماس بين المناطق المختلفة يُشكّل الانشغال المركزيّ للجيش، وجهاز الأمن العامّ، والشّرطة، ووزارة الدّاخليّة وسلطات إضافيّة. وقد "طوّرت" التّحديثات التّكنولوجيّة إمكانيّات التّحكّم في دواخل الضّفّة، وعند المداخل إلى المُستوطنات، وبين الجدار والخطّ الأخضر، وفي منطقة التّماس بين القدس الشّرقيّة والغربيّة، وبين الضّفّة والقدس، وبين قطاع غزّة والضّفّة وإسرائيل. مع مرور السّنوات، توسّعت العقوبات والاعتقالات المفروضة على كلّ من يُقبض عليه دون التّصاريح اللّازمة، وعلى كلّ من يوفّر له المأوى أو يقلّه. ويزداد هذا التّحكّم في فترات التّصعيد. أحيانًا، هناك خطوات جديدة تُتّخذ أثناء هذه الفترات لكنّها تبقى سارية المفعول حتّى بعد هدوء العاصفة. هذا ما جرى، مثلًا، بخصوص أوامر السّاعة التي تُعنى بقانون المواطنة والدّخول إلى إسرائيل، والذي سُنّ في أيّام أوج الانتفاضة الثّانية بهدف تقليص لمّ شمل العائلات الموزّعة على طرفي الخطّ الأخضر. كان من المُفترض أن تكون هذه الأوامر مؤقّتة، إلّا أنّ تحديثها يجري الآن عامًا تلو الآخر، فيحوّل آلاف الفلسطينيّين الذين يعيشون في إسرائيل والقدس إلى سكّان غير قانونيّين، أو سكّان يعتمدون على تصاريح إسرائيليّة من أجل التّحرّك والسّكن في منازلهم.

ولفت التقرير إلى أنّ تقسيم الأراضي المُحتلّة والتّحكّم الذي يرافق هذا التّقسيم ينطويان على عواقب وَخِيمة تطال حرّيّة حركة الفلسطينيّين وسلسلة أخرى من الحقوق المُشتقّة من حرّيّة التّنقّل، ومن بينها الحقّ في حياة عائليّة، والحقّ في الصّحّة وسلامة الجسد والحقّ في التّربية. والاقتصاد والتّجارة الفلسطينيّان هما رهن القرارات اليوميّة التي يتّخذها القادة العسكريّون، الذين يقرّرون بشأن إتاحة أو عدم إتاحة مرور البضائع والأشخاص وبشأن كيفيّة المرور، وبشأن فرض أو عدم فرض تقييدات على تطوّر مُختلف القطاعات، وما إلى ذلك. وتؤدّي هذه التّحريمات المختلفة التي يفرضها الجيش إلى توسيع دوائر الفقر والعجز.
وفيما يتعلق بقطاع غزّة، جاء في التقرير:

تغيّر نِطاق ودرجة سيطرة إسرائيل على قطاع غزّة على مرّ السّنين، ومنذ فكّ الارتباط في العام 2005، لم تعد إسرائيل تفرض سيطرتها الفعليّة على قطاع غزّة. مع ذلك، ما زالت إسرائيل تُمارس سيطرتها اليوم في عدد من المجالات الجوهريّة، وعلى رأسها السّيطرة على تحرّك البشر والسِّلَع، وعلى الحيّزَين البحريّ والجويّ، وعلى السّجلّ السّكاني وعلى الغلاف الضّريبيّ. إنّ طريقة سيطرة إسرائيل على حدود القطاع تنتهك بفظاعة حقوق الإنسان الأساسيّة وحريّة ما يزيد عن مليون شخص يسكنون في القطاع، وتؤثّر تاُثيرًا بالغًا على الاقتصاد والفقر في غزّة.

ومع أنّ مكانة القطاع القانونيّة هي محطّ جدل مُحتدم، لا يشكّك أحد في أنّ سيطرة إسرائيل بهذه الطّريقة لها تأثير بالغ. إنّه نوع سيطرة تنجم عنه مسؤوليّات، وهي مسؤوليّات تتنصّل منها إسرائيل اليوم باختيارها سياسة تفرقة قصوى بخصوص قطاع غزّة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات