المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
صورة تعبيرية. (وكالات)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 12
  • وليد حباس

يقدم هذا التقرير قراءة في الإحصائيات الإسرائيلية التي رصدت الهجرة الفلسطينية السلبية، أي الخروج من الأرض المحتلة بشكل دائم بدون نية العودة، وذلك للعقد الذي سبق اندلاع الحرب. عند مقارنة البيانات الإسرائيلية مع البيانات الفلسطينية أو الدولية، تظهر فجوة واضحة تعكس مدلولات سياسية تتعلق بالرعب الديموغرافي الذي تعاني منه إسرائيل. في هذا التقرير نلخص أهم ما ورد في وثيقة الكنيست المكتوبة في آب 2024، وتم نشرها مؤخراً ضمن ملف كامل تحت عنوان "عامان على الحرب". تتناول الوثيقة الهجرة الفلسطينية السلبية ما بين الأعوام 2013-2023. ولأن الإحصائيات الإسرائيلية المتعلقة بالفلسطينيين عادة ما تكون "مشوهة/ ناقصة عن قصد" وغير دقيقة، فإن التقرير أدناه يقدم أيضا مقارنة مع الإحصائيات الفلسطينية.

ما هي المصادر التي ترصد الديموغرافيا الفلسطينية في الأرض المحتلة؟

  1. الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني: قدر عدد السكان الإجمالي في الأراضي الفلسطينية في 2023 بنحو 5.5 مليون نسمة، موزعين بين حوالي 3.3 مليون في الضفة الغربية ونحو 2.2 مليون في قطاع غزة. وتشمل هذه التقديرات أيضاً سكان القدس الشرقية الذين يُقدَّر عددهم بحوالي 9% من المجموع الكلي، أي ما يعادل تقريباً 350 إلى 400 ألف شخص. ويشير الجهاز إلى أن هذا الإحصاء لا يقتصر على المقيمين الدائمين داخل الأراضي الفلسطينية فقط، بل يضم أيضاً كل الفلسطينيين المسجلين في السجل المدني الفلسطيني، بمن في ذلك أولئك الذين يعيشون مؤقتاً خارج الضفة وغزة لأسباب عمل أو دراسة أو إقامة، مما يجعل قاعدة بياناته شاملة للطيف السكاني الفلسطيني الرسمي أينما وُجد.
  1. الأمم المتحدة من خلال قسم الشؤون الاقتصادية والاجتماعية (UN DESA)، والتي تقدر في تقريرها السنوي (World Population Prospects – State of Palestine) للعام 2023 أن إجمالي عدد السكان الفلسطينيين يبلغ نحو 5.5 مليون نسمة، وهو رقم يتطابق تقريباً مع تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني. لا تُجري الأمم المتحدة تفريقاً تفصيلياً بين سكان الضفة الغربية وقطاع غزة، بل تعتمد تقديراً موحّداً تحت مسمّى "دولة فلسطين". وتعتمد المنظمة في منهجها الإحصائي على البيانات الفلسطينية الرسمية بوصفها المصدر الأساس، مع إجراء بعض التعديلات البسيطة التي تراعي معايير الأمم المتحدة المقارنة بين الدول، مثل مراجعة معدلات النمو الطبيعي والخصوبة والهجرة الصافية ضمن الإطار العالمي لتقديرات السكان.
  1. الإحصاء الأميركي: يقدّر الإحصاء الأميركي (S. Census Bureau – USCB)، بالاستناد إلى قاعدة بياناته الدولية (International Database- IDB) وإلى (The World Factbook) الصادر عن وكالة المخابرات المركزية الأميركية (CIA)، أن إجمالي عدد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة معاً بلغ نحو 5.1 مليون نسمة حتى العام 2021. لا يميز هذا الإحصاء بين المنطقتين بشكل منفصل، إذ تُقدَّم المعطيات ضمن وحدة إقليمية واحدة تحت مسمى "الضفة الغربية وقطاع غزة". ويُظهر هذا التقدير فارقاً يبلغ نحو 400 ألف نسمة أقل من بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، ويُعزى هذا الاختلاف أساساً إلى أن الإحصاء الأميركي يستثني اللاجئين الفلسطينيين المقيمين خارج الأراضي المحتلة وكذلك الأفراد المسجلين رسمياً في السجلات الفلسطينية لكنهم يعيشون خارجها بشكل دائم أو مؤقت.
  1. تقدّر الجهات الإسرائيلية، ولا سيما وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق (COGAT) وبعض مراكز الأبحاث مثل مركز بيغن– السادات للدراسات الاستراتيجية (BESA Center for Strategic Studies)، عدد السكان الفلسطينيين الفعليين في الضفة الغربية وقطاع غزة بما يتراوح بين 4.2 و4.5 مليون نسمة فقط. بالاستناد إلى تقرير "الفجوة المليونية" الصادر عن مركز بيغن– السادات عام 2006، والذي أضيف على تحديثات The Ettinger Report ما بين 2022-2024، يبلغ عدد سكان الضفة الغربية نحو 2.6 إلى 2.8 مليون نسمة، فيما يُقدّر عدد سكان قطاع غزة بنحو 1.6 إلى 1.8 مليون نسمة. وبهذا تكون الأرقام الإسرائيلية أقل من تقديرات الإحصاء الفلسطيني بما يتراوح بين 1.0 و1.3 مليون نسمة.

لماذا توجد فجوة إحصائية بين هذه المصادر؟

تعود الفجوة بين الإحصاءات السكانية الفلسطينية والإسرائيلية إلى اختلاف جوهري في منهجية الإحصاء، والنطاق الجغرافي، والدوافع السياسية. يعتمد الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني على التعداد المدني الشامل الذي يشمل جميع الفلسطينيين المسجلين في سجلات الهوية، بمن في ذلك المقيمون في الخارج وسكان القدس الشرقية، استناداً إلى قاعدة بيانات محدثة للمواليد والوفيات. في المقابل، تعتمد الجهات الإسرائيلية على بيانات المعابر والسجلات الإدارية، وتحصر العدّ في المقيمين فعلياً داخل الضفة الغربية وقطاع غزة، مستبعدة اللاجئين والقدس الشرقية. كما تختلف التقديرات المتعلقة بالخصوبة والهجرة والوفيات، إذ يرى الفلسطينيون أن معدلات المواليد مرتفعة، بينما تزعم المراكز الإسرائيلية أن الأرقام مبالغ فيها. إضافة إلى ذلك، ما زالت إسرائيل تتحكم في تحديث السجل السكاني الفلسطيني منذ 1967، ما يؤدي إلى فجوات تراكمية في البيانات. هذه العوامل مجتمعة تخلق "فجوة منهجية– سياسية" تصل إلى نحو مليون شخص بين الإحصاءين، وتُستخدم في الخطاب السياسي لتبرير سرديات متعارضة حول الديموغرافيا والسيادة.

حول تقرير الكنيست المتعلق بالهجرة الفلسطينية السلبية بين 2013-2023؟

يشير تقرير الكنيست إلى أن اللجنة المختصة حاولت جمع معطيات دقيقة حول حجم الهجرة الفلسطينية عبر مراسلة أربع جهات إسرائيلية: منسق أعمال الحكومة في المناطق المحتلة، وزارة الخارجية، هيئة السكان والهجرة، ومجلس الأمن القومي. غير أن هذه المبادرة كشفت – أكثر مما أوضحت – هشاشة المنظومة الإحصائية الإسرائيلية المتعلقة بالفلسطينيين. فالمعطى الوحيد الموثق يعود إلى جلسة العام 2016، حين أشار المنسق إلى خروج نحو 175 ألف فلسطيني خلال خمسة عشر عاماً، من دون أي متابعة أو نشر لاحق للبيانات المطلوبة. أمام هذا الغياب البنيوي للمعلومات، لجأ التقرير إلى مصادر دولية مثل الأمم المتحدة والإحصاء الأميركي، لكنه أقرّ بأن هذه التقديرات تقريبية وتعتمد على إسقاطات لا على رصد ميداني. ويكشف التقرير، وإن عن غير قصد، غياب أي نظام إسرائيلي متكامل لتتبع الهجرة الفلسطينية، وهو غياب يعكس طابعاً سياسياً أكثر منه تقنياً في إدارة المعرفة السكانية داخل الأراضي المحتلة.

التقديرات الكمية لحجم الهجرة الفلسطينية (2013–2023)

أولا: بيانات مكتب الإحصاء الأميركي

تم اعتماد تقديرات الهجرة الفلسطينية استناداً إلى بيانات ديموغرافية وسجلات سكانية في بلدان المقصد، وقد أظهرت هذه التقديرات فروقاً واضحة بين الضفة الغربية وقطاع غزة من حيث حجم واتجاه الهجرة خلال العقد الأخير. في الضفة الغربية، بلغ متوسط صافي الهجرة السلبية (الخروج من دون عودة) نحو 12,271 فلسطينياً سنوياً. أي أن ما يقارب 12 ألف فلسطيني يغادرون الضفة سنوياً أكثر من الداخلين إليها. والمعدل النسبي للهجرة بلغ 4 مهاجرين لكل 1000 نسمة سنوياً، وهو ما يعكس استقراراً نسبياً في وتيرة المغادرة مقارنة بقطاع غزة.

أما في قطاع غزة فيظهر ما يلي:

  • بين 2013–2017، بلغ عدد المغادرين نحو 2000 فلسطيني سنوياً، أي بمعدل 1 مهاجر لكل 1000 نسمة.
  • بين 2018–2019، شهدت هذه الفترة ارتفاعاً حاداً في أعداد المهاجرين ليصل إلى نحو 18,000 فلسطيني سنوياً (9 لكل 1000 نسمة)، نتيجة التصعيدات العسكرية ومواجهات مسيرات العودة.
  • بين 2019–2023، استقر المعدل عند نحو 8000 مغادر سنوياً (4 لكل 1000 نسمة) مع استمرار التدهور الاقتصادي والقيود المفروضة على الحركة.

تُظهر هذه الأرقام أن الضفة الغربية تشهد هجرة مستقرة ومنخفضة نسبياً، في حين أن غزة تمرّ بموجات هجرة متصاعدة ترتبط مباشرة بالأزمات الأمنية والمعيشية.

ثانيا: بيانات الأمم المتحدة

استناداً إلى بيانات الأمم المتحدة – قسم الشؤون الاقتصادية والاجتماعية (UN DESA)، تم تحليل الاتجاه العام لصافي الهجرة السلبية للفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة مجتمعين خلال الفترة 2013–2021، كما يلي:

  • 2013–2014: مغادرة نحو 27,000 فلسطيني سنوياً، بمعدل 6 لكل 1000 نسمة.
  • 2015–2016: انخفاض طفيف إلى نحو 23,000 سنوياً، بمعدل 5 لكل 1000 نسمة.
  • 2017–2019: استقرار نسبي عند 25,000 مغادر سنوياً، بمعدل يتراوح بين 5 و5.4 لكل 1000 نسمة.
  • 2020–2021: تراجع حاد في معدلات الهجرة إلى نحو 12,000 فلسطيني سنوياً فقط، أي 2.5 لكل 1000 نسمة، وهو ما يُعزى إلى تأثير جائحة كورونا وتراجع إمكانيات السفر.

ثالثاً: تقديرات منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق (COGAT)

في جلسة لجنة الخارجية والأمن في الكنيست بتاريخ 7 حزيران 2016، عرض ممثلو المنسق معطيات حول ميزان هجرة سلبي للفلسطينيين. وأشارت البيانات إلى أن ما بين عامي 2001 و2016 خرج من الضفة الغربية نحو 175,000 فلسطيني عبر معبر أللنبي إلى الخارج من دون عودة. لم تُنشر تقديرات سنوية دقيقة، لكنّ المعطيات تشير إلى معدل يقارب 11,000 فلسطيني يغادرون سنوياً دون تسجيل عودة.

رابعاً: هيئة السكان والهجرة الإسرائيلية (وزارة الداخلية الإسرائيلية)

وفق ما ورد في تقرير الكنيست من العام 2024، كانت لدى الهيئة بيانات جزئية عن حركة الخروج من الضفة بين عامي 1997 و2015، لكنها لم تُنشر بالكامل. بحسب ما ذُكر في النقاشات الرسمية، فإن الهيئة أقرت بوجود فرق دائم بين المسجلين والعائدين، ما يعني صافي هجرة سلبي متواصل، لكنها امتنعت عن تحديد أرقام نهائية. في المقابل، أشارت تقديرات باحثين مقربين من الهيئة إلى أن معدل الهجرة السلبية الواقعية يتراوح بين 15,000 و20,000 فلسطيني سنوياً خلال العقد الأخير.

خامساً: مركز بيغن– السادات للدراسات الاستراتيجية (BESA)

في دراسة "الفجوة المليونية" المنشورة في العام 2006، قَدّر فريق المركز أن الإحصاء الفلسطيني يبالغ في عدد السكان بنحو 1.34 مليون نسمة، وأن جزءاً كبيراً من هذا الفرق ناتج عن الهجرة الخارجية غير الموثقة. وتحولت هذه الدراسة إلى مرجعية، وقاعدة انطلاق لرصد التحولات الديموغرافية في السنوات التالية. واستناداً اليها، يقدر مركز بيغن- السادات أن ما لا يقل عن 20,000 فلسطيني يغادرون سنوياً من دون عودة فعلية، وأن هذا المعدل مستمر تقريباً حتى العقد الأخير (حتى العام 2022).

سادساً: تقرير يورام أَتِنغر (The Ettinger Report)

اعتمد التقرير على مراجعة بيانات الهيئة الإسرائيلية للسكان والهجرة ومقارنة الأرقام مع سجلات الفلسطينيين. توصل إلى أن صافي الهجرة السلبية للفلسطينيين من الضفة الغربية بين 2015 و2022 بلغ 20,277 شخصاً سنوياً في المتوسط. يشير التقرير إلى أن هذا المعدل مرتفع كثيراً مقارنة بالتقديرات الفلسطينية (التي تدور حول 8,000 فقط سنوياً)، ما يعني أن الفلسطينيين يقللون من تقدير حجم "النزيف الديموغرافي". وفق حسابات أَتِنغر، يبلغ إجمالي عدد الفلسطينيين الذين غادروا منذ العام 1997 حتى 2022 نحو أكثر من 400,000 شخص بدون عودة.

المصطلحات المستخدمة:

لجنة الخارجية والأمن, الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات