المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أظهرت معطيات جديدة، نُشرت أمس الاثنين، صورة غير سارة بالنسبة لقادة الجيش الإسرائيلي حول تسرب الشبان من الخدمة العسكرية، وتبين منها أن معظم الجنود الذين يتسربون يتم تسريحهم بموجب بند يتعلق بصحتهم النفسية.
ومن أجل مواجهة هذه الظاهرة، يطالب الجيش الضباط بعدم التعاطف مع الجنود، كما أن الجيش بصدد إعادة تعريف مصطلح "ضائقة نفسية".

وتشير المعطيات، التي أصدرتها شعبة القوى البشرية في الجيش الإسرائيلي ونشرتها وسائل إعلام إسرائيلية، أمس، إلى أن واحدا من بين كل ستة جنود لا ينهي الخدمة العسكرية الإلزامية. ويأتي ذلك إلى جانب معطيات رسمية تحدثت عن أن 50% من المواطنين الشبان في إسرائيل لا يؤدون الخدمة العسكرية، لكن هذا المعطى يشمل 9% من الشبان اليهود و14% نساء و27% هم شبان عرب.

وكانت نسبة تسرب الجنود من الخدمة العسكرية 3ر17% في العام 2004، وانخفضت في العام 2009 إلى 5ر13%، لكنها عادت وارتفعت في العام 2014 إلى 5ر16%. ووفقا للمعطيات، فإن السبب المركزي للتسرب، بين الجنود والمجندات، هو بنود تتعلق بالصحة النفسية.

وسُرح من الجيش الإسرائيلي في النصف الأول من العام الحالي 1451 جنديا و504 مجندات لأسباب نفسية. كذلك تم تسريح 560 جنديا و61 مجندة بسبب سلوك سيء وخطير، بينما تم تسريح 358 جنديا و134 مجندة بسبب مشاكل جسمانية، وتم تسريح 85 جنديا و190 مجندة لأسباب شخصية، كما تم تسريح 62 جنديا و20 مجندة بسبب عدم ملاءمتهم للخدمة العسكرية.

واعتبر ضابط كبير في شعبة القوى البشرية أن "من يتسرب من الخدمة العسكرية كأنه تسرب من الحياة الاجتماعية". وأصدر قائد شعبة القوى البشرية، اللواء حجاي طوبولنسكي، تعليمات بمحاربة ظاهرة التسرب من الخدمة العسكرية وخفضها إلى أقل من 10%.

ووصفت ضابطة كبيرة في شعبة القوى البشرية المعطيات الجديدة حول تسرب الجنود بأنها "مقلقة" وأكدت أن هذه المعطيات تطورت منذ أكثر من عشر سنوات. وأوضحت أن الجيش واجه صعوبة في التعامل مع هذه الظاهرة "ليس بسبب نقص في الأدوات فقط، وإنما بسبب ظواهر اجتماعية أخرى مثل الارتفاع بعشرات النسب المئوية في حجم التلاميذ الذين يحصلون على تسهيلات في إطار دراستهم، وباتوا معتادين لملاءمة الجيش لاحتياجاتهم".

وتطرقت ضابطة الصحة النفسية في فرقة الضفة الغربية العسكرية، أيار سيغال، إلى هذا الموضوع من خلال مقال في مجلة "معراخوت" التي تصدرها وزارة الدفاع الإسرائيلية، واستعرضت معطيات تشير إلى تراجع في المحفزات للخدمة العسكرية في صفوف التلاميذ الذين على وشك التجند. وبحسب هذه المعطيات، فإن 5ر14% من الجنود و5ر6% من المجندات سيتسربون من الخدمة العسكرية.

وأضافت سيغال أن المؤسسة العسكرية "تظهر ضعفا" في مواجهة هذه الظاهرة. واقترحت الضابطة إعادة تعريف بند "الضائقة النفسية" من أجل منع الاستخدام الزائد له. كذلك اقترحت تأهيل الضباط من أجل مواجهة مشاكل طاعة ودراسة إمكانية محاكمة جنود يطلقون تهديدات كاذبة حول نيتهم بالانتحار.

وانتقدت سيغال ضباطا في الجيش يتوصلون إلى تفاهمات مع الجنود بهدف مساعدتهم على الخروج من الخدمة العسكرية، معتبرة أن هؤلاء الضباط يضعون "اتفاقيات شخصية للخدمة العسكرية" في العديد من الوحدات، مثل الموافقة على مواعيد الحضور إلى مقر الوحدة العسكرية ومغادرتها.

كذلك انتقدت سيغال ما وصفته بأنه تغلغل الانتقادات المدنية إلى حيز صناعة القرارات العسكرية. وقالت إنها تنظر إلى أقرباء الجندي على أنهم "سفراء جيدون، مهمتهم التحذير من مشاكل غير مألوفة وينبغي احترامهم، لكن ينبغي أيضا احترام قيم الجيش وليس بالضرورة إرضاء العين الفاحصة المدنية".

وأشارت سيغال في مقالها إلى أن الجيش يفضل أحيانا تسريح جنود إشكاليين من أجل كسب الهدوء في معسكراته، "وهكذا تتطور ظاهرة تفتت الهوامش"، وشددت على أنه بعد تسريح هؤلاء الجنود يأتي آخرون يدركون أنه من السهل الخروج من الخدمة العسكرية. واعتبرت أنه "يحظر على الضباط الاعتقاد أنهم إذا لبّوا طلب الجندي فإنهم سيتخلصون منه ومن المشكلة".

وتابعت سيغال أنه "على فرض أن عدد المرضى النفسانيين في إسرائيل لم يرتفع في السنوات الأخيرة، وعدد المعفيين من الخدمة العسكرية لأسباب دينية لا يرتفع، فإنه بالإمكان نسب تراجع المحفزات للخدمة العسكرية إلى تأثير الحياة العصرية على أبناء الشبيبة، الذين يضعون الفرد في المركز ويقصون جانبا مصطلح ’نحن’. وعمليا، فإن الجيش الإسرائيلي يطالب أبناء الشبيبة أن يضعوا المبادئ التي تربوا عليها جانبا، وأن يعطوا ثلاث سنوات من حياتهم للدولة".

ووفقا لسيغال، فإنه "لم يعد هناك إجماع في المجتمع الإسرائيلي حول واجب الخدمة العسكرية الإلزامية، والتهرب من هذه الخدمة أصبح يعتبر في المجتمع لا أكثر من عمل متطرف". وأضافت أنه توجد أجواء تسامح تجاه الذين يتهربون من الخدمة العسكرية، وأن "العقوبات العاطفية تجاههم اختفت كليا تقريبا، وكلما ازداد عدد الذين لا يؤدون الخدمة العسكرية، يصبح النظر إلى هذه الظاهرة على أنها شرعية سائدا أكثر فأكثر. وتؤثر الأجواء السلبية حول الخدمة العسكرية أيضا على أولئك الذين يخدمون في الجيش ويتسربون منه في وقت لاحق".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات