المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

في هذه الفترة من آذار، تحديدا، حيث أيام ما بين "يوم المرأة العالمي" (الثامن من آذار) و"عيد الأم" (الحادي والعشرون من آذار)، تصدر العديد من الأبحاث والتقارير والإحصائيات التي تقدم صورة عن أوضاع النساء وتمثيلهن في مناحي الحياة المختلفة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية وغيرها، وتطرح اقتراحات توصيات بشأن تحسين هذا التمثيل ورفع مستواه ودرجة فاعليته، حتى لا يبقى شكليا وصوريا فقط.

ومن بين هذه التقارير، تقرير أعده "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" ونشر في أوائل آذار الحالي وضمّنه "صورة الوضع، حتى أوائل العام الجاري، 2016، حول تمثيل النساء في إسرائيل في ثلاث حلبات سياسية مركزية: الكنيست (البرلمان/ السلطة التشريعية)، الحكومة (السلطة التنفيذية) والحكم المحلي (المجالس البلدية الإقليمية والمحلية)".

وأبرز ما يظهر في هذه "الصورة" هو: ثمة ارتفاع دائم ومتواصل في عدد النساء في الكنيست، لكن تمثيلهن لا يزال متدنيا بالمقارنة مع الدول الديمقراطية المتقدمة! وعلاوة على هذا: نسبة تمثيل النساء في الحلبات السياسية الأخرى لا تزال متدنية جدا ومستوى دمجهن في الوظائف والمناصب الرفيعة العليا لا يزال بعيدا جدا عما يمكن أن يكون كافيا ومُرضيا. فقد بلغ عدد النساء في الكنيست الإسرائيلي اليوم رقما قياسيا غير مسبوق من قبل، إذ تجاوز نسبة الرُّبع (25%) للمرة الأولى. ولكن رغم هذا الارتفاع، إلا أن هذه النسبة لا تزال متدنية إذا ما قورنت بالوضع في غالبية الدول الديمقراطية المتقدمة. وهذه الحال هي نفسها، أيضا، في الحلبات السياسية الأخرى.

يفتتح تقرير "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، الذي أعده د. عوفر كينغ، الباحث في "برنامج الإصلاح السياسي" والمتخصص، بصورة أساسية، في: الأحزاب، السياسة الإسرائيلية الداخلية، انتخاب المرشحين والقيادات، طرائق الانتخاب والتغيير الدستوري، بالإشارة إلى أنه "قبل ثلاثة أشهر، استقال عضو الكنيست داني عطار (من "المعسكر الصهيوني") من عضوية الكنيست فاحتلت مكانه ياعيل كوهين باران. ومع انضمامها، ارتفع عدد النساء العضوات في الكنيست إلى 32، ما يمثل رقما قياسيا جديدا في سلسلة أرقام قياسية سجلت في مجال تمثيل النساء البرلماني خلال السنوات الأخيرة. ففي العام 1988 تم انتخاب 7 نساء لعضوية الكنيست، بينما أصبح عددهن اليوم، بعد مضي 25 عاما، يعادل 5ر4 أضعاف ما كان عليه".

عن أهمية التمثيل النسائي

ما هي أهمية هذا الارتفاع في تمثيل النساء السياسي في إسرائيل؟ هل هو ظاهرة فريدة وحصرية في إسرائيل؟ هل هو يعكس تحسنا في مستوى دمج النساء في مزيد من الوظائف والمناصب السياسية؟

يجيب معد التقرير على هذه التساؤلات بالقول إن مسألة تمثيل النساء في الحياة السياسية ومنظوماتها يحتل مركز الصدارة في النقاش العام، النشط، في دول عديدة من العالم، منذ ما يزيد على عقد من الزمن، انطلاقا من فرضية أساس ترى أن التمثيل الجدي واللائق للنساء في الحياة السياسية العامة ينطوي على أهمية بالغة جدا، على جميع الأصعدة والمستويات. فحضور النساء اللائق في الحياة السياسية العامة وتشكيلاتها المختلفة يشكل عنصرا ليس إيجابيا فحسب، بل ضروريا وحيويا أيضا، من منظور قيم ديمقراطية أساسية، مثل التمثيل، المساواة والتعددية، على ما في ذلك من تعزيز لمكانة المرأة في المجتمع، تجذير وترسيخ الموقف الذي يعتبر النساء مواطنات متساويات.

ويجري النقاش حول هذه المسألة على خلفية الواقع الذي لا يزال غير مُرض، البتة، في العديد من دول العالم، حيث لا تزال نسبة النساء متدنية جدا بين منتخبي الجمهور، وهو ما دفع دولا وأحزابا سياسية عديدة إلى اعتماد خطوات عملية ترمي إلى تحسين مستويات تمثيل النساء في التشكيلات السياسية المختلفة. ومن بين تلك الخطوات، مثلا، تحديد حد أدنى من المواقع التمثيلية للنساء، مما أحدث ارتفاعا متواصلا وجديا في تمثيل النساء في هذه الهيئات والمؤسسات، بما فيها المؤسسات المنتَخَبة من قبل الجمهور مباشرة. لا بل ازداد في الآونة الأخيرة عدد الحكومات في العالم التي تحافظ على توازن جندري في تركيبتها، بحيث تتوزع الحقائب الوزارية فيها بين الرجال والنساء بالتساوي. وهذا، إلى جانب تزايد عدد النساء اللاتي يفزن بالمواقع القيادية الأولى والأمامية (رئاسة الحكومة أو رئاسة الدولة).

النساء في الكنيست

كان حق النساء المتساوي قد ضُمن منذ الانتخابات الأولى لـ"مؤتمر المنتخبين" في الييشوف اليهودي في فلسطين ("أرض إسرائيل")، والتي جرت في العام 1920. وكان ذلك إحدى الحالات المبكرة جدا من منح النساء حق الانتخاب. وللمقارنة: فقد حظيت النساء في الولايات المتحدة بحق الانتخاب للمرة الأولى في العام نفسه، أيضا. أما في إسبانيا والبرتغال، فقد بقيت النساء محرومات من حق الانتخاب حتى أوائل الثلاثينيات، بينما بقين كذلك في فرنسا وإيطاليا حتى الأربعينيات. وإلى جانب ذلك، كانت إسرائيل، طبقا لتقرير "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية"، إحدى الدول الديمقراطية الأولى التي وصلت فيها سيدة إلى المنصب القيادي الأعلى والأرفع: تعيين غولدا مئير رئيسة للحكومة الإسرائيلية في العام 1969. ورغم ذلك، بقي تمثيل النساء في الكنيست متدنيا جدا طوال سنوات عديدة وطويلة.

في دورات الانتخابات الثلاث الأولى للكنيست الإسرائيلي (1949 ـ 1955)، بلغت نسبة النساء من بين أعضاء الكنيست نحو 10% فقط، تلاها انخفاض مستمر خلال العقود الأربعة التالية، حتى العام 1999، وتراوحت نسبة هذا التمثيل بين حضيض العام 1988 (7 نساء فقط) وذروة العام 1992 (11 سيدة). ولكن، منذ العام 1999، يشهد عدد النساء العضوات في الكنيست ارتفاعا دائما ومتواصلا، حتى بلغ رقما قياسيا يعادل 29 سيدة في انتخابات العام 2015، بينما يبلغ عددهن اليوم 32 سيدة، أي ما يعادل أكثر من رُبع عدد أعضاء الكنيست الكلّيّ، موزعة على الكتل المختلفة على النحو التالي: "المعسكر الصهيوني" ـ 9 سيدات (من بين 24 عضو كنيست)، "الليكود" ـ 7 سيدات (من بين 30 عضو كنيست)، "كلنا" برئاسة موشيه كحلون ـ 4 سيدات (من بين 10 أعضاء)، "يش عتيد" برئاسة يئير لبيد ـ 3 سيدات (من بين 11 عضو كنيست)، "ميرتس" ـ 3 سيدات (من بين 5 أعضاء كنيست، وهي الكتلة الوحيدة التي تشكل فيها السيدات أغلبية أعضاء الكتلة البرلمانية)، "القائمة المشتركة" ـ سيدتان (من بين 13 عضو كنيست)، "البيت اليهودي" ـ سيدتان (من بين 8 أعضاء كنيست) و"يسرائيل بيتينو" ـ سيدتان (من بين 6 أعضاء كنيست). وفي المقابل، استثنت كتلتان (حزبان) اثنتان النساء تماما ولم تدمج في قائمتي مرشحيهما أيا منهن، وهما حزبا اليهود الحريديم، الشرقيين والغربيين، "شاس" و"يهدوت هتوراه".

ولدى مقارنة مستوى تمثيل النساء في الكنيست (البرلمان) مع مستوى تمثيلهن في برلمانات الدول الأخرى يتضح أن إسرائيل تحتل المرتبة الـ 53 من أصل 188 دولة، وهي مرتبة أدنى من مستوى التمثيل النسائي في الغالبية الساحقة من الدول الديمقراطية الليبرالية التي تدعي إسرائيل الانتساب إليها. ومع ذلك، فهي تتقدم على دول عريقة مثل فرنسا (في المرتبة 57)، كندا (المرتبة 59) والولايات المتحدة (المرتبة 94).

ويشير معدّ التقرير، في ختام هذا الباب، إلى أن "التحسن الكبير في تمثيل النساء في الكنيست يمثل بشرى إيجابية وسارة، لكن الطريق إلى المساواة الجندرية لا تزال طويلة. والأهمّ، أن إمعان النظر في وضع النساء في القطاعات والساحات الأخرى يثبت أن هذا التحسن في التمثيل البرلماني لم ينعكس بعد في اندماج النساء في وظائف ومناصب رفيعة، سواء في البرلمان (الكنيست) أو في السلطة التنفيذية (الحكومة)".

النساء في الحكومة الإسرائيلية

حتى العام 1974، كانت غولدا مئير هي السيدة الوحيدة التي أشغلت منصب وزير في حكومة إسرائيلية، لا بل أشغلت فيما بعد منصب رئيسة الحكومة وكانت السيدة الوحيدة فيها! ثم انضمت نساء أخريات لإشغال منصب وزير في الحكومة الإسرائيلية فيما بعد: شولاميت ألوني (في العام 1974)، ساره دوتان (في العام 1983)، شوشانه أربيلي ـ ألموزلينو (في العام 1986) وأورا نمير (في العام 1992).

وبقي الوضع على هذه الحال، فكانت 5 نساء فقط قد أشغلن منصب وزير في حكومات إسرائيل حتى العام 1996. وخلال السنوات منذ 1996 تحسن الوضع قليلا، إذ تم تعيين 12 سيدة أخرى لمنصب وزاري في حكومة إسرائيلية.

وفي الإجمال، من بين الوزراء الـ 242 الذين أشغلوا عضوية حكومة إسرائيلية منذ تأسيسها للمرة الأولى وحتى اليوم، هنالك 17 سيدة فقط، أي ما يعادل 7% فقط.

ويشير التقرير إلى حقيقة أن أكبر عدد من النساء في أية حكومة إسرائيل منذ قيامها لم يتعد 4 نساء فقط. وبينما تبلغ النسبة المتوسطة لعدد النساء في حكومات الدول الأعضاء في منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي (OECD) نحو 30%، فإن هذه النسبة لا تتعدى الـ 14% في إسرائيل.

وإلى جانب هذا، ينبغي الالتفات إلى حقيقة أن النساء لا يشغلن في إسرائيل، عادة وغالبا، مناصب وزارية "حساسة وهامة"، إذ تفيد المعطيات الرسمية بأن السيدات لم يشغلن، أبدا، أي منصب وزاري في ثلاثة من الوزارات الأربع الأهم وهي: المالية، الدفاع والأمن الداخلي، بينما كانت وزارة الخارجية الوزارة الوحيدة التي ترأستها سيدة: غولدا مئير (بين 1956 و 1966) وتسيبي ليفني (بين 2006 و 2009).

ولا يزال تمثيل النساء متدنيا في المواقع والمناصب الرفيعة الأخرى: فمن بين نواب الوزراء الثمانية في الحكومة الإسرائيلية الحالية هناك سيدة واحدة فقط (تسيبي حوتوبيلي في وزارة الخارجية) ومن بين 12 رئيس لجنة برلمانية في الكنيست هنالك سيدتان فقط (كارين إلهرار وعايدة توما ـ سليمان).

النساء في الحكم المحلي

يتميز الحكم المحلي في إسرائيل بالتمثيل المتدني للنساء دائما في المجالس البلدية والإقليمية والمحلية، وخاصة في منصب "رئيس بلدية" (رئيس مجلس بلدي)، إذ إن سيدتين اثنتين فقط أشغلتا هذا المنصب في إسرائيل من بين 40 رئيس بلدية في المدن الكبيرة، منذ العام 1989، حيث تم انتخابهما لرئاسة لبلدية في الانتخابات التي جرت في ذلك العام للمرة الأولى: ياعيل غيرمان في رئاسة بلدية هرتسليا (بقيت في منصبها ذاك حتى العام 2013، حيث استقالت وترشحت في قائمة "يش عتيد" لانتخابات الكنيست فأصبحت عضو كنيست، ثم وزيرة للصحة) ومريام فايربيرغ في رئاسة بلدية نتانيا، ولا تزال تشغل هذا المنصب حتى هذا اليوم، وهي السيدة الوحيدة من بين 40 رئيس بلدية في المدن الإسرائيلية الكبيرة.

يتعارض هذا التدني في تمثيل النساء في مرافق الحكم المحلي في إسرائيل مع المنحى السائد حاليا في أنحاء العالم، حيث يتم انتخاب عدد متزايد من النساء لتولي رئاسة البلديات في مدن كبرى في العالم، مثل باريس ونانت (فرنسا)، مدريد وبرشلونة (إسبانيا)، يوستون، سان أنطونيو، واشنطن وبلتيمور (الولايات المتحدة)، براغ (تشيكيا)، كيلن (ألمانيا)، وزوريخ (سويسرا).

أما في عضوية المجالس البلدية، فالنساء تحظى بتمثيل أكبر نسبيا ويشهد ازديادا متواصلا.

ففي الانتخابات البلدية الأخيرة، التي جرت في العام 2013، تم انتخاب 138 سيدة لعضوية مجالس بلدية، من أصل 826 عضوا (أي 7ر16%) في المدن الـ 40 الأكبر في إسرائيل. أما في المجالس المحلية (أي في البلدات والمدن والقرى التي يقل عدد سكانها عن 30 ألف نسمة)، فقد فازت نساء بنسبة 13% من مجمل عدد الأعضاء في المجالس المحلية، في الانتخابات التي جرت في العام نفسه. وفي سبيل المقارنة، تبلغ نسبة السيدات الأعضاء في المجالس البلدية في إيطاليا 20%، في هولندا 20%، في ألمانيا، أستراليا، بريطانيا ونيوزيلاندا ـ 30%، بينما تزيد نسبتهن عن 30% في دول مثل فرنسا، فنلندا، جنوب أفريقيا، السويد وإسبانيا.

وكان الكنيست الإسرائيلي قد أدخل تعديلا هاما على قانون السلطات المحلية في العام 2014، يرمي إلى تشجيع الأحزاب والقوائم الانتخابية المختلفة في الانتخابات البلدية على ضم وترشيح نساء في إطارها. ويقضي التعديل بزيادة 15% في حصة التمويل الحكومي لأية كتلة تبلغ نسبة النساء فيها الثـُّلث على الأٌقل. وسيدخل هذا التعديل حيز التنفيذ ابتداء من الانتخابات البلدية المقبلة، في العام 2018.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات