المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

بعد عاصفة كبيرة من ردود الفعل تراجع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عن اتهامه للمفتي الفلسطيني الحاج أمين الحسيني بالمسؤولية عن المحرقة النازية والتحريض على اليهود لدى النازيين، وأكد أن "قرار ارتكاب المحرقة اتخذه النازيون ولم يتأثر بأي شخص من الخارج".

ونشر نتنياهو على صفحته الخاصة في شبكة التواصل الاجتماعي في "فيسبوك" في نهاية الأسبوع الفائت بياناً باللغتين العبرية والإنكليزية، أكد فيه أنه لم يقصد بأي حال من الأحوال تبرئة هتلر من المحرقة وشدّد على أن هتلر والقيادة النازية هما المسؤولان عن قتل ملايين اليهود.

وأضاف نتنياهو أن النازيين لم يروا في المفتي سوى أنه متعاون ولم يحتاجوا إليه أبداً لاتخاذ قرار القتل الممنهج لليهود الأوروبيين الذي بدأ العام 1941، لكنه في الوقت ذاته أشار إلى أن الحسيني كان داعماً للنازية ونشط في برلين إبان الحرب العالمية الثانية وجند الكثير من المسلمين لجهاز "الإس. إس" وطلب من النازيين أن يبيدوا المستوطنات اليهودية عند وصولهم إلى الشرق الأوسط ورفض كذلك خروج اليهود الأوروبيين من الدولة النازية برغم علمه بالمصير الأسود الذي ينتظرهم في حال البقاء.

وكرّر نتنياهو أن المفتي كان "مجرم حرب تعاون مع النازيين وأنه أول من أطلق الشائعة التي تقول إن اليهود يريدون هدم المسجد الأقصى ورفض إقامة دولة يهودية"، وأشار إلى أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس امتدح المفتي في العام 2013 وأكد أن هذا المدح يشكل دليلاً على أن "السلطة الفلسطينية ما تزال تتبنى نهج المفتي تجاه إسرائيل".

وكانت تعليقات إسرائيلية كثيرة قد أكدت أن تصريحات رئيس حكومة إسرائيل أمام المؤتمر الصهيوني العالمي المنعقد في القدس مؤخرا حول الربط بين المفتي الحاج أمين الحسيني ومخطط "الحل النهائي" الذي وضعه النازيون بقيادة أدولف هتلر لإبادة يهود أوروبا، لم تكن عفوية أو لمجرد تشويه الحقائق التاريخية، وإنما الهدف منها هو الربط بالواقع الراهن ونزع إنسانية الفلسطينيين، استمرارا لسياسته الرافضة لأي تسوية معهم.

وكشف نتنياهو عن نيته هذه بقوله، قبيل مغادرته إسرائيل متوجها إلى برلين، إن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، "يمجد شخصية المفتي"، وإن الكتب المدرسية الفلسطينية تصف المفتي بأنه "أبو الأمة"، واعتبر أن"'ثمة أهمية للاعتراف بالحقائق التاريخية وعدم تجاهلها، لا بالأمس ولا اليوم".

وأكد مؤرخون إسرائيليون أن نتنياهو اختلق رواية تاريخية ونقاشا لم يجر بين المفتي وهتلر.

ورأى سياسيون ومؤرخون ووسائل إعلام في إسرائيل أن قول نتنياهو إن هتلر لم يكن يريد إبادة اليهود وإنما طردهم فقط، بمثابة تبرئة لهتلر من جريمة التخطيط المسبق لإبادة يهود أوروبا.

وطالب رئيس المعارضة، إسحق هرتسوغ، نتنياهو بالاعتذار عن أقواله والتراجع عنها، بينما أكد المؤرخون أنه لا توجد أي ذرة حقيقة تاريخية في أقوال نتنياهو.

وقالت المؤرخة الرئيسة لمؤسسة "يد فَشِيم" لتخليد ذكرى ضحايا المحرقة اليهود، البروفسور دينا بورات، إن "الأقوال التي أدلى بها نتنياهو تتنافى مع الحقائق. وهتلر لم يكن بحاجة إلى المفتي الحاج أمين الحسيني من أجل بلورة الحل النهائي وتنفيذه".

وأضافت بورات، التي أوردت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أقوالها، أن "هواجسه (هتلر) تجاه الشعب اليهودي، وهلعه العميق منه، بدآ قبل فترة طويلة من اللقاء (مع المفتي) في تشرين الثاني 1941، وعمليا رافقه ذلك منذ الحرب العالمية الأولى، وخلال سنوات تأسيس الحزب النازي. وأعلن هتلر في 30 كانون الثاني 1939، في الرايخستاغ أنه إذا جرّ الشعب اليهودي العالم ثانية إلى حرب، فإن النتيجة ستكون انقراض العرق اليهودي في أوروبا".

وتابعت أن "هتلر أملى على الشعب الألماني في وصيته قبل انتحاره، بأن يستمر في الصراع ضد اليهودية العالمية. هكذا كانت كلماته الأخيرة، وإلى هذه الدرجة كان هاجسه قويا".

وادعت بورات أنه بموجب بروتوكول لقاء هتلر والمفتي، طلب المفتي أن يشمل "الحل النهائي" فلسطين والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، "أي أن يبيد اليهود في هذه المناطق، وهتلر وعده بمواصلة صراع شامل ضد اليهود".

وأردفت "لكن المفتي لم يكن المصدر للحل النهائي. فلقد وضعه هتلر وقيادة الحزب النازي، وشكلت النظرية العرقية والأيديولوجيا النازية الأساس لتنفيذه".

وأشارت بورات إلى أنه "ربما أراد رئيس الحكومة أن يبين استمرارية عداء عرب أرض إسرائيل (فلسطين) والفلسطينيين للمشروع الصهيوني واليهود في أرض إسرائيل... لكن أقوالا كهذه (رواية نتنياهو المختلقة) من شأنها التسبب بضرر كبير وإزاحة المسؤولية عن كاهل ألمانيا".

من جانبه، قال البروفسور موشيه تسيمرمان، من معهد دراسات التاريخ الألماني في الجامعة العبرية في القدس، إن أقوال نتنياهو ليست صحيحة من ناحية تاريخية وغايتها نزع الشرعية عن العرب.

وأضاف "نحن نعرف أن الحاج أمين الحسيني كان يؤيد إبادة اليهود. وكان هناك حضور ودعاية قوية بادر إليها، باللغة العربية، ضد اليهود وحلفائهم البريطانيين. لكنه لم يكن المبادر، ولم يتعين عليه أن يقنع هتلر بإبادة اليهود. لقد صعد هو إلى عربة هتلر، وليس هتلر من صعد إلى عربته".

وأكد تسيمرمان أن "الغاية (من وراء أقوال نتنياهو) واضحة. فمن خلال بناء استمرارية ما من الحاج الحسيني وحتى العرب في المناطق (المحتلة)، فإنك تنزع شرعية العربي لمجرد كونه عربيا".

كذلك اتهمت محللة الشؤون الحزبية في "يديعوت أحرونوت"، سيما كدمون، نتنياهو "بإعادة كتابة التاريخ"، وأن هذه ليست المرة الأولى التي يفعل فيها ذلك.

وكتبت أن "القصة هذه المرة مختلفة. فالربط بين الفلسطينيين والمحرقة هو أمر ينطوي على إشكالية منذ بدايته، والأنكى من ذلك وجود خطأ في الحقائق. لا يجوز حدوث أمر كهذا، لا في التوقيت الحالي ولا في أي وقت آخر".

ورأت كدمون أن أقوال نتنياهو الكاذبة "تعيدنا إلى السنوات التسع لولايته في رئاسة الحكومة، وإلى السؤال الذي لا يمكن التهرب منه وهو كم من الأقوال التي أدلى بها خلال هذه السنوات كانت صادقة؟". وأشارت إلى أنه "ليس دائما يكون هناك من يعرف الحقائق، ويطلع على البروتوكولات، وموجود من أجل التصحيح والتدقيق والتوضيح" مثلما فعل المؤرخون المتخصصون في شؤون المحرقة الآن.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات