المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

اعتبر محللون أمنيون إسرائيليون كثيرون أن التصعيد الأمني الحالي في القدس يأتي على خلفية سياسة إدارة الصراع، لكنهم في الوقت ذاته أكدوا أن الجانبين، إسرائيل والسلطة الفلسطينية، مسؤولان عن الوضع الحاصل.

ووفقا للمحلل الأمني في صحيفة "معاريف"، يوسي ميلمان، فإن الأحداث الأخيرة في القدس "هي نتيجة لغياب رؤيا بالنسبة إلى المستقبل وبسبب سياسة حكومة إسرائيل. وهي التعبير الأبرز عن سياسة نتنياهو ووزير الدفاع موشيه يعلون، اللذين لا يؤمنان بتقدم عملية السلام ويرسخان توجه ’صيانة الصراع’ الإسرائيلي – الفلسطيني وإدارته".

وأردف أن "كلا الجانبين منشغلان بالصيانة، وكل واحد على طريقته. فالفلسطينيون معنيون بتصعيد التوتر ولذلك هم يلقون الحجارة، يخرقون النظام العام ويتواجهون مع قوات الأمن. ولا يوجد تفكير أو عمل موحد في الجانب الفلسطيني. ورؤساء الوقف الإسلامي، المقربون من السلطة الفلسطينية والمملكة الأردنية والذين يديرون المساجد في جبل الهيكل، ليسوا معنيين بالمواجهات لكن تأثيرهم على الشبان الذين في واجهة هذه المواجهة ضئيل للغاية".

واعتبر ميلمان أن "السلطة الفلسطينية بقيادة أبو مازن (الرئيس محمود عباس) تتطلع إلى أن تكون المواجهات دائرة على ’نار هادئة’، وأن يدوّي صداها في وسائل الإعلام العالمية وفي الدول العربية، مرسلة تذكيرا بأن القضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، المبعدين عن الأجندة والعناوين في العالم، لا يزالان موجودين. لكن حماس تريد أكثر من ذلك. إنها تسعى إلى تغذية الغرائز وتسخين الأجواء وإشعال الأرض وتدهور الوضع إلى انتفاضة جديدة".

وأضاف ميلمان أن "حكومة إسرائيل، بواسطة الشرطة، تحاول تفريق المتظاهرين بالغاز المسيل للدموع والاقتحام والاعتقالات، وهكذا دواليك. لكن الحكومة تواجه مشكلة، فهي تشعر بأن من واجبها الرد على المشاغبين والمتظاهرين من أجل الحفاظ على الشعور بالردع والمصالحة مع اليمين والرأي العام، كي لا تُصور بأنها لينة وخنوعة".

وتابع ميلمان أنه في أعقاب التنديد الدولي والعربي، فإن "التخوف الأكبر في إسرائيل هو من ردود الفعل في العالم العربي المنقسم والذي يشهد حروبا أهلية دموية. والمواجهات في جبل الهيكل، أحد الأماكن المقدسة في الإسلام، قد تثير ردود فعل متتالية".

وأردف أن "ما يثير قلق إسرائيل خصوصا هو تأثير الأحداث في القدس عموما وفي جبل الهيكل خصوصا على الأردن، الحليف الإستراتيجي".

من جانبه، اعتبر المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، أن "(الملك الأردني) عبد الله قلق على الرغم من حقيقة أن نتنياهو تعهد أمامه بعدم المساس بالوضع القائم بعد التوتر قبل عام. ورغم ذلك، استمر التعاون الوثيق بين القدس وعمان حول المصالح طوال الوقت على خلفية الواقع الإقليمي. ولذلك فإن ثمة شكاً في هذه المرحلة في ما إذا كان حتى التوتر في القدس سيقوّض العلاقات بين الدولتين".

وأشار هرئيل إلى أن "إلقاء الحجارة يحظى الآن بانتباه إعلامي (إسرائيلي) بسبب مقتل ألكسندر ليفلوفيتش. لكن في الواقع، تجري في القدس الشرقية وأحياء خط التماس بصورة دورية انتفاضة محلية منذ صيف العام 2014، في أعقاب خطف وقتل الشبان الإسرائيليين الثلاثة وقتل الفتى الفلسطيني (محمد أبو خضير) في حي شعفاط".

واعتبر أن "الخطوات التي نفذتها الحكومة والبلدية والشرطة أدت حتى اليوم إلى تخفيف مؤقت للتوتر وحسب، وليس إلى تهدئة حقيقية".

ورأى هرئيل أن ما يقف في خلفية تدهور الأوضاع في الحرم القدسي، قرار يعلون الإعلان عن "مجالس العلم" و"مصاطب العلم" في المسجد الأقصى "تنظيمين محظورين". وأضاف أن الأجواء في الحرم القدسي تسخن دائما خلال "أعياد تشري"، وهو الشهر العبري الحالي الذي يحل فيه عيد رأس السنة العبرية ويوم الغفران وعيد العرش أو المظلة، وذلك "على ضوء وجود معارضة إسلامية لزيارات المصلين اليهود".

وتابع هرئيل أنه يوجد الآن سبب آخر لتدهور الوضع يتمثل بأنه "طوال شهور معدودة علقت قيادة حماس في غزة آمالا على جهود وسطاء دوليين لحياكة اتفاق واسع لهدنة طويلة الأمد مع إسرائيل. واهتم نتنياهو ويعلون مؤخرا بالتوضيح أنهما غير معنيين بأكثر من تحقيق وقف محدود لإطلاق النار، ترافقه تسهيلات في معبر كرم أبو سالم، ولكن ليس خطوات أوسع أملوا بها في غزة مثل المصادقة على إنشاء ميناء. ويبدو أنه منذ أن أدركوا في حماس أن المفاوضات مع إسرائيل لن تثمر عن أمور كثيرة، عادت الحركة إلى تشجيع نشطاء إسلاميين مرتبطين بها على القيام بأعمال عنف في القدس والضفة".

ووفقا للمراسل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوسي يهوشواع، فإنه "في القدس بدأوا يفقدون السيطرة الأمنية. ولم يعد بالإمكان اتهام ’الفرد الذي ينفذ اعتداء’ دوريا. فهذه ليست أحداثا موضعية، وإنما هي نمط متكرّر منذ فترة طويلة".

وأشار يهوشواع إلى اقتحامات المستوطنين المتكررة للحرم القدسي، وكتب أن "ما لم يحققه قتل الطفل (علي دوابشة) في سريره، تحققه الصلوات المشتركة في جبل الهيكل. إنها تشعل المنطقة الأكثر قابلية للاشتعال في العالم".

وأضاف أنه برغم الأحداث في القدس "وبرغم محاولات قيادة السلطة الفلسطينية تسخين الأجواء، وبرغم التحريض في شبكات التواصل الاجتماعي، فإن الجمهور في المناطق (المحتلة) لم يخرج إلى الشوارع أو إلى مراكز الاحتكاك المعروفة حتى الآن. لكن ربما الأسوأ لا يزال أمامنا، عندما يصعد آلاف المصلين اليهود إلى القدس في عيد العرش. إن التحدي عندها سيكون أكبر بكثير".

ورأت صحيفة "هآرتس" في مقال افتتاحي خاص، أن نتنياهو وإردان وشركاءهما يحاولون التغطية على عجزهم بديماغوغية صاخبة. فثمة أسباب كثيرة للاحتجاج الشعبي الفلسطيني من بينها إصرار حكومة نتنياهو على إغلاق أي أفق سياسي. لا يمكن لإسرائيل القبول بالعنف ضد مواطنيها وجنودها، لكن ليست الحجارة هي التي تقتل بل من يستخدمها للرجم والرشق والاعتداء على المارة. وحتى لو استيقظت القدس غداً واكتشفت بين ليلة وضحاها أن جميع الحجارة اختفت من طرقاتها، وأنه على حواجز الطرق التي وضعت على مداخلها سيحرص مئات الحراس على التأكد من عدم إدخال قطعة حجارة واحدة ولا حتى حصى صغيرة إلى العاصمة، فإن العنف لن يختفي بل فقط سيتحول نحو وسائل أخرى.

وأضافت الصحيفة: ليس في استطاعة المستشار القانوني والمحاكم إرضاء نتنياهو. ومن المسموح العمل ضد الذين يعرضون حياة الناس للخطر الآن، لكن أي فعل متأخر، أو عقاب غير متوازن يبقى ممنوعاً. لكن ليس هذا ما يهم نتنياهو، بل الكلام الفارغ وتحويل الانتباه.

المصطلحات المستخدمة:

موشيه يعلون, هآرتس, يديعوت أحرونوت

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات