المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
بدأت مسيرة التشريع لقانون "طرد أقارب منفذي العمليات الفلسطينيين" من مبادرة قدّمها حزب "الليكود" العام 2021. (صحف)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 113
  • ياسر مناع

في 28 أيار 2025، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، عن البدء بتنفيذ قانون يقضي بسحب الجنسية الإسرائيلية من مواطنين فلسطينيين، وترحيلهم إلى الخارج؛ بدعوى "دعمهم للإرهاب". جاء هذا الإعلان في أعقاب جلسة مغلقة عقدتها لجنة الكنيست بحضور كاتس ووزير الداخلية موشيه أربيل، حيث تقرر العمل بالقانون بحق كل من أدين بتلقيه دعماً مالياً من السلطة الفلسطينية، كتعويض عن اعتقاله أو نشاطه المناهض للاحتلال.

تهدف هذه المساهمة إلى تتبّع مسار هذا القانون منذ لحظة طرحه في الكنيست وحتى الشروع الفعلي في تنفيذه، مع التوقف عند أبرز الانتقادات التي أُثيرت حوله من قبل مؤسسات حقوقية ومراكز بحثية، مضافاً إلى ذلك موقف جهاز الأمن العام (الشاباك) من القانون.

من التشريع إلى التنفيذ

بدأت مسيرة التشريع لقانون "طرد أقارب منفذي العمليات الفلسطينيين" من مبادرة قدّمها حزب "الليكود" العام 2021، إذ اقترح فيها منح وزير الداخلية الإسرائيلي صلاحية إصدار أوامر طرد ضد أفراد من عائلات فلسطينية، في حال عبّر أحدهم عن تأييد أو تضامن مع عملية مقاومة نفّذها قريب له من الدرجة الأولى. وقد تطوّر هذا المقترح تدريجياً وصولاً إلى إقراره في الكنيست الإسرائيلي بتاريخ 7 تشرين الثاني 2024، حيث نال القانون تأييد 61 عضواً في مقابل 41 معارضاً.[1]

ينص متن القانون على منح وزير الداخلية صلاحية واسعة لإصدار أوامر طرد بحق أقارب المنفذين من داخل إسرائيل، نحو قطاع غزة أو إلى مناطق أخرى. ويشمل ذلك الأقارب من الدرجة الأولى، وهم الوالدان، الأشقاء، الأبناء، أو الأزواج، إذا ما ثبت أنهم كانوا على علم مسبق بنية قريبهم تنفيذ عملية فدائية، أو إذا عبّروا عن دعم أو تمجيد أو تضامن مع المنفذ، أو التنظيم المسؤول عنها، وفقاً لتعريفات الواردة في قانون مكافحة الإرهاب لسنة 2016.[2]

يشترط القانون عقد جلسة استماع قانونية خلال عشرة أيام من تسليم الإخطار، يُمنح فيها الشخص المعني فرصة الدفاع عن نفسه قانونياً، على أن يُصدر الوزير قراره في غضون أسبوعين من الجلسة. كما يمنح القانون الشرطة الإسرائيلية صلاحية استخدام القوة لتنفيذ أوامر الطرد، بما يشمل اقتحام المنازل وإخراج الأشخاص منها.

وتُحدّد مدة الطرد وفقاً للوضع القانوني للشخص بين 7 و15 عاماً، وبين 10 و20 عاماً لحاملي الإقامة المؤقتة أو الدائمة. ويقوم هذا التشريع على مبدأ "النية المفترضة"، وهي تثير إشكالات قانونية كبيرة، لكونها تُحمّل أفراداً مسؤولية جنائية أو إدارية استناداً إلى روابطهم العائلية وليس إلى أفعالهم الفردية.

بدأت الحكومة الإسرائيلية بتفعيل القانون بحسب ما أُعلن عقب جلسة خاصة في الكنيست بتاريخ  28 أيار 2025، فقد بدأت الإجراءات فعلياً بحق أربعة أشخاص، فيما تم نقل مئات الملفات إلى وزارة الداخلية لتنفيذ القانون بعد عامين من تجميده. وصرّح وزير الدفاع يسرائيل كاتس بأن الدولة تتبنّى الآن سياسة "صارمة وواضحة" ضد كل من يختار "دعم الإرهاب" – على حد وصفه- ، مؤكّداً أن الجنسية لن تُمنح لمن "يُكافأ على القتل والكراهية"، ومعلناً أن ملاحقة هؤلاء ستستمر داخل إسرائيل وخارجها.[3]

من أبرز المتفاعلين مع القانون كان وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير  الذي رحب به، معتبراً أن تطبيق القانون هو انتصار لخط حزبه "عوتسما يهوديت"، ومطالباً في الوقت نفسه بالمضي قدماً نحو تشريع قانون الإعدام لمنفّذي العمليات.

في السياق ذاته، واصل بن غفير الدفع باتجاه توسيع استخدام القانون مباشرة، حيث وجّه رسالة رسمية بتاريخ 28 أيار 2025 إلى وزير الداخلية موشيه أربيل طالب فيها بطرد السيدة سناء سلامة دقة، أرملة الأسير الفلسطيني الشهيد وليد دقة، متّهماً إياها بنشر محتوى "تحريضي" عبر منصات التواصل الاجتماعي، تمجيداً لزوجها وعدد من القادة الفلسطينيين، بينهم يحيى السنوار وزكريا الزبيدي. حيث تم إعتقالها على يد الشرطة الإسرائيلية بعد أن وافقت النيابة العامة الإسرائيلية على فتح تحقيق جنائي ضدها بشبهة التحريض ودعم تنظيم "إرهابي"، مؤكداً أن الحالة تمثل، بحسب تعبيره، نموذجاً يستدعي "تحركاً فورياً"، وأكد بن غفير على ضرورة تفعيل القانون على الفور، ومنح الشرطة الدعم لتنفيذ قرار الطرد المحتمل.[4]

موقف الشاباك: دعم مشروط وتحذير من التوسّع

في سياق مناقشة مشروع القانون عبّر جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) عن موقف داعم لكنّه مشروط للتشريع، وذلك خلال جلسة مغلقة عقدتها لجنة الكنيست في إطار التحضير للقراءتين الثانية والثالثة. فقد وصف ممثلو الشاباك القانون بأنه "أداة ردع فعّالة"، مشيرين إلى أن تهديد العائلات بالطرد قد يُسهم في منع تنفيذ عمليات مستقبلية، من خلال تحفيز أقارب المنفّذين على تقديم معلومات استباقية للأجهزة الأمنية. [5]

مضافاً إلى ذلك أكّد ممثلو الجهاز أن دراسات سابقة أعدّها كلّ من مجلس الأمن القومي والجيش الإسرائيلي بيّنت أن "الخوف الأساس لدى منفذي العمليات يكمن في مصير عائلاتهم بعد التنفيذ"، وهو ما يُفسّر ، من وجهة نظرهم، الحاجة إلى تطوير أدوات عقابية جديدة تتجاوز الوسائل التقليدية، مثل هدم المنازل.

مع ذلك، أبدى الشاباك تحفظات جوهرية تتعلق بنطاق التطبيق، موصياً بقصر الطرد على الوالدين فقط، باعتبارهما "العنصر التربوي" الأكثر مسؤولية عن سلوك المنفّذ، في حين اعتبر أن طرد الزوجة أو الأبناء قد يتجاوز مبدأ التناسب ويُسهم في تأجيج التوتر الميداني. كما اقترح أحد ممثلي الجهاز حصر تنفيذ أوامر الطرد بالعائلات التي تحمل جنسية مزدوجة، محذراً من أن توسيع دائرة الطرد ليشمل مواطنين إسرائيليين بشكل أحادي قد يفاقم الأوضاع الأمنية والسياسية.

وبالرغم من أن القانون لا ينص صراحة على سحب الجنسية، فقد أعلن ممثلو الشاباك دعمهم لتوسيع الصلاحيات لتشمل نزع الجنسية الإسرائيلية عن الأفراد الذين ثبت أنهم قدّموا دعماً مادياً أو معنوياً للمنفّذ، أو كانوا على علم مسبق بنواياه. وأشاروا في هذا السياق إلى ارتفاع ملحوظ في العام 2024 في عدد محاولات تنفيذ عمليات من قبل فلسطينيين من حملة الجنسية الإسرائيلية أو تصاريح الإقامة.

اعتراضات قانونية وحقوقية على مشروع طرد العائلات

واجه مشروع قانون طرد عائلات منفّذي العمليات الفلسطينيين جملة من الاعتراضات الحقوقية والقانونية، كان أبرزها من قبل مركز "عدالة" الحقوقي[6]، والمعهد الإسرائيلي للديمقراطية[7]، ومن أبرز هذه الانتقادات:

أولاً: مساس غير مسبوق بحقوق المواطنة

يمثّل مشروع القانون خرقاً جوهرياً لمبدأ المواطنة في القانون الإسرائيلي، من خلال اقتراح طرد مواطنين إسرائيليين على أساس روابطهم العائلية، لا على أفعالهم الشخصية. فحق الدخول إلى الدولة والإقامة فيها يُعد من الحقوق الدستورية الأساسية المتفرعة عن صفة المواطنة، وهو ما رسخه قانون الأساس: كرامة الإنسان وحريته.

ومع أن القانون لا ينص صراحة على الحق في المواطنة، فقد اعتبرته المحكمة العليا حقاً دستورياً مستقلاً لا يمكن المساس به من دون مبرر بالغ الخطورة، ما يجعل منح وزير الداخلية صلاحية الطرد الإداري من دون محاكمة عادلة أو رقابة قضائية، إجراءً استثنائياً وخطيراً يمسّ جوهر الحقوق الأساسية.

ثانياً: الطرد كعقوبة جماعية تُخالف مبدأ الشرعية

ينتهك القانون مبدأ أساسياً في النظام القانوني، وهو أن العقوبة لا تُفرض إلا على من ارتكب جرماً مثبتاً قانوناً. إذ يسمح المشروع بطرد أفراد عائلة لمجرد الاشتباه بأنهم عبّروا عن دعم أو تعاطف مع منفّذ عملية، من دون أن يُدينهم القضاء أو يثبت ضدهم فعلاً جنائياً مباشراً.

ثالثاً: غياب الإجراءات القانونية العادلة

يفتقر القانون المقترح إلى الحد الأدنى من ضمانات المحاكمة العادلة، حيث يمنح وزير الداخلية صلاحية إصدار قرارات الطرد من دون تدقيق قضائي أو مسار جنائي منضبط، بل يكتفي بجلسة استماع شكلية. هذا يتعارض مع المعايير الدستورية التي أكدت عليها المحكمة العليا الإسرائيلية مراراً، والتي تشترط تفضيل الإجراءات القضائية على الإدارية عند المساس بالحقوق الأساسية.

رابعاً: غياب أي مبرر أمني فعلي أو أساس ردعي

أحد أبرز أوجه الاعتراض يكمن في أن مشروع القانون لا يستند إلى أي تقييم أمني مهني يُثبت أن الطرد يحقق ردعاً فعلياً للإرهاب. بل على العكس، فإن سياسة العقاب الجماعي قد تسهم في تصعيد مشاعر الظلم وفي تعزيز "التطرّف". كما أن اعتماد أدوات إدارية جذرية بدلاً من محاكمات عادلة يقوّض ثقة الجمهور الإسرائيلي بمنظومة القانون، ويُضعف الأسس الديمقراطية في إسرائيل من وجهة نظر المنتقدين.

 

[1] للمزيد أنظر/ي. مركز مدار. مشروع قانون لطرد عائلات المقاومين الفلسطينيين من وطنهم،23 آب 2021. https://linksshortcut.com/NOroM

[2] نوعا شبيغل، "الكنيست يُقرّ نهائياً: طرد أقارب منفذي العمليات الفلسطينيين من البلاد لمدة تصل إلى 20 عاماً"، هآرتس، 7 تشرين الثاني 2024، https://linksshortcut.com/BOpaP

[3] كوبي أتينغر، "تغيير سياسي جذري | هذا هو العقاب الذي ستبدأ إسرائيل بتطبيقه على الإرهابيين"، كيكار هشبات، 28 أيار 2025، https://www.kikar.co.il/israel-news/swyrq8

[4]القناة السابعة، "الوزير بن غفير لوزير الداخلية: أطرد زوجة الأسير وليد دقة"، 28 أيار 2025، https://www.inn.co.il/news/670160

[5] يكي أدمكر. "الشاباك في نقاش سري في الكنيست: طرد عائلات منفذي العمليات – أداة ردع فعّالة". موقع وللا، 29 تشرين الأول 2024. https://news.walla.co.il/item/3700686

 [6] التماس مركز "عدالة" القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل إلى المستشارة القانونية للحكومة الإسرائيلية بتاريخ 3 تشرين الثاني  2024 .https://www.adalah.org/uploads/uploads/Deportation_Families_Letter.pdf

[7] إيرن شمير- بورير ودفني بنبنيشتي، "قانون طرد عائلات الإرهابيين – عقوبة تعسفية وخطيرة على إسرائيل"، المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، 12 شباط 2023. https://www.idi.org.il/knesset-committees/47818

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات