المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

يدعي الجيش الإسرائيلي أنه تمكن من السيطرة على الهبة الشعبية الفلسطينية الحالية، وذلك في ظل تراجع عدد العمليات التي ينفذها فلسطينيون في الضفة الغربية والقدس الشرقية وداخل الخط الأخضر أيضا. من الجهة الأخرى، يعترف الجيش بأن الهبة الفلسطينية قد تتصاعد مرة أخرى بسبب نية مستوطنين ونشطاء اليمين المتطرف اقتحام الحرم القدسي خلال عيد الفصح اليهودي، بحلول نهاية الأسبوع الحالي.

وكانت الهبة الحالية اندلعت في مطلع تشرين الأول الماضي، وشملت سلسلة عمليات طعن ودهس وإطلاق نار، إلى جانب مواجهات بين الشبان الفلسطينيين وقوات الجيش الإسرائيلي، وتخلل ذلك إلقاء زجاجات حارقة. واللافت أن الغالبية العظمى من العمليات استهدفت جنودا أو مستوطنين. كما أن قوات الأمن الإسرائيلية أطلقت النار على فلسطينيين وقتلت بعضهم وأصابت آخرين بجروح بادعاء الاشتباه بأنهم كانوا ينوون تنفيذ عملية، من دون إثبات وجود نية كهذه.
إلا أن الأمر الأبرز في الهبة الحالية هم منفذو العمليات، إذ أن قسما كبيرا منهم شبان لا تتجاوز أعمارهم العشرين عاما، وأحيانا هم فتية وفتيات قاصرون وبعضهم أطفال في سن 12 عاما. كذلك فإن قسما من منفذي العمليات جاؤوا من عائلات ميسورة الحال. كما أن غالبيتهم الساحقة لا ينتمون إلى أي تنظيم ولا توجد أية جهة توجه العمليات.

وبالنسبة للجيش الإسرائيلي والشاباك كان منفذو العمليات بهذه المواصفات بمثابة لغز محير. وشعر الإسرائيليون أنهم فقدوا عاملا هاما يمكنهم من منع عملية، وهو العامل الاستخباري، إذ يصعب معرفة الفتى أو الشاب الذي يخطط لعملية بسلاح بسيط كسكين.

لكن ضباطا إسرائيليين يدعون الآن أن الجيش والشاباك تمكنا من السيطرة على الهبة ومنع عمليات، بحسب تقرير نشره موقع "واللا" الالكتروني، يوم الخميس الماضي. ومن خلال محاولة أجهزة الأمن الإسرائيلية رسم مسار تنقل منفذي العمليات والمواقع التي وقعت فيها قال هؤلاء الضباط "نجحنا في بناء خريطة تحتوي على مراكز العمليات، وأن نفهم أن 50% من الاحتمالات هي أن تقع عمليات مستقبلية في مواقع معينة. وأعددنا ردا بما يتلاءم مع ذلك". وكان الهدف من خريطة كهذه هو إحباط عملية أو الوصول إلى موقعها بأسرع وقت في حال تم تنفيذها.

ووفقا لهذه الخريطة، فإن 25 عملية وقعت في البؤرة الاستيطانية في مدينة الخليل، 12 عملية وقعت في الكتلة الاستيطانية "غوش عتصيون"، 14 عملية جنوبي مدينة نابلس وعند مفترق قريب من مستوطنة "تبواح"، و14 عملية في المناطق المحيطة بمدينة رام الله.
وبلغ عدد العمليات التي نُفذت في الضفة الغربية 55 عملية إطلاق نار، 85 عملية طعن، 30 عملية دهس. وهذه المعطيات التي نشرها الجيش الإسرائيلي لا تشمل العمليات التي وقعت في القدس الشرقية أو العمليات داخل الخط الأخضر.

إضافة إلى رسم هذه الخريطة، حقق ضباط من الجيش الإسرائيلي مع منفذي عمليات يقبعون في السجون الإسرائيلية، في محاولة لفهم دوافعهم. وقال ضابط كبير في قيادة الجبهة الوسطى للجيش الإسرائيلي إن أحد منفذي العمليات الذي حقق معه قال له إنه نفذ العملية في موقع معين "لأنه هناك تُنفذ العمليات، ويوجد هناك يهود". ووفقا لهذا الضابط فإن ظاهرة التقليد، أي أن شابا يقلد شابا آخر نفذ عملية قبله، برزت خلال هذه التحقيقات.

وبحسب ادعاء ضباط الجيش والشاباك، فإن انخفاض عدد العمليات خلال الأسابيع الثلاثة الماضية كان بسبب ما وصفوه بـ"خريطة الحرارة"، وهي خريطة تم وضع إشارات فيها على بيوت منفذي عمليات محتملين. وبحسب هذه الخريطة جرى وضع إشارات على 30 بيتا في الخليل، 17 بيتا في قلنديا وكفر عقب، 12 بيتا في قرية سعير، 10 في نابلس و10 في قباطيا.

وتابع الضباط أنه تمت ممارسة ضغوط على العائلات التي وضعت إشارات على بيوتها في "خريطة الحرارة" وعلى منطقة سكناها. وبحسب الضباط فإنه تم تصنيف النشطاء والعمليات إلى عدة مجموعات: عمليات وأنشطة بتشجيع من تنظيم فلسطيني وفي مقدمة التنظيمات حركة حماس، "إرهاب شعبي" شمل زجاجات حارقة، إلقاء حجارة ومواجهات، وعمليات طعن كتقليد لعمليات سابقة.

ووفقا للضابط من قيادة الجبهة الوسطى، فإن الشاباك والجيش تمكنا من "حياكة بدلات" تمت ملاءمتها لمراكز الهبة وظواهر تطورت ميدانيا. وأحد الاستنتاجات المركزية أشار إلى أن استشهاد أحد المشاركين في المواجهات يؤدي إلى تصعيد الأجواء والتشجيع على مواجهات عنيفة أخرى. ولذلك، بحسب ادعاء الضابط، جرى إصدار تعليمات للقوات الميدانية بتقليص إطلاق النار خلال المظاهرات الفلسطينية قدر الإمكان.

من الجهة الأخرى، وثق الجيش المظاهرات والمواجهات بتسجيل مصور، بهدف التعرف على النشطاء المركزيين فيها، وبعد ذلك اعتقالهم، إضافة إلى استخدام المستعربين الذين يتسللون بين المتظاهرين الفلسطينيين.

كذلك استخدم الجيش والشاباك أساليب أخرى، بينها اقتحام بيوت مشتبه بهم فلسطينيين بالمشاركة في مظاهرات ومواجهات، وتهديد أفراد عائلاتهم وجيرانهم. كما شملت هذه الأساليب إلغاء تصاريح عمل في إسرائيل بحوزة أفراد العائلة. ويدعي الضباط الإسرائيليون بأن هدم بيوت منفذي عمليات هو عقاب رادع. إلى جانب ذلك كان قوات الجيش الإسرائيلي تدخل إلى المدارس وتجري تفتيشا في حقائب التلاميذ بحثا عن سكاكين، وبعد ذلك يقوم ضابط بتهديد التلاميذ بعقاب شديد في حال حاولوا تنفيذ عمليات طعن أو المشاركة في مواجهات. وقال التقرير إن القوات الإسرائيلية اعتقلت شبانا فلسطينيين من بيوتهم فيما كانوا نائمين، بادعاء أنهم حرضوا على تنفيذ عمليات من خلال شبكات التواصل الاجتماعي في الانترنت، أو عبروا عن نيتهم بتنفيذ عمليات، وبعض هؤلاء المعتقلين لم يعلن عن اعتقالهم حتى اليوم.

من جهة أخرى، وصف ضابط إسرائيلي كبير في قيادة الجبهة الوسطى في لقاء مع صحافيين، يوم الأربعاء الماضي، تراجع العمليات الفلسطينية في الضفة خلال الأسابيع الأخيرة بأنه "هدوء غير مستقر"، وأن قوات الجيش الإسرائيلي تستعد "لتصعيد كبير في فترة الأعياد" في إشارة إلى عيد الفصح اليهودي وشهر رمضان المبارك.
وقال الضابط نفسه إن قوات الأمن الإسرائيلية لا تزال تتلقى إنذارات حول النية بتنفيذ عمليات من جانب فلسطينيين أفراد أو بتوجيه من منظمات فلسطينية. وأضاف أنه منذ بداية الهبة الفلسطينية الحالية في مطلع تشرين الأول الماضي وحتى نهاية آذار الفائت، كشف الشاباك عن 57 خلية، وفي عشر حالات منها كان ينوي فلسطينيون أسر مستوطنين أو جنود، وفي أربع حالات أخرى جرى اكتشاف مختبرات لصنع مواد متفجرة وأحزمة ناسفة.

وأضاف الضابط أنه "نرى استمرار الإنذارات من وجود منفذي عمليات أفراد يستعدون لاندلاع الوضع مرة أخرى"، وأشار إلى أنه على خلفية الأجواء المشحونة وفي سياق الاستعدادات لتصعيد محتمل "سيتم تعزيز منطقة يهودا والسامرة (أي الضفة الغربية) بـ21 كتيبة إضافية خلال عيد الفصح ويوم الاستقلال وشهر رمضان. والتخوف هو من حملة التحريض حول جبل الهيكل (الحرم القدسي) والقدس والتي ستعود على نفسها مثلما كان الوضع في بداية الهبة الحالية".

المصطلحات المستخدمة:

الخط الأخضر, الكتلة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات